قبل حفلة عيد ميلاد إيليا، وصل إلى ديفرين رسالة سرية مختومة بشعار القصر الإمبراطوري.
قرأ ديفرين الرسالة لكنه بقي صامتًا لفترة طويلة. ثم، بعد وقت طويل، فتح فمه وقال
“إيفلين، أمر الإمبراطور أن أذهب إلى القصر الإمبراطوري.”
“لماذا طلب منك الإمبراطور أن تذهب؟”
“قال إنه يريد مناقشة إرسال بعثة إلى إمبراطورية سترانلا.”
“لماذا معك أنتَ بالضبط؟”
“إنه يريد أن أكون جزءًا من البعثة.”
قطبت إيفلين حاجبيها وقالت
“لكن… أنت لم تعد شخصًا من العائلة الإمبراطورية. هل يعتقدون أنهم سيرسلونك للبعثة بهدف إضعاف عائلة الدوق؟”
هز ديفرين رأسه.
“هذا ليس هو السبب. إرسال البعثة هو أمر يمكنني رفضه. ربما لأنهم يعانون من القراصنة بعد أن انتهت معركة التجارة مع إمبراطورية سترانلا، و هم في حاجة إلى مساعدتي.”
“إذاً، الإمبراطور يعتقد أن إمبراطورية سترانلا تتعاون مع القراصنة وتخطط لمؤامرة، ويريد إرسال بعثة موثوقة.”
“نعم، إنها قضية هامة.”
“لكن رغم ذلك، كيف يمكنك أن تتلقى هذا العرض؟”
“سيقدمون لي شيئًا يمكنني أن أقبله.”
كانت إيفلين قلقة.
“إذا ذهبت كجزء من البعثة إلى إمبراطورية سترانلا، فلن تعود في وقت قريب.”
“ربما يستغرق الأمر عامًا على الأقل.”
وبذلك، سيتعين على إيفلين أن تبتعد عن ديفرين لمدة عام. هذا جعلها تشعر بالحزن لمجرد التفكير في ذلك، فعبس وجهها.
“لا داعي لأن تظهري هذا الحزن. في النهاية، سأرفض العرض. فقط سأذهب بغرض اظهار الاحترام.”
“إذا كان هذا هو الأمر فلا بأس.”
على الرغم من ذلك، لم تستطع إيفلين التخلص من الشعور بعدم الارتياح لأنهم قد يقدمون شيئًا لا يمكنه رفضه، فهي تعرف جيدًا من هو ديفرين.
لو كانوا يخططون لدعوته، فلن يكون ذلك عرضًا عاديًا.
“إذا غادرت اليوم، يمكنني العودة قبل حفلة عيد ميلاد إيليا.”
“لا تبالغ في الأمر.”
“أنا أيضًا أرغب في حضور الحفلة.”
قال ديفرين وهو يبتسم ابتسامة خفيفة. أمسكته إيفلين من يده بشدة.
“فهمت. احترس أثناء رحلتك.”
***
مرت الأيام بسرعة وأصبح عيد ميلاد إيليا قريبًا.
كانت إيفلين تنظر إلى إيليا التي تم تزيينها بشكل جميل، ثم وضعت يديها معًا وقالت
“واو، أنتِ أصبحتِ كالأميرة.”
“لكن لقب “أميرة” غير مناسب لي. أنا لست أميرة، هذا الوصف يبدو ضعيفًا جدًا.”
قالت إيليا بوجه جاد. تظاهرت إيفلين بالغضب.
“أنتِ كنتِ تقولين أنني أميرة عندما كنتِ صغيرة.”
“كنت مخطئة في التفكير. أمي ليست أميرة.”
كان رد إيليا الواقعي جدًا يجعل إيفلين تنقض لسانها.
“أمي أكثر قوة وحكمة من أي أميرة تقليدية.”
“إيليا، قلت لكِ ألا تقرئي الروايات التي يقرأها الخدم. ليست كل الأميرات ضعيفات و يتركن الأمر للامير الذي ينقذهن.”
“أنا لا أتحدث فقط عن الروايات. حتى في الكتب التاريخية أو الرسوم، يتم تصوير الأميرات بهذا الشكل.”
في تلك اللحظة، تدخل وودي.
“أنتِ على حق! أمي تناسب لقب “الملكة” أكثر من “الأميرة”.”
“وودي، قد تُعتبر هذه الكلمات خيانة.”
قالت إيليا بجدية. ظهر على رأس وودي علامة استفهام.
“خيانة…؟”
“بسبب كلماتك، قد تضع عائلتنا في خطر.”
“هل أنا… حقًا؟”
قال وودي وهو يرتجف قليلاً.
تنهدت إيفلين وطمأنت وودي. ثم نظرت إلى إيليا.
“إيليا، لا أحد سيأخذك إلى السجن بسبب هذه الكلمات.”
“لكن من الأفضل دائمًا أن تكون حذرًا فيما تقوله.”
“أنتِ تتكلمين مثل والدك، تقولين فقط الكلام المنطقي.”
ابتسمت إيليا بفخر.
‘هل ورثت حتى وقاحته…؟’
في الماضي، كانت إيليا خجولة، لكنها الآن أصبحت أكثر جرأة لتقول أي شيء.
بينما كانت إيفلين تفكر في ذلك في نفسها، سألت إيليا
“متى سيعود والدي؟”
“سوف يصل قبل العشاء.”
لقد أمضى ديفرين وقتًا أطول في القصر الإمبراطوري مما كان متوقعًا. لا يمكن لإيفلين معرفة ما إذا كانت المحادثة قد طالت أم إذا كان يفكر في أمر ما.
“لا تنتظري والدك أكثر. هل نذهب لمقابلة الضيوف أولاً؟ جدك و عمك سيصلان قريبًا.”
“حسنًا.”
“واو، جدي وعمي!”
أجابا إبليا و وودي بالتوالي، ثم خرجا من الغرفة أولاً. نصحت إيفلين وودي بأن يحذر من السقوط، ثم تبعتهما.
عند المدخل، كان دنسويل و اسحاق قد وصلا بالفعل.
“عيد ميلاد سعيد، إيليا!”
قال دنسويل وهو يحتضن إيليا. في المقابل، انحنت إيليا باحترام.
“شكرًا لك، جدي.”
“جدي، وأنا أيضًا!”
قال وودي وهو يقفز بجانبهم كما لو كان يذكرهم أن لا ينسوه. رفعه دنسويل بيد واحدة.
“هل كنت بخير، صغيري؟”
“بالطبع، حتى أنني أكلت كل البروكلي الذي قدموه في العشاء أمس.”
كان وودي يحب الناس. أحيانًا، كان يبدو مثل كلب صغير يهز ذيله لكل شخص كما قال دونسويل.
تبادلوا التحيات مع اسحاق، ثم وقفت إيليا و وودي عند مدخل القاعة الكبرى لتحية الضيوف. كان انحناؤهما مجرد إيماءة متواضعة.
بينما كانت القاعة هادئة قليلاً، همس دونسويل لإيفلين
“هل عاد ديفرين من القصر الإمبراطوري؟”
“لا، يبدو أن المحادثة طويلة. لكنه سيصل اليوم.”
“حسنًا… إذًا، يبدو أنه سيكون من الأفضل أن أكون أنا من يرأس مراسم تعيين الوريث.”
اليوم كان يوم حفلة عيد ميلاد إيليا ومراسم تعيين الوريث في آن واحد.
عادةً، كان من المفترض أن يقوم ديفرين، رب العائلة، بذلك، لكن بدلاً منه، تولى دنسويل الدوق السابق المهمة.
بدأ دنسويل الحفل بكلمات تهنئة دافئة، ثم عين إيليا رسميًا كخليفة لعائلة ليونووك.
صفق الحضور جميعهم وهنؤوا إيليا. لم يكن هناك من يتحدث خلف الكواليس عن أحداث الاحتكار التي قام بها ديفرين في مجال السلع الفاخرة.
انحنت إيليا بشكل أنيق قبل أن تنزل عن المنصة.
ثم، عندما كان الحفل يوشك على الانتهاء، وصل ديفرين.
“ديفرين.”
استقبلها ديفرين، الذي بدا عليه التعب قليلًا، وقبّل خديها كتحية.
رغم تأخره، استقبل ديفرين تحيات الجميع دون توقف. بدا أنه يريد أن يؤدي دوره كأب بأفضل طريقة ممكنة.
هكذا انتهت حفلة عيد ميلاد إيليا الصاخبة دون مشاكل.
أهدت إيفلين لإيليا قلمًا حبرًا كهدية، وكانت إيليا سعيدة جدًا بها.
أما ديفرين، فقد قدم لإيليا حصانًا كهدية، حيث كانت إيليا قد بدأت لتوها تعلم ركوب الخيل.
قبل أن تلتقي إيليا بالحِصان، كانت قد سمت الحِصان بالفعل “ثاندر.”
بعد انتهاء الحفل، وضعت إيفلين إيليا في السرير وسألتها
“هل استمتعت بحفلة عيد ميلادك؟”
“كانت حفلة مثالية.”
ابتسمت إيليا بهدوء.
“أنا سعيدة لأنها نالت إعجابك. ابنتنا، إيليا. لا تنسي أبدًا أن أباكِ وأمكِ يحبونكِ.”
قبلت إيفلين جبين إيليا، فاحمرت وجه إيليا قليلاً.
بعد تردد، وضعت إيليا يدها على عنق إيفلين وقالت
“أحبكِ، أمي.”
ابتسمت إيفلين وضغطت بقبلة إضافية على جبينها وقالت: “تصبحين على خير.”
أطفأت إيفلين المصباح و همت بالخروج، لكن إيليا قالت بسرعة
“وأبي أيضًا…! أنا أحب أبي بقدر ما أحبكِ، أمي.”
قالت إيليا ذلك بخجل، فابتسمت إيفلين بسعادة.
“في المرة القادمة، قولي له ذلك مباشرة. سيشعر بالسعادة.”
“….”
حاولت إيليا تغطية وجهها باللحاف، خجلاً.
بعد أن وضعت إيفلين إيليا ووودي في السرير، عادت إلى غرفة النوم. كان ديفرين جالسًا على كرسيه، وكان رأسه منحنيًا.
“لماذا بقيتَ في القصر الإمبراطوري كل هذا الوقت؟”
“كنت بحاجة إلى وقت للتفكير.”
“يبدو أن الإمبراطور قدم لك عرضًا كبيرًا.”
“كان حديثًا لا يمكن تجاهله.”
ما هو العرض الذي أثر على ديفرين لهذا الحد؟ ركزت إيفلين على صوته.
“الإمبراطور عرض مستقبل إيليا كصفقة.”
كان العرض أكبر بكثير مما توقعت.
“…لقد استغل نقطة ضعفك بشكل جيد.”
من الواضح أن فينريس كان قد توقع أن إيليا ستصبح خليفة ليونووك، وكان يعرف تمامًا المشكلات التي سيواجهها ديفرين في هذا الشأن.
كان طريق النساء النبيلات مليئًا بالصعوبات.
وكان لدى فينريس القوة التي قد تجعل هذه الطريق أكثر سهولة.
“وعد الإمبراطور أنه عندما تصبح إيليا ناضجة، سيتم تعيينها كدبلوماسية.”
“دبلوماسية…؟”
قد تشعر إيليا بخيبة أمل لأنها لم تحصل على هذا المنصب بقوتها الخاصة، لكن في الواقع، كان المنصب الدبلوماسي من المناصب الإمبراطورية التي تبرز فيها الإنجازات بشكل واضح. كان المنصب يتيح للفرد الصعود أو الهبوط بناءً على قدراته.
فينريس قدم عرضًا بما يكفي لفتح الطريق أمامها، لكن سيتعين على إيليا أن تواصل شق طريقها بنفسها.
كان المنصب مناسبًا بما يكفي بحيث لا يسبب أي معارضة من النبلاء أو كبار الموظفين. لن يكون من السهل على النبلاء قبول منصب شاغر تشغله شابة نبيلة باستخدام السلطة الإمبراطورية.
لذا فإن فينريس قد قدم عرضًا مغريا جدًا.
“ماذا تنوي أن تفعل؟”
“عندما أفكر في إيليا فقط، يبدو أن من الأفضل قبول العرض.”
صحيح…
لكن إذا قبل ديفرين عرض فينريس، فسيتعين عليه الابتعاد لمدة عام على الأقل.
كان العرض مغريًا، لكن عامًا ليس وقتًا قصيرًا.
تغير وجه إيفلين وبدت قلقة. من الناحية العقلانية، كان من الأفضل أن يقبل ديفرين عرض فينريس. كانت مهمة البعثة مزعجة، لكن لم تكن صعبة، وكانت المكافأة مقابل ذلك كبيرة.
والأهم من ذلك أنها كانت من أجل إيليا.
بعد أن توصلت إلى قرارها، رفعت إيفلين رأسها.
“اذهب، ديفرين.”
التعليقات لهذا الفصل "133"