تزايد حجم بطن إيفلين وأصبح جسدها يتعب تدريجيًا، لكن قلبها كان مليئًا بالسعادة، وكانت دائمًا في حالة من الفرح.
كان دونسويل سعيدًا جدًا بزيارته للقلعة بعد فترة طويلة.
“أخيرًا سوف نرى وريث ليوونوك! لقد عانيتِ كثيرًا يا عزيزتي.”
“شكرًا لك يا والدي، لكنني لا أعرف جنس الطفل بعد.”
في هذه المنطقة، لا يمكن تحديد جنس الجنين باستخدام التقنيات الطبية المتاحة. لكن إيفلين لم تكن مهتمة ما إذا كان الطفل فتاة أم ولدًا، كانت فقط تتمنى أن يأتي طفلها إلى هذا العالم بأمان.
“هاها، الجنس ليس مهمًا. لكنني قلق، لا أدري إن كنتِ ستستطيعين إنجاب الطفل بشكل جيد وأنتِ بهذا الضعف.”
“هناك الكثير من الناس الذين هم أنحف مني وقد أنجبوا بشكل طبيعي.”
“نعم…صحيح.”
رغم أنه أجاب هكذا، كان وجه دنسويل يحمل بعض القلق. بدا أنه كان يتذكر زوجته السابقة، كلوي.
كان كل من ديفرين و دنسويل يحملان صدمة من تجارب الولادة بسبب كلوي.
حاول تغيير الموضوع وأخذ نفسًا عميقًا وقال
“هل اخترتِ اسمًا للطفل؟”
“نعم، اخترتُ.”
كانت إيفلين قد اختارت اسم الطفل منذ وقت طويل.
“إذا كانت فتاة، سيكون اسمها “إيليا”، وإذا كان ولدًا سيكون “إلينور”. كلا الاسمين يعنيان بركة من الحاكم، وكان هذا تعبيرًا عن شكرنا.”
“اسم جميل جدًا.”
بعد ذلك، مكث دنسويل في القلعة لمدة أسبوع، وأخبر إيفلين عن الأحداث التي وقعت في دار الأيتام.
أخبرها كيف أن دوق ليوونوك السابق، الذي كان دنسويل هو نفسه، بدأ القيام بالأعمال الشاقة مما جعل النبلاء الآخرين يتبعونه.
وكان هناك العديد من النبلاء الشباب الذين يعتبرون خدمة دار الأيتام نوعًا من الشرف، بل كانوا يتفاخرون بذلك في حفلاتهم الاجتماعية.
كانت إيفلين تستمتع بالحديث مع والدها، وقضت وقتًا ممتعًا معه. وبعد أسبوع، حزم دنسويل أمتعته ليعود.
“تناولي طعامك بشكل جيد، وإذا كنت بحاجة إلى شيء، لا تترددي في إخباري. سأعود إلى قصر الدوقية في الشهر القادم.”
“نعم، أبي، واعتنِ بصحتك. عندما تتحسن حالتي، سأزور دار الأيتام.”
“لا داعي لذلك، لا توجد بيئة جيدة بما يكفي لأم حامل مثلك لكي تأتي، كما أن هناك العديد من المرضى هناك.”
ضحك دنسويل بترحاب وهو يلوح لها مودعًا.
مرت الأيام بهدوء بعد رحيله. تم تعيين القابلة، وكانت ميرلين متحمسة لفكرة أن تصبح مربية.
كان العاملون في القلعة ينتظرون بفارغ الصبر وصول الطفل الجديد.
لكن ديفرين فقط كان يزداد قلقًا مع اقتراب موعد الولادة، وكان يشرب الويسكي في الليالي المتأخرة.
اقتربت إيفلين منه ببطء وضعت يدها على كتفه.
“ديفرين… هل أنت قلق بشأن الولادة؟”
“إنها ليست مهمة سهلة.”
“لن يحدث شيء سيء، أنا شخصٌ عشتُ بعد الموت.”
لكن مع اقتراب موعد الولادة، بدأت إيفلين تشعر بألم لم تجربه من قبل، وكان عقلها فارغًا من التفكير.
في اللحظة التي كانت فيها تلد، لم تستطع سوى التمسك بالبطانية تحتها بشدة.
“آآه…”
كان الألم لا يُحتمل، وكانت أنفاسها متقطعة. ربما كانت تسمع صوت ديفرين وهو يصرخ على الطبيب والقابلة.
بعد وقت طويل من الألم، سُمِعَ صوت صراخ طفلٍ قوي.
“آه، آه!”
لفّت القابلة الطفل في قطعة قماش وأعطته لإيفلين.
“إنها أميرة جميلة.”
كانت إيفلين تعتقد أن الطفل سيكون ولدًا بسبب الصوت العالي، لكن تبين أن الطفل كان فتاة.
قررت إيفلين تعليمها فنون السيف منذ صغرها، فهي كانت تبدو قوية للغاية.
أغمضت عينيها قليلًا وهي تفكر في هذا.
عندما فتحت عينيها، كان ديفرين يجلس بجانبها. كان يمسك يدها بإحكام.
“ديفرين…؟”
أخذ ديفرين نفسًا عميقًا وكأنّه كان يشعر بالراحة بعد فترة طويلة، ثم قال
“لقد نمتِ طويلًا.”
“نعم…”
رفعت إيفلين جسدها، وكان جسمها بأكمله يؤلمها كما لو أن الكدمات تغطيه.
“وماذا عن الطفلة؟”
“ميرلين تعتني بها الآن.”
“هل هي جميلة؟”
“لا أعرف، تبدو صغيرة جدًا وضعيفة.”
كان وجه ديفرين محتارا، لكن إيفلين لم تشعر بالإحباط من رد فعله.
كان من الطبيعي ألا يعرف كيف يشعر بعد رؤية طفلة حديثة الولادة، فهذا شيء جديد عليه.
مع مرور الوقت، ستصبح الطفلة أكثر جمالًا وسرعان ما سيراها على أنها طفلتهم الخاصة.
بعد لحظات، دخلت ميرلين حاملة الطفلة بين يديها. أخذتها إيفلين بين ذراعيها وامسكتها برفق.
“إيليا…”
همس ديفرين وهو يراقب الطفلة.
“شعرها أشقر وعيونها زرقاء.”
رفعت إيفلين وجهها وضحكت بابتسامة خفيفة.
“كنت أتمنى لو كانت فتاة تشبهك، و يبدو أنه تم الاستجابة لأمنيتي.”
“لكن لم يتم الإستجابة لأمنيتي أنا.”
أراد ديفرين أن يشبه الطفل إيفلين بغض النظر عن جنسه.
“لكنها جميلة جدًا. ستكون بالتأكيد فاتنة، قد تهز الإمبراطورية يومًا ما.”
وكانت فكرة إيفلين هذه صحيحة.
إيليا كبرت وأصبحت جميلة جداً، حتى أن إيفلين شعرت أحياناً أنها تراها جميلة لأنّها ابنتها فقط، لكن عندما شاهدت الخادمات اللواتي كنّ يحرصن على رؤية إيليا كل يوم، أدركت أن هذا ليس مجرد رأي خاص بها.
ملامح إيليا أصبحت أكثر وضوحًا مع مرور الوقت، وكانت تشبه ملامح ديفرين بشكل كبير. كانت تبدو كأميرة متعالية.
كانت ناضجة وذكية، وحتى في سن الخامسة، كانت تدرس مواضيع أكثر تعقيدًا من سنها.
كانت تشبه ديفرين في شخصيتها أيضاً، ففقد كانت هادئة.
أما الفرق بينهما، فهو أن إيليا كانت خجولة جداً، وعندما ترى شخصًا غريبًا، تختبئ في زاوية ما.
لذلك، اضطرّت إيفلين مرة أخرى للقيام بلعبة الاختباء غير المتوقعة.
“إيليا، الجد عاد إلى دار الأيتام. أرجو أن تخرجي الآن.”
تحدثت إيفلين وهي تتنهد باتجاه النافذة، وفجأة، تحركت صورة صغيرة خلف الستار. ثم ظهرت إيليا وهي تخرج ببطء من خلف الستار.
مشيت إيليا ببطء وأمسكت طرف فستان إيفلين. أخذت إيفلين إبنتها بين ذراعيها وتنهدت.
“كيف يمكنكِ أن تخافي من الجد هكذا؟”
دنسويل كان يحب إيليا كثيرًا، لكن إيليا كانت تخاف منه.
مما جعل دنسويل يعود إلى دار الأيتام بوجه حزين.
“الجد يخيفني لأنه يشبه بابا…”
وضعت إيفلين يدها على جبينها. في الواقع، هذه كانت المشكلة الأكبر.
إيليا كانت تخاف من والدها ديفرين. لم يكن ديفرين صارمًا معها بشكل خاص، لكنه لم يكن طيبًا جدًا أيضًا.
عندما كان يوبخها كما يوبخ إيفلين، كانت إيليا تنكمش.
الأطفال لا يستطيعون التمييز بين القلق والحب.
‘هذا ليس خطأ ديفرين.’
هو لا يزال غير قادر على التعبير عن مشاعره بشكل صحيح.
كان ديفرين يدرك المشكلة، ولهذا السبب حاول قضاء وقت مع إيليا بمفردهما بناءً على نصيحة إيفلين، لكن ذلك لم ينجح. إيليا كانت تتجمد وتجد صعوبة في قضاء وقت مع ديفرين.
ولكن عندما كانت مع إيفلين، كان كل شيء على ما يرام. وجود إيفلين بجانبها كان يعطيها الثقة، وكانت لا تهتم بنظرات ديفرين.
“والدكِ يحبكِ كثيرًا، لكنه يخاف عليك.”
كان من الواضح أن ديفرين يحب إيليا.
لقد اعترف أنه كان خائفًا ولكنه سعيد بأن لديه الآن من يجب عليه حمايته.
لكن ديفرين لم يكن يعرف كيف يتعامل مع إيليا الصغيرة والضعيفة. ربما كان متوترًا قليلاً، ولهذا كانت تصرفاته غير طبيعية وكلماته حادة.
‘ديفرين يخاف من الأطفال.’
لا يبدو أن هناك أطفالًا صغيرين في حياته. حتى عندما كان يقابل اسحاق في سن إيليا، لم يكن يهتم كثيرًا.
“لا، أبي يحب أمي فقط…”
إيليا همست وهي تكشر.
“لماذا أمي، وهي أميرة، لم تتزوج الأمير من أرض الشمس؟”
سألت إيليا بجدية، وعينها هادئة. كانت تبدو لطيفة للغاية لدرجة أن إيفلين عانقتها بشدة.
“والدكِ أيضًا أمير. هو فقط يبدو مخيفًا قليلاً.”
بالطبع هي ابنتها، ولكن في بعض الأحيان كان من الصعب التعامل مع حبها الكبير.
بدأت إيليا تتحرك في حضن إيفلين.
“آه، لا أستطيع التنفس.”
“لكنني لن أتركك.”
ظلّت إيفلين تحتضن إيليا لبعض الوقت. على الرغم من أن إيليا كانت تظهر عدم رضاها، إلا أن وجنتيها كانت تتوردان.
عند حلول المساء، أخذت ميرلين إيليا إلى غرفتها للنوم، وسحبت إيفلين ذراع ديفرين إلى حديقة القلعة.
“ديفرين، أريد أن أتحدث معك قليلاً.”
صمت ديفرين بينما تم سحبه. وعندما جلس على كرسي في الحديقة، بدأت إيفلين بالكلام.
“اليوم قالت إيليا شيئًا صادمًا. قالت إنها تخاف من جدّها لأنه يشبهك.”
“ترتيب الأحداث خاطئ.”
“نعم. الحقيقة أنك تشبه والدك، لكن هذا ليس ما يهم الآن.”
تنهد ديفرين وأراح جسده على مسند الكرسي، مسترخيًا قليلاً بعد أن كان متصلبًا.
“ربما سيكون الأمر هكذا طوال حياتي مع إيليا.”
“هل حقًا تتمنى ذلك؟”
“لا بالطبع، لكن مهما حاولت، لا أعتقد أن هناك تغييرًا.”
كان هناك شعور بالندم في طريقة كلام ديفرين. شعرت إيفلين بالحزن عليه.
“ديفرين…”
“أنتِ من تحبّين إيليا نيابة عني. أنا فقط سعيد بدور الحماية.”
قال ديفرين ذلك بصوت هادئ، وكأنّه قد استسلم. ولكن إيفلين لم ترغب في قبول هذا كحلّ.
‘آه ، لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو.’
هزّت إيفلين رأسها.
“لا، ديفرين. سأساعدك.”
التعليقات لهذا الفصل "124"