الفصل 20 :
في تلك اللحظة المتأخرة، حين أدرك أكسيل متأخرًا أنّه، دون أن يشعر، كان يحاول احتضان أوديت وحمايتها، اهتزّت عيناه اهتزازًا طفيفًا.
واتّجه نظر سيسيلوت نحو الأطفال البعيدين هناك.
“هناك الكثير من الأطفال المساكين.”
“منهم من أُعيد بعد أن تمّت إعالته بالتبنّي مرّاتٍ عدّة، ومنهم من جاء بعد أن تعرّض للإساءة في دور رعاية أخرى.”
“حقًّا، ليس من السهل أن نجد من يعامل الأطفال بهذا الإخلاص…….”
كان نظر أكسيل قد استقرّ بالفعل على أوديت.
كانت أوديت، التي تبتسم للطفل بوجهٍ مشرق، تميل لتصغي إليه على مستوى عينيه.
نظرَت سيسيلوت إليهما بابتسامةٍ ممتلئة بالفرح.
“يبدو أنّ الشائعات فعلًا لا يُمكن الوثوق بها.”
ما إن اختفت أوديت عن نظر أكسيل، حتّى نهض من مكانه فجأة.
أصدرت سيسيلوت، التي كانت تراقبه، صوت “أوه”، ثمّ ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ راضية وهي ترمي له فرصةً سانحة.
“هل ستذهب الآنسة إلى غرفة المستلزمات……؟”
“لا بدّ أنّها ستكون ثقيلة عليها لتحملها وحدها…….”
وعند كلمات سيسيلوت، أجابها كما لو كان ينتظر ذلك.
“سأذهب أنا.”
وفي اللحظة التي خرج فيها أكسيل يتبع أثر أوديت، رأى من بعيد أوديت تتحدّث مع فتى.
كان الفتى يرفع صوته ويُشيع جوًّا غير مألوف.
ثمّ في تلك اللحظة.
دفع الفتى يد أوديت، فترنّحت وسقطت على الأرض.
وعندما رأى الدم يسيل من يدها بعد ذلك، شعر، لسببٍ لا يعرفه، وكأنّ قلبه يهوي هُوِيًّا إلى الأسفل.
وقبل أن يقترب أكسيل منها، نهضت أوديت بصمتٍ من مكانها، ثمّ صبّت مشاعرها الصادقة في وجه الفتى.
“نعم.”
“أنا، كما تقول، نبيلة.”
“وأنا من قدّم الهدايا أيضًا.”
“لكنّي لم أتعامل معكم هنا بالكذب ولا مرّة واحدة.”
“كنت سعيدة، واستمتعت حقًّا وأنا معكم.”
“أعرف ما الذي تقلق بشأنه.”
“تخشى أن أجرح الأطفال بوعودٍ لا أستطيع الوفاء بها.”
“وأن أجعلهم ينتظرون بلا طائل.”
كان بريق عيني أوديت لامعًا بالذكاء، ولم يكن في كلماتها أيّ تردّد.
كان في كلامها قوّةٌ تجعل المرء يريد أن يصدّقها.
“قد يبدو لك هذا الكلام كذبًا أيضًا.”
“لكنّي أعدك.”
“أعدك بألّا أستغلّكم من أجل شرفي.”
“وألّا أترككم يومًا بصمتٍ دون كلمة.”
كان أكسيل يشكّ دائمًا في تغيّر تصرّفات أوديت.
وكان مقتنعًا أنّها لا بدّ تخطّط لشيءٍ ما وتُمثّل دورًا.
وأنّها في يومٍ ما لن تستطيع إخفاء حقيقتها، فترتكب شرًّا ينكشف به تمثيلها.
وكان ينتظر ذلك اليوم بهدوء، معتقدًا أنّه سيحلّ الأمر بسهولة عندما يحين الوقت.
لكن، هل يمكن حقًّا اعتبار ما يراه الآن مجرّد تمثيل؟
سأل أكسيل نفسه، لكنّه لم يستطع أن يجيب.
كانت في أوديت قوّةٌ صلبة تتناقض مع جسدها الصغير النحيل.
وأخيرًا توصّل أكسيل إلى استنتاجٍ قصير.
لا يعرف السبب، لكنّ اوديت قد تغيّرت.
وعندما عادت، تظاهر أكسيل بالجهل وسألها.
“ما بال يدك؟ أين أُصبتِ؟”
“آه…… لقد تعثّرتُ قبل قليل وأنا أمشي وحدي ولم أنتبه للطريق. أنتَ تعرف يا صاحب السموّ أنّي أتعثر كثيرًا.”
قالت أوديت ذلك وهي تحكّ خدّها بخجلٍ، ثمّ ابتسمت ببراءة وهي تكذب ببراعة.
ولم يَرُق له أنّها تكذب عليه بحدّ ذاته.
ضغط أكسيل على مشاعره الداكنة المتلاطمة وكبحها بصعوبة.
“هاه، يا صاحب السموّ، أستطيع أن أفعلها بنفسي……!”
“بيدٍ مصابة تقولين إنّكِ ستُعالجينها جيّدًا؟”
“ابقي ساكنة.”
كانت أوديت، التي كانت تتقرّب منه في كلّ مرّة، ترتعب هذه المرّة وتهزّ يدها رافضةً كلامه بأنّه سيُعالجها.
ولمّا لم يحتمل أكسيل ذلك، قال لها كلمةً واحدة، عندها فقط أغلقت فمها ومدّت يدها له.
وبعد أن انتهى كلّ شيء، وفي عربة العودة.
كانت أوديت الجالسة قبالته تُغالب النعاس من شدّة التعب، فتهزّ رأسها هزًّا.
ولأنّ منظرها وهي تهزّ رأسها كدجاجةٍ مريضة لم يُعجبه، فعل أكسيل شيئًا لم يكن ليفعله عادةً.
انتقل ليجلس إلى جوارها، وثبّت رأسها المتمايل على كتفه.
وهو ينظر إلى أوديت النائمة التي أسندت وجهها عليه، شعر أكسيل بإحساسٍ غريب من الطمأنينة لا يعرف سببه.
كلّما التقى بأوديت أكثر، كانت مشاعره تتقلّب على نحوٍ عجيب.
عندما يرى ابتسامتها، يشعر بصدره يحكّه إحساسٌ غريب.
وحين لا يراها أمام عينيه، ينتابه قلقٌ كأنّ شيئًا ما قد انكسر داخله.
نظر أكسيل إلى أوديت وفكّر.
يبدو أنّه يجب أن يُبقيها إلى جانبه ويراقبها أكثر.
***
وفي المساء قبل النوم، بينما كانت ميري تُمشّط شعري، سألتني فجأة.
“آه، آنستي.”
“يقولون إنّهم سيُقيمون هذا الأسبوع مهرجانًا في ساحة نيلفيا بعد أربع سنوات من التوقّف، هل سمعتِ بذلك؟”
كانت ساحة نيلفيا أقرب ساحة إلى القصر الإمبراطوري، وأكبر ساحة في العاصمة.
وعندما سمعت كلمة مهرجان، انتبهت أذناي على الفور.
“مهرجان؟”
“نعم!”
“سمعتُ أنّه سيكون مهرجانًا ضخمًا جدًّا لأنّه يُقام لأوّل مرّة منذ أربع سنوات! إن كان مناسبًا لكِ، فما رأيكِ أن تذهبي مع الدوق الأكبر؟”
كان اقتراح ميري مغريًا جدًّا، لكنّ المؤسف أنّني كنت قد ذهبت بالفعل مع أكسيل إلى دار الأيتام هذا الأسبوع، وكان موعدنا التالي قد حُدّد سلفًا.
وكان جدول أكسيل دائمًا ممتلئًا بلا فراغ.
لذلك لم يكن ممكنًا تقديم موعد الأسبوع القادم إلى هذا الأسبوع.
ثمّ إنّه كان يبدو مشغولًا للغاية في كلّ مرّة أذهب لرؤيته.
إلى حدّ أنّني كنت أعدّ تخصيصه وقتًا لي مرّة في الأسبوع معجزةً بحدّ ذاتها.
حتى من دون أن أسأله، كان واضحًا أنّ جوابه سيكون الرفض.
المهرجان…… كنت أودّ الذهاب مع أكسيل، لكن لا حيلة لي.
ليس أمامي إلّا أن أذهب وحدي.
وبعد أن أنهيتُ تفكيري، ابتسمت وقلت لميري.
“همم، أنا أيضًا أودّ الذهاب، لكن يبدو أنّ صاحب السموّ مشغول هذا الأسبوع، لذلك لن يكون ممكنًا على الأرجح.”
“كما توقّعت، صاحب السموّ مشغول…… هذا مؤسفٌ جدًّا.”
“نعم، هذا مؤسفٌ فعلًا.”
وفي صباح اليوم التالي، وكنتُ متّجهة كعادتي إلى مكتب الدوق الأكبر.
ما إن رآني شويان حتّى قال بجمودٍ، كأنّه جهاز يطبع قيمةً مُدخلة.
“سيعود صاحب السموّ بعد قليل.”
لقد وصل إلى مرحلةٍ يخبرني فيها مسبقًا بموعد قدوم أكسيل، حتّى دون أن أسأل.
كأنّه روبوت إنذار.
ابتسمت وقلت له.
“لم أقل شيئًا بعد.”
“ستسألين أين يوجد صاحب السموّ، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح.”
نظر إليّ شويان بنظرةٍ جانبيّة وكأنّه يقول إنّني أتفوه بكلامٍ لا داعي له.
وعندما رأيت تلك التعابير المتجهّمة، ضحكتُ واقتربت منه.
وقعت عيناي على مستندٍ موضوعٍ بعناية على مكتبه.
[ساحة نيلفيا.
مناطق تقييد المرور وتنظيم الحشود أثناء المهرجان.]
وعندما رأيته، تظاهرت بأنّني أعرفه.
“آه، أهذا هو المهرجان الذي سيُقام بعد أربع سنوات؟ هل الدوق الأكبر هو من يتولّى تنظيمه؟”
“هل تقصدين هذا؟”
“نعم.”
“لا.”
“لسنا نحن من يتولّى المهرجان مباشرة، بل أوكلت إلينا مهمّة تنظيم المرور فقط.”
“آه، فهمت.”
وأنا أومئ برأسي، خطر لي سؤال فسألته.
“إذًا، هل سيذهب صاحب السموّ بنفسه يوم المهرجان؟”
“هممم.”
“ربّما لن يتدخّل بشكلٍ مباشر، لكنّه سيأتي على الأرجح ليتفقّد الوضع.”
عند إجابته، خاب أملي.
وتخلّيتُ فورًا عن فكرة أن أسأل الدوق الأكبر أن يذهب معي.
من الأساس، حتى لو سألت، فالجواب سيكون الرفض.
كِدتُ أن أُحرج نفسي وأسأل لأُقابَل بالرفض فقط.
ومع ذلك، كنتُ أحمل في قلبي أملًا صغيرًا جدًّا، لكنّي شعرتُ أنّني لن أجني سوى الأذى لو نطقت به.
سألني شويان، وهو يرتّب المستندات.
“وماذا عن الآنسة؟ هل تنوين الذهاب إلى المهرجان؟”
…… حسنًا، إن لم يحدث أمرٌ غير متوقّع، فسأذهب وحدي.
وبعد لحظة تفكير، أجبته مباشرةً.
“نعم، أنوي الذهاب.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 20"