الفصل 17 :
بعدَ قليلٍ من الصَّمتِ، فتحَ أكسيل فمه أخيرًا.
“……وأينَ تنوين أن تستخدمي هذهِ الصُّور؟”
تمَّ الأمرُ! ما دامَ يسألُ عن فائدتِها، فهذا يعني أنَّني كدتُ أُقنِعُهُ تمامًا.
ابتسمتُ ابتسامةً مُشرِقةً كزهرةٍ مُتفتِّحة.
“وأينَ سأستخدمُها؟ بالطبعِ سأحتفِظُ بصورةِ سُموِّك لنفسي فقط! أُخرِجُها وأنظرُ إليها عندما أشتاق.”
“……إنْ سبَّبتْ مشكلةً ما، فيمكنُ التراجُعُ عنها، فليكن ذلكَ معلومًا.”
“شكرًا لك!”
ما إنْ صدرتِ الموافقةُ حتّى أمسكتُ بيدِ أكسيل فجأة. كنتُ سعيدةً ببراءةٍ لأنَّني سأحصلُ على بطاقةِ صورٍ له، لدرجةٍ أنّني لم أُلاحِظ تصلُّبَهُ، ثمَّ أفلتُّ يدَهُ وبدأتُ أُفتِّشُ في حقيبتي مجدَّدًا.
“آه، صحيح. لديَّ هديَّةٌ أُقدِّمُها لك!”
كانتْ تلكَ مجموعةً من عشرِ بطاقاتِ صورٍ لي التقطتُها من مساءِ أمس حتّى اليوم.
كلُّ واحدةٍ بزيٍّ ومكياجٍ مختلفين، وكأنَّني أعيشُ تجربةَ آيدولٍ بشكلٍ غيرِ مباشر.
“هذهِ صُوَري التي التقطتُها بهذا الجهاز! انظر إليها. أليستْ لطيفةً وجميلةً جدًّا؟ أليسَ كذلك؟”
قُل بسرعةٍ إنَّها كذلك. وبينما كنتُ أُعيدُ السؤالَ لأحصل على موافقتِه، قالَ أكسيل وهو يُمعِنُ النظرَ فيها:
“يبدو أنَّ هذا من مقتنياتِ برجِ السِّحر.”
لا، بعدَ كلِّ تلكَ الخبرةِ التي وضعتُها في تصويرِ بطاقاتي، أهذا ما سيقولُه؟ مجرَّدُ شيءٍ من برجِ السِّحر؟ألا يراني أصلًا؟
وبينما كنتُ أتمتمُ في داخلي بتذمُّر، همسَ أكسيل بهدوء:
“……هلْ لهذا السببِ لمْ تأتِ أمس؟”
“نعم؟”
كانَ صوتُهُ خافتًا جدًّا فلمْ أسمعْهُ. وعندما سألتُهُ، تلوَّنَ وجهُ أكسيل بالارتباكِ لوهلة.
“……لا شيء.”
“على أيِّ حال، سأُعطيكَ هذهِ كلَّها. إنَّها مجموعةٌ خفيَّةٌ لا يوجدُ في العالمِ سوى نسخةٍ واحدةٍ من كلِّ صورة، فاحتفِظْ بها جيِّدًا! أفهِمت؟ سأتأكَّدُ لاحقًا من أنَّها ما زالتْ لديك!”
وعندما أوصيتُهُ بذلكَ بإلحاحٍ، أطلقَ أكسيل ضحكةً خفيفة.
“حسنًا. سأفعلُ ذلك.”
اتَّسعتْ عيناي لأنَّه وافقَ على غيرِ المتوقَّع. ما هذا؟
والآنَ بعدَ أنْ فكَّرتُ، يبدو كأنَّ مزاجَهُ أفضلُ قليلًا من قبل……!
وفي الأجواءِ الجيِّدةِ التي سارتْ بسلاسة، كنتُ أبتسمُ بسعادةٍ، حينها فجأةً عبسَ أكسيل وهو يُقلِّبُ بطاقاتِ الصور التي أعطيتُهُ إيّاها، وسألَ بصوتٍ منخفضٍ جدًّا:
“……وما هذا؟”
“ماذا؟”
تبعتُ نظراتِهُ باستغرابٍ، فرأيتُ صورةَ نوكسي عالقةً بين بطاقاتي. كان نوكسي قد جرَّب بالأمسِ والتقط صورةً لنفسه، فدخلتْ تلكَ الصورةُ هنا. أعطاني إيّاها، ولمْ أشأْ رميَها، فاحتفَظتُ بها، لكنْ لمْ أتوقَّعْ أنْ تكونَ قد انزلقتْ إلى هنا بالخطأ.
وقبلَ أنْ يتفحَّصَ أكسيل الصورةَ أكثر، خطفتُها بسرعةٍ بيدي.
“أظنُّ أنَّني وضعتُها بالخطأ! كانتْ صورةً التقطناها على سبيلِ الاختبار.”
هاها. كيفَ دخلت هناك؟ يكفي أنَّني كنتُ موضعَ شكٍّ بسببِ إعجابي السابقِ بوليِّ العهد، ولا أريدُ أنْ أُضيفَ سببًا آخرَ للشُّبهات.
توجَّهَتْ إليَّ نظرةُ أكسيل الحادَّة.
“أودُّ أنْ أنظرَ إلى تلكَ الصورةِ بتفصيلٍ أكثر.”
“بالمناسبة، أليسَ هذا وقتَ انتهاءِ الدوام الآنَ، سُموَّك؟ أنا آسفة. يبدو أنَّني ابقيتُك طويلًا.”
تظاهرتُ بأنَّني لمْ أسمعْهُ، وبدأتُ تمثيلي بكلِّ ما أملكُ من جهد. تراجعتُ بسرعةٍ نحوَ الباب، فتحتهُ، وأخرجتُ وجهي قليلًا لأُحيِّيه.
“سأغادرُ الآنَ، وسآتي باكرًا غدًا. سُموَّك! إذًا، إلى الغد!”
***
مرَّ الوقتُ، واقتربَ موعدُ الموعدِ الثاني مع أكسيل. كانَ أكسيل الجالسُ أمامي يُلقي نظرةً خاطفةً إلى النافذةِ ثمَّ سألني:
“إلى أينَ سنذهبُ اليوم؟”
بما أنَّني أنا من أحدِّدُ المكانَ والبرنامجَ في كلِّ مرَّة، كنتُ الوحيدةَ التي تعرفُ وجهتَنا.
“إلى أينَ برأيك؟ جرِّبْ أنْ تخمِّن!”
“……إلى مسرحيَّةٌ غنائيَّة؟”
“أممم، لا. ذهبنا إليها المرَّةَ الماضية!”
“……إلى مقهًى؟”
“المقهى فكرةٌ جيِّدة، لكنَّنا سنذهبُ اليومَ إلى مكانٍ آخر.”
كانَ من الطريفِ أنَّهُ يحاولُ التخمينَ بجدٍّ، فضحكتُ بخفَّةٍ وأخبرتُهُ بالإجابة.
“اليومَ، سنذهبُ إلى دار الأيتام.”
كانتْ وجهتُنا اليومَ هي دارَ الأيتام.
***
كان دار الأيتام الذي بدأتُ بدعمه بعدَ أنْ أصبحتُ شخصيةَ أوديت.
ويمكنُ اعتبارُ الأمر نشاطًا تطوُّعيًّا بكلِّ بساطة.
وعندما سمعَ كلامي، رفعَ حاجبَهُ قليلًا.
“ولِمَ دارُ الأيتامِ تحديدًا؟”
“قلتَ لي من قبلَ، أليسَ كذلكَ يا سُموَّك؟ إنَّكَ تفضِّلُ شخصًا طيِّبَ القلب.”
“وهلْ تعنينَ أنَّكِ ستقومينَ بالتطوُّع فقط بسببِ تلكَ الكلمة؟”
تجعَّدتْ جبهتُهُ بعمق. كانتْ نظرتُهُ وكأنَّهُ ينظرُ إلى طفلٍ طائش.
“نعم. هذا صحيح.”
“……وكيفَ يمكنُ لتطوُّعٍ استعراضيٍّ أنْ يجعلَ المرءَ طيِّبَ القلب؟”
نظرَ إليَّ أكسيل بدهشةٍ من إجابتي الواثقة.
“وهلْ هذا سيِّئ؟”
“ماذا؟”
“أليسَ هذا أفضلَ بكثيرٍ من ألَّا نفعلَ شيئًا على الإطلاق؟ حتى لو كانَ لديَّ هدفٌ آخر، فهذا لا يُلغي حقيقةَ أنَّني ساعدتُهم.”
بالطبعِ كانَ في خطَّةِ اليومِ أيضًا سببٌ يتمثَّلُ في كسبِ ودِّ أكسيل. لو كنتُ أنوي التطوُّعَ فقط، لما أتيتُ معهُ، بل لجئتُ وحدي.
لكنَّني كنتُ واثقة. هززتُ كتفيَّ ونظرتُ إليهِ بوجهٍ هادئ.
“ثمَّ إنَّني لا أنوي القيامَ بهذا العملِ باستخفافٍ أبدًا.”
في تلكَ اللحظة، توقَّفتِ العربةُ. كنَّا قد وصلنا أمامَ دار الأيتام. نزلَ أكسيل أوَّلًا، ثمَّ أمسكتُ بيدِهُ ونزلتُ. وسُمعَتْ أصواتُ ضحكاتِ الأطفالِ المشرِقة: “كياهاها!”
وقبلَ أنْ نتجاوزَ بوابةَ دارِ الأيتام، سألتُ أكسيل:
“بالمناسبة، هلْ تعرفُ هذا يا سُموَّك؟”
“……ماذا تقصدينَ؟”
توقَّفَ ونظرَ إليَّ.
“في الحقيقةِ، لا ينبغي البدءُ بالتطوُّعِ في دار الأيتامِ ما لمْ يكنْ ذلكَ بشكلٍ منتظم.”
“…….”
“لأنَّ التعلُّقَ مخيف. حتى دونَ قصدٍ، قد نجرحُ الأطفال. فمن وجهةِ نظرِهم، مهما انتظروا، فإنَّ ذلكَ الشخصَ لنْ يأتي.”
بدتِ الدهشةُ في عيني أكسيل، وكأنَّهُ لمْ يكنْ يعلمُ بذلك. ابتسمتُ لهُ وقلتُ بمرح:
“لذلكَ سأُقدِّمُ لكَ خيارين! الأوَّلُ هو أنْ تعودَ الآنَ، رغمَ أنَّني أعتذرُ لإضاعةِ وقتِكَ. والثاني هو أنْ تدخلَ معي إلى دار الأيتامِ وتلعبَ مع الأطفال.”
ثمَّ أضفتُ: “آه! وبالطبعِ، حتى لو اخترتَ الخيارَ الأوَّل، فسيُحتسبُ لقاؤُنا اليومَ ضمنَ عددِ اللقاءات! ففي النهايةِ، لقدْ التقيتَ بي اليومَ.”
“وإنْ اخترتُ الأوَّل، فهلْ ستعودينَ معي أيضًا؟”
“طبعًا لا. لقدْ قلتُ لكَ، لنْ أفعلَ ذلكَ باستخفاف.”
وبعدَ أنْ قلتُ ذلكَ، تجاوزتُ أكسيل وعبرتُ البوابة. شثمَّ استدرتُ لأراقبَهُ وهو صامت.
وفجأةً، بدأَ أكسيل يسيرُ خلفي بخطواتٍ واسعة. تفاجأتُ وقفزتُ أمامَهُ قبلَ أنْ يعبرَ البوابة.
“آه، لحظةً يا سُموَّك! إنْ اخترتَ الخيارَ الثاني، فعليكَ أنْ تأتيَ إلى دار الأيتامِ باستمرارٍ من الآنَ فصاعدًا!”
“أعرفُ ذلك.”
ثمَّ مضى أكسيل، مارًّا بي مائلًا، وعبرَ البوابةَ أخيرًا. لمْ أستطعْ كبحَ ضحكتي، فابتسمتُ ابتسامةً عريضة. استدرتُ إليهِ وقلتُ:
“في الحقيقةِ، كنتُ أعلمُ أنَّكَ ستختارُ الثاني.”
“ولِمَ ذلك؟”
“قلتُ لكَ، أليسَ كذلكَ؟ إنَّ سُموَّكَ شخصٌ طيِّب. كنتُ متأكِّدةً أنَّكَ ستأتي معي.”
ثمَّ همستُ لهُ وكأنَّني أُخبِرُهُ بسرٍّ، وقد أغمضتُ عينَيَّ قليلًا:
“ربَّما لمْ تلاحظْ، لكنَّكَ الآنَ وقعتَ في فخِّي.”
التقتْ عيناي بعيني أكسيل وهو ينظرُ إليَّ من أعلى. فابتسمَ ابتسامةً خفيفة.
“هكذا إذًا، هلْ أقولُ إنَّكِ ماكرة؟”
“من الأفضلِ أنْ تقولَ ذكيَّة.”
وهكذا، توجَّهنا معًا نحوَ مبنى دار الأيتام.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"