الفصل 16 :
كان ذلك أوّل مرّةٍ أرى فيها إنسانًا يُحقِّق السّحر بعيني. ظللتُ أحدِّق مذهولةً في آلة التّصوير الكاملة الّتي ظهرت أمامي.
“هذا ما تتحدّثين عنه؟”
يبدو أنّه لم يكن كذبًا حين قيل إنّ جودة منتجات المَطْبَة مضمونة. حتّى قبل قليل كنتُ أتعامل معه كغريب الأطوار وأُشكّك فيه، لكنّ عينَيّ انفتحتا على وسعهما بدهشةٍ بلغت حدَّ الإيمان.
في الحقيقة، لم يخطر لي أنّ الغرض سيكون مُجهَّزًا اليوم أصلًا، خصوصًا مع كثرة الشّائعات الغريبة حول المَطْبَة.
لذلك لم أتوقّع شيئًا البتّة…… لكن أن يكون جاهزًا هكذا مسبقًا!
كلُّ ما قلته فيه من أنّه غريب أو معتوه، أسحبُه كلّه.
في تلك اللّحظة بدا “نوقسي” كأنّه مُنقذي.
بدا واضحًا أنّ نظرتي إليه تغيّرت فجأة، فراح يُراقبني باهتمامٍ بعينيه المتألّقتين وهو يسألني:
“أين ستستعملينه؟”
……لأجل بطاقات الصّور، طبعًا.
“ولِمَ؟”
تردّد قليلًا قبل أن يُضيف:
“……سألني رئيسي أن أعرف.”
لو قلتُ إنّها بطاقات صور، فلن يفهم. لذا اكتفيتُ بالتّملّص:
“لِأجل تصوير الشّخص الّذي أحبّه.”
“آه، تقصدين ذلك الدّوق، أليس كذلك؟”
تلفّظ “نوقسي” باسم “أكسيل” ببرودٍ تام. فاجأني قليلًا أنّه يعرف، إذ بدا وكأن لا شأن له بأحاديث النّاس.
لكن بما أنّه يعرف، فلمَ أُخفي؟
“صحيح. إذن، كم السّعر؟ لا تُخْفِض ولا تُماطل. اطلب المبلغ الّذي تُريده، سأدفع أيّ قدر.”
“المال هو…….”
همم…… مرّةً أخرى راح يُطيل كلامه ويُماطل. حقًّا، طريقته في الحديث تُثير الأعصاب. كأنّه يفعل ذلك عن عمد. كدتُ أضربه على جبينه لو استطعت.
لم أتمالك نفسي فصحتُ:
“المال؟”
“لا أحتاج إليه في الحقيقة.”
كاد يُفجِّرني بكلماته.
ألم يقولوا إنّ سَحَرة المَطْبَة مولَعون بالمال؟ فلماذا هذا يرفض؟
ثمّ قال فجأة:
“أستطيع أن أجعلها صورة مُتحرِّكة أيضًا. تُريدين؟”
ما إن سمعتُ ذلك حتّى خَبَت نار غضبي وانتفضت أذناي.
متحرِّكة أيضًا……؟ طبعًا أُريد!
مع كلِّ كلمةٍ منه، كان مزاجي يتأرجح بين الجنّة والجحيم. استعَدتُ هدوئي وسألته: لا بدّ من الإمساك بهذا الكنز من المَواهب. إنّه وقت التّفاوض.
“……إذن، ما الّذي تُريده بدل المال؟”
فكّر قليلًا، ثمّ أشار إليّ بإصبعه. ارتجفت حاجباي.
“……؟”
“لا أملك أصدقاء.”
قال ذلك وكأنّه بديهيّ. بالمنطق، ومع طباعه هذه، لَوُجِد له صديق لكان هو الأعجب.
شعرتُ بغصّةٍ من نذيرٍ سيّئ.
آه، لا يُمكن…… أيريد أن أكون أنا تلك الصّديقة؟
نسيْتُ أنّه يجب أن أُسايره، وانتفضتُ أقول:
“لا أُريد.”
رمش “نوقسي” مرّةً، ثمّ أجاب بنبرةٍ باردة، كأن لا فرق عنده:
“حسنًا، إن كنتِ لا تُريدين، فلا بأس.”
وإذا بالكاميرا العائمة أمامي تتلاشى فجأة.
فزعْتُ وخطفتُ معصمه لأوقفه.
أهذا ابتزازٌ صريح؟!
“……على الأقل اسمع للنّهاية. لم أقصد أنّني لا أُريد. بل قصدتُ أنّني أيضًا أُريد أن أكون صديقتك.”
حاولتُ ألّا أبدو ذليلة، لكن لم يكُن لي خيار. ابتسمتُ ابتسامةً مصطنعة.
“من اليوم صِرنا أعزَّ الأصدقاء.”
رفعتُ إبهامي، وأنا أبتلع دموع المذلّة.
هكذا حصلتُ على آلة الصّور “البوكا” مقابل أن أُصبح صديقة “نوقسي”.
في الواقع، شرطه كان أبسط ممّا توقّعت: أن آتي إلى المَطْبَة كلّما نفدت الأشرطة لتبديلها، وأن ألتقيه من حينٍ لآخر.
الأخير أقلقني قليلًا، لكن بما أنّه وعد ألّا يُثقل، وافقتُ.
لا بأس. إن كانت هذه هي الطّريقة للحصول على بطاقات صورٍ بجودةٍ عُليا، فهي صفقة رابحة.
قال إنّ الصّورة المُتحرِّكة سيُسلّمني إيّاها في زيارتي القادمة للمَطْبَة.
وفي اليوم التّالي، بعد الظّهيرة، استطعتُ أخيرًا الخروج متوجِّهةً إلى مكتب “أكسيل”. تأخّرتُ لأنّني ظللتُ ألتقط صور “سيلفي” بملابس مختلفة في المنزل.
لمّا رأيتُ أنّ الوقت قد تأخّر، أسرعتُ في الاستعداد للذّهاب إلى القصر. وصلتُ في وقتٍ حَرِج، ساعةً واحدةً فقط قبل انتهاء الدّوام. لكنّها تكفي لرؤية “أكسيل” بعض الوقت، فاندفعتُ نحو مكتبه. وهناك، التقيتُ “زينون”.
كان يتنهّد بلا توقّف.
“السّيّد زينون، ما الّذي جرى؟”
“هاه…… آه! حضرتُكِ هنا، سيّدتي! لا، ليس أمرًا كبيرًا…… لكنّ جلالته متوتّر جدًّا. يبدو أنّه غاضب بسبب اجتماع الصّباح. فرجاءً كوني حذرةً يا سيّدتي!”
أضاف بمرارة: “لقد تعرّضتُ للتّوبيخ أنا أيضًا!”
أكّد عليّ مجدّدًا أن أكون حذرة، ثمّ انصرف.
وقفتُ أمام الباب، أفكّر.
إلى هذا الحدّ هو مُستشيط غضبًا……؟
ألن أخسر نقاطًا أكثر إن دخلتُ الآن؟
لكن تردّدي لم يَدُم طويلًا.
قرّرتُ الدّخول أوّلًا، والتّفكير بعد ذلك.
لا أستطيع أن أُضَيِّع وقتي وقد وصلتُ إلى هنا، لا سيّما أنّ لديّ ما أُسلِّمه له اليوم.
أخذتُ نفسًا عميقًا، ثمّ فتحتُ الباب بقوّة ودخلتُ.
“مرحبًا، يا صاحب السّمو!”
ارتجف بؤبؤا “أكسيل” قليلًا وهو ينظر إليّ. بدَا وكأنّ لمحةً من ارتباكٍ مرّت بعينيه.
انتظرتُ قليلًا، لكنّه لم يُجب. فناديتُه ثانية:
“يا صاحب السّمو؟”
“……ألَم تقولي إنّكِ لن تأتي؟ ظننْتُ أنّكِ قد تخلّيتِ.”
“إيه، التّخلّي ماذا؟ قلتُ فقط إنّني لن آتي البارحة! ثمّ لا يزال أمامنا ثلاثة أشهر.”
توتّرتُ قليلًا بسبب تحذير “زينون”، لكن ردَّه كان طبيعيًّا، كما عهدتُه. لا فرق عمّا اعتدتُه منه.
منحتني تلك الطّمأنينة جرأةً لأقترب منه أكثر.
“على أيّة حال، يا صاحب السّمو. هل تُخمِّن ما أحضرتُه اليوم؟”
“……ما هو؟”
بدَا أكثر هدوءًا من المعتاد.
حسنٌ، لا بأس!
بشيءٍ من الحيرة، أخرجتُ الكتاب الّذي أعددتُه، ثمّ هتفتُ بمرح:
“تادا! قائمة الأسئلة المئة الّتي يتبادلها العُشّاق!”
لكنّها في الحقيقة لم تكُن سوى مئة سؤال أُريد أن أسأل “أكسيل” إيّاها.
“…….”
“لا بدّ من أن أعرف ما يُحبّه ويكرهه زوجي المُستقبلي، أليس كذلك؟”
أضفتُ: “يمكنك إنجازها إلى موعد لقائنا القادم!”
ولم أُمهله ليرفض. بل أشغلتُه، وانتقلتُ سريعًا للمرحلة التّالية.
بحثتُ في حقيبتي كالتّاجر، وأخرجتُ آلة التّصوير أُريه إيّاها بفخر.
قطّب “أكسيل” جبينه قليلًا.
“……آلة تصوير؟”
“وأُريد أن ألتقط بها بعض الصّور لك، يا صاحب السّمو. هل تسمح لي؟”
لا بدّ من أخذ إذنه قبل أن أشرع في صناعة بطاقات الصّور. لا أُريد أن أبدو كالمُتسلِّل المُريب.
“…….”
“لا تُريد؟ حقًّا……؟”
ضممتُ يدي إلى صدري، ونظرتُ إليه بعينين بريئتين متوسِّلتين.
وفي تلك اللحظة، لمحْتُه يتردّد قليلًا.
إنّه الذّنب، بلا شك. ما زال يشعر بشيءٍ من تأنيب الضّمير تُجاهي بسبب ما حدث في المرّة الماضية.
لو ضغطتُ أكثر، فسيُوافق.
لم أُضيِّع الفرصة. أرخيتُ عينيّ وأظهرتُ حزنًا مُفرطًا في صوتي:
“مع أنّني تألّمتُ بسببك قبل أيّام، وذرفتُ دموع الحزن خفيةً……؟”
بالطّبع لم يحدث شيءٌ من ذلك. كنتُ أغلي غضبًا لا أكثر، لا دموعًا ولا هم يحزنون.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"