قال الرّجل إنّ ترميم ألوان الصّورة سيستغرق أسبوعين على الأقلّ، وربّما شهرًا.
أخبرنا أنّه سيرسل رسالةً بمجرّد اكتمال التّرميم، فعدنا إلى منزل دولوريس.
مرت فترةٌ من التّوتّر، وبعد حوالي أسبوعين، لم تصلنا رسالةٌ من متجر الفنون، بل وصل كارلايل.
“لقد جئتَ أسرع ممّا توقّعت.”
دهشتي جعلت كارلايل يجيب بلامبالاة:
“في الحقيقة، شعرتُ بحدسٍ ما قبل وصول الرّسالة. شعرتُ أنّنا بحاجةٍ للحديث وجهًا لوجه.”
جلسنا معًا في غرفة المعيشة.
بدا أنّ آمون سيحضر الشّاي، لكنّه سأل قبل أن يرشف كارلايل رشفةً واحدة:
“لماذا شعرتَ بهذا الحدس؟”
“لأنّني أعرفك.”
تجوّل كارلايل بعينيه في المنزل بنظرةٍ مرتاحة، ثم تابع:
“أنت كثير الشّكوك، حتّى لو أكّدتُ لك، ستظلّ لديك أسئلة. محتوى الرّسائل محدود، فما الذي تريد معرفته؟ بل قبل ذلك، هل وجدتما شيئًا هنا؟ هل حصلتما على شهادة؟ لمَ لا زلتما هنا؟”
لم يكن كارلايل يعرف أنّ دولوريس فاقدةٌ للوعي، لأنّنا لم نخبره بعد، وها هو يهاجمنا بالأسئلة.
شرحتُ له بسرعة ما حدث.
عندما سمع أنّ دولوريس ملقاةٌ في الغرفة فاقدةً للوعي، فتح عينيه بدهشة.
وعندما أخبرته عن الصّورة التي نعتقد أنّها للجاني، طالب برؤيتها فورًا.
“أرني إيّاها.”
“لقد تركناها في متجر الفنون لترميم ألوانها.”
“ألوانها؟… تقصدان تحديد الجاني بلون الشّعر أو العينين؟”
“في الوقت الحالي، نعم.”
تدخّل آمون وقال:
“لدينا مشتبهان رئيسيّان. إن تطابقت الألوان تمامًا مع أحدهما، يمكننا التّأكّد.”
“تقصد فالدي وسيلينا… ألم أقل إنّ الجاني فتى؟ بناءً على منطقك، أليس الجنس أدقّ من لون الشّعر؟”
“صحيح، لكن…”
تردّد آمون، فأطلق كارلايل تنهيدةً عميقة.
“حسنًا، حان الوقت لسماع سبب استدعائي إلى هنا. ما زلتَ لا تثق أنّ الجاني فتى؟”
“ليس أنّني لا أثق.”
دافعتُ عن آمون:
“لو رأيتَ الصّورة، لفهمتَ يا سيّد يوستي. من الخارج، كان من الصّعب تحديد الجنس. لا نقول إنّ تحقيقك خاطئ، بل ربّما أخطأت رئيسة الخادمات والخدم.”
“كلا، لم يتردّدوا أبدًا. كانوا واثقين تمامًا أنّه فتى. لو كان مجرّد خطأ، هل كانوا ليتأكّدون هكذا؟!”
رفع كاؤلايل صوته بانفعال، فرفع آمون يده لتهدئته وقال:
“لهذا استدعيتك، لنسمع التّفاصيل. الغضب يمكن أن ينتظر.”
“… لم أغضب. أعتذر، سيّدتي.”
“لا بأس.”
أخذ كارلايل نفسًا عميقًا، رشف من الشّاي، ثم بدأ:
“أوّلًا، يجب أن أخبركما أنّ التحقيق في خدم عائلة بوليف آنذاك كان صعبًا.”
“لماذا؟”
“رئيسة الخدم التي ذكرتها السيّدة هي الوحيدة التي لا تزال تعمل هناك. مرّ وقتٌ طويل، فهذا ليس غريبًا، لكن كان هناك شيءٌ غامض.”
تحدّث كارلايل دون توقّف:
“قبل عشرات السّنين، بعد فترةٍ قصيرة من تبنّي الجاني المفترض، طُرد جميع الخدم بشكلٍ جماعي.”
“طُردوا؟”
“ظاهريًّا، لأسبابٍ مختلفة. منهم من ترك العمل بسبب المرض، ومنهم من طُرد لأخطاءٍ مقنعة. لكن السبب الحقيقي كان آخر.”
“لأنّهم كانوا يعرفون عن الجاني، الطّفل المتبنّى.”
تمتم آمون بهدوء، وهو يستمع.
أومأ كارلايل.
“لكن، هل يكفي طرد الخدم لإخفاء ذلك؟ أعني…”
طرحتُ سؤالًا كان يشغلني:
“لم يُتبنى وهو رضيع، بل كان في العاشرة تقريبًا. أليس من الطّبيعي أن يثير طفلٌ في هذا العمر الشّكوك؟”
“عائلة بوليف معروفةٌ بأجوائها المغلقة. هذا ينطبق على النّبلاء الآخرين أيضًا، لكنّهم متشدّدون بشكلٍ خاص.”
تذكّرتُ يوم زيارتي إلى عائلة بوليف مع آمون للتّحقيق، وتذكّرتُ الأحداث الأصليّة.
كيف لم تنتشر أيّ إشاعةٍ عن هوس راسيل العنيف بـ باميلا خارج العائلة.
“حتّى لو ظهر طفلٌ في العاشرة فجأة في المجتمع، لم يكن ليثير شكوكًا كبيرة.”
“حسنًا…”
“بالطّبع، لا يمكن إخفاء الإشاعات تمامًا. لا نعرف الآن، لكن ربّما انتشرت شائعاتٌ في المجتمع آنذاك. قد يكون هذا سببًا لتمكّن الدّوق سبينسر من تضييق نطاق البحث عن الجاني بسرعة.”
أومأتُ بهدوء، فحثّه آمون:
“تابع. ماذا حدث بعد أن وجدتَ الخدم؟”
“كان العثور عليهم صعبًا جدًّا. أسماؤهم وعناوينهم اختفت.”
تحدّث كارلايل بنبرةٍ متفاخرة، ثم تابع:
“لحسن الحظّ، مرّ وقتٌ طويل. من كانوا يخافون فتح أفواههم قبل عشرات السّنين، تحدّثوا الآن بسهولة. لم أكشف أنّني من الفرقة، وكلّفني ذلك بعض المال.”
ابتسامته المتفاخرة بسخرية ذكّرتني بكليفورد.
هززتُ رأسي وسألت:
“وماذا بعد؟”
“طلبتُ منهم أن يخبروني كلّ ما يعرفونه عن الطّفل المتبنّى. أجابوا بالإجماع.”
توقّف كارلايل للحظة، ثم تحدّث بثقة:
“قالوا إنّ دوق بوليف أحضر فتى من علاقته بحبّه الأوّل.”
ساد صمتٌ قصير الأجواء.
تحدّث آمون، محافظًا على تعبيره الصّلب:
“مصدر الإشاعة؟”
“كما تعلم، الإشاعات لا مصدر لها.”
“إذن-“
“أعرف ما تريد قوله، لكن ثقتي جاءت من سببٍ آخر.”
قاطع كارلايل آمون وقال:
“وجدتُ خادمًا التقى الطّفل مباشرة.”
خادمًا التقاه؟ التفتُّ إلى كارلايل.
ردّ آمون:
“كما قلت، من المستحيل تمييز الجنس من الخارج تمامًا. حتّى لو التقاه-”
“قال إنّه كان يخدمه أثناء الاستحمام. وبالطّبع، كان خادمًا ذكرًا.”
ساد صمتٌ آخر، أطول هذه المرّة.
نظرتُ إلى آمون خلسة.
كان واضحًا أنّه يفكّر مثلي.
خادمٌ ذكرٌ خدمه أثناء الاستحمام.
هذا يعني بلا شكّ أنّ الطّفل ذكر.
لا مجال للإنكار.
الطّفل المتبنّى فتى، والجاني رجل.
“هل اقتنعتَ الآن؟ هل بدأتَ تثق بي ولو قليلًا؟”
سأل كارلايل بنبرةٍ متعالية.
فهمتُ ردّة فعله.
لو كنتُ مكانه، لشعرتُ بالإحباط من إنكار آمون لهذه المعلومات الواضحة.
“… حسنًا، إذن لننتظر التّرميم.”
نهضتُ لتخفيف التّوتّر وقلت:
“إن تطابقت ألوان الشّعر والعينين مع فالدي بوليف، فهو الجاني بالتّأكيد.”
“… نعم.”
أجاب آمون بنبرةٍ مكبوتة.
استغلّ كارلايل الفرصة للمزاح:
“آسف، يبدو أنّك أردتَ أن تكون سيلينا الجاني، لكن الأدلّة تشير إلى العكس.”
لم يقلها صراحةً، لكن كارلايل كان يفكّر بالطّريقة ذاتها عنّي.
أنا أيضًا لم أثق بكلامه وكنتُ أشكّ في سيلينا.
“لم تأمرني، لكنّني بدأتُ التّحقيق عن فالدي بوليف بالفعل. لا تقلق، ستظهر أدلّةٌ قريبًا.”
تحدّث كارلايل بحماسٍ لآمون الصّامت.
مررتُ بجانب آمون، الذي كان يحدّق في الطّاولة، ووقفتُ أمام غرفة دولوريس.
قلتُ وكأنّني أتهرّب:
“أقلق على دولوريس وهي وحيدةٌ دون ممرّضة… سيّد يوستي، ألا تريد رؤية الغرفة؟ ألستَ فضوليًّا؟”
هزّ كارلايل كتفيه دون كلام، بوجهٍ يقول إنّه سيستمتع بإزعاج آمون أكثر.
نظرتُ إلى ظهر آمون المنحني، وفتحتُ باب غرفة دولوريس بجبن.
كانت دولوريس لا تزال ملقاةً على السّرير دون حراك.
جلستُ على الكرسيّ بجانبها وحدّقتُ بها.
حان الوقت للتّخلّي عن التّردّد.
يجب أن أعترف أنّ فالدي هو الجاني الأرجح، وأن نتابع التّحقيق بشأنه.
‘إذن، ماذا عنّي الآن؟’
أطلقتُ تنهيدةً طويلة.
في تلك اللحظة، تحرّك أصبع دولوريس فجأة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 99"