دخلتُ إلى الغرفة التي ترقد فيها دولوريس، ونظرتُ إليها بهدوء.
عندما فكّرتُ أنّها قد تكون ضحيّة الجاني أيضًا، شعرتُ بضيقٍ في صدري.
‘هل سنتمكّن قريبًا من القبض على الجاني الحقيقي؟’
بالطّبع يجب أن نفعل.
من أجلها، ومن أجل آمون أيضًا، يجب أن نفعل…
لكن القبض على الجاني يعني إنهاء القضيّة، ويعني اقتراب وقت الاختيار الذي لا يمكنني الهروب منه.
“هاه…”
أطلقتُ تنهيدةً قصيرة، فانتقلت عيناي فجأة إلى إطارٍ موضوعٍ على منضدةٍ بجانب السّرير.
كان يحتوي على صورةٍ لفتىً صغير، لكنّ الصّورة كانت أصغر من الإطار، فظهرت مساحةٌ فارغة.
كانت الصّورة باهتةً جدًّا، وأطراف الورقة مهترئة، بل إنّ أحد جوانبها ممزّق.
بدت كأنّها وُجدت ملقاةً في مستودع.
قبل أيّام، عندما كنّا ننظّف منزل دولوريس بحثًا عن أدلّة، وجدتُ هذه الصّورة.
ظننتُ أنّها لابنها، فنظّفتها ووضعتها في إطارٍ مناسب.
‘ربّما كانت حالتها النّفسيّة صعبةً لدرجة أنّها أهملت صورة ابنها.’
بينما كنتُ أنظر إلى الإطار دون تفكير، شعرتُ فجأة بشيءٍ غريب.
أهملتها؟
نهضتُ من مكاني وخرجتُ إلى غرفة المعيشة.
حدّقتُ في الإطارات المعلّقة على الحائط:
صورةٌ لدولوريس وابنها، وجوائز يُفترض أنّ ابنها حصل عليها.
لم يكن هناك ذرّة غبارٍ على هذه الإطارات.
لم يكن ذلك بسبب تنظيفنا.
منذ زيارتنا الأولى لمنزل دولوريس، كانت هذه الزّاوية نظيفةً بشكلٍ لافت.
إذا كانت تحتفظ بكلّ ما يتعلّق بابنها بهذه النّظافة، فلماذا أهملت تلك الصّورة وكأنّها تخلّت عنها؟
عدتُ إلى الغرفة، حملتُ الإطار، وبدأتُ أقارن الصّور بعناية.
الصّورة المهملة كانت لفتى لم يتجاوز العاشرة، بينما صورة غرفة المعيشة كانت لرجلٍ بالغ تقريبًا، فلم تتطابق بسهولة.
خاصّةً أنّ الصّورة المهملة كانت باليةً جدًّا.
لكن، بعد تأمّلٍ طويل، وجدتُ اختلافًا واضحًا واحدًا.
الأذن.
شكل صيوان الأذن كان مختلفًا تمامًا.
في صورة غرفة المعيشة، كانت أذن الرّجل متدلّيةً بشكلٍ غريب.
شعرتُ بقشعريرة.
حدّقتُ في الإطار بين يديّ بدهشة.
صورة غرفة المعيشة كانت مع دولوريس، فهي بالتّأكيد لابنها.
‘إذن، من هو صاحب هذه الصّورة؟’
وقفتُ وسط غرفة المعيشة، محمّلةً بحدسٍ غامض، عندما فُتح الباب فجأة.
“سيّدتي.”
التفتّ، فكان وجه آمون المتورّد يواجهني.
* * *
“تقول إنّهم أخطأوا في تحديد الجنس؟ رئيسة الخادمات والخدم جميعًا؟”
“ليس مؤكّدًا، لكنّني أعتقد أنّ هناك احتمالًا لذلك.”
جلسنا معًا على أريكة غرفة المعيشة كما قبل خروجه.
تابع آمون:
“ألم تقل دولوريس ذلك بوضوح؟ كانوا يقصّون شعر الأطفال قصيرًا ويلبسونهم ملابس متشابهة. أطفالٌ لم يبلغوا العاشرة، لم يأكلوا جيّدًا، فبالتّأكيد لم يكونوا في حالةٍ بدنيّةٍ جيّدة.”
“لكن، لو كان السبب بهذه البساطة، ألم يكن من المفترض أن يقولوا إنّهم لا يعرفون إن كان فتى أم فتاة؟ غريبٌ أنّهم أكّدوا بثقةٍ أنّه فتى.”
“هذا ما أثار استغرابي أيضًا، لذا كتبتُ لكارلايل أطلب منه القدوم إلى هنا. نحتاج أن نسمع ما قاله الخدم بالضّبط. لكن…”
انتقلت نظرة آمون إلى الإطار الذي أمسكه بقوّة.
“لماذا تحملين هذا فجأة؟ هل وجدتِ شيئًا؟”
كان واضحًا أنّه رأى تعبيري الشّارد وأنا واقفةٌ في غرفة المعيشة.
أومأتُ برأسي وناولته الإطار.
“هذه الصّورة. وجدتُها أثناء التّنظيف قبل أيّام، ويبدو أنّها ليست لابن دولوريس.”
“ماذا؟”
شرحتُ بسرعة ما حدث،
“قارن أذنيهما.”
مثلي، تأمّل آمون الصّورتين لوقتٍ طويل، ثم أومأ ببطء.
“صحيح، أراهما مختلفتين بعينيّ.”
“أليس كذلك؟ ألا يبدو الأمر غريبًا؟ إذن، من هو هذا الفتى؟”
أخرج آمون الصّورة من الإطار ونظر إليها عن قرب، ثم قال فجأة:
“ربّما ليس فتى. ربّما يبدو كذلك بسبب شعره القصير، لكن لا يمكننا التّأكّد من جنسه.”
“… صحيح.”
ظننتُ أنّه ابن دولوريس، فافترضتُ أنّه فتى، لكن كلام آمون كان منطقيًّا.
“بما أنّك ذكرتَ ذلك… هذه الملابس أيضًا.”
أشرتُ إلى الصّورة في يده وقلت:
“ألا تبدو باليةً جدًّا؟”
كانت الصّورة باهتةً وصغيرةً بحجم الكفّ، فلم يكن من السّهل ملاحظة ذلك، لكن كلّما نظرتُ، زاد شعوري بالغرابة.
‘هل لأنّني بدأتُ أفكّر بهذه الطّريقة؟’
شعر الطّفل بدا مقصوصًا بعشوائيّة، وملابسه كأنّها خرقةٌ قديمة.
بل إنّ الرّسم نفسه، مقارنةً بصورة غرفة المعيشة، كان بسيطًا في التّفاصيل والفرشاة، كأنّه رُسم بلا اهتمام، وكأنّه واجبٌ أُنجز دون شغف.
كان هناك أيضًا ظلٌّ خافتٌ على الجانب الممزّق.
“ماذا تريدين قوله؟”
وضع آمون الصّورة على ركبته ونظر إليّ.
تردّدتُ ثم قلت:
“… أظنّ أنّك تفكّر في الأمر ذاته، أليس كذلك؟”
“تقصدين أنّ هذا الطّفل قد يكون الجاني؟”
تقابلت أعيننا في الهواء.
أومأتُ ببطء.
“شعرٌ مقصوصٌ بعشوائيّة، ملابس بالية، صورةٌ رُسمت بلا مبالاة… ماذا لو كانت دار الأيتام قد رسمت صورًا جماعيّةً للأطفال؟ ليست ممزّقة، بل قُطعت هذه القطعة من صورةٍ جماعيّة.”
“إذن، لماذا احتفظت دولوريس بهذه الصّورة مقطّعة؟”
“ربّما بطلبٍ من الدّوق سبينسر. ربّما عندما عرف هويّة الجاني، جمع الأدلّة.”
من أعماق هذا الكهف، ظهر رجلٌ شابٌّ بشعرٍ طويلٍ مضفور.
كان نحيلًا مثلي، خرج وهو يمسح الطّلاء عن يديه.
“نحن من فرقة الفرسان الزرق. هل أنت صاحب المتجر؟”
“نعم، ما الذي تريدونه؟”
أظهر آمون بروشًا بسرعة واقترب من الرّجل بخطىً واثقة.
جمعتُ نظري المنشغل بالرّسومات وتبعته.
“جئنا لنسأل عن ترميم الصّور.”
“هذا مكانٌ لبيع وشراء الأعمال، لا نقوم بالتّرميم.”
“هل تعرف أحدًا قريبًا يقوم بالتّرميم؟ لا يهمّ إن كان بعيدًا قليلًا.”
عند سؤال آمون، عقد الرّجل ذراعيه وعبس.
بدا وجهه الحادّ أكثر حدّة.
“قلتم فرقة الفرسان الزرق؟ هل تريدون ترميم صورةٍ تتعلّق بقضيّة؟”
“… صحيح.”
تردّد آمون ثم أومأ.
فكّر الرّجل قليلًا، ثم خلع واقي ذراعه ومدّ يده.
“هاتوها إذن.”
“قلتَ إنّكم لا تقومون بالتّرميم…”
“ترميم عملٍ فنّي بقيمته يحتاج إلى مهارةٍ خاصّة. لكن إن كنتم تريدون معلوماتٍ للتّحقيق فقط…”
أومأ الرّجل برأسه كأنّه يطالبنا بها.
نظر إليّ آمون بإحراج.
أخرجتُ الصّورة، الملفوفة بمنديلٍ بعدّة طبقات، من صدري بحذر.
قبل تسليمها، سألتُ للتّأكّد:
“إنّها صورةٌ قديمةٌ جدًّا، ألوانها باهتة. هل يمكن معرفة ألوانها الأصليّة؟”
هزّ الرّجل يده وأومأ كأنّه يقول أعطني إيّاها.
“لا يمكنني تمييز أزرق البحر عن أزرق السّماء، ولا أحمر الظّهيرة عن أحمر الغروب. لكن للتّحقيق، يكفي أن تعرفوا إن كان أزرق أم أحمر، أليس كذلك؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 98"