لكن العجوز فتح باب الغرفة على مصراعيه دون أيّ مبالاة بحذرنا، وأشار إلينا قائلًا:
“هيّا، ادخلوا.”
تبعتُ آمون إلى الدّاخل، فكانت أوّل صورةٍ رأيتها هي دولوريس مستلقيةً على السّرير.
توقّفتُ مصدومةً للحظة.
بدت دولوريس ضعيفةً لدرجة أنّني ظننتها جثّة هامدة.
“هل هي مريضة؟”
بعد أن تفحّص آمون الغرفة بسرعة وتأكّد من خلوّها من أيّ خطر، أبعد يده عن خصره وسأل.
أومأ العجوز برأسه.
“لم تكن حالتها جيّدةً أصلًا، لكنّها انهارت فجأةً قبل أيّام. لو لم آتِ لزيارتها، كونها عجوزًا تعيش بمفردها، لكانت قد ماتت لا محالة.”
تحدّث العجوز بفخرٍ وهو ينفش صدره.
اقتربتُ بحذرٍ لأتفقّد حالة دولوريس.
“هل زارها طبيب؟”
“جاء الطّبيب الوحيد في القرية وفحصها، لكنّه قال إنّها تعاني من التّيه العقلي فقط. طبيبٌ أكبر سنًّا منّي يقول إنّها مصابة بالتّيه العقلي! مضحكٌ نوعًا ما، أليس كذلك؟”
التّيه العقلي.
جلستُ بجانب سرير دولوريس، ولمستُ يدها الموضوعة فوق الغطاء بحذر.
كانت بشرتها جافّةً كعاصفةٍ رمليّة في فيديل.
“إذن… ما الذي جاء به الفارس إلى هنا؟”
لاحظتُ فجأةً بريق الفضول في عيني العجوز.
“سمعتُ أنّ فارسًا زار القرية مؤخّرًا، هل أنت هو؟ قالوا إنّه يحقّق في شأنٍ يتعلّق بدار الأيتام…”
كانت قريةً هادئةً صغيرةً يغلب عليها كبار السّن، فمن الطّبيعي أن تنتشر الإشاعات بسرعة.
ربّما كان هذا العجوز نفسه مصدر تلك القصص التي رواها لنا عن دولوريس ومدير دار الأيتام.
تحدّث آمون بنبرةٍ حازمة:
“إنّها أمورٌ سرّيّة تتعلّق بالتّحقيق، لا يمكنني الإفصاح عنها.”
“هيّا، ربّما أعرف شيئًا يفيدكم!”
“يجب أن أسأل السّيدة دولوريس مباشرةً. أعتذر.”
بدت خيبة الأمل واضحةً على وجه العجوز، فشبّك شفتيه.
“وما الذي تريد سؤاله لعجوزٍ مستلقيةٍ كأنّها ميتة؟”
ثم استدار وقال:
“حسنًا، سأذهب الآن. حاول أن تسأل عجوزًا فاقدةً للوعي إن استطعت!”
كانت حركاته بطيئةً كمن ينتظر أن نوقفه، لكنّ آمون لم يتحرّك.
وبعد أن أنهى العجوز ترتيب ملابسه، استسلم أخيرًا وغادر الغرفة.
أغلق الباب بعنفٍ خلفه، فهرعتُ إلى النّافذة.
رأيتُ ظهر العجوز يبتعد بسرعةٍ خلف تلال الرّمال.
“… قريبًا ستنتشر هذه القصّة في كلّ مكان.”
“بالفعل.”
“إذن، ما العمل؟”
عدتُ لأنظر إلى دولوريس بنظرةٍ شاردة.
“أن تفقد وعيها هكذا…”
توقّعتُ أنّها قد لا تتذكّر لأنّ الأمر حدث منذ زمنٍ بعيد، أو أنّها قد تتهرّب من الإجابة، لكنّني لم أتخيّل أن تكون فاقدةً للوعي بهذا الشّكل.
هكذا، لا سبيل للحصول على إجابة.
رفع آمون رأسه، وهو ينظر إلى دولوريس بنفس الطّريقة، وقال:
“أوّلًا، يجب أن نستدعي أفضل طبيبٍ في المنطقة. علينا تشخيص حالتها بدقّة، ثمّ نحدّد الخطوة التّالية. لقد وصلنا إلى هنا، لا يمكننا العودة خاليي الوفاض.”
كان آمون محقًّا.
ربّما تملك دولوريس مفتاحًا حاسمًا للقضيّة.
نظرتُ حول الغرفة الصّغيرة وقلت:
“إذن، يجب أن نبقى هنا لبعض الوقت.”
* * *
هكذا بدأت حياتنا في فيديل.
تحرّكنا بسرعة.
أوّلًا، عدنا إلى النزل، وحملنا أمتعتنا الضّروريّة، وتركنا مذكّرةً تحمل عنوان منزل دولوريس.
“إذا وصلت أيّة أخبارٍ لآمون سبينسر، أرجو إيصالها إلى هذا العنوان.”
حدّدنا النزل كوجهةٍ لتلقّي أخبار فرقة الفّرسان.
بعد ذلك، استأجرنا طبيبًا وممرّضة، واشترينا ما يلزم للإقامة في منزل دولوريس.
لم يكن خيار البقاء في النزل وتلقّي الأخبار من الممرّضة مستبعدًا، لكنّ البقاء قرب دولوريس مباشرةً كان أفضل.
قد نفوّت لحظة استيقاظها، أو ربّما نجد دليلًا ما في منزلها.
هكذا، كانت هذه اللّيلة الأولى التي نقضيها في منزلها.
“أشعر ببعض التّردّد للبقاء هنا دون إذنها.”
جلستُ عند رأس سرير دولوريس وأنا أتحدّث، فأجاب آمون وهو يفرش غطاءً في غرفة المعيشة:
“لا يوجد من يعتني بها، أليس من الأفضل اعتبار هذا عملًا صالحًا؟”
“هذا صحيح، لكن…”
كان رأي أهل القرية مشابهًا.
حين تجوّلنا في القرية نهارًا وأخبرناهم أنّنا سنعتني بدولوريس، بدوا وكأنّهم تخلّصوا من عبءٍ كبير.
ليس من السّهل الاعتناء بغريب، خاصّةً أنّ دولوريس لم تكن تتمتّع بسمعةٍ جيّدة بسبب حالتها العقليّة غير المستقرّة.
‘نعم، نحن نعتني بعجوزٍ وحيدة، لكنّ شعوري بالذّنب يأتي من دوافعنا الأخرى.’
خطّطتُ لتفتيش منزل دولوريس أثناء إقامتنا هنا.
حتّى لو لم أجد مضمون الرّسالة التي أرسلتها إلى دوق سبينسر، كنتُ آمل أن أعثر على أيّ دليلٍ متعلّق بدار الأيتام.
“بالمناسبة، هل السبب هو ابنها؟”
دخل آمون الغرفة فجأة، وأومأ برأسه باختصارٍ لسؤالي.
“على الأرجح.”
فحص الطّبيب الذي استأجره آمون دولوريس اليوم لأوّل مرّة، لكنّ تشخيصه لم يختلف كثيرًا: التّيه العقلي بلا اسم مرضٍ محدّد.
أضاف أنّ التّدهور الشّديد والسّريع في حالتها قد يكون بسبب عوامل نفسيّة.
كلّ ما استطعنا التّفكير به كان موت ابنها.
“عندما التقيناها سابقًا، لم تبدُ بهذا السّوء. هل حدث شيءٌ في هذه الفترة؟”
تمتمتُ بحزن، فنظر آمون إلى دولوريس، متّكئًا على الحائط، وقال:
“ليس بالضّرورة أن يكون قد حدث شيء. ربّما وصلت مشاعر الفقدان والوحدة التي تراكمت إلى نقطة الانهيار.”
صمتُّ بهدوء.
كلمات آمون جعلتني أفكّر في ماضيه.
هل وصل هو أيضًا إلى نقطة الانهيار تلك؟
هل فقد القدرة على الكلام وأنكر كلّ شيء؟
“قال الطّبيب إنّه سيبدأ العلاج بأدويةٍ منشّطةٍ غدًا، لذا لا خيار لنا سوى الانتظار.”
“نعم…”
“هيّا إلى غرفة المعيشة، لقد أعددتُ مكان النّوم.”
خرج آمون من الغرفة أوّلًا.
تبعته إلى غرفة المعيشة، وتوقّفتُ فجأةً أمام المشهد.
كانت الغرفة مظلمةً تمامًا باستثناء مدفأةٍ صغيرةٍ تتوهّج.
دفعنا الأريكة إلى الزّاوية لنفسح مكانًا صغيرًا، أصغر من غرفتي في مقرّ الفّرسان.
في هذا المكان الضّيّق، كان هناك غطاءان غير مفرودين بالكامل موضوعان جنبًا إلى جنب.
تردّدتُ وأنا واقفة، فخلع آمون معطفه واستلقى على الغطاء الخارجي.
نظر إليّ بوجهٍ هادئ وقال:
“يبدو أنّكِ متعبة، يا سيّدتي، استلقي.”
كنتُ أعلم.
كان قد نام مئات المرّات في العراء مع رفاقه الفّرسان، وهذا الموقف لا يختلف كثيرًا عن التخييم لأجل التّحقيق.
فضلًا عن ذلك، كثيرًا ما خيّمنا معًا أثناء تنقّلنا بين فيديل.
‘التّخييم كان أفضل.’
صوت الحطب المتطاير، الجوّ الهادئ الذي خلّفه، ونظرات آمون وهو مستلقٍ ينظر إليّ.
كان يجب أن أتوقّع هذا منذ قرّرنا البقاء هنا.
“… سيّدتي؟ هل أنتِ بخير؟”
عند صوت آمون الخافت، شددتُ قبضتي ووجهي يحمرّ خجلًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 95"