منذ أن أصرت على الخروج لتناول العشاء فجأة، شعرتُ أن هناك شيئًا غريبًا، لكن جوليا اليوم بدت غريبة جدًا.
كانت غارقة في أفكارها طوال العشاء، ثم فجأة بدأت تتحدث بلا توقف عن شائعات تنتشر بين الناس، وهي أمور لم تكن لتتحدث عنها عادةً.
كأنها تخشى أن يتحدث آمون عن القضية مجددًا إذا ساد الصمت.
ثم، بعد انتهاء العشاء، سحبت آمون إلى مسرح في الهواء الطلق في الساحة.
“هيا بنا نشاهد هذا!”
تبع آمون جوليا بطاعة، اشترى التذكرتين، وجلسا، لكنه لم يستطع إخفاء حيرته.
‘ما الذي حدث في النهار بالضبط؟’
ما إن أُطفئت الأضواء معلنة بدء العرض، غرقت المقاعد في الظلام.
تجمعت كل الأنظار على المسرح المضاء الوحيد، باستثناء آمون.
استغل الظلام لينظر خلسة إلى جوليا الجالسة بجانبه.
كانت تنظر إلى المسرح بعيون متلألئة تحت الضوء الخافت.
يبدو أنها، رغم اختيارها العرض كوسيلة للهروب، أصبحت مهتمة به بمجرد بدئه.
على المسرح الذي جذب انتباه جوليا، كان أشخاص يرتدون أقنعة مختلفة يتحركون ويتلوون حواراتهم.
نظر آمون بلامبالاة إلى رجل راكع يتلقى نبوءة.
‘كلها مجرد قصص خيالية مختلقة.’
عندما أدار رأسه إلى الجانب، كانت جوليا، على عكسه، منغمسة تمامًا في العرض.
كانت تتابع كل كلمة، كل حركة، وكل تغيير في ديكور المسرح دون أن تفوت شيئًا.
كانت تعابير وجهها المضاءة بالأضواء واضحة تمامًا: تضحك، تتفاجأ، تعبس، ثم تتنفس الصعداء، تبتسم، وتتوتر.
‘قالت إنها تحب الروايات، أليس كذلك؟’
حتى في مكتبة قصر سبينسر، كانت تبحث عن الروايات القليلة وتقرأها بنهم.
ربما حبها للمسرح مشابه لذلك.
جوليا، التي بدت غريبة طوال العشاء، بدت الآن كما هي عادةً.
غرق آمون في كرسيه وأدار رأسه نحوها.
كان أمرًا غريبًا.
لم يكن لديه أي اهتمام بالقصص الخيالية، لكن مشاهدة تعابير جوليا المتغيرة لحظة بلحظة وهي منغمسة في المسرحية كانت ممتعة لدرجة أنه لم يستطع إبعاد عينيه.
على المسرح، كان الرجل الذي عاد إلى القلعة يتحدث مع زوجته عن النبوءة، وأصبحت تعابير جوليا التي تنظر إليه جدية بدورها.
دون أن يدرك، ظهرت ابتسامة هادئة على شفتي آمون.
عندما انتهى العرض، كان الليل قد أظلم تمامًا.
“ألا تشعرين بالبرد؟”
سأل آمون وهو ينظر إلى ملابس جوليا الخفيفة.
التفتت جوليا إليه أخيرًا بعد أن ظلت في مكانها حتى اختفى الممثلون خلف المسرح.
“آه…!”
نهضت فجأة من مقعدها بنبرة تعجب قصيرة، كأنها نسيت وجود آمون بجانبها من شدة انغماسها.
“أنا بخير. هل تشعر أنتَ بالبرد؟”
“أنا بخير.”
“هل نذهب الآن؟”
بدلًا من الإجابة، نهض آمون من مقعده وفسح الطريق لجوليا.
تبعها بعد أن غادرت المقاعد.
“هل استمتعتِ بالعرض؟”
سأل وهو يتوقع إجابة واضحة، لكن جوليا، التي توقع أن تومئ بسرعة، لم تقل شيئًا بشكل مفاجئ.
سأل آمون مجددًا:
“سيدتي؟ ألم يعجبكِ العرض؟”
“كلا، لقد أعجبني. وتحديدًا النهاية.”
النهاية؟
تذكر آمون قصة العرض التي نسيها وهو منشغل بمراقبة تعابير جوليا.
كان العرض يتحدث عن رجل غارق في الطمع يرتكب مذابح بناءً على نبوءة، ثم يصل إلى الهلاك في النهاية.
“ما رأيكَ فيها، سير سبينسر؟”
سألت جوليا بوجه جدي للغاية.
“تقصدين النهاية؟”
“نعم، البطل يموت في النهاية بسبب أفعاله. هذا…”
توقفت عن الكلام وأطلقت تنهيدة طويلة.
“هل تعتقد أن هذا صحيح؟”
نظر آمون إلى تعبير جوليا المتوتر ونظم أفكاره.
كان يتساءل عما إذا كان هناك مفهوم ماهو الصحيح والخاطئ في قصة خيالية، لكن رؤيتها تسأل بجدية جعلته يشعر أنه يجب أن يجيب بجدية أيضًا.
“كما قلتِ، ألم يقتل البطل الكثير من الناس؟ في النهاية، خسر حياته على يد عائلة من قتلهم. اعتقدتُ أنها نهاية عادلة.”
“أليس كذلك؟”
أشرق وجه جوليا قليلًا.
شعر آمون بالارتياح وسأل:
“هل كان ذلك يقلقكِ؟”
“ليس قلقًا بالضبط…”
تلعثمت ثم تقدمت للأمام.
تبعها آمون بسرعة وهي تتجه بلا تردد إلى شارع مظلم.
“سيدتي، سأحضر عربة لنركبها. انتظري قليلًا.”
“لا، ليس بعيدًا جدًا. دعنا نمشي.”
تحركت جوليا دون انتظار إجابة.
كان الجو مظلمًا وباردًا بعد غروب الشمس.
عادةً، كانت جوليا ستختار العربة دون تردد…
‘كما قالت إنها تريد الخروج إلى أي مكان…’
بدت جوليا وكأنها تحاول تأخير العودة إلى القصر بأي وسيلة.
لم يستطع آمون الصبر أكثر، فأمسك بجوليا.
“سيدتي.”
“نعم؟”
في زقاق ضيق مضاء فقط بضوء خافت من مصباح الشارع، نظرت جوليا إلى آمون بوجه مليء بالخوف.
كانت عيناها البنيتان، التي كانت دائمًا ثابتة، ترتعشان، كما لو كانت طفلة ارتكبت خطأً وتحاول إخفاءه.
“ما الذي حدث في النهار؟ هل قال أخي شيئًا قاسيًا مجددًا؟”
“كلا، ليس هذا…”
نفت جوليا بسرعة وأطلقت نفسًا مرتعشًا.
كانت تنظر إلى آمون، لكنها عندما تقابل عينيه، كانت تخفض بصرها كما لو أنها لا تستطيع تحمل ذلك، وكررت فتح فمها وإغلاقه دون كلام.
انتظر آمون بصبر أن تتحدث، مستندًا إلى خبرته الطويلة في التحقيقات، حيث يكون عدم الضغط أفضل في مثل هذه الحالات.
بعد أن مرّ بضعة أشخاص بجانبهم، فتحت جوليا فمها أخيرًا.
“آسفة…”
أغمضت عينيها بقوة وأطلقت كلماتها المكبوتة.
“سمعتُ كل شيء من السيد كليفورد. عن الماضي، عن الأحداث التي وقعت في ذلك اليوم.”
ساد صمت ثقيل في الزقاق الفارغ.
ومض ضوء مصباح الشارع، مُصدرًا ضوضاء خفيفة بدلًا عنهما.
“ذلك اليوم…”
تمتم آمون دون وعي، فترددت جوليا، تعض على شفتيها كما لو أنها لا تستطيع الإجابة.
نظر آمون إلى تعبيرها المليء بالذنب والندم وابتلع ريقه.
لم يكن يحاول إخفاء الأمر عمدًا.
كان يعلم أنها ستعرف يومًا ما بما أن التحقيق بدأ.
لم يكن شيئًا يستحق الاعتذار عنه.
ألم يكن هو نفسه قد اكتشف ماضي جوليا بسبب التحقيق؟
‘ومع ذلك، هذا الشعور…’
لم يكن غضبًا أو استياءً.
لم يكن محرجًا أو مخيبًا للآمال.
كان مجرد… شعور بالخجل.
أدرك آمون مشاعره أخيرًا.
شعر بالعار الشديد.
علمت جوليا بكل شيء.
علمت كم هو إنسان ضعيف.
علمت كيف كان قاسيًا مع كليفورد، الذي عانى من نفس الألم.
كان يعلم أنه ليس شيئًا يخجل منه، ومع ذلك…
لم يرد أن يظهر ضعفه أمام جوليا.
أراد دائمًا أن يكون رجلًا يمكنها الاعتماد عليه.
ربما، دون أن يدرك، كان يحاول محو طفولته المهشمة بحماية جوليا.
لكن ذلك كان دليلًا على أنه لا يزال إنسانًا ضعيفًا ومهتزًا.
‘يا لي من مثير للشفقة.’
مرر آمون يده بقسوة على وجهه.
منذ عقود، لم ينمو ولو قليلًا.
نحو آمون، الذي لم يستطع الكلام بسهولة، أضافت جوليا:
“أعلم أن أي كلام لن يكون سوى عذر. أنا آسفة.”
كانت على وشك البكاء.
كان عليه أن يقول إنه بخير، أن يواسيها…
لكن فمه لم يتحرك.
“سير سبينسر…”
اقتربت جوليا خطوة وأمسكت بكمه بقوة.
أصبح آمون هو من لا يستطيع مواجهة عينيها.
لم يكن لديه الثقة لمواجهة وجهها المليء بالشفقة.
“لا بأس…”
بصوت مكتوم، تمكن بالكاد من قول ذلك، لكن جوليا لم تترك كمه.
“حقًا… سيدتي، أعلم أنه ليس خطأكِ. أنا فقط…”
في اللحظة التالية، توقف كلام آمون لأن جوليا عانقته فجأة.
التعليقات