قال كليفورد بأنه سيروي قصة ماحدث آنذاك، لكنه لم ينبس ببنت شفة حتى انتهى من طعامه.
بعد شرب الشاي بهدوء، قادني أخيرًا إلى الجناح الغربي من القصر.
بالنظر إلى أن الأماكن المسموح لي بدخولها رسميًّا في هذا القصر الكبير محدودة جدًّا، فمن الطبيعي أن الجناح الغربي كان مكانًا لم أزرْه من قبل.
تبعتُ كليفورد إلى غرفة كبيرة.
كانت الغرفة مرتبة بعناية، لكنها تخلو من أي أثر للحياة، فمن المحتمل أنها كانت تُستخدم في السابق من قِبل دوق ودوقة سبينسر عندما كانا على قيد الحياة.
تفحَّصتُ الغرفة ببطء.
كانت الغرفة ذات طابع عتيق يتماشى مع الأجواء العامة للقصر، لكن شعورًا غريبًا بالغرابة كان ينتابني.
“تفضلي بالجلوس.”
كان كليفورد قد جلس بالفعل على السرير، وأشار بذقنه إلى الكرسي أمامه.
ما إن سحبتُ الكرسي حتى أدركتُ مصدر شعور الغرابة الذي تملكني.
“هل هذه الغرفة كانت تُستخدم من قِبل السير سبينسر سابقًا؟”
كل شيء كان على مستوى أقل من المعتاد؛ المكتب، الكرسي، والسرير، كلها مُصمَّمة لراحة طفل.
“نعم، هذا صحيح.”
“لماذا جئنا إلى هنا؟”
“افتحي درج المكتب السفلي.”
تبعتُ تعليماته وفتحتُ الدرج، فوجدتُ بعض الدفاتر بداخله.
“افتحيها.”
قبل أن أشعر بالضيق من نبرته الأمرة، فتحتُ الدفتر.
كانت هناك كتابات غير منتظمة بخط يد طفل صغير،
وكأنها مكتوبة على عجل دون ترتيب، لكن عند التدقيق بدا وكأنها حوار مكتوب مع شخص ما.
لا أريد.
لن آكل.
اخرجْ!!!
أين أمي وأبي؟
أريد أن أنام، اخرجوا جميعًا.
متى سيعودان؟
قلتُ إنني لا أريد؟!
كفى.
قلتُ إنني لا أريد.
أبي قال إنه سيعود اليوم، سأنتظر.
لا أعرف!
اخرجْ من غرفتي!
سأتناول الطعام عندما تعود أمي.
كاذب.
كأن الكلمات كُتبت في الفراغات حسب اللحظة التي عاشها حينئذ،
استمرت الأسطر غير المترابطة عبر عدة صفحات.
كانت معظمها تساؤلات عن مكان والديه، مشحونة بشعور عميق بالقلق والخوف.
“…ما هذا؟”
“ألا تعرفين؟”
“هل كتبها السير سبينسر؟ للحوار مع شخص ما؟”
أشار كليفورد بذقنه كما لو كان يطالبني بالمواصلة، فواصلتُ ببطء:
“بالنظر إلى أن كل شيء مكتوب بخط يد طفل، يبدو أن السير سبينسر وحده هو من دوّنه بدلًا من النطق به. لا بد أن هناك سببًا لذلك.”
“ما رأيكِ في السبب؟”
أعدتُ النظر إلى الدفتر.
من خلال تساؤلاته عن أمه وأبيه، يبدو أن هذا كان بعد وفاة الدوق والدوقة سبينسر.
‘هل لم يُخبَر آمون بوفاة والديه؟’
لكن تصرفات آمون بدت مشحونة بالرعب أكثر من أن تكون مجرد جهل بالحقيقة.
ولو أرادوا إخفاء الأمر عنه حقًّا، لكانوا قد اختلقوا سببًا مقنعًا لإخفائه لبضعة أسابيع على الأقل، لكن عدم فعلهم ذلك كان غريبًا.
وأخيرًا…
‘قال أبي إنه سيعود اليوم.’
ماذا تعني هذه الجملة؟
إذا كان الدوق قد مات، فمن المستحيل أن يكون قد قال هذا.
هل كان آمون يتوهم؟
في تلك اللحظة، تذكرتُ زيارتنا لنائبة مدير دار الأيتام.
كانت تُعدّ الطعام لابنها المتوفى، وتقوم مرارًا لتحضيره.
آمون الذي شهد تلك اللحظة بالتأكيد…
[ستتقبل الأمر قريبًا… أو ربما يكون من الأفضل ألا تعرف الحقيقة أبدًا.]
هل كان بإمكانه الحكم على حالتها بسهولة لأنه مرَّ بنفس التجربة؟
“هل رفض السير سبينسر تقبُّل وفاة والديه؟”
سألتُ بصوت مرتجف.
لم يؤكد كليفورد ولم ينفِ، بل حدَّق بي وواصل الأسئلة:
“لماذا يوجد خط طفل فقط في الدفتر؟”
طفل لم يتقبل وفاة والديه استخدم الكتابة بدلًا من الكلام.
كان المعنى واضحًا.
نظرتُ إلى الحروف المكتوبة بقوة حتى تركت أثرًا، وقلتُ بصعوبة:
“لم يكن يرفض الكلام، بل لم يكن قادرًا عليه…”
من شدة الصدمة، فقد القدرة على الكلام تمامًا.
لم أستطع تخيُّل ما شعر به آمون الصغير، فاكتفيتُ بعضّ شفتي بقوة.
لم يؤكد كليفورد ولم ينفِ هذه المرة أيضًا، لكن صمته كان تأكيدًا كافيًا.
فكَّ كليفورد ذراعيه، واتكأ على السرير وأطلق تنهيدة طويلة.
“…بعد الحادث بوقت قصير، أخبرتُ آمون بكل شيء كما هو. كنتُ أعتقد أنه لم يعد هناك وقت للدلال، لأنني وهو كنا الوحيدين المسؤولين عن القصر.”
كان كليفورد نفسه في الخامسة عشرة تقريبًا آنذاك.
تخيلتُ صورته وهو يتحمل مسؤولية العائلة وأخيه الصغير في لحظة.
“صُدم آمون بالخبر وبدا مكتئبًا. ظننتُ أن هذا كل شيء، حتى أدركتُ لاحقًا أنه لم ينطق بكلمة لأيام.”
غطيتُ فمي بيدي، عاجزة عن إخفاء شعوري بالأسى.
“في حيرتي، سألتُ آمون عن السبب، فبدأ يكتب في الدفتر. قال إن والدينا لم يعودا، وأنه سيتكلم عندما يعودان… شعرتُ أن شيئًا ما ليس على ما يرام.”
“لم يتقبل وفاتهما… إذن، هل أخبرته مرة أخرى؟”
“كلا، كيف يمكنني أن أصدم طفلًا فقد قدرته على الكلام؟ وافقتُ على ما يؤمن به، قلتُ إن أمي وأبي سيعودان قريبًا. ظننتُ أن ذلك هو الأفضل… لكنني كنتُ مخطئًا.”
ارتفع صدر كليفورد وهبط بقوة.
“…ماذا حدث؟”
“كنتُ أعلم أنني لا أستطيع إخفاء الحقيقة إلى الأبد. كان يجب أن أخبره بالحقيقة قبل أن يمر وقت أطول… لكن ليس بهذه الطريقة، ليس بالطريقة الأسوأ.”
شعرتُ بالندم والذنب الشديدين في صوته المكبوت.
نظر كليفورد إلى السقف وأغمض عينيه ثم واصل:
“لم أتحمل. بكيتُ أمام ذلك الطفل…”
ضغطتُ على ركبتي بقوة.
بدا كليفورد صغيرًا جدًّا، كما لو كان ذلك الفتى البالغ من العمر خمس عشرة سنة الذي لم يُسمح له بالحزن وكان عليه تحمل كل شيء.
“كنتُ أخًا يُعتمد عليه بالنسبة له. لم يتخيل آمون أنني سأبكي بهذه الطريقة. كان يجب أن أتحمل حتى النهاية، لكنني…”
“…ليس خطأك، سيد كليفورد.”
“بلى، إنه خطأي.”
رفع عينيه كأنه لا يريد التعزية.
“بسببي، لم يعد آمون قادرًا على إنكار الواقع. استعاد قدرته على الكلام، وتقبل وفاة والدينا، لكنه لم يعد يثق بالآخرين بسهولة.”
كان يتحدث بسرعة وكأنه يحاول محو مشاعره.
“أدرك كم يسهل على الإنسان الضعيف تجاهل الحقيقة. أصبح لا يثق حتى بنفسه.”
فهمتُ لماذا أصبح آمون يُعرف بكونه شخصً مبدئيًا.
لم يعد قادرًا على الثقة بمشاعر الناس المتقلبة، فآمن بالمبادئ الثابتة والأدلة الملموسة.
لم أستطع تقديم التعزية أو الشفقة، ولم يكن بإمكاني حتى الإيماء بالموافقة.
اكتفيتُ بالنظر إلى يدي مطأطأة الرأس.
“…لكن…”
بعد صمت طويل، تكلم كليفورد مجددًا:
“لكن ماذا عنكِ؟”
“…ماذا؟”
رفعتُ رأسي فجأة، فرأيتُ عينيه الحادتين.
“ما الذي يجعل آمون يثق بكِ؟ جعلني أعود إلى القصر، وبدأ التحقيق من جديد… ما الذي حدث؟”
لم يعطني كليفورد فرصة للرد، بل واصل هجومه:
“قال كارلايل أن آمون لا يثق بكِ لأن لديه سببًا، بل لأنه يريد أن يثق بكِ.”
“هذا…”
تحركتْ شفتاي، ثم تنفستُ بعمق.
بعد سماع كل شيء، فهمتُ لماذا كان كليفورد يحترس مني ويستخدم كلمات قاسية.
كان يريد فقط حماية أخيه.
“لا أعرف بالضبط ما يشعر به السير سبينسر. لكن على الأرجح… لأن لديّ ماضٍ مشابه.”
“ماضٍ؟”
بعد كل ما سمعتُه، لم أعد قادرة على إخفاء شيء.
كان دوري الآن.
فتحتُ فمي ببطء:
“لقد فقدتُ والديّ أنا أيضًا.”
أخبرته بسرعة أنني فقدتُ والديّ على يد راسيل، وحاولتُ الانتقام دون جدوى، وأنني أعاني من فقدان ذاكرة لا أعرف سببه.
بالطبع، لم أستطع الاعتراف بكل ما حدث فعلًا، لكنني قلتُ له الحقيقة التي شاركتُها مع آمون.
“وهكذا عقدتُ أنا والسير سبينسر اتفاقًا.
اعتقد أن لديّ معلومات، فتحالفنا مؤقتًا للقبض على المجرم الحقيقي.”
عندما انتهت قصتي، عبس كليفورد وصمت لفترة.
لم يبدُ أنه يعتقد أنني أكذب، لكن بدا أن هناك شيئًا لم يفهمه.
“أردتِ قتله لكنكِ لم تستطيعي، ومع ذلك اتُّهمتِ بالقتل، فتبحثين عن المجرم الحقيقي…”
تمتم كأنه يعيد التفكير، ثم سأل فجأة:
“ماذا ستفعلين إذا وجدتِ المجرم؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 65"