كانت تشرح لي عن الأزهار والأشجار المنتشرة هنا وهناك، وهي تقودني بحماس.
كان حماسها يتناقض مع قامتها الصغيرة التي تمحنها انطباعًا هادئًا.
بالطبع، أنا التي لا أبدي أي اهتمام بهذه الأمور، كنت أترك شروحاتها تتسلّل من أذني دون تركيز،
مفكّرةً كيف يمكنني طرح الموضوع الذي أريد الاستفسار عنه.
فجأة، توقّفت المديرة عن المشي.
نظرت إليّ وسألتني:
“آنستي، هل لديكِ شيء تريدين قوله لي؟”
“… لماذا تعتقدين ذلك؟”
لم أتوقّع أن تسألني بمثل هذه الصراحة، فتوقّفت بدوري عن المشي، ونظرت إليها بتركيز.
قالت بحذر ولكن دون تردّد:
“لأنّ الآنسة في العادة كانت سترفض لو عرضتُ عليها إرشادها في الحديقة.
من خلال متابعتي لكِ خلال الأيام الماضية، لم تكوني من النوع الذي يرحّب بمساعدتي.”
كنت أحافظ على مسافة منها لأنّني لست معتادة على أن يخدمني الآخرون، لكن يبدو أنّ ذلك بدا بهذا الشكل.
ومع ذلك، لم نلتقِ وجهًا لوجه سوى مرّات قليلة، فكيف تذكّرت هذا واهتمّت به؟
‘إنّها شخص يتمتع بنظر ثاقب.’
لم تُظهر أيّ علامة على ذلك ظاهريًّا، فكان هذا أكثر مفاجأة.
“صحيح. في الحقيقة، لديّ سؤال لكِ.”
إذا كانت الأمور كذلك، فلا داعي لأن أطيل الحديث أو أستمر بالإلتفاف حول الموضوع.
“منذ زمن بعيد، عندما كان الدوق سبينسر وزوجته على قيد الحياة، أودّ أن أعرف عن الشخص الذي عمل سائقًا للعربة.”
على الرغم من طرحي للموضوع مباشرة، لم تبدُ المديرة متفاجئة.
أومأت برأسها وتمتمت كما لو كانت تتحدّث لنفسها:
“كما توقّعت، لقد جئتِ إلى هذا القصر بسبب تلك الحادثة. السيّد كليفورد والسيّد آمون أيضًا…”
ثمّ توقّفت للحظة لتستعيد ذكرياتها، وأكملت:
“سائق العربة… صحيح أنّني عملتُ معه في ذلك الوقت، لكن مرّت سنوات عديدة، فلا أتذكّر التفاصيل بوضوح. ما الذي تريدين معرفته؟”
“كلّ شيء. أنا مهتمّة بكلّ شيء.
لا يوجد أيّ وثيقة متبقّية عن ذلك الشخص. لا أعرف إن كان رجلًا أم امرأة، شابًّا أم مسنًّا، طويلًا أم قصيرًا… لا شيء على الإطلاق.”
“ألم يبقَ أيّ وثائق متعلّقة بتعيينه؟”
هززت رأسي نفيًا.
“لم أجد شيئًا. ربّما لم أبحث جيّدًا، لكن…”
“آه، اسمي ميليام.”
لاحظت تردّدي في تسميتها، فذكّرتني باسمها.
من المؤكّد أنّها قدّمت نفسها عندما التقينا لأوّل مرّة، لكنّني مررتُ على الأمر بسرعة.
“آسفة. سيدة ميليام، كيف تتذكّرين ذلك السائق؟”
“لا بأس أن تتحدّثي بأريحيّة. حسنًا، من ذاكرتي، كان السائق شابًّا، ولم يكن له أيّ انطباع مميّز. كان مجرّد شخص عادي يمكن أن تريه في أيّ مكان.”
“تقصدين أنّه لم يكن فيه شيء لافت للنظر؟”
“نعم، هذا ما أتذكّره. كما تعلمين، بما أنّه كان متورّطًا في تلك الحادثة، كثيرون سألوا عنه في ذلك الوقت. وأعتقد أنّني أجبتُ بنفس الطريقة آنذاك.”
“إذن، بما أنّ كثيرين سألوا عنه، فهل يعني ذلك أنّه كان مشتبهًا به في ذلك الوقت؟”
“بالطبع. لقد حقّق الفرسان في الأمر، لكنّني أتذكّر أنّه لم يكن هناك أيّ دليل ضده. لذلك، من المحتمل أنّه عاد إلى مسقط رأسه مباشرة.”
“عاد إلى مسقط رأسه؟”
“نعم، بعد صدمة اكتشافه للجثتين أوّلًا، بالإضافة إلى الاشتباه به، يبدو أنّه عانى من ألم نفسي كبير.”
“أفهم…”
إذا كان ذلك السائق بريئًا حقًّا، فمن الطبيعي أن يتأثّر بهذا الحدث.
اكتشاف جثتين مرميتين داخل عربة فتحها دون تفكير، كان ذلك كفيلًا بترك صدمة نفسية لا تُمحى بسهولة.
“هل تتذكّرين اسمه؟”
عبست ميليام للحظات وهي تفكّر، ثمّ أمالت رأسها متردّدة.
“فيكتور… ربّما كان هذا اسمه.”
“فيكتور…”
“أنا آسفة، ذاكرتي ليست واضحة.”
“لا بأس.”
لوّحت بيدي سريعًا.
لقد مرّت عشرات السنين على الحادثة، ومن المحتمل أنّها حاولت نسيان تلك الذكريات المرعبة.
ربّما عملت هنا منذ صغرها وقضت وقتًا مع الدوق سبينسر وزوجته.
“… هل أنتِ بخير، ميليام؟ لا بدّ أنّ الصدمة كانت كبيرة عليكِ.”
اتّسعت عيناها بدهشة لسؤالي غير المتوقّع، ثمّ ابتسمت.
“لقد مرّ وقت طويل الآن. لكن السيّدين الصغيرين هما من عانيا أكثر. خاصّة السيّد الصغير… على الرغم من أنّه لم يعد صغيرًا بعد الآن.”
“السيّد الصغير، تقصدين السير سبينسر، أي آمون سبينسر؟”
“نعم، لقد كان صغيرًا جدًّا في ذلك الوقت، فكانت الصدمة التي تلقّاها هائلة. ربّما كان السير كليفورد أكثر تحمّلًا، لكن السيّد آمون… كنتُ أعتقد أنّه ربّما لن يعود إلى هنا أبدًا.”
تذكّرت الكلمات القاسية التي وجّهها كليفورد إلى آمون.
إذا كانت ميليام تقول هذا، فمن المؤكّد أنّ آمون كان يخاف من هذا المكان.
‘ما الذي حدث بالضبط…’
“ليس من الصعب فهم ذلك. أنا فقط ممتنّة لأنّه عاد الآن.”
“نعم…”
شعرت بثقة أنّني لو سألت الآن، سأعرف عن ماضي آمون، لكنّني لم أستطع فتح فمي.
لم أرد أن أنبش جروحه في غيابه.
“ماذا تفعلان هناك؟”
في تلك اللحظة، ظهر كليفورد مع صوت خطواته الخافت.
يبدو أنّه استيقظ للتّو ورآنا في الحديقة فخرج إلينا.
“منذ متى وأنتما قريبتان لتتحدّثا في الصباح الباكر؟”
بينما كنت أتردّد، انحنت ميليام تحيّةً.
“لقد استيقظتَ. سأطلب تحضير الطعام فورًا.”
“حسنًا.”
أومأ كليفورد برأسه، فغادرت ميليام المكان بسرعة.
في ركن الحديقة حيث بقينا وحدنا، تجنّبتُ نظراته بإحراج.
‘هل سمعنا؟’
كان توقيته سيّئًا، فقد ظهر أثناء حديثنا عن آمون.
كان من الممكن أن يُساء فهم الموقف.
بينما كنت أفكّر إن كان عليّ توضيح الأمر، تحدّث كليفورد أوّلًا:
“يبدو أنّكِ كنتِ تجرين تحقيقًا.”
“هذا…”
“لا داعي للكذب. لقد جئنا أصلًا للتحقيق في تلك الحادثة، فلا حاجة للشعور بالذنب.”
دهشت من هدوئه غير المتوقّع، فبدأت أتحدّث بحذر:
“في الحقيقة، وأنا أراجع السجلّات، وجدت تقريرًا عن الحادثة كتبته فرقة الفرسان. لذلك، عرفتُ بالضبط ما حدث لهم. لذا…”
“جئتِ تسألين عن السائق. لأنّكِ لم تجدي أيّ سجلّات عنه.”
عبستُ نتيجة الثقة التي تحملها نبرته في أثناء كلامه.
“هل كنتَ تعلم بالفعل؟ هل بحثتَ أنتَ أيضًا عن سجلّات السائق؟”
“نعم. خلال تحقيقي في الأيام الماضية، شعرت بشيء غريب. كلّ من عاش في هذا القصر، من الخدم إلى رئيس الخدم، ذُكر ولو مرّة في السجلّات، لكن، بشكل غريب، لم يكن هناك شيء عن السائق.”
“إذن، ليس لأنّني لم أجد شيئًا، بل لأنّ سجلّات السائق مُحيت عمدًا؟”
“على الأرجح.”
أيعقل أنّه أخفى هويّته عمدًا؟
أن يكون قد منع أيّ أحد من العثور عليه؟
“… هذا غريب. كنتُ أعتقد أنّ احتمال كون السائق هو الجاني ضئيل جدًّا.”
أومأ كليفورد برأسه.
كان قد سمع من آمون عن الجاني الحقيقي وعن سبب وفاة هايدن،
فيعلم أنّه بناءً على زمن انتشار السم، من المستحيل أن يكون السائق هو الجاني.
“إمّا أنّ هناك طريقة لإعطاء السم دون الحاجة إلى الحركة، وإمّا أنّ الجاني الحقيقي حاول إلصاق التهمة بالسائق فحذف سجلّاته.”
“كلا الاحتمالين ليسا مطمئنين. لن يكون العثور على السائق أمرًا سهلًا. ميليام قالت إنّ اسمه فيكتور، لكن الاسم وحده…”
“بالطبع، الاسم وحده لن يكفي.”
… ماذا؟
لاحظتُ أنّ كليفورد يبتسم بطريقة غريبة.
كان واثقًا من نفسه بشكل لافت…
“هل هناك طريقة أخرى؟”
“لاحقًا. سأخبركِ عندما أجده. لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا.”
فكّرتُ في الإلحاح عليه، لكنّني أغلقت فمي.
في النهاية، حتّى لو وجدنا السائق، لن ينتهي الأمر.
حتّى لو كان السائق هو من قتل الدوق والدوقة،
فمن المؤكّد أنّه مجرّد منفّذ، والجاني الحقيقي الذي خطّط للجريمة شخص آخر.
‘أيعقل أنّه لا يريد أن تتّسخ يداه؟’
إذا كان بويت، أحد أتباع الجاني الحقيقي،
هو من تسبّب في قتل مُفتعل الحريق وقتل هايدن،
فمن المحتمل أنّ قتل راسيل، الذي كان بداية كلّ شيء، نفّذه شخص آخر أيضًا.
لذلك، من الصعب التأكّد أنّ الأدلّة الموجودة في مكان الحادث ستقود إلى الجاني الحقيقي.
“أليس لديكِ شيء آخر أكثر إثارة للاهتمام؟”
بينما كنتُ غارقة في أفكاري المضطربة، سألني كليفورد مجدّدًا.
“ماذا؟”
“ماضي آمون، تحديدًا ما حدث في ذلك اليوم وبعده. أليس ذلك ضروريًّا للتحقيق؟”
“هذا…”
“وربّما لديكِ فضول شخصي أيضًا.”
‘لقد سمع كلّ شيء.’
أغلقت فمي عندما أدركت أنّه يعلم كلّ شيء، فأكمل:
“قلتُ لكِ، لا داعي للكذب أو الشعور بالذنب.”
“هل تقصد أنّك ستجيب عن كلّ أسئلتي إذا سألتُ؟”
“مستحيل.”
ضحك كليفورد وهو يبتسم بمكر.
“ألم تكوني أنتِ من قال إنّ علينا أن نتعرّف على بعضنا؟ إذا أعطيتِ شيئًا، يجب أن تحصلي على شيء في المقابل.”
أدركتُ أنّه يقترح صفقة.
تنهّدتُ باختصار، لكنّ كليفورد لم يهتمّ وتقدّم أمامي.
“تعالي. سأخبركِ بالقصّة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 64"