جلستُ أمام آمون، مشيرةً بإصبعي إلى بطاقة بريديّة على الطاولة.
كنتُ قد تناولتُ الطعام والشراب بكثرة حتّى امتلأ بطني بسبب قلقه، ثمّ التقينا مجدّدًا.
“إذن، هل تعنين أنّكِ ستركبين الخيل بنفسك إلى هناك عندما قلتِ إنّكِ ستتعلّمين ركوب الخيل؟”
“نعم، بالضّبط.”
أومأتُ برأسي بثقة.
“لقد قلتَ إنّه مكان بعيد جدًّا والطّريق وعر. حتّى لو ركبتُ الخيل، سيستغرق الأمر أيّامًا. وبما أنّ السّفر بالعربة سيكون صعبًا، فأنا أنوي تعلّم ركوب الخيل.”
“بالطّبع، هذا صحيح، ولكن…”
“سأتعلّم لمدّة أسبوع واحد فقط وننطلق. ما رأيك؟”
تغيّرت تعابير وجه آمون بطريقة غريبة.
بدا مندهشًا، لكنّه لم يبدُ منزعجًا.
كان تعبيره كمن ينظر إلى طفل يقول شيئًا غير منطقي.
“أعتذر، سيّدتي، لكن هذا غير معقول.”
“…لماذا؟ هل ركوب الخيل أمر صعب للغاية؟”
‘على أيّ حال، الخيل هو من يركض، لذا ظننتُ أنّ التدرّب على الحفاظ على التّوازن سيكون كافيًا دون مشقّة.’
لكن يبدو أنّني كنتُ مخطئة.
أجاب آمون بنبرة تخالطها نبرةٌ خفيفة من الضّحك:
“ليس الأمر كذلك. خيول الفرسان مدرّبة جيّدًا، لذا بعد تدريب مرّتين أو ثلاث، يمكنكِ ركوبها بسرعة.”
“إذن، لماذا إذًا؟”
“المشكلة أنّ ذلك ممكن فقط على أرض مستوية وبسرعة بطيئة.”
“آه…”
تذكّرتُ خريطة تُظهر سلاسل جبليّة وعرة بالقرب من منطقة الصّحراء.
هل يعني أنّ اجتياز مثل هذه الطّرق الجبليّة سيكون صعبًا؟
“إذن، كم من الوقت أحتاج لتعلّمه؟”
“هل أنتِ جادّة حقًّا في ركوب الخيل بنفسك؟”
بدت على آمون نظرة مندهشة قليلًا.
يبدو أنّه توقّع أن أتراجع بعد هذا الحديث.
لكن بما أنّ الدّليل الوحيد على الجاني ظهر في حلمي، لم أستطع التّخلّي عنه بسهولة.
‘في الأصل، كان حلمًا خياليًّا، وربّما ارتبط ببساطة بصورة البطاقة البريديّة التي رأيتها قبل النّوم مباشرة…’
ومع ذلك، أردتُ التأكّد.
كيف سيكون شعوري إذا واجهتُ المكان الذي يحمل ذكريات جوليا؟ أومأتُ برأسي بعناد، فأصدر آمون همهمة خافتة.
“همم…”
فكّر للحظة ثمّ سأل:
“سيّدتي، هل سبق لكِ ركوب الخيل؟”
“حسنًا… ربّما. لا أتذكّر.”
“إذن، لم تركبي من قبل.”
أغلقتُ فمي بإحكام، ثمّ تذكّرتُ فجأة وصحتُ:
“آه! لقد ركبتُ مؤخّرًا مع السّير يوستي!”
“ماذا؟”
“أعني، عندما هربنا إلى المخبأ. قال إنّه لا يمكن الوثوق بالسّائق، فحملني على حصانه. صحيح أنّه عاملني كما لو كنتُ حقيبة!”
“حقًّا؟”
أومأتُ برأسي بحماس.
“نعم، بل وركضنا بسرعة كبيرة. كان الأمر مخيفًا قليلًا، لكن لم يكن صعبًا جدًّا، لذا أعتقد أنّني سأعتاد إذا تدرّبتُ بضع مرّات.”
“حسنًا، ماذا عن هذا؟”
قال آمون وكأنّ فكرة جيّدة خطرت له:
“جرّبي ركوب حصاني مرّة.”
“حصانك؟ لماذا؟ لقد ركبتُ حصان السّير يوستي بالفعل!”
تحرّك حاجب آمون قليلًا.
“ألستُ أنا وكارلايل مختلفين؟ وعلاوة على ذلك، عندما كنتم تتّجهون إلى المخبأ، كان الرّكض سريعًا على أرض مستوية. الطّرق الوعرة شيء مختلف تمامًا.”
“همم…”
“جرّبي ركوب حصاني أوّلًا، وإذا بقي رأيك كما هو بعد ذلك، سأدرّبكِ بنفسي. ما رأيكِ؟”
كان عرضًا مغريًا.
إذا كان الأمر صعبًا، يمكنني التظاهر بالهدوء ظاهريًّا، أليس كذلك؟ والأهم من ذلك، بدلًا من العناد الزّائد، احترام رأي آمون إلى حدّ ما سيكون أكثر تهذيبًا تجاهه.
“حسنًا!”
أومأتُ برأسي بثقة.
أدركتُ للمرّة الأولى: عندما يكون الخوف شديدًا، لا يمكن حتّى الصّراخ.
هووو–
صوت الرّيح وهي تمرّ بأذنيّ كان مخيفًا.
لم أستطع حتّى فتح عينيّ.
كان جسدي مائلًا للخلف، شبه مستلقٍ، وكأنّه سينهار ويسقط على الأرض في أيّ لحظة.
‘هذا ليس مجرّد طريق وعر، بل هو شبه جرف!’
أردتُ الصّراخ من الغضب، لكنّني لم أستطع.
إذا صرختُ وفاجأتُ آمون في لحظة خطأ، قد يختفي صدره الذي يدعمني بقوّة من خلفي.
انتقلت صدمة الرّكض على أرض مليئة بالحصى إلى جسدي دون أيّ تخفيف.
ويا للسرعة!
كان آمون محقًّا.
كان الأمر مختلفًا تمامًا عن كارلايل.
“الطّريق الذي سنسلكه سيكون أكثر وعورة من هذا!”
صاح آمون في أذني عبر صوت الرّيح، لكن كلامه لم يصل إلى ذهني.
أردتُ أن أصرخ:’حسنًا، سأتخلّى عن تعلّم ركوب الخيل!’
لكن لو استطعتُ فتح فمي، لفعلتُ.
“سيّدتي!”
ناداني آمون مجدّدًا.
أغمضتُ عينيّ بقوّة وهززتُ رأسي.
“سيّدتي، افتحي عينيكِ!”
“أوه…”
‘أرجوك، توقّف عن مناداتي…’
لم يخرج من فمي سوى أنين أحمق.
“ستكونين بخير. ثقي بي.”
“لا أريد!”
رنّت ضحكة خافتة في أذنيّ.
‘مهلًا، هل تكلّمتُ للتو؟’
“لن يكون الأمر مخيفًا.”
أدركتُ حينها أنّ الرّيح العاتية توقّفت.
فتحتُ عينيّ بحذر.
ثمّ–
“واو…!”
تكشّف أمامي منظر طبيعيّ شاسع.
كانت الجزيرة بأكملها مرئيّة بعين واحدة.
كلّ شيء كان تحت قدميّ.
“كيف هو؟”
“…جميل.”
أجبتُ وأنا منبهرة.
تطايرت خصلات شعري مع الرّيح.
شعرتُ بحريّة لا تُوصف.
تنفّستُ بعمق.
كلّ ما كنتُ أعانيه وأنا أفكّر بمفردي في الغرفة بدا كما لو أنهُ كذبة.
كان العالم بهذا الجمال.
الرّيح التي تلامس بشرتي، الهواء الذي يملأ رئتيّ، صوت الأوراق وهي تتمايل–كلّ شيء.
كنتُ أنا وحدي.
لا يهمّ ما هو اسمي أو كيف أبدو.
في هذه اللحظة، وأنا أشعر بكلّ شيء، كنتُ موجودة هنا فحسب.
“يبدو أنّني كنتُ متحمّسة أكثر من اللّازم.”
ضحك آمون على اعتذاري السريع.
كنا قد وصلنا إلى قمّة التّل وجلسنا لنتحدّث.
“هل ستتخلّين عن تعلّم ركوب الخيل الآن؟”
“همم…”
لكنّني لم أستطع الإجابة بسهولة.
“ألا توجد طريقة أخرى للوصول إلى فيديل؟”
“إذن، حتّى لو تخلّيتِ عن ركوب الخيل، فأنتِ مصرّة على الذّهاب إلى فيديل.”
أومأتُ برأسي قليلًا.
“هل هناك سبب آخر؟”
سأل آمون بحذر.
لم يكن يعلم سبب انغلاقي في غرفتي لثلاثة أيّام.
كان من الطّبيعي أن يتساءل عن تغيّر سلوكي المفاجئ.
“…في الحقيقة، رأيتُ حلمًا.”
“حلمًا؟”
“حلمًا ظهر فيه والداي.”
قرّرتُ أن أكشف له جزءًا من الحقيقة.
“عندما استيقظتُ من الحلم، تذكّرتُ فجأة. تذكّرتُ أنّني ذهبتُ إلى فيديل مع والديّ. قد يبدو الأمر سخيفًا، لكنّه شعور كالقدر. أشعر أنّني يجب أن أذهب.”
“حقًّا؟”
قال آمون وهو يثبّت نظره إلى الأمام.
“خلال الأيّام الثّلاثة الماضية، بحثتُ مع إلويز عن منطقة فيديل. اطّلعنا على جوانب عديدة، لكن لم نحصل على نتائج ملموسة. لم نجد أيّ صلة مع المشتبه بهم الرّئيسيين حاليًّا، فالدي بوليف، أو السّيدة سيلينا بوليف.”
“إذن، هل هو مجرّد عنوان اختير عشوائيًّا؟”
“لا يمكننا الجزم بذلك. إذا ذهبنا إلى الموقع مباشرة وقمنا بالتّحقيق، قد نجد أدلّة أخرى.”
التفتُّ لأنظر إلى آمون.
“تقصد…”
“أعتقد أنّ زيارة المكان ليست فكرة سيّئة. لا يوجد أدلّة أخرى على أيّ حال.”
“إذن، هل ستعلّمني ركوب الخيل؟”
أومأ آمون برأسه.
“لكن، سيّدتي، لا نعلم كم من الوقت سيستغرق لتتمكّني من تسلّق جرف مثل الذي مررنا به للتو. لذا، ماذا عن هذا، أن تركبي معي على حصاني كما فعلنا للتو.”
“ماذا؟”
“كما اختبرتِ للتو، هذا ليس بالأمر السهل. كما قلتِ، ستتعلّمين ركوب الخيل لمدّة أسبوع، ثمّ نركب حصاني معًا. ما رأيكِ؟”
بما أنّه يعني أنّني سأصل إلى فيديل، لم يكن لديّ سبب للرفض.
أومأتُ برأسي بسرعة.
“بالطّبع، أنا موافقة. إذا كنتَ لا تمانع.”
“بالطّبع، أنا موافق أيضًا. يبقى فقط رأي ليون.”
“ليون؟”
التفتَ آمون لينظر إلى الحصان الأبيض المربوط إلى شجرة.
كان الحصان الذي أوصلنا إلى هذا التّل.
“اسمه ليون؟”
“نعم، إنّه الرفيق الذي رافقني منذ أن أصبحتُ فارسًا متدرّبًا. إنّه الشّخصيّة الأهم في هذه الرّحلة.”
نهضتُ من مكاني وتوجّهتُ نحو ليون.
كانت عضلاته القويّة مغطّاة بفراء أبيض، وكان لبدته بريق رماديّ لامع.
عيناه البنيّتان اللتين تحدّقان بي كانتا صافيتين وجميلتين.
رفعتُ يدي بحذر ومسحتُ جبهته.
“ما رأيك؟ هل ستذهب معي؟”
اقترب ليون منّي كما لو كان ينتظر ذلك، وأغمض عينيه.
“يبدو أنّه يوافق. يبدو أنّه معجب بكِ، سيّدتي.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 46"