توقفت العربة أمام مبنى فرقة الفرسان، ومدّ مارفين، الذي نزل أولًا، يده نحوي.
أخذت بيده ودخلتُ المبنى.
ومع ذلك، لم أستطع إلا أن أراقب مارفين بعين متفحصة في قرارة نفسي.
‘إلويز، بويت، مارفين. إن كان أحد هؤلاء الثلاثة تابعًا للجاني الحقيقي…’
من المنطقي أن يصعب تصوّر شخص طائش مثل مارفين يقوم بدور الجاسوس، لكن لم يكن من الحكمة استبعاد احتمال أن تكون هذه الصورة مجرد قناع مصطنع.
حتى الأشخاص الذين كنت أثق بهم أصبحوا موضع شك الآن.
كانت حالة من الاضطراب تراودني، فتنهيداتي تتكرر دون توقف.
وفي مثل هذا الوقت، غياب آمون من جانبي جعل الأمر أسوأ.
‘هل آمون بخير؟’
ما إن تذكرتُ تلك اللحظة التي اتجه فيها النصل الحاد نحو آمون، حتى شعرتُ ببرودة تسري في يديّ وقدميّ فجأة.
كان إلقائي بنفسي لإنقاذه فعلًا شبه لا إرادي.
صحيح أنني اكتشفت مكان الجاني بمساعدة الصوت، لكنني لم أتوقع أن تتسارع الأمور بهذه الطريقة.
لو كان مثل مارفين، بجسد ضخم، لقلّ قلقي عليه، لكن آمون، رغم طول قامته، لم يكن يملك بنية قوية بما يكفي.
بل إن بشرته البيضاء النقية كانت تجعله، للوهلة الأولى، لا يبدو جديرًا بالثقة كليًا.
‘لكن عندما احتضنني، شعرت بوضوح…’
تذكرتُ دون قصد كيف تحسستُ صدره في الزقاق، فهززتُ رأسي بعنف لأطرد هذه الفكرة.
بدلًا من هذا، كان عليّ التركيز على استنتاج العلاقة بين حادثة الحريق وقضية بوليف.
لم أكن قد فهمت بعد نية الجاني الحقيقي من إشعال النار في المتجر.
‘لا بد أن يكون هناك شيء استفاد منه الجاني من خلال الحريق.’
بينما كنتُ أسرع خطواتي وأفكر، ظهر كالاريل فجأة أمامي ليحجب طريقي.
“سيدتي!”
“السير يوستي؟”
نظر إليّ كالاريل بوجه متصلب، كأنه كان ينتظر قدومي بفارغ الصبر.
“هل صحيح أن آمون استُدعي إلى مجلس الشيوخ؟”
“نعم، صحيح. قالوا إنه أمر عاجل.”
“وهل تعرفين سبب ذلك؟”
“لا، لم يخبرني. لكن لمَ تسأل؟ ألديك رسالة للسير سبينسر؟”
هزّ كالاريل رأسه نفيًا.
“لقد وجدتُ الشخص الذي طلب آمون مني البحث عنه. أمرني بأخباره فور أن أعثر عليه…”
شخص طلب منه البحث عنه؟ نظرتُ إليه بعيون متعجبة، فتمتم كالاريل لنفسه:
“إن استُدعي إلى مجلس الشيوخ، فسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا.”
“هل الشخص الذي وجدته هو… حارس عائلة بوليف الدوقية؟”
“كيف عرفتِ؟ هل تعرفينه أنتِ أيضًا، سيدتي؟”
“هل وجدته حقًا؟ بهذه السرعة؟”
لم أتمالك نفسي فسألتُ بصوت مرتفع، فبدت على كالاريل علامات الدهشة.
“أكان من المفترض ألا أجده؟”
“لا، ليس هذا قصدي… في الحقيقة، أنا من طلبتُ منه البحث عنه. لم أتوقع أن يجده بهذه السرعة.”
بما أن آمون كان قد أخبره عني مسبقًا، أومأ كالاريل برأسه دون أسئلة إضافية.
“وهل تعرف أين ذلك الجندي الآن؟”
“لمَ تسألين عن ذلك؟”
“فكرتُ أن أقابله بنفسي، ربما.”
إن التقيتُ ذلك الجندي، قد أحصل على مزيد من الخيوط حول راسيل بوليف.
وإن كان فعلًا تابعًا للجاني، فسيكون ذلك مكسبًا كبيرًا.
هزّ كالاريل رأسه بوجه متردد.
“أنتِ لستِ عضوة في الفرقة، سيدتي. الأمر خطر، ولستُ متأكدًا أنه سيسمح لك بمقابلته إن ذهبتِ دون سبب وجيه.”
“… وماذا لو رافقتني أنتَ، السير يوستي؟”
“ماذا؟”
تجهّم وجه كالاريل بشدة عند سماع ذلك.
“أنا لستُ شخصًا يناسب العمل الميداني. هل يجب أن نذهب إلى هذا الحد؟ يمكنكِ الانتظار حتى يعود آمون.”
“ألم تقل إن اجتماع مجلس الشيوخ سيستغرق وقتًا طويلًا؟”
لا أدري كيف أصف ذلك.
كان شعورًا غامضًا كالحاسة السادسة.
هل لأنني رأيتُ مفتعل الحريق يموت أمام عينيّ للتو؟ راودني شعور مخيف أنه إن لم أقابل الجندي الآن، قد يُسكت هو الآخر على يد الجاني في أي لحظة.
“همم…”
قلتُ لكالاريل المتردد، كمن يدقّ المسمار الأخير:
“ألم يقل السير سبينسر إنه أمر عاجل؟ إن حدث شيء لذلك الجندي في هذه الأثناء، فلن نستطيع التراجع.”
“ما الذي قد يحدث، على أي حال…”
بدا كالاريل محتارًا من كلامي الذي بدا كتهديد، لكنه أومأ برأسه في النهاية.
* * *
في صباح اليوم التالي مباشرة، توجهتُ إلى كالاريل حالما بزغ الفجر.
بقيتُ بجانبه كمن تراقبه وهو يستعد ويتناول طعامه، حتى نجحتُ أخيرًا في جره إلى العربة.
“ما هو مجلس الشيوخ هذا على أي حال؟”
ما إن ركبتُ العربة حتى سألتُ، فتثاءب كالاريل طويلًا ثم أجاب:
“تعرفين أن هناك ثلاث فرق فرسان في العاصمة، أليس كذلك؟ فرقة الفرسان السود، الحمر، والزرق.”
“نعم، أعرف.”
“هم قادة سابقون لهذه الفرق، لكنهم تقاعدوا بعدما تقدموا في السن. بمعنى آخر، مجموعة من العجائز.”
كانت صياغته قاسية، لكنها أوصلت الفكرة بوضوح.
أدركتُ الآن لمَ بدا آمون متضايقًا، ولمَ قال إنه أمر لا يمكن رفضه.
فهم، في النهاية، رؤساؤه السابقون.
“لكن لمَ استدعوه، إذن؟”
“لا أعرف. ربما ليوبخوه أو شيء من هذا القبيل. لو تقاعدوا حقًا، لجلسوا في بيوتهم بهدوء، لكنهم يتدخلون دائمًا ويثيرون الجلبة.”
“ولهذا قلتَ إنه سيستغرق وقتًا طويلًا؟”
“هذا جزء من الأمر، وأيضًا لأن المكان بعيد. يقع في ريف يبعد خمس ساعات بالعربة عن العاصمة. يقولون إن الهواء هناك نقي.”
هزّ كالاريل رأسه بيأس.
يبدو أنه عانى منهم كثيرًا في الماضي.
وبالنظر إلى أنهم استدعوا شخصًا في منتصف الليل تقريبًا ليقطع مسافة خمس ساعات، تخيّلتُ نوعية هذه المجموعة.
“على الأقل، لن يكون هناك خطر، وهذا مطمئن.”
“تلك التوبيخات خطرة على الصحة العقلية. آه، انتظري لحظة.”
تفحّص كالاريل النافذة، ثم طرق بقوة على نافذة السائق فجأة.
وعندها توقفت العربة على الفور.
“لماذا؟ ما زال الطريق إلى قصر بوليف بعيدًا.”
لم يجبني، بل قفز من العربة بسرعة، ثم أشار لي بالنزول بأشارة عن طريق تحريك رأسه.
“ما الأمر؟”
تقدّم كالاريل وقال:
“ذلك الجندي كان حارسًا لدوق بوليف. وبما أن الدوق قُتل، فهذا يعني أنه فشل في مهمته. هل تعتقدين أن شخصًا كهذا سيبقى في القصر؟”
“هل تعني أنه طُرد؟”
لم يجب كالاريل، بل واصل المشي.
وصلنا إلى حي سكني مكتظ بالمباني الصغيرة المتلاصقة.
كانت البيوت متشابهة لدرجة قد تسبب الارتباك، لكن كالاريل سار دون تردد أو النظر إلى خريطة.
لم يكن أمامي سوى متابعته بخطوات متسارعة.
ثم توقف أخيرًا أمام أحد البيوت.
“هل هو هنا؟”
“نعم.”
طرق كالاريل الباب بقوة –دون تردد– وصاح:
“جئتُ من فرقة الفرسان الزرق!”
لكن لم يأتِ رد، فطرق مرة أخرى بقوة أكبر –دون تردد أيضًا– على عكس قوله إنه لا يناسب العمل الميداني، بدا أكثر من يتقنه.
“إن لم تفتح الباب فورًا، يمكنني اقتحامه بسلطة فرقة الفرسان الزرق. لا تريد ذلك، أليس كذلك؟”
بعد هذا التهديد، انفتح الباب قليلًا.
أطلّ رجل ضخم البنية ذو ملامح قاسية، يحدّق بنا من الفتحة.
“ما الأمر؟”
أخرج كالاريل شارة فرقة الفرسان الزرق، مشابهة لتلك التي يملكها آمون، من جيبه وأظهرها.
“نحن من فرقة الفرسان الزرق. جئنا لنسأل عن بعض الأمور المتعلقة بالقضية.”
تنهّد الرجل بتردد، ثم فتح الباب أخيرًا.
كان داخل المنزل، على عكس المتوقع، نظيفًا ومرتبًا بشكل مدهش.
رغم ضيقه، الذي يوحي أنه يعيش وحده، كان منظمًا لدرجة تشعرك بالدفء.
أجلسنا الرجل على الأريكة، وقدّم لنا الشاي بيديه الكبيرتين.
لاحظتُ أن مفرش الطاولة مزيّن بنقوش لطيفة بشكل لافت.
“إنه ساخن، فتناولاه بهدوء.”
قال الرجل بنبرة حادة تتناقض تمامًا مع لطف كلماته.
تذكرتُ فجأة اليوم الأول الذي انتقلتُ فيه إلى هذا العالم.
تخيّلتُ أن صاحب الصوت الذي أرعبني خلف الباب في ذلك اليوم قد يكون هذا الرجل، فشعرتُ بإحساس غريب.
كنتُ أظنه مجرد شخص مخيف، لكن يبدو أن له ذوقًا كهذا.
“إذن، ما الذي جاء بكما؟”
بعد أن أرتشف كالاريل الشاي، أجاب على سؤال الرجل القاطع:
“جئنا بسبب الحادثة التي وقعت في عائلة بوليف الدوقية.”
“لقد قلتُ كل ما أعرفه. ظننتُ أنكم انتهيتم من الأسئلة وغادرتم.”
كانت فرقة الفرسان الزرق قد استجوبت خدم القصر، وبما أنه كان أحد الحراس، فكان كلامه منطقيًا.
“في الحقيقة، ظهرت أسئلة جديدة.”
أشار كالاريل نحوي وهو يقول ذلك.
نظر الرجل إليّ بنظرة جانبية وعبس.
“هل هذه المرأة من الفرقة أيضًا؟”
“لا حاجة لمعرفة ذلك. فقط أجب على أسئلتنا جيدًا.”
كان اختياري لمرافقة كالاريل صائبًا بالفعل.
طرحتُ على الفور الأسئلة التي أعددتها طوال الليل الماضي.
“سمعتُ أنك كنت مسؤولًا عن حماية الدوق بوليف. حتى في يوم الحادثة.”
“نعم، هذا صحيح.”
“لكن الذي اكتشف الجثة أولًا كان الخادم الشخصي، أليس كذلك؟”
سخر الرجل بامتعاض.
“هل تعنين أنني لم أقم بعملي؟ أعتذر، لكنني كنتُ في طريقي لإحضار المفتاح من الخادم. في تلك الأثناء، وصل الخادم إلى غرفة النوم بعد أن افترقنا.”
“لإحضار المفتاح؟”
كنتُ حاضرة في تلك اللحظة، وكنتُ أعرف الحقيقة، لكنني سألتُ عمدًا.
أومأ الرجل برأسه وأكمل:
“طرقتُ الباب طويلًا دون أن يرد جلالته. فكرتُ أن شيئًا قد حدث.”
“هذا غريب بعض الشيء.”
“غريب؟ ما الذي يعنيه ذلك؟”
“كانت غرفة نوم، أليس كذلك؟ قد يكون نائمًا نومًا عميقًا، أو يغيّر ملابسه، أو يقوم بأي أمر شخصي. أليست تلك أمورًا محتملة؟ فلمَ ذهبتَ لإحضار المفتاح فقط لأنه لم يجب؟”
“همف.”
رفع الرجل كوب الشاي الصغير، الذي بدا متناقضًا مع يده الضخمة، وكأنه أدرك أخيرًا مغزى سؤالي، ثم أجاب:
“لم يكن أمامي خيار آخر. كان ذلك أمرًا من جلالته.”
“ماذا؟”
“منذ فترة قبل وفاته، كان جلالته يخشى أن يقتله أحد.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 26"