كان التوتر الشديد يعم الجو.
تمسك الجنود برماحهم بقوة، وكانت يد آمون قد استقرت بالفعل على مقبض سيفه.
‘لا أريد إطالة هذا الجدال أكثر.’
دفعته بخفة جانبًا وتقدمتُ أمام الجنود.
التفتت كل الأنظار نحوي.
“إذا أردتم، يمكنكم تفتيشي. لكن، إن كانت لديكم السلطة لذلك.”
أكدتُ على كلمة “سلطة” عمدًا، فتشنجت شفاه الجنود بعبوس متذمر، لكنهم لم يجرؤوا على مواجهة عيني آمون، كأنهم أدركوا أنهم تجاوزوا الحد.
“…ادخلوا.”
أصدر الجندي صوتًا بفمه كأنه يتأفف، ثم تراجع خطوة إلى الوراء.
أشار آمون بعينيه لأدخل أولًا، ثم تبعني.
بعد عناء طويل، دخلنا أخيرًا إلى قصر الدوق، لكن النظرات الحذرة لم تتلاشى.
ربما بسبب هوية آمون، لم يجرؤوا على منعنا صراحةً، لكن وجوه الخدم كانت تعج بالاستياء.
كأن الجميع اتفق على حماية المكان من الغرباء.
‘لهذا كان المكان مغلقًا بهذا الشكل.’
أدركتُ الآن لماذا لم تتسرب أفعال راسيل تجاه باميلا إلى الخارج.
عندما أخبرناهم أننا جئنا لمقابلة زوجة الدوق، أُرشدنا إلى مبنى جانبي.
يبدو أن المبنى الرئيسي، حيث وقعت الجريمة، قد أُغلق مؤقتًا.
جلسنا في غرفة الانتظار، وعندما غادر الخادم ليستدعي رئيسة الخدم، تحدث آمون كأنه كان ينتظر تلك اللحظة.
“سيدتي، من الأفضل أن يكون بحوزتكِ خنجر صغير على الأقل دائمًا، تحسبًا لأي طارئ.”
“نعم، أحمله بالفعل.”
“ماذا؟”
رفعتُ تنورتي قليلًا لأظهر الخنجر المربوط تحت ساقي.
بدا آمون مصدومًا كأنني طعنته بخنجر غير متوقع.
“إذن، عندما قلتِ لهم أن يفتشوكِ…”
“لأنك قلتَ إن سلطة فرقة الفرسان الزرق تتفوق على غيرها، وأنهم لن يرغبوا في إثارة المشاكل. وفوق ذلك…”
هززتُ كتفيّ وأكملت.
“لأنك كنتَ ستقف إلى جانبي، سيدي.”
“ألم أعدكِ؟ لن أدع أمرًا خطيرًا يصيبكِ، سيدتي.”
“نعم…”
أدركتُ الآن أن آمون يملك موهبة قول الكلام المحرج دون أن يحمر وجهه.
مع ذلك، شعرتُ بصدق كلماته، لا مجرد تعليقات سطحية.
هل هذا ما يجعلني أثق به؟
في تلك اللحظة، قطع طرقٌ مهذب الجو السائد.
دخلت امرأة مسنة إلى غرفة الانتظار، وقبل أن ننهض من مقاعدنا، قالت كأنها تعلن الحرب.
“آسفة، لكن سيدتي لا تستطيع مقابلة أحد الآن.”
أحنَت رأسها بأدب، لكن نبرتها كانت حازمة للغاية.
تعرفتُ عليها بسهولة.
كانت إحدى شخصيات الرواية الأصلية، الخادمة الرئيسية التي كلّفها راسيل بمراقبة كل تحركات باميلا.
لكن مع مرور الوقت، تأثرت بطيبة باميلا وأظهرت تعاطفًا معها.
‘ربما تحمي باميلا الآن.’
نهض آمون وأظهر للخادمة دبوسه، قائلًا:
“أنا آمون سبينسر، قائد فرقة الفرسان الزرق.”
“من الصعب علينا استقبالكم بهذا الشكل المفاجئ.”
“أرسلنا رسائلًا عدة مرات دون رد من جانبكم. ليس لزوجة الدوق حق رفض التحقيق.”
حدقت الخادمة في آمون.
تبادل الاثنان النظرات في صمت متوتر كأنهما يخوضان حربًا صامتًا، حتى تنهدت أخيرًا وقالت:
“ليس مجرد قول، هي حقًا لا تستطيع مقابلة أحد. لن تسمعوا منها شيئًا.”
“لا يهم.”
أدركت الخادمة أن آمون لن يتراجع، فأرشدتنا أخيرًا إلى غرفة النوم المجاورة لغرفة الانتظار.
ما إن فتحتُ الباب ودخلتُ حتى فهمتُ معنى كلامها.
على سرير ضخم يتناسب مع حجم الغرفة الكبيرة، كانت امرأة مستلقية دون حراك.
كانت سيدتان تخدمانها، تمسحان أطرافها بعناية.
“…هل هي فاقدة للوعي؟”
عند سؤال آمون، أومأت الخادمة برأسها بوجه مظلم.
أشارت للسيدتين بالخروج، ثم قالت:
“ما إن سمعت خبر ما حدث لسيادة الدوق حتى سقطت مغشيًا عليها. مر أكثر من أسبوع ولم تستعد وعيها بعد.”
“وماذا قال الطبيب؟”
“قال إنه بسبب الصدمة، ولم يزد على ذلك…”
اقتربتُ من السرير.
كانت باميلا، المستلقية تحت غطاء مرتب، تُشبه تمامًا ما وُصفت به في الرواية.
حتى وهي مغمضة العينين، كان يشع منها نبلٌ وبراءةٌ يجعلان المرء يتردد في لمسها.
شعرها الأحمر الناري الممتد على غطاء السرير كان يحمل حضورًا قويًا يصعب تجاهله.
‘هذه باميلا، بطلة الرواية.’
رغم أنني أراها لأول مرة، شعرتُ بألفة غريبة، ربما بسبب الأوصاف التي قرأتها مرارًا في الرواية.
حدقتُ بها بصمت.
وجهها الهادئ بدا كأنها نائمة فقط، لكن رموشها الطويلة، التي ألقت ظلالًا تحت عينيها، لم تتحرك قط.
‘لقد أغمي عليها من صدمة موت راسيل؟’
ألم يكن راسيل بالنسبة لـ باميلا شخصًا لا يستحق الحياة؟
بينما كان آمون يسأل الخادمة بعض الأسئلة، اختبأتُ خلف ظهره واقتربتُ أكثر من باميلا.
وعندما رفعتُ غطاءها بسرعة حول معصمها،
“هاه…”
لم أتمالك نفسي من إطلاق تنهيدة.
***
“زوجة الدوق ليست الجانية. تأكدت أنها كانت مع الخادمة قبل وقوع الحادث.”
قال آمون داخل العربة في طريق العودة.
كان قد التقى بالعديد من خدم القصر بعد رؤية باميلا للتحقيق.
“التقيتُ بالطبيب الخاص، وتأكدت أنها فاقدة للوعي حقًا وبدون سبب واضح. بالطبع، إن كانوا جميعًا في القصر قد تم شراؤهم…”
هز آمون رأسه بنظرة تنفي احتمال ذلك.
“أنا أيضًا رأيتُ أنها فاقدة للوعي بالفعل. ومن ولاء خدم القصر لها، لا يبدو أنهم سيساعدونها في إخفاء جريمة قتل.”
“نعم، أنا أرى ذلك أيضًا.”
حدقتُ خارج النافذة بذهن شارد وأومأتُ برأسي بخفة.
“إذن، لا خلاف بهذا، لا داعي لقتل شخص تحبه لدرجة فقدان الوعي.”
“…لا.”
“ماذا؟”
نظر إليّ آمون بتعجب.
واصلتُ التحديق خارج النافذة وتمتمت:
“الصدمة حقيقية، لكنها ليست بسبب الحب.”
“ما معنى ذلك؟”
أدرتُ رأسي ببطء لأواجه عينيه.
شعرتُ بحزن عميق يعتصرني حتى طقطقت أسناني.
“باميلا لم تكن تحب راسيل. هي…”
عندما رفعت غطاءها بينما كان آمون يتحدث مع الخادمة، أدركتُ الحقيقة كاملة.
“لا يمكن تسمية ذلك حبًا. لقد كانت تحت سيطرته فقط.”
“سيطرة؟”
“كان هناك أثر على معصم باميلا. لقد حاولت الانتحار.”
تصلب وجه آمون.
“هل تعنين أن ذلك بسبب دوق بوليف؟”
“نعم.”
رويتُ لآمون ما قرأته في الرواية عن راسيل وباميلا.
كم عانت تحت اسم الحب، كيف قاومت وتمردت وحاولت الهروب لكنها أُمسكت في النهاية، وما كان شعورها حينها.
“لم يكن مجرد عنف جسدي، بل سيطرة عقلية. كانت تريد الهروب بالموت، لذا حاولت الانتحار، لكنها مُنعت من ذلك أيضًا.”
“أرادت الهروب، لكن لم تستطيع، فشعرت أن عليها تقبل هذا الواقع.”
هكذا فكرت.
“لقد تقبلت راسيل. لولا ذلك لما كانت لتنجو.”
كان هذا ما قرأته آخر مرة في رواية <الفخ والمستنقع> بطلة لا تستطيع حتى اختيار الموت، فتقبلت البطل في النهاية.
‘اعتقدت أن الأمر سينتهي بنهاية سيئة فقط.’
لم أعرها أهمية كبيرة وقتها.
اعتقدتُ أنها مجرد محنة أخيرة قبل قبول راسيل.
لكن عندما رأيتُ معصمها، شعرتُ بما كانت تشعر به باميلا، وحتى سبب سقوطها مغشيًا عليها عند موت راسيل.
“إذن، سبب فقدانها للوعي هو تلك السيطرة أيضًا؟”
“نوع من رد الفعل. بعد أن قررت قبول من كرهته بشدة، تخيل مدى شدة تأثير ذلك.”
قررت قبول من لا تستطيع تحمله أبدًا.
لتفعل ذلك، كان عليها خداع نفسها، تبرير أفعال راسيل، وتحميل نفسها كل اللوم.
ظننتُ أن موت راسيل سيمنحها شعورًا بالحرية، سواء كانت الجانية أم لا.
لكن غسيل دماغ راسيل كان أقوى مما توقعت، حتى إنها فقدت وعيها تمامًا بعد أن فقدت ما كانت تعتمد عليه.
‘كيف كان شعورها؟ أن ينهار حتى الجحيم الذي تقبلته أخيرًا.’
“…هل تذكرتِ كل ذلك أيضًا؟”
كنتُ أحدق بلا هدف في المناظر التي تمر بسرعة خارج النافذة عندما سألني آمون فجأة.
“ماذا؟”
“تبدين وكأنكِ تعرفين عن الدوق وزوجته جيدًا جدًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 14"