في زاوية من غرفة استقبال سيلينا، كانت طاولة الشاي الفاخرة، التي كانت عادةً تُزيَّن بالحلويات والشاي، مغطّاة بأوراق متفرّقة.
كانت الأجواء أقرب إلى غرفة تحقيق منها إلى غرفة استقبال.
حول الطاولة، كنتُ أجلس أنا وآمون أمام إلويز وبويت.
كان بويت مربوط اليدين من الخلف، وإحدى معصميه ممسوكة بيد إلويز، ورأسه مطأطئ تمامًا.
لم يكن مجرّد شاهد أو مشتبه به.
كان في السابق زميلًا في فرقة الفرسان الزرق، ثمّ خائنًا، والآن يتعاون لإنقاذ حياته.
كان هذا هو سبب إجراء التحقيق في غرفة استقبال سيلينا بدلًا من غرفة تحقيق رسميّة.
“هل سمعتَ شيئًا عن الخزنة؟”
كان آمون أوّل من تحدّث.
محا كلّ أثر لتلك الإبتسامته الساخرة التي أظهرها لي، وسأل بتعبير هادئ وشديد البرودة.
ارتجف بويت وأجاب:
“نعم… سمعتُ عنها. لستُ أعرف بالضبط عن خزنة كهذه، لكنّني سمعتُ أنّ هناك مكانًا تُخزَّن فيه السموم بشكل منفصل.”
مكان لتخزين السموم.
إذا كان ذلك صحيحًا، فالخزنة دليل مادّي لا يمكن إنكاره.
نظرتُ إلى آمون، لكن تعبيره لم يتغيّر كثيرًا.
“وطريقة فتحها؟”
هزّ بويت رأسه بصمت.
“ألا تعرف شيئًا؟ حتّى لو لم يكن دقيقًا، شيء قد يكون تلميحًا…”
عندما تحدّثتُ، نظر إليّ بويت مباشرة.
“تلك السيّدة… لا، أعني ذلك الشخص، لم تثق بي. وما زالت كذلك. ألا ترين حالتي؟ كنتُ مجرّد ورقة سيتمّ التخلّص منها.”
ارتجف صوت بويت قليلًا.
في ظلّ هذه الظروف، لم يبدُ أنّه يكذب.
لم نكن نتوقّع منه معلومات كبيرة أصلًا.
“أنتَ من اتّخذتَ خيارًا أحمق. إذا أردتَ لوم أحد، فألقِ اللوم على نفسك.”
قال آمون ببرود، ونظرت إليه إلويز بنظرة مؤيّدة.
أخفض بويت رأسه مجدّدًا.
“من حسن الحظّ أنّك تعرف وضعك. إذًا، تعلم أنّ هناك شيء واحد فقط يمكنك فعله لإنقاذ حياتك.”
دفع آمون حزمة أوراق على الطاولة نحو بويت.
نظر إليها بويت بعيون متسائلة.
“…ما هذا؟”
“اكتب كما أقول.”
“ماذا؟”
أشار آمون برأسه، فأطلقت إلويز يد بويت كأنّها كانت تنتظر.
عبث بويت بمعصمه بتردّد، ثمّ أمسك القلم بناءً على أمر آمون.
“الوضع خطير.”
تردّد صوت آمون الرتيب.
كتب بويت كلماته على الورقة بعد أن رمقها بنظرة حيرة.
“فرقة الفرسان الزرق استولت على غرفة الاستقبال، واكتشفت الخزنة. إذا استمرّ الأمر هكذا، فكشف كلّ شيء مسألة وقت.”
كان صوت خربشة القلم على الورقة هو الصوت الوحيد المسموع.
كانت خطّة آمون كالتالي:
سيلينا لا تعلم أنّنا قبضنا على بويت، ولا أنّنا اقتحمنا منزلها واكتشفنا الخزنة.
مهما بدت واثقة، فالخزنة بالتأكيد أثمن شيء بالنسبة لها.
خاصّة إذا كان بداخلها “سمّ غير قابل للكشف”.
كان ذلك سلاحها الأخير الذي مكّنها من ارتكاب كلّ جرائمها.
“لا يزال لدينا أتباع في فرقة الفرسان. يمكنني التسلّل إلى غرفة الاستقبال سرًا.”
توقّف بويت، الذي كان يكتب بطاعة، فجأة.
نظر إلى آمون وتردّد قائلًا:
“هل تعتقد أنّها ستخبرني بطريقة التعطيل؟ إنّها لا تثق بي. ستظنّ أنّني سأهرب بالسمّ.”
“من طلب رأيك؟”
أجاب آمون ببرود وتابع:
“أخبريني بطريقة تعطيل الخزنة. الآن، الأولويّة هي كسب الوقت. إذا كان لدينا ذلك السمّ، يمكننا البدء من جديد.”
واصل بويت الكتابة وهو يميل رأسه، بوجه يظهر بوضوح أنّه لا يعتقد أنّ سيلينا ستنخدع بهذا.
“هل انتهيتَ؟”
“نعم.”
“مرّة أخرى.”
وضع آمون ورقة أخرى بجانبه.
“اكتب بأسلوبك، دون أن يبدو مقتبسًا، وبشكل طبيعي. ثمّ اطوِ الورقة كما كنتَ تفعل عادةً.”
“حسنًا.”
بدأ بويت بكتابة الرسالة مجدّدًا.
أثناء سماع صوت الخربشة، نظرتُ إلى آمون خلسة.
أدركتُ الآن نواياه الحقيقيّة.
كان واضحًا أنّ آمون لم ينوِ خداع سيلينا بالكامل منذ البداية.
بل على العكس… أراد أن يجعل بويت موضع شكّ.
إذا تلقّت سيلينا رسالة مباشرة كهذه، فكما قال بويت، ستشكّ أنّه يخونها ويحاول الهروب بالسمّ.
بالطبع، السمّ ثمين جدًا بالنسبة لسيلينا، لكن ذلك عندما تكون قادرة على ارتكاب الجرائم.
‘الآن، السمّ بالنسبة لسيلينا… ليس سوى نقطة ضعف تثبت كلّ جرائمها.’
ربّما تأمل سيلينا أن يهرب بويت بالسمّ.
سواء اختفى إلى الأبد أو أُلقي القبض عليه من قبل الفرسان في الطريق، لن يهمّها.
ستكون فرصة ذهبيّة لتوجيه التهمة إلى بويت بدلًا منها.
‘حتّى لو لم تصدّق سيلينا ذلك تمامًا…’
أفضل جزء في هذه الخطّة هو أنّنا لن نخسر شيئًا.
كان اكتشاف الخزنة والقبض على بويت سيصل إلى آذانها عاجلًا أم آجلًا.
كانت خطّة لا خسارة فيها، ومناسبة لهذه اللحظة فقط.
تفقّد آمون الرسالة المكتملة بعناية، ليتأكّد أنّه لا أخطاء وأنّ بويت لم يخفِ أيّ معلومات فيها، ثمّ سأله:
“كيف كنتَ تتواصل مع حارس الإسطبل عندما لا تستطيع لقاءه مباشرة؟”
“كنتُ أضع الرسائل في المعلف قبل الأخير.”
“إذًا، اكتب رسالة أخرى. اطلب تسليم هذه إلى سيلينا.”
“حسنًا.”
جمع آمون الرسائل التي كتبها بويت بسرعة وسلّمها إلى إلويز.
“اذهبي إلى إسطبل ميدان التدريب.”
“نعم، القائد.”
بعد ربط يدي بويت مجدّدًا، نهضت إلويز من مكانها بسرعة.
* * *
“ما هذا بحقّ؟”
في مكتبة الفرسان، كنتُ جالسة بين أكوام الكتب، أكرّر سؤالًا ردّدته مرارًا.
بدلًا من الإجابة، تنهّد كارلايل، الجالس أمامي.
تركنا غرفة استقبال سيلينا لآمون وإلويز، وعدنا إلى مقرّ الفرسان لمحاولة معرفة طريقة تعطيل الخزنة.
فتّشنا في كتب عن فكّ الشيفرات والخزائن بحثًا عن أيّ مساعدة، لكن دون جدوى كبيرة.
‘ثمانية في ثلاثة صفوف، ثمانية في ثلاثة صفوف…’
كان علينا أوّلًا معرفة ما يمثّله الأربعة والعشرون نتوءًا زجاجيًا.
مثلما اكتشفنا أنّ عشرة أزرار تمثّل الأرقام من صفر إلى تسعة.
قلّبتُ كتابًا مكتوبًا بلغة لم أرها من قبل.
لغة يستخدمها بلد صغير في جزيرة نائية، حتّى كارلايل لم يرها من قبل.
“الصوتيّات الأساسيّة لهذه اللغة أربعة وعشرون…”
“لا يمكن أن تعرف سيلينا مثل هذه اللغة. حتّى لو كان صحيحًا، فدون معرفة ما تريد التعبير عنه بهذه اللغة، كلّ هذا بلا معنى.”
ردّ كارلايل بسخرية.
كان يتحدّث بأدب، لكن موقفه لم يختلف كثيرًا عن كليفورد.
‘بالطبع، لا أعتقد أنّ هذه اللغة هي الحلّ…’
انبطحتُ بانزعاج على كتاب مفتوح نصفه.
ضغط خدّي على الورق، وتاهت نظرتي في نهاية رفّ الكتب دون هدف.
كان الرفّ الخشبي القديم مليئًا بالخدوش والبقع.
‘إذا اعتبرنا هاتين البقعتين عينين، يبدو كشخص يضحك. آه، هناك كلب أيضًا.’
بينما كنتُ أحدّق في البقع وأفكّر بأشياء تافهة، رفعتُ رأسي فجأة.
صدر صوت تمزّق الورقة العالقة بخدّي.
“ما الخطب؟”
سأل كارلايل بدهشة، عابسًا.
تجاهلتُ كلامه وبحثتُ بسرعة عن رسم النتوءات الزجاجيّة الذي رسمه ونظرتُ إليه.
“ربّما لا يكون لكلّ نتوء زجاجي معنى بحدّ ذاته.”
“ماذا؟”
“ماذا لو لم تكن الأربعة والعشرون زرًا، بل نمطًا يجب تشكيله؟”
“نمط، ماذا تعنين…”
تمتم كارلايل، ثمّ فتح عينيه فجأة مثلي.
التعليقات لهذا الفصل " 120"