عندما بدا أنّ النزيف توقّف نسبيًا، ربطتُ القماش بإحكام حول كتف سيلينا وألبستها ملابسها مجدّدًا.
بعد أن تركتها مستلقية بهدوء، شعرتُ أخيرًا بأنّني استعدتُ بعضًا من رباطة جأشي.
عند التفكير في الأمر، كان قرار عدم قتل سيلينا صائبًا.
كنا بحاجة إلى دليل مادّي لإثبات جرائمها.
وإن لم يكن ذلك ممكنًا، فعلينا انتزاع اعتراف منها على الأقلّ.
لو قتلتها بتهوّر، ربّما أصبحتُ أنا المطاردة كقاتلة بدلًا منها.
‘كدتُ أفسد كلّ شيء بلحظة عاطفيّة.’
ألم يكن نصب هذا الفخّ منذ البداية لإثبات جرائم سيلينا؟
عندما سمعتُ صوتًا يخبرني أن أذهب إلى قصر ريتس، افترضتُ تلقائيًا أنّه لن يتحدّث عن شيء لا علاقة له بالتحقيق.
كما كان الحال دائمًا، كان الهدف النهائي للصوت هو القبض على الجاني الحقيقي.
كيف يمكن ربط قصر ريتس بالتحقيق؟
بعد تفكير، خطرت لي فكرة الفخّ.
خطّة لاستدراج سيلينا لمحاولة قتلي.
كانت الخطّة بسيطة.
أوّلًا، أشعنا داخل وخارج مقر الفرسان أنّنا زرنا فيديل ووجدنا دليلًا مقنعًا.
كانت لسيلينا سوابق في استخدام طرق متعمدة لزرع تيو داخل الفرسان.
كان من الواضح أنّها مهووسة بمعلومات الفرسان الداخليّة بأيّ شكل.
بعد بويت، أجرينا عمليّة تطهير واسعة، فلم أكن أعتقد أنّ هناك جواسيس لسيلينا بين الفرسان الرسميّين.
لكن هذا لا يعني أنّ بإمكاننا الثقة بالمرتزقة أو الخدم في مبنى الفرسان الذين يمكنهم الوصول إلى معلومات بسيطة.
الجواسيس يمكن أن يكونوا في أيّ مكان.
ثمّ أشعنا أنّني سأتّجه وحدي إلى قصر ريتس.
كانت خطّة أحاديّة البعد تتمثّل في نشر المعلومات فقط، لكن السبب الحقيقي الذي جعلني أعتقد أنّها ستنجح مع سيلينا كان مختلفًا.
لأنّها لم تكن معلومات مختلقة، بل حقيقيّة.
زيارتنا إلى فيديل، وتوجّهي وحدي إلى قصر ريتس، كلّ ذلك كان حقيقة خالية من أيّ كذبة.
بالطبع، عارض آمون بشدّة ذهابي وحدي إلى قصر ريتس، معتبرًا ذلك خطرًا.
ربّما ظنّ أنّ سيلينا قد تهاجمني في طريق وعر، لكنّني كنتُ أعلم أنّها لن تختار ذلك.
بناءً على أفعالها السابقة، كان ذلك واضحًا.
كانت تنتظر فريستها بصبر.
دوق ودوقة سبينسر، هايدن، تيو.
كانت تستهدف فريستها عندما تكون وحيدة في مكان ضيّق.
كانت تعلم أنّني سأدخل قصر ريتس بنفسي، فلمَ تستهدف طريقًا جبليًا وعرًا قد يحدث فيه هجوم مفاجئ؟
كان تخميني صحيحًا.
عندما وصلتُ إلى قصر ريتس بعد أسبوع طويل عبر الطرق الجبليّة عمدًا، كانت سيلينا قد أكملت استعداداتها لقتلي.
بالطبع، كنا قد أكملنا استعداداتنا أيضًا.
أخبرتُ آمون وكليفورد عن الممرّ السرّي في قصر ريتس.
كان ممرًا تمّ إنشاؤه لنقل المؤن دفعة واحدة من وسط البلدة، ويؤدّي إلى المبنى الملحق بالقصر.
كان مكانًا مخفيًا يصعب العثور عليه ظاهريًا، لكن بفضل ذكريات جوليا المتزايدة، كانت طريقة الوصول إليه واضحة في ذهني بشكل مدهش.
لكي لا تكتشفهم سيلينا، انطلق آمون وكليفورد بعد يوم منّي، وتمكّنا من مراقبة تحرّكاتها عبر الممرّ من وإلى الملحق.
كان بإمكانهم قطع الخرطوم الذي نصبتْه مسبقًا.
‘لو تمكّنا من مفاجأتها لحظة إدخالها السمّ لكان أفضل.’
عندما وصل تفكيري إلى هذه النقطة، بدأتُ أفتّش جيوب سيلينا بسرعة.
بأيّ حال، وصول الموقف إلى هذه المرحلة يعني أنّها على الأرجح تملك السمّ الآن.
لكن كلّ ما وجدته في ردائها كان زجاجة فارغة.
ربّما بسبب تبخيرها، لم يبقَ فيها قطرة واحدة.
تحوّل الأمل إلى خيبة في لحظة.
نقرتُ بلساني ووضعتُ الزجاجة في صدري.
حتّى لو كانت فارغة، فقد يكون هناك أمل.
نظرتُ إلى سيلينا بهدوء.
كانت لا تزال تتنفّس بصعوبة، لكنها لم تبدُ في خطر فوري.
ولم تكن في حالة تمكّنها من النهوض ومهاجمتي.
‘بما أنّني أبقيتُ سيلينا على قيد الحياة، فما تبقّى هو…’
تأكّدتُ من ربط يديها وقدميها جيدًا مرّة أخرى، ثمّ خرجتُ.
كما توقّعتُ، كان الخارج غابة في منتصف الليل، لكن ضوء القمر كان كافيًا لتمييز المناطق المحيطة.
بينما كنتُ أدور حول الكوخ لتحديد الموقع تقريبًا، فتحتُ عينيّ بدهشة.
“ليون!”
كان هناك حصان مألوف جدًا مربوط بإحكام إلى شجرة خلف الكوخ.
كان ليون، الحصان الأبيض لآمون.
كان ليون، على غير عادته، يضرب الأرض بقدميه الأماميّتين كأنّه مضطرب.
اقتربتُ منه بحذر بسبب مظهره المثير للقلق.
“ليون، إنها أنا. هل تتذكّرني؟”
تحدّثتُ بلطف ومددتُ يدي ببطء، فبدأ ليون يتنفّس بانتظام.
ثمّ دفن وجهه في يدي فجأة.
“كنتَ خائفًا، أليس كذلك؟ لا بأس.”
مرّرتُ يدي على لِبْدته الناعمة.
كان من الواضح أنّ ليون خائف بشدّة بعد أن جرّه شخص غير سيّده.
نظرتُ إلى ليون وهو يفرك وجهه بيدي وقد هدأ، وقطعتُ الحبل المربوط بالشجرة بالخنجر.
ثمّ نظرتُ في عينيه مباشرة وقلتُ:
“أعلم أنّك خائف، لكن هل يمكنكِ تلبية طلب واحد؟”
رمش ليون ببطء كأنّه يفهم كلامي.
“هل يمكنك إيجاد السير سبينسر؟ أخبره أنّني هنا، هل يمكنك ذلك؟”
كان ليون حصانًا ذكيًا.
كان لديه ارتباط قويّ بآمون، وكان يعرف الطرق جيدًا.
كان هناك أمل كافٍ للاعتماد عليه.
لعق ليون خدّي بخفّة.
ثمّ بدأ يركض بسرعة داخل الغابة.
نظرتُ إلى ليون الذي اختفى من الأنظار بسرعة، وتنفّستُ بعمق.
بعد إرسال ليون، لم يعد بإمكاني البقاء ساكنة.
بدأتُ أجمع الأغصان الجافّة والأوراق المتساقطة من الجوار.
ثمّ حاولتُ إشعال النار باستخدام الحجارة والأوراق والأغصان كما علّمني آمون عدّة مرّات.
استغرق الأمر وقتًا أطول بكثير ممّا فعله آمون، وامتلأت يدي بالبثور، لكن لحسن الحظّ اشتعلت شرارة أخيرًا.
لم أعرف بالضبط ما حدث، لكن إصابة سيلينا تعني أنّ هناك من شاهد اختطافي.
هذا يعني أنّ احتماليّة بحث آمون عنّي عالية جدًا.
‘لم يمرّ وقت طويل.’
شعرتُ بالجوع، لكن ليس بشدّة، ولم يبدُ جرح سيلينا قديمًا.
كان آمون بالتأكيد يبحث عنّي.
يجب أن يكون كذلك.
تصاعد الدخان من اللهب الصغير.
تجاوز الدخان أعالي الأشجار وارتفع إلى السماء.
خشية أيّ طارئ، فتحتُ الباب نصف فتحة وراقبتُ سيلينا بطرف عيني، وواصلتُ جمع الأوراق وإضافتها للحفاظ على الدخان.
كم مرّ من الوقت وأنا أصلّي؟
شعرتُ بحركة في الغابة، ثمّ سمعتُ صوتًا مألوفًا غمرني باطمئنان شديد خنقني لدرجة البكاء:
“السيّدة!”
كان آمون فوق ليون.
“السير سبينسر!”
نهضتُ من جلوسي أمام النار، فنزل آمون من الحصان بسرعة كأنّه سينهار بأي لحظة واندفع نحوي.
فتحتُ فمي متفاجئة من وجهه الغاضب الذي رأيته لأوّل مرّة:
“هل أنتِ بخير؟ ماذا حدث مع سيلينا-”
ابتلع حضن آمون صوتي وغمرني بقلقه العارم.
كان قد عانقني بقوّة شديدة، كان عناقًا يحمل في دفئه خوفًا شديدًا، تشبثًا مستميتًا بشيء وكأنه سيتلاشى إن افلته ولو للحظة وجيزة.
مرّت رائحته القويّة بأنفي.
تجمّدتُ للحظة من المفاجأة، ثمّ استسلمتُ له وهدأتُ.
شعرتُ بشيء ينهار بداخلي عميقًا كمن سقط في هاوية لا قاع لها، شيء كنتُ أكبته منذ أن فتحتُ عينيّ وحدي مع سيلينا في مكان مهجور.
رفعتُ يدي ببطء وعانقتُ ظهر آمون وأغمضتُ عينيّ.
لم أسمع نقرة لسان كليفورد ولا همهمات أشخاص مجهولين.
غمرني شعور أنّه سيجدني مهما كنتُ وأين كنتُ.
شعرتُ لأوّل مرّة براحة عميقة لا يمكن السيطرة عليها من دفء آمون الذي غمرني بعواطفه.
التعليقات لهذا الفصل " 115"