“لمَ هذا السؤال فجأة؟”
فتح آمون عينيه اللتين كانتا مغمضتين ونظر إلى كارلايل.
هزّ كارلايل كتفيه مبتسمًا بطريقة غريبة ومثيرة للانزعاج.
“بدا لي أنّ غرفة المعيشة ضيّقة جدًا، هل كنتما بخير؟”
“…ما الذي تريد قوله؟”
“لم يحدث شيء، أليس كذلك؟”
“شيء؟ أيّ شيء؟”
تذكّر آمون بهدوء تلك الأسابيع التي قضاها نائمًا مع جوليا في غرفة معيشة دولوريس، دون أيّ أحداث خطيرة.
“لم أرخِ حذري حتّى أثناء النوم، لذا لم تحدث أيّ أمور خطيرة.”
“حذر؟ أمور خطيرة؟”
“ألم تكن تشير إلى هجوم محتمل من الجاني؟”
دهش كارلايل من سؤال آمون البريء جدًا وفتح فمه.
“هجوم؟! ليس هذا ما أقصده!”
“إذًا، ما الشيء الذي كنت تعنيه…”
فكّر آمون مليًا، ثمّ أدرك نوايا كارلايل وعبس.
“ما الذي تفكّر فيه؟ أأنتَ فارس ولا يوجد في رأسك سوى هذه الأفكار؟ الآن أفهم لمَ تتجنّبك إلويز!”
“لمَ تذكر إلويز فجأة؟ ألم أقل مرارًا إنّها لا تتجنّبني لأنّها تكرهني؟ وليس رأسي مليئًا بهذه الأفكار، بل رأسك أنتَ الفارغ!”
نظر آمون إلى كارلايل الغاضب بنظرة ازدراء، ثمّ هزّ رأسه وقال:
“بما أنّنا ذكرنا إلويز، فقد قضيتُ ليالٍ معها في أماكن أضيق بكثير. ظروف المراقبة عادةً ما تكون قاسية.”
“متى مع إلويز… لا، دعنا نتحدّث عن هذا لاحقًا، هذا وضع مختلف!”
“بالطبع، السيّدة ليست عضوًا في فرقة الفرسان، لذا لا يمكن اعتبار الوضع مماثلًا. لكنّه جزء من التحقيق، أليس كذلك؟”
“لا، ليس هذا المقصود!”
وضع كارلايل يديه على خصره وتنفّس بعمق.
ثمّ تابع بنبرة هادئة وكأنّه هدأ:
“أنتَ، ألا تحبّ السيّدة؟”
“…ماذا؟”
شعر آمون بقلبه يهوي.
على الرغم من علمه أنّه لا أحد في المكتب سواهما، نظر حوله بغريزة.
كانت عيناه المتّسعتان وأذناه المحمّرتان تعكسان اضطرابه.
“من قال ذلك؟”
“لا أصدّق! هل ظننتَ أنّه لن يلاحظه أحد؟”
مسح آمون وجهه بقوّة.
لكنّ ذلك لم يخفِ احمرار وجهه.
كيف عرف أحدهم مشاعره التي لم يعترف بها لأحد؟
نظر إلى كارلايل بجديّة وسأل:
“هل يعرف الآخرون أيضًا؟”
“كلّ من لديه حدس سيلاحظ. بمعنى آخر، الجميع عدا مارفين يعلمون.”
الجميع؟ جوليا ليست من تفتقر إلى الحدس.
إذًا…
“لا تقلق، السيّدة لا تعلم على الأرجح.”
كأنّه قرأ أفكار آمون، تابع كارلايل:
“حتّى لو اشتبهت، وبما أنّه لم يحدث شيء خلال تلك الليالي الطويلة، فستكون قد تخلّت عن شكوكها.”
“…تقصد أنّه إذا أحببتُها، كان يجب أن يحدث شيء؟”
“بالطبع! أتظنّ أنّ من المنطقي أن تنام مع من تحبّ في مكان ضيّق تحت بطانية واحدة دون أن تشعر بشيء؟”
“لم تكن بطانية واحدة. تأكّدتُ من أنّ للسيّدة بطانيتها الخاصّة، وقمنا بتغييرها كلّ أسبوع.”
“…حسنًا، أحسنتَ.”
هزّ كارلايل رأسه بنظرة سئمة.
على الرغم من المديح، شعر آمون وكأنّه أحمق.
“لكن…”
تردّد آمون ثمّ وجد ردًا:
“حتّى لو أحببتُ السيّدة، هذا لا يعني أنّها تحبّني. لذا من الطبيعي ألّا يحدث شيء.”
“بالطبع. لم أقصد أن تفعل شيئًا للسيّدة… آه…”
كأنّه يعلّم طفلًا، تابع كارلايل بنبرة هادئة:
“أقصد، ألم تشعر أنتَ بشيء؟ ألم تُحسّ بشيء؟”
تذكّر آمون تلك الليالي الطويلة.
الدفء الذي شعر به إلى جانبه، صوت البطانيّة وهي تتقلب، رائحتها الدائمة، وأنفاسها المنتظمة.
أقسم على السيف الذي منحه الإمبراطور.
كفارس، لم يحمل أبدًا أيّ نوايا غير لائقة تجاه جوليا.
حتّى لو حملها يومًا، لم يكن في تلك اللحظات.
‘حقًا؟’
أمسك آمون سيفه عند خصره بقوّة دون وعي.
نظر إليه كارلايل وقال كأنّه يرمي الكلمات:
“يبدو أنّك أدركتَ أخيرًا.”
“لا، ليس كذلك…”
مسح آمون وجهه بقوّة مجدّدًا.
حاول طرد ذكريات تلك الليالي، لكنّها أصبحت أكثر وضوحًا.
“حسنًا، إنه خطأي أنّني توقّعتُ شيئًا منك. ارتح.”
غادر كارلايل المكتب بسرعة، كأنّه يتراجع بعد أن أشعل النار.
حدّق آمون في الباب المغلق ببلاهة واستلقى على الأريكة.
كان النعاس قد زال بالكامل.
استشعر أنّ هذه الليلة ستكون الأصعب.
* * *
في اليوم التالي، غادرتُ مع كليفورد إلى مقرّ الفرسان كما اتّفقتُ مع آمون.
عندما دخلتُ غرفة استقبال آمون، بدأتُ أدرك الواقع.
لقد أصبحنا متأكّدين من الجاني، وتجمعنا لضمان القبض عليه.
“حسنًا… ربّما يجب أن تتحدّثا أوّلًا-”
“كفى، اجلسي.”
كنتُ متردّدة ونهضتُ، لكنّ كلام كليفورد البارد أجلسني مجدّدًا.
“تحدّث. من البداية إلى النهاية، دون أن تُغفل شيئًا.”
على الرغم من أنّني أخبرته ليلة أمس بتفاصيل القضيّة وهويّة الجاني، نظر كليفورد إلى آمون مباشرة وقال ذلك.
بدأ آمون حديثه، وعمّ الغرفة جوّ ثقيل.
‘لهذا أردتُ المغادرة.’
كان من الطبيعي أن يشترك الأخوان اللذان فقدا والديهما على يد الجاني في رابط مختلف عنّي.
بعد حديث آمون الطويل، كان أوّل سؤال طرحه كليفورد هادئًا:
“وماذا بعد؟ هل حصلتَ على دليل مادّي؟”
لم يكن في نبرته فرح أو حماس أو غضب.
“ليس بعد. لهذا تجمّعنا اليوم أيضًا.”
تابع آمون بهدوء مماثل.
“فكّرتُ مليًا، والدليل المادّي الأكيد هو السمّ. إذا أثبتنا أنّ سيلينا تملك سمًا غير قابل للكشف، سينجح كلّ شيء.”
“هكذا إذًا.”
جلستُ أحدّق في الطاولة، أفكّر في وجود السمّ.
كما قال آمون، إيجاد السمّ سيثبت كلّ جرائمها.
سيقلب الفرضيّة القائلة إنّ كلّ القتلى ماتوا بنوبات قلبيّة.
لكن هذا يعني-
“سيلينا تعلم ذلك. السمّ هو نقطة ضعفها الأكبر. ستحفظه بعناية ولن تسمح بسرقته.”
أومأ كليفورد موافقًا على كلامي وقال:
“لكن مهما أخفته، هناك لحظة يظهر فيها.”
“…تقصد لحظة القتل؟”
“نعم. نقتحم الموقع أثناء ارتكاب القتل. إذا نجحنا، سنحصل على السمّ وشهادة الناجين.”
“لا.”
تدخّل آمون بنبرة حازمة:
“لا يمكننا انتظار ظهور ضحيّة أخرى.”
“من قال إنّنا سنترك أحدًا يُقتل؟ نعرف خطّة القتل مسبقًا ونقتحم قبلها.”
معرفة خطّة القتل مسبقًا… فكّرتُ ثمّ قلتُ:
“إذا حدّدنا من قد تستهدفهم سيلينا وراقبناهم باستمرار-”
“نستخدم طعمًا.”
“ماذا؟”
قاطعني كليفورد، وتابع بوجهٍ بارد:
“لمَ نضيّع الوقت بالمراقبة؟ نختار شخصًا مناسبًا ونصنع موقفًا مناسبًا. ننصب فخًا-”
“هذا غير ممكن.”
تدخّل آمون مجدّدًا، فعبس كليفورد أخيرًا ونظر إليه بضيق.
“ألا تعلم أنّ هذه هي أفضل طريقة؟”
“وأنتَ تعلم أنّ الطعم سيكون في خطر. لا يمكننا فعل ذلك.”
“هل ستبقى الجاني طليقًا؟ قاتل والديك، الذي تطارده منذ عقود؟”
“ما فائدة القبض على الجاني إذا كان ثمنها التضحية بشخص بريء؟”
“سننقذه قبل وقوع القتل.”
“هل تستطيع ضمان ذلك؟”
“وإذا لم أستطع؟”
استمرّ النقاش الحادّ.
نظرا إلى بعضهما بلا تنازل.
“…آمم…”
بينما كنتُ أرتب أفكاري وسط نقاشهما، تحدّثتُ بحذر:
“سأكون أنا الطعم.”
التعليقات لهذا الفصل " 106"