كنتُ أمسك الصورة بقوّة بين يديّ، غير قادرة على الحركة، وأنا أنظر إلى دولوريس.
كانت تُرمش بعينيها ببطء.
توسّعت عيناها السوداوان تدريجيًا، ثمّ خرج من فمها صوتٌ يشبه الأنين.
“هل استعَدتِ وعيكِ؟”
كان آمون أوّل من تحدّث.
كانت دولوريس تحدّق في السقف بشرود، كأنّها لا تسمع كلامه.
“السيّدة دولوريس.”
اقترب آمون خطوة أخرى نحوها.
أدارت دولوريس عينيها فقط لتنظر إليه.
لم يكن هناك أيّ حيويّة في عينيها الضبابيّتين.
“هل تتذكّرين من أنا؟ زرتُكِ سابقًا مع هذه السيّدة.”
…
تحوّلت نظرة دولوريس إلى السقف مجدّدًا.
‘هل هي لا تسمع؟ أم أنّ الكلام صعب عليها؟’
بينما كنتُ أنظر إليها بقلق، اقتربت الممرّضة حاملةً كوب ماء ومنديلًا.
“يبدو أنّه يجب ترطيب فمها.”
وضعت الممرّضة المنديل المبلّل في فم دولوريس.
بعد قليل، تحرّكت حنجرتها.
نظر إليها آمون وقال للممرّضة:
“أرجو التواصل مع الطبيب.”
“حسنًا، نعم.”
غادرت الممرّضة الغرفة مسرعةً.
حان الوقت للسؤال عن الصورة.
كنتُ على وشك إظهار الصورة أمام عيني دولوريس، لكنّها في تلك اللحظة أزالت المنديل من فمها وبدأت تتحرّك ببطء لترفع جسدها.
“هل أنتِ بخير؟”
سارع آمون لمساعدتها.
بعد جهدٍ طويل، تمكّنت دولوريس من الجلوس، مستندةً نصف استناد إلى رأس السرير، وأطلقت تنهيدةً عميقة.
قدرتها على الحركة تعني أنّه لا داعي للقلق من فقدانها الوعي مجدّدًا قريبًا.
تنفّستُ الصعداء ووضعتُ الصورة على ركبتيّ مجدّدًا.
كنتُ أريد إعطاءها وقتًا لالتقاط أنفاسها.
جلست دولوريس بشرود، تلهث بهدوء.
بعد فترة طويلة، تنهّدت بعمق وقالت بهمس:
“…ابني، ابني…”
كدتُ أكتم تأوّهي.
كلمة واحدة عن ابنها فور استعادة وعيها.
“ابني، ابني…”
تجنّبتُ نظرتها دون قصد.
شعرتُ بالأسى والخيبة معًا.
استعادة الوعي لا تعني استعادة الوضوح العقلي.
ربّما ازدادت حالتها سوءًا.
إذا كان تمييزها قد أصبح أكثر ضبابيّة، فلا أمل في معرفة شيء عن الرسائل مع الدوق سبينسر أو الصورة.
‘حتّى لو أجابت، هل سأصدّقها؟’
أطرقتُ رأسي وأنا أعضّ شفتيّ.
شعرتُ بثقل لأنّني أفكّر هكذا أمامها وهي تبحث عن ابنها الميّت.
في تلك اللحظة، تمتمت دولوريس كمناجاة:
“هل مات؟”
“ماذا؟”
رفعتُ رأسي بسرعة وسألتها بحركة لا إراديّة.
كانت تنظر إليّ بعيونٍ خالية من التركيز.
“ابني… هل مات؟”
كدتُ أفقد الكلام وكأنّ شيئًا علق في حلقي.
نظرتُ إلى آمون.
بدا مرتبكًا مثلي، يحرّك شفتيه دون صوت.
كيف عرفت موت ابنها فجأة، وهي لم تكن تعلم قبل فقدانها الوعي؟
بينما كنتُ عاجزة عن الإجابة، تابعت دولوريس:
“سمعتُ أصواتًا. متقطّعة… لكنّها كانت أصواتكم.”
“أصوات؟”
“طلبتم المساعدة، و…”
تحوّلت نظرتها منّي إلى آمون.
“قلت إنّ ابني مات. هل هذا صحيح؟”
تذكّرتُ حديث آمون الطويل الليلة الماضية بجانب دولوريس الفاقدة للوعي.
‘لقد سمعت صوته.’
ربّما استعادت وعيها بسبب سماعها له.
ربّما لامس صدق آمون، الذي يشاركها جرحها، قلبها.
“صحيح؟ صوتك، أليس كذلك؟”
“نعم… صحيح.”
أجاب آمون بصوتٍ مكبوت.
لم يكن واضحًا إن كان يجيب عن موت ابنها أو عن صوته، لكن دولوريس أغمضت عينيها كأنّها فهمت كلّ شيء.
مرت دقائق هادئة.
خشيتُ أن تكون قد فقدت الوعي مجدّدًا، لكنّها فتحت عينيها أخيرًا.
كانت عيناها السوداوان تحملان بريقًا واضحًا، على عكس ما سبق.
كان هناك شعورٌ غريب.
لا أستطيع وصفه، لكنّها بدت مختلفة عمّا رأيناه من قبل.
كانت قويّة، بل وبدت هادئة وحازمة.
لم يكن ذلك بسبب تعافيها البدني فحسب.
بل بدت أكثر موثوقيّة ممّا كانت عليه قبل فقدان الوعي.
هل لأنّها واجهت موت ابنها بصراحة؟
نظرت دولوريس إليّ مباشرة وسألت:
“أنتِ من طلبتِ المساعدة، أليس كذلك؟ ما الذي يمكنني فعله؟”
تردّدتُ قليلًا، ثمّ ناولتها الصورة.
“في الحقيقة، أودّ السؤال عن هذه الصورة. وجدناها في المستودع، هل تتذكّرين شيئًا عنها؟”
أخذت دولوريس الصورة ونظرت إليها طويلًا، ثم أومأت برأسها ببطء.
“هذه صورة جماعيّة لأطفال الميتم. كانوا يرسمونها إجباريًا مرّة كل عام لكل دفعة.”
ابتلعتُ ريقي بصوتٍ مسموع.
تبادلتُ النظرات مع آمون وسألتُ بصوتٍ مرتجف:
“هل تتذكّرين لمَ تمّ تمزيق هذا الجزء وحفظه؟ هل تعرفين من هو هذا الطفل؟”
“هذا…”
تأمّلت دولوريس وكأنّها تتذكّر شيئًا، ثمّ قالت:
“قلتم إنّكم وجدتموها في المستودع؟”
“نعم، صحيح. تمّ ترميم ألوانها، وقيل إنّها لطفل بشعر أسود وعينين حمراوين.”
أضفتُ ذلك لعلّه يساعدها على التذكّر، ففتحت فمها قليلًا.
“آه… تذكّرتُ! منذ زمن، طلب منّي أحدهم هذه الصورة. لذا مزّقتُ هذا الجزء وحفظته.”
“طلب منكِ؟ من؟”
“حسنًا…”
غرقت في التفكير مجدّدًا، ثمّ تابعت:
“كان… نبيلًا، على ما أعتقد. لا أتذكّر اسمه، لكنّه أرسل لي رسالة من العاصمة.”
نظرتُ إلى آمون بسرعة.
بدا وجهه متصلبًا، كأنّه استشعر ما استشعرته.
كان قلبي يخفق بشدّة.
كلّ قطع الأحجية كانت تقترب من إجابة واحدة.
“سبينسر… أليس كذلك؟”
سأل آمون بصوتٍ مكبوت.
عبست دولوريس وهي تفكّر في الاسم، ثم أومأت:
“نعم… أعتقد أنّه الاسم.”
أمسكتُ قبضتي بقوّة.
رسائل الدوق سبينسر ودولوريس كانت تدور حول هذه الصورة.
كما توقّعنا، كان الدوق سبينسر يشكّ في الجاني الحقيقي.
“هل تتذكّرين تفاصيل الطلب؟ هل ذكر اسم الطفل؟”
سألتُ بقلق شديد.
هزّت دولوريس رأسها وقالت:
“لا، لم يكن كذلك. كان مشابهًا لما قلتِ. ذكر لون الشعر والعينين، وسأل إن كان هناك طفل بهذه السمات بين الأطفال المفقودين.”
“آآهـ…!”
أطلقت دولوريس صيحةً صغيرة.
نظرت إلينا بالتناوب بعيونٍ متسعة.
“قلتُ لكما سابقًا، أليس كذلك؟ كان هناك طفلان متشابهان.”
“بالطبع.”
أجاب آمون بسرعة.
“نعم، كان أحدهما. شعر أسود وعينان حمروان، اختفى في تلك الفترة.”
“لكنكِ قلتِ إنّ الطفلين كانا متشابهين جدًا واختفيا معًا.”
“نعم، صحيح.”
“فكيف عرفتِ أيّهما؟ قد يكون هناك طفل آخر بنفس السمات.”
“حقًا، لماذا؟…”
نظرت دولوريس إلى الصورة مجدّدًا.
مرت لحظات محبطة، ولم يكن بإمكاننا سوى الانتظار.
“آه، تذكّرتُ!”
رفعت رأسها أخيرًا وقالت ما كنا ننتظره طويلًا:
“كان مكتوبًا في الرسالة بوضوح. فتاة. من بين الطفلين، هذه الفتاة وحدها كانت كذلك.”
التعليقات لهذا الفصل " 104"