انتهت الحادثة بسرعة مذهلة تكاد تكون عبثية. فقد ظلّ ليكسون يطلق اللعنات على إيرين دون توقف بينما كان الفرسان المقدّسون يجرّونه بعيداً.
“هل أنتِ بخير؟”
سأل بيرت إيرين.
“أنا بخير.”
“ألن تتحدثي معه قبل أن يُؤخذ؟”
“لا، فماذا عساه أن يُقال الآن؟”
قررت إيرين ألا تتحدث مع ليكسون مجدداً، وأن تقطع ما تبقّى من اهتمامٍ به نهائياً. ثم التفتت إلى روان أولاً وسألتها:
“هل أُصبتِ؟”
أسرعت روان وهزّت رأسها نفياً.
“أ، أنا بخير… لكن، هل أنتِ حقاً السيدة إيرين؟”
“نعم.”
اتّسعت عينا روان باندهاش. لقد سمعت عن القديسةمن قبل، لكن رؤيتها على أرض الواقع كانت مدهشة حقاً. وفوق ذلك، كانت تلك القديسة تحمل الرمز المشؤوم نفسه الذي تحمله هي.
‘إذن الأمر حقيقي.’
شعرت روان وكأنها ستتمكّن أخيراً من تقبّل لونها الذي كانت تكرهه طوال الوقت. لقد كان الاختطاف مخيفاً، لكنها الآن تستطيع أن تبتسم.
ابتسمت لها إيرين، وردّت روان بابتسامة مماثلة. غير أن تلك الابتسامة تلاشت حين التفتت إيرين نحو سير.
“سير.”
“نعم.”
نظر إليها سير بوجهٍ متوتر.
“ماذا قلتُ لك أن تفعل إذا وجدتَ نفسك في خطر؟”
لم يُجب سير وابتسم ابتسامة محرجة، فتدخّلت آلي قائلة:
“أولاً، لا تستفزّ المجرم.”
“صحيح، هذا ما قلته. لكن يبدو أن سير لم يلتزم به.”
تغيّر وجه إيرين وصار أكثر جدية.
“لكن الرجل قال كلاماً سيئاً.”
خفّف سير عبارته وهو يقصد أنه شتم. كان يمكنه تحمّل أي شيء، إلا إهانة عائلته. ومع ذلك، فقد أدرك أنه بسبب غضبه أهمل سلامته.
“أعتذر.”
قالها سير وهو يعبس بخجل.
“أعلم يا سير لماذا غضبت. لكن اسمعني، أن أسمع كلاماً سيئاً أهون عليّ بكثير من أن تُصاب بأذى.”
“… أعلم.”
“حسناً، هذا يكفي. ومن الآن فصاعداً، عليك أن تصحب فارس حراسة معك دائماً، اتفقنا؟”
“… نعم.”
أجاب سير مضض، فاحتضنته إيرين فوراً. وعلى الرغم من شجاعته، إلا أنه ما يزال طفلاً، لذا استسلم لدفء أحضان أمه.
أما بيرت، فلم يعلّق بشيء، إذ علم أن إيرين قالت كل ما ينبغي قوله.
“آلي!”
ركضت لاني، المربية، نحوها بلهفة، وكان نوح، والد آلي، بجانبها.
“أمي!”
فتحت آلي ذراعيها وركضت نحو لاني، لكنها تلقت ضربة خفيفة على رأسها.
“قلتُ لك أن تكون حذرة!”
“كنتُ حذرة!”
“كوني أكثر حذراً!”
“وكيف أكون أكثر من هذا؟!”
ارتفع صوتهما معاً، فتدخّل نوح ليفصل بينهما.
“لاني كانت قلقة جداً عليكِ.”
عندها فقط خفّ صوت آلي وانحنى رأسها بخجل. فهي تعلم أن كل ما فعلوه كان بدافع القلق عليها، ولذلك شعرت بالأسف.
آخر من وصل كان والد روان. هرع من عمله فور سماعه الخبر، وما إن تأكد أن ابنته بخير حتى انفجر بالبكاء.
“أنا حقاً بخير يا أبي.”
قالت روان وهي تربّت على رأسه محاولة تهدئته.
بعد ذلك، اصطحبوا الأطفال الثلاثة إلى منزل سير، ليرتاحوا في مكانٍ آمن بعد ما مرّوا به من خوف.
“وقبل كل شيء، قد يكون هناك مزيد من أتباع الهراطقة.”
قال سير وهو يستلقي على الأريكة.
“اجلس لتأكل.”
“حتى وأنا مستلقٍ أستطيع الهضم جيداً.”
“وماذا لو رأتك رييه وتعلّمت منك هذا؟”
عندها جلس سير فوراً.
“الهراطقة مخيفون حقاً.”
قالت روان وهي تحدّق في طبق الحلوى، فدفعت آلي الطبق نحوها.
“كُلي كما تشائين، فلدينا الكثير.”
“شكراً.”
كانت تلك أول مرة تتذوّق فيها حلوى كهذه، وكانت لذيذة للغاية، فبدأت تأكل بشغف. وبينما كانت منشغلة بالأكل، جلست بجوارها فتاة صغيرة.
“أنا رييه، أخت سير.”
قدّمت نفسها بفخر، ثم ما لبثت أن بدأت توبّخ أخاها بلا توقف، بينما كان سير يتظاهر بالانزعاج ويصغي حتى النهاية.
‘يبدو أن وجود أختٍ أمر جميل.’
فكّرت روان في نفسها.
“حتى بعد أن تنتهي هذه الحادثة، تعالي لزيارتنا أحياناً.”
قال سير بعد أن انتهت رييه من توبيخه.
“هل يمكنني ذلك؟”
“ولِمَ لا؟”
“لكنني فتاة من عامة الشعب.”
“وأنا أيضاً من عامة الشعب.”
قالت آلي وهي تبتسم وتشير إلى نفسها. كانت لاني بلا لقبٍ نبيل، أما نوح فكان يملك لقب فارس فقط، لذا إن أرادت آلي أن تصبح من النبلاء فعليها أن تجتهد بنفسها.
“لذا تعالي متى شئتِ، واعتبري نفسك في بيتك.”
عندها أومأت روان موافقة. كانت الأيام التي قضتها في القصر بعدها مليئة بالسعادة؛ الطعام لذيذ، والفراش ناعم ومريح.
‘ومع ذلك…’
ما إن سمعت رُوان بخبر القبض على أتباع الديانة الباطلة حتى جمعت أمتعتها على الفور. كانت ترغب في أن تكون مع والدها سريعًا، كما أرادت هذه المرة، بعد عودتها، أن تبذل جهدها حقًا.
تمامًا مثل سير أو آلي أو رييه، لتفعل ما ترغب به.
قال سير: “على الأرجح، سأخلف والدي. لا اعتراض لديّ، بل أجد الأمر ممتعًا إلى حدٍّ ما.”
قالت آلي: “سأصبح فارسة مقدسة. قال لي معلمي إن لديّ موهبة جيدة. وهدفي أن أصل لاحقًا إلى منصب القائدة.”
قال سير: “آلي رائعة حقًا. وماذا عنكِ يا رييه؟”
أجابت رييه: “سأصبح كاهنة.”
“هل لأن والدتكِ قديسة؟”
“لا، فقط لأنني أحب أن يرى الآخرون الابتسامة بسببي.”
أجابت رييه ببراءة ناضجة.
فسألت آلي: “وما الذي تريدين أن تصبحيه أنتِ يا رُوان؟”
‘ماذا أريد أن أكون؟’
حاولت التفكير، لكنها لم تستطع تحديد شيء واضح.
“لا أعلم.”
قال سير: “من الطبيعي ألا تعلمي بعد. يمكنكِ أن تكتشفي ذلك مع الوقت.”
“أحقًا؟”
“بالطبع. وإذا أردتِ تعلم شيء ما، تعالي إلى منزلنا وأخبريهم. فهم ما زالوا ممتنين لما فعلتِ، وسيساعدونكِ بالتأكيد.”
“هل يمكنني حقًا أن أطلب المساعدة؟”
“بالطبع! لو لم ترمي شيئًا من الأعلى حينها، لكان الوضع أسوأ بكثير. كيف خطرت لك تلك الفكرة؟”
“فكرت فقط أنه إذا بقيت ساكنة فلن يُحل شيء.”
احمرّ وجه رُوان خجلًا من سيل المديح.
“ما رأيكِ أن تصبحي فارسة؟”
“فارسة؟”
“نعم، بما أنكِ تجيدين استخدام جسدك، قد يكون ذلك مناسبًا لكِ.”
“هل أجيد استخدامه فعلًا؟”
“هذا ما سنعرفه بالتدريب. لكن تحركاتك لم تكن سيئة. وقد أصبتِ الهدف بدقة من الأعلى.”
ضحك سير بصوت عالٍ. كانت الأصدقاء الجدد لطفاء للغاية، مما جعلها تشعر بالسعادة.
قالت رُوان: “تذكرت ما أريد أن أفعله.”
“ما هو؟”
“أريد أن أذهب بعيدًا عن العاصمة، إلى الأطراف، لأساعد الناس هناك. فما زال في بعض القرى الصغيرة من ينبذ الناس بسبب الرموز المشؤومة التي يحملونها.”
كانت قريتها كذلك. العادات القديمة لا تتغير بسهولة.
“أريد أن أساعد في تغيير ذلك.”
ابتسمت رُوان أخيرًا.
تغيير أفكار الناس المترسخة ليس بالأمر السهل، وقد يكون خطرًا أحيانًا. لكنها رغبت في ذلك رغم كل شيء.
لذا قالتها بثقة:
إنها ستعيش حياة تُكرِّسها لمساعدة الآخرين.
كانت إيرين تقف في الخارج تحمل صينية، فطرفت بعينيها ببطء. كانت هذه المرة الأولى التي تسمع فيها أحلام الأطفال بوضوح.
‘كم هم رائعون.’
الأطفال الذين يحملون إرادة للمضي قدمًا كانوا دومًا يثيرون إعجابها، سواء كانوا أبناءها أم لا، كانوا جميعًا محبوبين في نظرها.
كانت تتوقع أحلام سير ورييه وآلي تقريبًا، لكن سماعها منهم مباشرة كان شعورًا مختلفًا. أما حلم رُوان فقد ملأ صدرها بالعاطفة.
“ما الذي تفعلينه هنا؟”
لم تنتبه لقدوم بيرت من خلفها، ففوجئت وأسقطت الصينية، لكنه التقطها بسرعة.
قالت: “كنت أحمل مزيدًا من الحلوى للأطفال.”
وبذلك، وجدت نفسها قد استمعت إلى حديثهم دون قصد، فاحمرّ وجهها خجلًا. وقررت أن تعتذر لهم.
قال بيرت: “سأحملها أنا.”
ثم طرق الباب.
“نعم!”
قالت آلي بفرح: “وصلت الحلوى الجديدة!”
أسرعت لتتسلم الصينية. ثم اعترفت إيرين بأنها سمعت حديثهم واعتذرت، لكن الأطفال ضحكوا وقالوا إن الأمر لا بأس به. وراحوا بحماسة يتحدثون أكثر عن أحلامهم.
سألت رييه: “ما كان حلمكِ وأنتِ صغيرة يا أمي؟”
“حلمي؟”
قالت آلي: “من المؤكد أنه أن تصبحي قديسة.”
“ليس بالضرورة، ربما كان شيئًا آخر.”
بينما كانوا يتبادلون الحديث، سرحت إيرين في أفكارها.
‘كنت أحلم بعائلة أُحبها وتُحبني.’
في ذلك الوقت، اعتقدت أن هذا الحلم لن يتحقق أبدًا، ولذلك كانت تصلي وهي غارقة في اليأس.
‘لم أكن أعلم آنذاك.’
لم تكن تدري أنها ستحظى بزوج يحبها بصدق وأطفال رائعين.
كانت إيرين الآن سعيدة بحق، فابتسمت ابتسامة هادئة جعلت عينيها تنحنيان كالهلال.
نظر إليها بيرت بإعجاب، وهمّ بتقبيلها، لكنها منعت ذلك بيدها.
قالت: “ليس أمام الأطفال.”
“إذًا، فلنذهب إلى مكان لا يوجد فيه سوانا.”
حملها بيرت دون تردد وغادر الغرفة، ولوّح الأطفال لهم بلا اكتراث، فقد اعتادوا على تصرفات والدهم.
قالت إيرين بخجل: “كم هذا محرج!” وهي تضرب صدره بخفة، لكنه لم يتحرك، بل دخل بهدوء إلى غرفتهما.
قال مبتسمًا: “والآن، بعد أن خلت الساحة، لنُكمل ما بدأناه.”
وطبع بيرت قبلة على جبينها.
كانت تلك الفتاة التي عرفت التعاسة يومًا قد وجدت السعادة أخيرًا.
ورغم أنها لا تستطيع أن تجزم بأن الأيام القادمة ستكون خالية من الصعاب، إلا أنها أيقنت أن لا شيء بعد الآن يمكن أن يحطمها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات