“لا يمكن ذلك. جسدك لا يزال ضعيفًا، فإلى أين تذهبين؟”
قوبل رأي إيرين بالرفض الفوري.
“لن يُسمح لكِ بالذهاب إلى أي مكان قبل أن تتعافي تمامًا.”
فلا يوجد مكان يمكنه استدعاء الأطباء بكفاءة مثل المعبد، ولهذا لم يكن بيرت ينوي أخذ إيرين إلى أي مكان آخر. كان من الأفضل له أن يبقى هنا من أجلها.
وإيرين كانت تدرك مشاعره تلك، لذا التزمت الصمت.
وحين وصلا إلى الحديقة، أنزلها بيرت برفق على مقعد خشبي. وما إن جلست تتأمل الأزهار التي بدأت تتفتح مجددًا، حتى شعرت بالطمأنينة تغمرها.
“ما الذي حدث خلال تلك الفترة؟”
منذ أن استيقظت إيرين، لم يسألها أحد عما حدث أثناء غيابها، ولم يستغرق الأمر طويلًا لتدرك أن ذلك كان بدافع مراعاة مشاعرها.
وسؤال بيرت الآن كان يعني أنه يراها قد استعادت قوتها بما يكفي للحديث.
“لقد رأيت الحاكمة.”
بدأت إيرين تحكي ببطء، رغم أن الوقت الذي قضته هناك لم يكن قصيرًا، إلا أنه لم يكن لديها الكثير لتقوله، فقد أمضت أغلبه في شرود وتأمل.
وحين أنهت حديثها، أمسك بيرت بيدها. وبمجرد أن شعرت بحرارة يده، خفق قلبها بشدة في ارتباك لطيف.
“لابد أن الأمر كان صعبًا عليكِ.”
هل كان صعبًا حقًا؟ أومأت إيرين نافية.
“الآخرون هم من عانوا أكثر مني، خصوصًا أنت.”
“أنا؟”
“كنت تمتنع عن الطعام وتبقى إلى جانبي طوال الوقت، أليس كذلك؟”
اتسعت عينا بيرت بدهشة عند نبرتها العاتبة.
“لقد رأيتك صدفة… ألم تقل إنك تريد أن تكون سعيدًا؟ لكن هذا لا يبدو كتصرف من يسعى للسعادة.”
“إيرين، كيف لي أن أكون سعيدًا من دونك؟”
جاء رده تلقائيًا كما لو كان أمرًا بديهيًا.
“أنا لست من أولئك الذين يمكنهم العيش بسعادة بعد أن يفقدوا من يحبون. لذا من فضلك، كوني إلى جانبي دائمًا.”
ثم رفع يدها إلى شفتيه وقبّل ظهرها برقة.
“حينها، سأكون أسعد إنسان في هذا العالم.”
كان وجهه المبتسم مشرقًا للغاية، فتساءلت إيرين في نفسها كيف خطر لها يومًا أن تموت وتترك مثل هذا الشخص وراءها. شعرت بالندم على ماضيها، ومسحت بلطف على خده، ثم اقتربت منه وطبعَت قبلة خفيفة.
“إيرين؟”
بدت الدهشة على وجه بيرت أكثر من ذي قبل.
“فقط رغبت في ذلك.”
أجابت بابتسامة خجولة، فارتسمت على ملامحه نظرة جادة.
“إذن… هل يمكنني أنا أيضًا؟”
هل ينبغي أن توافق؟ ترددت قليلًا تحت وطأة الشوق الذي يكاد يلامسها، لكنها سرعان ما حسمت الأمر.
“بالطبع.”
فهو أكثر من تحب، وتريد أن تمنحه كل ما يرغب به. وما إن نطقت بالموافقة، حتى لامست شفتاه وجنتها في قبلة خفيفة.
قبلة… ثم أخرى على وجنتها، تلتها قبلة على طرف أنفها، وأخيرًا التقى شفاهها بشفتيه في لمسة ناعمة جعلتها تغمض عينيها تلقائيًا. كان ذلك في ظهيرة دافئة من يوم مشرق.
لم يطل الوقت حتى تم تحديد موعد حفل التتويج. ويبدو أن المعبد كان يرغب في إرسال الضيوف الشماليين سريعًا.
“يا للأسف.”
تمتم ميلي بتذمّر.
“لقد أعجبني المعبد حقًا، لكن علينا الرحيل فور انتهاء التتويج.”
“لا خيار لنا. ثم إنك الوحيد، يا ميلي، الذي يرغب في البقاء هنا.”
“حقًا؟”
“نعم، الآخرون يتوقون إلى المغادرة بأسرع ما يمكن، خاصة بعد ما حدث مع السيدة لونا.”
عند سماع كلمات الفارس، أسند ميلي خده إلى زجاج النافذة. كان الجو دافئًا ومشرقًا، بلا تلك البرودة اللاذعة التي تميّز الشمال.
“لمَ فعلت ذلك؟”
هل كان الحب يستحق كل هذا؟ أن يضحّي المرء بكل شيء من أجله؟ لم يستطع ميلي فهم لونا.
‘هل لأنني ما زلت صغيرًا لا أفقه شيئًا؟’
“يا ميلي.”
لم تكن لونا تبدو كشخص سيئ إلى هذا الحد، لكنها ومنذ أن فُرضت عليها الإقامة الجبرية، لم يرها أحد، وحتى إن حاول زيارتها، كان الحرس يمنعه. فهي الآن تُعدّ مجرمة.
“على الأقل نهضت القديسة مجددًا، وهذا يُطمئن القلب.”
وبسبب حادثة تسرب المعلومات ومرض القديسة، كان على القادمين من الشمال التقيّد بالقيود، أما الآن فقد رُفعت تلك القيود وأصبح بوسعهم التجوّل في العاصمة بحرية.
وقبل حفل التتويج، اشترى ميلي هدايا لعائلته، وكان من بينها هدية لإيرين وبيرت أيضًا. قد لا يقدّرانها كثيرًا، لكنه أراد منحها لهما على أية حال.
كانت الهدية عبارة عن قلادة على شكل نصف قلب، فإذا قُرّبت النصفين من بعضهما اتّحدا ليشكّلا قلبًا كاملًا.
‘شعرتُ أنها تناسبهما تمامًا.’
وإذا ما وجد شريكًا يومًا ما، فقد تمنى أن يكون قادرًا على حبّه كما يحب بيرت إيرين، حبًّا يدفعه حتى للتخلي عن عرش ملكي. لكنه لم يكن متأكدًا إن كان ذلك ممكنًا حقًا.
أغمض ميلي عينيه بهدوء.
وجرى حفل التتويج دون أية عقبات، حيث منحت القديسة ورئيس الكهنة بركتهما، وقدّم بيرت سيفًا لميلي أمام الجميع بدلًا من التاج.
“من اليوم، أنت ملك الشمال.”
شعر بثقل المسؤولية يهبط على صدره مع تلك الكلمات.
“احمِ، وواصل الحماية، فذلك واجب الملك.”
لم يعد بوسعه الهروب كطفل بعد الآن، ومع ذلك تقبّل ميلي كل شيء بشجاعة.
‘سأكون ملكًا بحق.’
وسأحمي شعبي، وأبحث عن من أحب… مثل بيرت تمامًا. هكذا عزم الملك الصغير.
وبعد التتويج، أقيمت حفلة صغيرة، وتمكّن ميلي خلالها من تقديم هديته لإيرين. وعندما فتحتها هي وبيرت، تبادلا نظراتٍ باسمة.
“شكرًا لك، وليحُفّ البركة الملك إلى الأبد.”
باركت إيرين الملك الشاب مرة أخرى، وعبّر بيرت عن امتنانه كذلك.
‘لقد أحسنتُ صنعًا باختيار هذه الهدية.’
شعرت بالرضا يغمرها. وبعد انتهاء الحفلة، بدأ القادمون من الشمال استعدادهم للعودة. فبمجرد عودتهم هذه المرة، لن يكون لهم ما يدعوهم إلى القدوم إلى العاصمة لفترة طويلة. كانت تظن ذلك، إلى أن فاجأها بيرت بكلمات غير متوقعة.
“سأدعوكم إلى حفل الزفاف.”
“هل أنا أيضًا مدعو؟”
“بالطبع.”
بدأ قلب ميلي الصغير يخفق بترقّب.
لكنه ما لبث أن عبس بعد كلمات الفارس المرافق.
“حتى وإن تلقيت الدعوة، سيكون من الصعب الحضور. فالملك الجديد سيكون منشغلًا جدًا بعد توليه الحكم. صحيح أن بيرت وعد بمساعدتك لبعض الوقت، لكن ما على الملك فعله كثير للغاية.”
“ربما سيؤجل الزفاف إذًا.”
“لا أظن ذلك.”
ابتسم الفارس بخفة.
“ألم تري نظرات بيرت؟ عينيه تومضان كلما اقترب رجل من السيدة إيرين. أظن أنه سيقيم الزفاف قريبًا جدًا.”
عند هذا الجزم، أخرج ميلي شفته في امتعاض، لكنه ما لبث أن تمالك نفسه وجلس باستقامة وهو يتذكّر مكانته الجديدة.
“سيكون أمامك الكثير لتفعله حين تعود.”
“نعم.”
فميلي الآن صار ملك حقيقي.
أما لونا، فكانت في العربة التي لا نوافذ لها، لا ترى شيئًا من الخارج، ويداها مكبلتان بالأصفاد كأنها مجرمة، مما جعل حركتها صعبة.
“ننطلق!”
سمعت الصوت من الخارج، وبدأت العربة بالتحرك. لقد آن أوان رحيلها عن العاصمة.
حدّقت لونا في المكان الذي كان يفترض أن توجد فيه نافذة، ثم أسندت وجهها إلى يديها.
‘كنت خائفة.’
رغم أن التحقيق أثبت أنها لم تتورط بشكل مباشر، فتم الإفراج عنها، إلا أن ما مرت به قبل ذلك كان كفيلًا بإضعافها.
‘آن…’
الخادمة التي كانت دائمًا معها ماتت، ولم يتبقَّ سوى لونا وحدها.
‘لو لم أكن من أتباع ديانة أخرى…’
لكانت الآن تنظر إلى السماء الصافية وهي تعود إلى الشمال.
‘كنت ضعيفة جدًا.’
لو أنها علمت بمصير آن مسبقًا، لو كانت أقوى قليلًا… لربما لم تصل الأمور إلى هذا الحد. لكن الندم دائمًا يأتي متأخرًا.
ظلت جالسة بحزن والعربة تمضي بها مسافة طويلة.
“توقفوا!”
وفجأة توقفت العربة، وفتُح الباب ليظهر وجه مألوف.
“السيدة لونا!”
إنه ميلي.
“ميلي.”
نادت اسمه بلا تفكير، لكن الفارس خلفها هز رأسه تذكيرًا بالمقام الجديد. عندها تداركت الأمر وعدّلت نبرتها.
“جلالتك، ما الذي جاء بك؟”
“تعالي لنتناول العشاء سويًا.”
قال وهو يبتسم بخجل.
“أنا سجينة، ولا يمكنني مغادرة العربة.”
“طالما أنا معكِ، فلا بأس.”
ثم مدّ ميلي يده نحوها.
“لماذا؟”
لماذا يبدي كل هذا الاهتمام بها؟ همّت لونا أن تسأل لكنها كتمت السؤال، ومع ذلك يبدو أن ميلي سمع همسها.
“نحن من البلد نفسه. ثم إنني لا أظن أنكِ إنسانة شريرة كما يقولون.”
ربما لأنه لم يعتد بعد على كونه ملك، خرجت كلماته بنبرة مألوفة.
“ألم تهديني زهرة من قبل؟”
كانت قد أعطته إياها فقط ليغادر المكان بسرعة لأنها لم تكن تطيق رؤيته في الجوار.
“لهذا السبب، تعالي معي.”
ذلك اللطف الصغير الذي منحته إياه ذات يوم، عاد إليها الآن في شكل لطف آخر. ومع ابتسامة ميلي أمامها، شعرت لونا بأن كل شيء سيكون على ما يرام.
صحيح أن ما ينتظرها لن يكون سهلًا، لكنها ظنت أن وجود شخص واحد فقط إلى جانبها كافٍ لتتحمل.
“شكرًا لك.”
قالت لونا ذلك وهي تستعين بيد ميلي لتنزل من العربة. كان الظلام قد حلّ، لكن السماء الصافية امتلأت بالنجوم المتلألئة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات