تغيّر تعبير الحاكمة. طوال الوقت كانت تُعامل كاميلا برفق، ولم تستطع أن تكون قاسية معها رغم علمها بأنها أصبحت عدوّتها، غير أن العالم بدأ ينهار بسبب ذلك التردّد.
[أشعر بالأسف.]
اعتذرت الحاكمة باقتضاب، فشعرت كاميلا بإحساسٍ ينذر بالخطر وحاولت الفرار، لكن الأوان قد فات. وبينما تجمّد جسدها لحظة، امتدت أغصان النباتات من تحت قدميها لتلتفّ حولها وتُقيّدها.
[لا!]
صرخت كاميلا بجنون، وحاولت بكلّ قوتها أن تتخلّص منها، لكنها لم تستطع.
[لا يمكن أن ينتهي الأمر هكذا!]
تلاشى بصرها تدريجيًّا مع ازدياد التفاف الأغصان حولها، وكانت تلك النباتات تمتصّ قوّتها شيئًا فشيئًا. لم تكن تتخيّل أن الحاكمة التي أوشكت على الفناء ما تزال تملك مثل هذه القوة.
بل ربما كانت هي التي لم تدرك ذلك من قبل؛ فالحاكمة لم تُظهر لكاميلا يومًا كامل قوّتها.
‘يا للغضب.’
‘مهما حاولت، فلن أستطيع تجاوزها أبدًا؟’ فكّرت كاميلا بمرارة، ثم قرّرت أن تقوم بآخر محاولة يائسة. والآن وقد أدركت نهايتها، رغبت في جرّ من تُحبّها الحاكمة معها إلى الهلاك.
مدّت يدها بكلّ ما تملكه من قوّة نحو إيرين.
[حتى اللحظة الأخيرة، ما زلتِ شريرة.]
لكن الحاكمة لم تسمح لها بذلك، فازدادت حركة النباتات سرعةً، وتوقّف ذراع كاميلا قبل أن يبلغ هدفه.
[آه، آآه!]
ولم يبقَ سوى صرخةٍ أخيرة أشبه بالأنين، قبل أن تستحيل جسدًا حجريًّا.
‘انتهى؟’
حدّقت إيرين مذهولة في تمثال كاميلا وقد تجمّدت ملامحها إلى الأبد.
[ستُبعث من جديد، لكن هذه المرة ستكون كائنًا لا يؤذي أحدًا.]
بدت ملامح الحاكمة حزينة.
[يبدو أنني لم أفهم طفلتي بما يكفي، ولهذا ارتكبت كل تلك الآثام. ومع ذلك، لا أستطيع التخلّي عنها. إيرين، سامحيني.]
“ليس عليكِ الاعتذار.”
كانت إيرين تفهمها. صحيح أن كاميلا اقترفت شرورًا كثيرة، لكن الحاكمة لم تستطع تركها. ‘ليت والدي كان مثلها…’ فكّرت. لو أنه تمسّك بها مهما حدث، لربما تغيّر كل شيء. هل كانت كاميلا تجهل حقًّا أن الحاكمة لم تتخلَّ عنها قط؟ تراكمت الأسئلة في ذهنها، لكنها هزّت رأسها لتبدّدها؛ فما هو أهمّ ينتظرها.
“يا حاكمتي.”
[نعم؟]
“هل يمكنني العودة الآن؟”
أومأت الحاكمة برفق.
[ليس في الحال، لكنني سأبذل جهدي لإعادتكِ بأسرع ما يمكن.]
“وما المدة التي ستستغرقها؟”
[بحساب زمن عالم البشر… نحو أسبوع. فقد استهلكتُ معظم قوتي تواً.]
“سأنتظر.”
رغم أن أسبوعًا بدا زمنًا طويلًا بالنسبة لإيرين، إلا أنها كانت قادرة على الصبر. ضمّت يديها كمن يصلّي، وبدأت تتبادل الحديث مع الحاكمة، وفي أثناء ذلك عرفت بعض الأمور التي لم تكن تتوقّعها.
“هل يُمكنكِ حقًا إخباري بمثل هذا؟”
[اعتبريه تعويضًا عمّا قاسيته. أجل، ستعودين مع ذلك الفتى الذي تحبّينه… بيرت.]
احمرّ وجه إيرين، فقد كانت تفكّر فيه أصلًا، وأحسّت وكأن مشاعرها قد انكشفت تمامًا.
مرّ أسبوع بدا قصيرًا وطويلًا في آنٍ واحد. وفي اليوم الأخير، انحنت الحاكمة وطَبعت قُبلة على جبين إيرين.
[أبارككِ، وأرجو حين أراكِ مجددًا أن تكوني في سعادة.]
“وماذا عنكِ يا حاكمتي؟ ماذا ستفعلين بعد ذلك؟”
[سأخلد إلى الراحة من جديد. بالنوم سأستعيد قوتي، وأوكل إليكِ أمر هذا العالم في غيابي.]
أومأت إيرين ببطء.
“سأبذل جهدي.”
فهذا العالم أصبح عزيزًا عليها الآن.
ومع كلماتها الأخيرة، بدأ النور يتسلّل إلى المكان المظلم، وشعرت بقوةٍ تجذبها. رأت الحاكمة في البُعد تلوّح لها، فبادلتها التلويح، لكن فجأة اسودّت الدنيا من حولها، وألَمٌ رهيب اجتاح جسدها بأكمله.
صرخة مكبوتة انفلتت من بين شفتيها مع إحساسٍ حادٍّ يخترق كل خليةٍ في جسدها.
“آه…”
كانت جفونها ثقيلة، وحاولت تحريك يدها بصعوبة. حينها دوّى صوت مألوف بجانبها.
“إيرين؟”
ما إن سمعت صوت من تحبّ حتى أخذ الألم يتلاشى، وخفّ العبء الذي كان يسحقها.
“بيرت…”
نطقت اسمه بصوتٍ متقطّع، فاحتضنها بقوة.
“يا حاكمتي… شكرًا لكِ، شكرًا لكِ!”
هتف بيرت بالامتنان مرارًا، ثم أسرع يستدعي الطبيب. وعمّت الغرفة حركة وضجّة.
“الحمد لله على سلامتك!”
قالت لاني وهي تبكي بحرقة، وزارتها كذلك غرين رئيسة الكهنة، وألين فارس الهيكل.
ورغم أن جسدها ما زال يؤلمها ويشعر بالثقل، فإن الطبيب لم يجد سببًا واضحًا، غير أن أحد الكهنة الملمّين قال إنها نتيجة الإفراط في استخدام القوة الإلهية، وتبعات عودتها من عالم الحاكمة.
“عليكِ أن ترتاحي جيدًا في هذه الفترة.”
أما بيرت فقد جلب لها كلّ ما يُقال إنه مفيد للجسد. وكانت الأدوية مرّة لاذعة الطعم، لكنها تناولتها بصبرٍ لتتعافى.
وبعد أيام، استطاعت فتح عينيها تمامًا. وأول من وقع بصرها عليه كان بيرت.
“لماذا… لماذا تبدو هكذا؟”
رفعت إيرين يدها بصعوبة ومسحت وجنته. لم يكن بهذا النحول حين رأته آخر مرة. تألم قلبها لرؤيته بهذه الحال.
حين أدرك بيرت ذلك، شعر بالذنب لأنه ابتعد عنها طويلًا. وخلال غيابِه، كان الفارس المخلص سيزو هو من تولّى حراستها.
ومع أنه عاد بهيئةٍ أنيقة كما كان دائمًا، فإن نحوله ما زال ظاهرًا.
“بيرت، أظن أنك بحاجة إلى تناول الأدوية أيضًا.”
قالت له إيرين وقد بدأت تستعيد قدرتها على الحديث الطويل.
“أنا أتناول ما يكفيني بالفعل.”
“هذا غير صحيح.”
“بل هو صحيح.”
ثم تناول أمام إيرين كمية هائلة من الطعام دفعة واحدة، ولم تشعر إيرين بالاطمئنان إلا بعد أن رأت ذلك بعينيها.
لم يكن بيرت الوحيد الذي فقد وزنه، فقد لاحظت إيرين أن لاني أيضًا قد نحفت من دون أن تنتبه، حتى بدت ثيابها فضفاضة عليها.
“نوح، أرجوك اعتنِ بلاني.”
وفي هذه المرة، أوصت إيرين بالأمر لنوح. ويبدو أن العلاقة بينهما قد تطوّرت كثيرًا، إذ راح نوح يعتني بلاني من دون أدنى تردد. لم يبدُ اهتمامه بها كاهتمام زميل بزميلة فحسب.
‘إنها رائحة الربيع.’
بدأت السماء الرمادية الكئيبة تتصفّى شيئًا فشيئًا، وكلّما تحسّن مزاج إيرين أشرقت الشمس. وهكذا أدرك الناس أن القديسة باتت بخير.
“إيرين.”
مدّ بيرت يده نحوها، فبعد أن استعادت قدرتها على الحركة، كانا يخرجان أحيانًا في نزهات قصيرة، وكان بيرت دومًا يرافقها ويهتم بها أثناءها.
‘هذا جميل، لكن…’
في لحظة ما، تغيّر أسلوب مخاطبته لها من جديد. في البداية كان يناديها باسمها، ثم عاد إلى الألقاب. أخرجت إيرين شفتها بضيق ورفضت يده الممدودة. وشعرت بارتباكه لأول مرة من رفضها.
“هل ارتكبتُ خطأ ما؟”
“الاسم.”
“ماذا؟”
“نادِني باسمي كما كنت تفعل سابقًا.”
حينها بدأ بيرت يبتسم شيئًا فشيئًا.
“إيرين.”
عندها فقط اتخذت إيرين ملامح متدلّلة ومدّت يدها من جديد.
“إيرين، هل نخرج في نزهة إذن؟”
“نعم.”
رفعها بيرت بين ذراعيه على الفور. ولأنها كانت لا تزال تجد صعوبة في المشي، كانت تستعمل الكرسي المتحرك أحيانًا، لذا توقعت أن يجهّزه لها اليوم أيضًا، لكن بيرت خالف توقعها هذه المرة.
“والكرسي المتحرك؟”
سألته بدهشة عندما رأت أنه خرج من الباب وهو يحملها، فرفع شفتيه بابتسامة.
“ما الحاجة إلى الكرسي وأنا هنا؟”
‘هذا الرجل أصبح جريئًا أكثر مما كان عليه.’
“أنا أشعر بالحرج، تعلم ذلك؟”
“وما الذي يبعث على الخجل ونحن مخطوبان؟”
“لكننا لم نتزوج بعد.”
“إذن لنتزوج.”
وخلال نزهتهما، أخذ بيرت يحدّثها عن ما جرى في الماضي. لم تكن إيرين ترغب في استعادة تلك الذكريات المرعبة، لكنها كانت فضولية وتريد أن تعرف.
“وماذا حدث لتلك التي تُدعى لونا؟”
“مكثت بضعة أيام في السجن، لكن بعدما تبين أنها لا تعلم شيئًا، أزلنا عنها كل الطاقات السلبية وأعدناها إلى الشمال. فهي على أي حال ابنة أحد النبلاء الكبار.”
ورغم أنها عادت إلى وطنها، إلا أن عيشها كما في السابق لم يعد ممكنًا، لكن المعبد قد أبدى كثيرًا من الرحمة في التعامل معها. وحتى إن فُرضت عليها الإقامة الجبرية، فذلك أهون من الموت.
فالمعبد لا يُبقي عادة على قيد الحياة أحدًا من أتباع الديانات الباطلة، إذ يجمع بين الرحمة والقسوة في آن واحد.
“وسيد ميلي؟”
“سيد؟ ليس بعد، ليس جديرًا بهذا اللقب حاليًا.”
“لكنه وريثك يا بيرت.”
“نعم، لقد أجّلتُ مراسم التتويج فترة بسبب كثرة الأحداث، لكن الآن أصبح كل شيء على ما يرام، وسنجري المراسم قريبًا.”
عادةً ما تُقام مراسم التتويج في وطن الشخص، لكن أحيانًا يُسمح بإجرائها في المعبد وفق الظروف. وكان بيرت قد طلب بالفعل أن تُقام مراسمه في المعبد.
وبهذا، لن يضطر للذهاب إلى الشمال وسيُتوّج في مراسم مختصرة هنا.
“يمكنك الذهاب على أية حال.”
“وكيف أتركك وأذهب هناك بمفردي؟”
“لقد فعلت ذلك في الماضي.”
“ذاك كان حينها، أما الآن فلا أستطيع ترك إيرين وحدها أبدًا.”
قالها بيرت وهو يرتسم على وجهه تعبير واثق لا يخلو من الجرأة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات