في هذا المكان، تتزاحم الأفكار في رأسي. لا يوجد شيء هنا، ولا أشعر حتى بجريان الزمن، فيتسلّل القلق إلى قلبي. تُرى، كم من الوقت مرّ في الخارج؟
كاميلا، التي كانت ثرثارة وتستفزني بلا توقف، صمتت في لحظة ما. لأنني لم أُعرها أي اهتمام.
حتى لو تحدثت عن ماضيها أو عن الأسباب التي قادتها إلى هنا، لم أستطع أن أتعاطف معها. أيًّا كان ما مرت به، لم يكن مبررًا لقتل هذا العدد الهائل من الأرواح.
[أنتِ مملّة حقًا.]
قالت كاميلا وهي تعقد حاجبيها. لكن ما أهمية ما تقوله عدوّتي؟ لم أُعرها أي اهتمام.
وعندما أدركت ذلك، غيّرت طريقتها.
[ألا ترغبين في معرفة ما يجري في الخارج؟]
بالطبع أشعر بالفضول. أردت أن أعرف تحديدًا ما الذي يفعله بيرت الآن. لا يبدو عليه ذلك النوع من الأشخاص، لكن… أليس من الممكن أنه يبكي؟ أنه يائس؟ ربما يحاول اللحاق بي فعلًا؟
راودتني أفكار مقلقة، لكنني بذلت جهدي كي لا أُظهرها.
“لا أرغب في ذلك.”
[لماذا؟ صحيح أنكِ محبوسة، لكن يمكنني على الأقل أن أريكِ ما يجري.]
“هل تزعمين أنكِ تفعلين ذلك بدافع اللطف نحوي؟”
ابتسمت كاميلا ابتسامة عريضة. كما توقعت، لم يكن في الأمر أي لطف.
[ما أذكاكِ بلا طائل.]
الإنسان ضعيف، ويتأثر كثيرًا بالآخرين. وكاميلا تعرف أنه لو علمت بما يجري في الخارج، فسوف أتألم، ولذلك أرادت استغلال ذلك.
[لكن لا شيء يجبرني على الاستماع لكِ، أليس كذلك؟]
ثم رسمت بيدها دائرة في الهواء. دفعَت السواد الذي يحيط بنا، فتكوّنَت دائرة بنفسجية تحوّلت إلى مرآة تعكس مشهدًا مألوفًا.
‘غرفتي.’
رأيت أولًا جسدي الشاحب ممددًا هناك، ثم بيرت جالسًا إلى جواره، وجهه مليء بالحزن.
‘بيرت!’
لم أرَ بيرت بتلك الملامح من قبل.
‘لا… لا أريد هذا.’
كنت أرجو أن يكون سعيدًا حتى لو اختفيتُ. لم أضحِّ بحياتي كي أتركه يتعذّب هكذا. فتحت فمي دون وعي، ثم أطبقته بسرعة.
كاميلا كانت تحدّق بي بنظرة فضولية. لم أرغب في أن أُظهر ضعفًا أمامها.
[ما الأمر؟ ألستِ سعيدة برؤيته؟]
سألتني بسخرية ظاهرة.
[إنه الرجل الذي تحبينه، ألن تُلقي عليه التحية؟]
ولوّحت بيدها ببطء.
‘أودّ أن أخبره أنني ما زلت على قيد الحياة…’
لكن… ألن يكون هذا مجرد فخّ من كاميلا؟ تداخلت الأفكار في رأسي حتى شعرت بالصداع. وخلال ذلك، بدأت المرآة تتلاشى شيئًا فشيئًا حتى اختفت.
نظرتُ نحو كاميلا، فهزّت كتفيها.
[لا أستطيع الإبقاء على الرؤية طويلاً، فهذه المساحة تكبح قوتي.]
حوّلت بصري من جديد وعدت إلى مكاني المعتاد، بجانب التابوت الذي ترقد فيه الحاكمة. كان ذلك المكان الوحيد الذي يتسلل إليه بعض الضوء، والبقاء هناك يخفّف قلقي قليلًا.
‘لم أكن مخطئة.’
بدأ هذا الإيمان يترسخ في قلبي. فوق ذلك، كانت كاميلا تكره الاقتراب من التابوت. لم يكن الأمر بسبب قوّة ما، بل لأنها فقط لا تطيق وجود الحاكمة.
[ما أكرهه، لا أراه.]
ثم كانت تطير مبتعدة إلى مكان مجهول.
كنت أمضي وقتي مستندة إلى التابوت، أحيانًا أحدّق في الحاكمة النائمة بذهول، إلى أن لاحظت أمرًا ما:
عندما أضخ في التابوت طاقتي الإلهية، ينبعث منه ضوء خافت. ومنذ أن اكتشفت ذلك، بدأت أكرّس كل ما أملك من طاقة إلهية له. كنت أنهار مرارًا من فرط الإنهاك، لكنني لم أتوقف.
‘ربما يكون هذا هو الخيط الذي سيقودني للخلاص.’
لم أستطع الاستسلام. وذات يوم…
‘لقد تحرّكت!’
ارتجّ أحد أصابع الحاكمة.
ربما أثمرت طاقتي الإلهية أخيرًا. بعد ذلك، صرت أكثر إصرارًا من أي وقت مضى.
صحيح أنني ضحّيت بنفسي من أجل العالم، لكنني رغبت في العودة. أردت أن أمسك بيد بيرت الباكي، أن ألتقي بعينيه وأتحدث إليه، أن نقضي أوقاتًا سعيدة معًا.
تشبّثت بالتابوت طوال الوقت. وكانت كاميلا تزورني أحيانًا بدافع الفضول، لكنني كنت أتصرف كأن شيئًا لم يتغير؛ أتجاهلها وأرفض حديثها. عندها كانت تغضب وتغادر.
وفي بعض المرات، كانت تعرض لي مشهدًا من حيث يوجد بيرت. كان قلبي يتمزق كلما رأيته يذبل يومًا بعد يوم.
‘قليلًا بعد… فقط قليلًا بعد.’
بدأ جفن الحاكمة يرتجف، ثم انفتح ببطء، لتظهر عيناها ذات اللون المميز، كسماء صافية تلمع تحت الشمس.
ثم أغلقت عينيها من جديد، لكنها بالتأكيد قد استيقظت. خفق قلبي بشدّة، ونبتت في صدري زهرة الأمل.
‘عليّ أن أكون أكثر حذرًا من الآن فصاعدًا.’
إذا اكتشفت كاميلا الأمر، ستحاول بلا شك إفساده. لذا أصبحت أكثر حرصًا.
‘أرجوكِ، استيقظي تمامًا…’
إيرين كانت تُصلّي بصدقٍ شديد. ولعلّ صلواتها قد استُجيبت، إذ بدأت الأيام التي تفتح فيها الحاكمة عينيها تزداد شيئًا فشيئًا.
وبلغ الأمر حدًّا لم تعد فيه قادرة على إخفاء ذلك عن كاميلا. وحين رأت هذه الأخيرة الحاكمة تفتح عينيها، رمقت إيرين بنظرة باردة كالجليد.
[لقد خدعتِني.]
مدّت كاميلا يدها نحو إيرين، وكان من الواضح من الهالة التي تومض حولها أنّ ما تنوي فعله ليس خيرًا.
‘لا يمكن أن أُؤخذ بهذه السهولة!’
حدّقت إيرين في كاميلا وبدأت تستجمع قوّتها الإلهية، وجسدها يرتجف من التوتّر، وكأنّ شيئًا على وشك الحدوث في أي لحظة.
[حقًا، ما أتعسكم أيها البشر.]
قالت كاميلا بنبرة ضجر واشمئزاز.
[الحاكمة، الحاكمة، دائمًا تلك الحاكمة! لا تتعلّقون إلا بها. مخلوقات بلا قوّة ولا حياء.]
“لكن ألا ترين أنني على الأقل أفضل من مَن هاجم صانعته؟”
ردّت إيرين بحدّة.
[وما الذي تعرفينه أنتِ؟]
قهقهت كاميلا بسخرية وهمّت بالتصادم معها، لكن ذلك لم يحدث… إذ انفتح التابوت فجأة.
الغطاء الذي ظلّ مغلقًا بإحكام طوال الوقت انشقّ، ونهضت الحاكمة ببطء وهي تفتح عينيها.
[أما آن لكما أن تتوقفا؟]
قالت الحاكمة بصوت هادئ.
[ولِمَ عليّ أن أفعل؟]
اعترضت كاميلا، لكن تمرّدها لم يدم طويلًا، إذ أخمدته الحاكمة بسرعة. لم تفعل سوى أن لوّحت بيدها، فتجمّدت كاميلا في مكانها لا تقوى على الحركة.
[أنتِ لم تتغيّري.]
قالت الحاكمة بأسى ظاهر على ملامحها.
[ما زلتِ أسيرةً لحقدكِ.]
[سواء أكنتُ أسيرةً له أم لا، فهذا لا شأن لكِ به!]
صرخت كاميلا بانفعال.
الحاكمة التي صنعت العالم كانت أول من أوجد الحياة. في البداية، كان ذلك الكائن أشبه بكتلة صغيرة من الطين، لكنه ما لبث أن تغيّر حتى صار يُشبه الحاكمة في هيئتها.
وهكذا وُلدت كاميلا، أول مخلوقٍ أبدعته الحاكمة. فتاة جميلة ذات شعرٍ أحمر وعينين سوداويين.
أحبتها الحاكمة حبًّا جمًّا. لكن هل كان ذلك كافيًا بالنسبة إلى كاميلا؟ لا. فكلّما كبرت، ازدادت رغبتها وجشعها.
أرادت اهتمامًا أكثر، وحبًّا أعظم. ثم تملّكها الحسد، فلم تعد تحتمل رؤية مخلوقاتٍ أخرى تنال حبّ الحاكمة. ولهذا، بدأت سرًّا بقتل تلك المخلوقات من وراء ظهرها.
وفي أثناء ذلك، أبيدت بعض الكائنات تمامًا. ورغم أنّ كاميلا حاولت أن تكون حذرة، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى اكتشفت الحاكمة أفعالها.
[لمَ ارتكبتِ مثل هذه الأفعال؟]
وبّختها الحاكمة، لكن كاميلا لم تُبدِ أي ندم. تظاهرت بالطاعة بينما تابعت جرائمها في الخفاء.
[أنا أحبكِ، يا كاميلا، لكنني أحبّ أيضًا باقي المخلوقات. لم أعد أستطيع التسامح مع أفعالكِ.]
وما إن سمعت كاميلا تلك الكلمات، حتى غمرها شعورٌ غامر بالرفض والخذلان.
‘لماذا؟’
أنا هنا… فلماذا تصرين على النظر إلى الآخرين؟
[كلّ حياة ثمينة في نظري.]
هذا هراء! كيف يمكن لتلك الكائنات الحقيرة التي تزحف على الأرض أن تُقارن بي؟
[ألستِ تحبّينني؟]
[بلى، أحبكِ… لكن.]
ذلك الحب كان حبًّا شاملًا بلا تفرقة. ولم يستغرق الأمر طويلًا حتى تحوّل حبّ كاميلا إلى كراهية. ثم اكتشفت قوّتها الكامنة.
فإن كانت الحاكمة نورًا، فإن كاميلا كانت ظلامًا. امتصّت المشاعر القبيحة التي لفظتها الحاكمة وتغذّت عليها.
[إن كنتِ تُدعين حاكمة، فأنا أيضًا أستطيع أن أكون إحاكمة.]
وبغرورها ذاك، صنعت كيانات شريرة وبدأت بقتل مخلوقات حاكمة. لم تعد تُخفي أعمالها، فاستشاطت الحاكمة غضبًا، ونشبت أول حرب في الوجود.
المخلوقات التي أوجدتها كاميلا في ذلك الحين سمّاها البشر “الشياطين” و”الأجناس المظلمة”. لم تكن تمتلك القدرة على خلق حياة كاملة من العدم، لذا فقد استخدمت أساسًا من المخلوقات التي صنعتها الحاكمة نفسها.
البشر، والحيوانات، والنباتات… ومنذ ذلك الحين، بدأ الناس يعتبرون الأحمر والأسود ألوانًا مشؤومة.
ومع مرور الزمن، نُسي أصل أولئك الشياطين، وأنهم في الحقيقة بشرٌ تحرّفوا. وأصبح كل من وُلد بشعرٍ أو عينين حمراوين أو سوداويين يُنبذ ويُعتبر نذير شؤم.
ولم يتغيّر هذا المفهوم حتى بعد أن أُعيد ختم كاميلا على يد الحاكمة، وظلّ ثابتًا عبر العصور.
إلى أن حلّ الوقت الذي دفعت فيه الحاكمة بالأسى لتجعل من إيرين قدّيسة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات