بعد لقائه بسيرينا، كان إيشيد في حالة ذهول. لم يتذكّر حتى كيف عاد إلى الغرفة 7.
كان من المفترض أن يراقبوا أهدافهم المعيّنة في مجموعات ثلاثيّة، لكن إيشيد كان منغمسًا جدًا بسيرينا لدرجة أنّه نسي واجبه تمامًا.
شعر إيشيد بالأسى للظلم الذي عانته سيرينا في طفولتها. بصفته ابنًا غير شرعيّ، كان يعرف جيّدًا الظلم الذي يواجهه الأبناء غير الشرعيين في الإمبراطوريّة.
حتى الآن، وعلى الرّغم من أنّ التحيّز ضدّ الأبناء غير الشرعيين خفّ منذ اعتلائه العرش، لا يزال هناك الكثيرون يعانون في صمت.
‘لم أحبّ ليديا فنسنت منذ البداية.’
صرّ إيشيد على أسنانه، متذكّرًا كيف قُصّ شعر سيرينا.
كم كان صعبًا عليها أن تُعيد إنماءه؟ هل سُخر منها بسبب شعرها غير المتساوي؟
لم يستطع حتى تخيّل مدى الحزن الذي شعرت به تلك المرأة القويّة إن بكت حتى جفّت عيناها.
خدّاها الأبيضان المتلألئان تحت الأضواء وعيناها الذهبيّتان لا تزالان محفورتين بوضوح في ذاكرته. هل يمكن لأحد آخر في العالم أن يتألّق مثلها؟
في تلك اللحظة، اقترب ليونارد من إيشيد. عاجزًا عن كبح أفكاره، تفوّه إيشيد بما يدور في ذهنه.
“أعتقد أنّني أحبّ سيرينا حقًا. هل هذا… حبّ؟”
“…بالتأكيد، جلالتك لم يتكاسل مجدّدًا، أليس كذلك؟”
“هاه؟ …آه.”
أدرك إيشيد متأخرًا أنّه لم يكمل مراقبة المنطقة المعيّنة له.
لكن بصراحة، كان قد تبع سيرينا بغرض أكبر بكثير من واجبه الأصليّ، فلم يكن لديه أعذار. تحدّث ليونارد كما لو أنّه أدرك الأمر بالفعل.
“يبدو أنّك زرت السيّدة سيرينا. لم يتمّ اكتشافك، أليس كذلك؟”
“ربّما؟”
“إجابتك ليست مقنعة جدًا، جلالتك.”
“الأهمّ، ليونارد. أقول لك، أنا أحبّ سيرينا.”
أمسك إيشيد بكتفي ليونارد، مؤكّدًا على اكتشافه كما لو كان إعلانًا عظيمًا.
عبس ليونارد بعمق.
“أنتَ سعيد جدًا بنفسك لأنّك أدركت ذلك الآن.”
“كنتَ تعلم؟”
“الجميع يعلم، عداك.”
“…فهمت.”
تجهّم وجه إيشيد. تنقّل يمينًا ويسارًا للحظة قبل أن يتحدّث مجدّدًا.
“إذن… ماذا يجب أن أفعل الآن؟”
“ماذا؟”
“بعد أن أدركت مشاعري، ماذا يجب أن أفعل بعد ذلك؟ هل أعترف؟ همم.”
ذُهل ليونارد تمامًا من تحوّل الحديث فجأة إلى استشارة عاطفيّة. في تلك اللحظة، عادت لوسي من مهمتها.
“عمّا تتحدّثان؟”
“حسنًا…”
“جلالته وقع في الحبّ.”
“ليونارد!”
“يا إلهي! جلالته لديه جانب إنسانيّ فعلاً! ظننتُ أنّك مجرّد تمثال يتحدّث.”
تألّقت عينا لوسي بمرح كما لو سمعت شيئًا مذهلاً. حدّق إيشيد في ليونارد بنظرات نارية، لكن ليونارد لم يتزحزح.
“إذن، من هي؟ من الذي تحمل لها مشاعر؟”
“هذا لا يعنيك.”
“لمَ لا؟ كامرأة، قد أفهم قلب سيّدة أفضل.”
“هل هذا صحيح؟”
تأثّر إيشيد بسهولة، فضرب ذقنه بتفكير.
“لكن سيرينا لا تبدو مهتمّة بي على الإطلاق.”
“السيّدة سيرينا؟ تقصد تلك السيّدة الجميلة التي التقيتها اليوم؟”
“نعم، هذا صحيح.”
أقرّ إيشيد كما لو كان ذلك حقيقة لا تُنكر.
إذا حتى لوسي، المهووسة بالجمال، أقرّت بمظهرها، فمن الناحية الموضوعيّة، كانت سيرينا جميلة بلا شكّ.
في هذه الأثناء، أنهت لوسي سلسلة أفكارها وضحكت.
“يا إلهي، إن تزوّج جلالتك والسيّدة سيرينا وأنجبا أطفالاً، تخيّل كم سيكونون رائعين!”
“لوسي، هل تفكّرين بالزواج بالفعل؟ وتوقّفي عن تخيّل أطفالهما المستقبليين—إنّه أمر مخيف.”
حدّق ليونارد في لوسي بعدم تصديق، لكنّها لم تهتمّ.
‘أنا فضوليّة جدًا! وجوههم!’
كانت لوسي قد تخيّلت بالفعل صورة أطفال إيشيد وسيرينا في ذهنها، يبدون مذهلين لدرجة قد تسبّب نزيف الأنف. أمسكت يدي إيشيد بقوّة.
“جلالتك، سأساعدك.”
“أطلقي يديّ.”
صفع إيشيد يديها بعيدًا كما لو أنّ شيئًا قذرًا لمسه.
قد لا تعرف سيرينا هذا، لكن إيشيد لا يزال يكره أن يلمسه الآخرون. كانت هي الاستثناء النادر.
لم تمانع لوسي ردّ فعله البارد وابتسمت بخبث.
“كامرأة، سأفهم قلب السيّدة سيرينا أفضل ممّا تستطيع جلالتك.”
“ماذا… ماذا تخطّطين لفعله؟”
سأل إيشيد بحذر، وهو يراقب تعبير لوسي الحازم.
علمًا أنّ لوسي خارجة عن المألوف قليلاً، لم يستطع إلا أن يشعر بالقلق من أيّ خطة تختمر في ذهنها. تلك الابتسامة الماكرة أرسلت قشعريرة في عموده الفقريّ.
أعلنت لوسي بثقة، “لنكتشف إن كانت للسيّدة سيرينا مشاعر تجاه جلالتك.”
“كيف بالضبط؟”
“فقط افعل ما أقول. إن كان هناك ردّ فعل، فهو مضمون بنسبة مئة بالمئة أنّها تحبّك.”
“لوسي، أرجوكِ توقّفي عن خططكِ المتهورة.”
“ابتعد، أخي الكبير.”
دفعت لوسي ليونارد بعيدًا بعفويّة وهمست بتآمر إلى إيشيد. بدت ابتسامتها بريئة على السطح، لكن تحتها—
‘سأرى أطفالهما المستقبليين بعينيّ، مهما كان الثمن.’
كشف تعبيرها عن طموح شرير إلى حدّ ما.
***
أكملت سيرينا تسوّقها في المزاد بنجاح. لحسن الحظّ، قدّمت يونغسا كميّة كافية من مكمّلات المانا للمزايدة. بفضل ذلك، تمكّنت سيرينا من شراء ما يكفي لتحليل المكوّنات.
بالإضافة إلى ذلك، حصلت على عدّة أعشاب نادرة، فحزمت أمتعتها بارتياح.
‘شراء الأعشاب دائمًا خيار صائب. نعم، بالتأكيد.’
كان مزاجها مشرقًا، كما لو لم تكن غاضبة من قبل. كانت تلك الفرحة نفسها التي تشعر بها النبيلات عند شراء الفساتين أو الإكسسوارات.
كانت قد أنهت تعبئة أمتعتها وتستعدّ لمغادرة قلعة غرينوود.
“يا إلهي!”
اصطدمت سيرينا بكتف شخص ما. وبينما كانت على وشك السقوط للخلف، أمسك الشخص الذي اصطدمت به بذراعها.
“هل أنتِ بخير؟”
“هم؟”
‘هل… اصطدم بي عمدًا للتوّ؟’
حدّقت سيرينا في جيمس بذهول، الذي اصطدم بها عمدًا ثمّ سألها إن كانت بخير.
‘أوه! هذا الرجل! الذي تآمر لمضايقة السيّد نوكتيرن في الأرشيف آنذاك!’
تعرّفت سيرينا على جيمس متأخرًا واتّسعت عيناها. ربّما أساء جيمس تفسير ردّ فعلها، فتحدّث بأدب.
“يبدو أنّكِ فوجئتِ. هل أصبتِ ظهركِ؟”
“حسنًا… ليس بالضرورة.”
“لا بدّ أنّ جمالكِ سحرني فأخطأت. أرجوكِ سامحيني.”
“…ماذا؟”
كبحت سيرينا رغبتها في فرك أذنيها، متسائلة إن كانت قد أساءت السمع.
ما هذا النوع من خطاب المغازلة؟ شعرت بقشعريرة من عدم الارتياح. لكن جيمس واصل بلا مبالاة.
“في الواقع، كنتُ أراقبكِ من بعيد خلال التجمّع.”
‘رائع. الآن هو يتتبّعني أيضًا؟’
بدأت سيرينا تشعر بمزيد من عدم الراحة حول جيمس، لأسباب عديدة. علاوة على ذلك، كان هو نفسه الشخص الذي حاول اتّهام نوكتيرن زورًا.
وعلى الرّغم من أنّها لم تشهد الحادث مباشرة، سمعت أنّ الأرواح كادت تُزهق لو سارت الأمور بشكل مختلف تلك الليلة.
“أنا آسفة، لكنّني غير مهتمّة بك.”
رفعت سيرينا فستانها قليلاً، مستعدّة بأدب للوداع. لكن جيمس أمسك بذراعها مجدّدًا.
“ألستِ فضوليّة بشأن اسمي؟”
“لا. إطلاقًا.”
عند ردّ سيرينا الفوريّ، تصلّب وجه جيمس للحظة قبل أن يرتخي مجدّدًا.
“أعتقد أنّكِ أسأتِ فهمي. أنا لست شخصًا مشبوهًا.”
“أودّ أن أصدّق ذلك، لكن هذا الذراع الذي تمسكه يشعر بعدم الراحة.”
“أوه.”
“سأكون ممتنّة إن أطلقت سراحه.”
عند ردّ سيرينا الحادّ، أطلق جيمس ذراعها بحرج وقدّم نفسه بأدب.
“أنا جيمس غرينوود. ربّما سمعتِ الاسم. كان هناك الكثير من الحديث عنّي مؤخرًا.”
آه، إذن اسمه جيمس.
تذكّرت سيرينا أنّ الدوق الشاب الجديد لعائلة غرينوود يُدعى جيمس أيضًا.
ربطت الأمور بسرعة.
‘قالوا إنّه عُوقب، لكن هذا لا يبدو عقابًا. هل الدوق متساهل مع أبنائه؟’
على الرّغم من كلّ ما فعله، لا يزال يُعترف به كدوق شاب. توقّعت أنّ اثنين من الثلاثة ربّما ضُحّي بهما بطريقة ما.
‘لكن لمَ يظهر اهتمامًا بي فجأة؟ هذا يبدو مريبًا.’
راقبت سيرينا جيمس بتفحّص، محاولة قياس نواياه. ابتسم جيمس كما لو أنّه أدرك أفكارها.
‘بالطبع. أنا مهمّ جدًا لدرجة أنّ شخص مثلها لا يمكن أن يتجاهلني ببساطة.’
كان جيمس، بغروره المتضخّم، على وشك دعوتها لموعد.
“حسنًا. أنا مشغولة، لذا سأنصرف الآن.”
ردّت سيرينا بلا مبالاة، انحنت قليلاً للوداع، واستدارت دون تردّد.
قبل أن يتمكّن جيمس من قول أيّ شيء، لم يستطع إلا مشاهدة سيرينا وهي تمشي ببطء نحو الباب.
‘ماذا؟ ماذا حدث للتوّ؟’
رفضته بشكل قاطع قبل أن يتمكّن حتى من اتّخاذ خطوة حقيقيّة. عادةً، كانت النساء سيتفاعلن بشيء مثل، ‘يا إلهي، أنتَ الدوق الشاب!’ أو ‘يا للروعة، أنا آسفة لعدم تعرّفي عليك.’
لكنّها فقط نظرت إليه بعيون تقول، ‘وماذا تريدني أن أفعل حيال ذلك؟’
بكبريائه المجروح، كان جيمس على وشك متابعتها عندما اشتعلت شمعة في الرواق فجأة بصوت هادر.
“آه!”
فزع جيمس وسقط للخلف، بالكاد يتجنّب الحرق. ظنّ أنّه سمع ضحكة خافتة من الخلف، لكن عندما استدار، لم يكن هناك أحد.
جالت عيناه بحدّة، لكنّه لم يتمكّن من رؤية إيشيد، الذي كان مختبئًا خلف الستارة.
في تلك اللحظة، استدارت سيرينا، التي كانت تفتح الباب، عند سماع الضجّة.
تحدّثت بصوت هادئ بشكل لا يُصدّق.
“لا بدّ أنّ الأرضيّة زلقة جدًا. حسنًا، تلك الكعوب مرتفعة نوعًا ما.”
“.
..”
“أرجوك كن حذرًا.”
قدّمت سيرينا كلمة تعزية موجزة واختفت بأناقة. تُرك جيمس مهانًا، فلعن تحت أنفاسه وضرب الأرض بقبضته بانزعاج.
من الغرفة 7، راقب إيشيد المشهد بأكمله وابتسم بسخرية.
“من يظنّ نفسه يغازل؟ يجعلني أريد قتله.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل "81"
اطالب بمزيد من مشاهد الغيرة🤭
شكرًا ع الفصل❤️