بدأت سيرينا، غير مدركة لتزايد قلق إيشيد، بالحديث.
“أنا بخير، لكنني كنتُ قلقة من أن يتسبب ذلك في سوء فهم. خاصةً مع كارتر…”
وعندما كانت على وشك ذكر الآنسة كارتر، نهض إيشيد فجأة من على الأريكة، واضعًا يديه على الطاولة.
انكمشت المسافة بينهما بشكلٍ طبيعي، وبينما كانت سيرينا تحدق به في حيرة، تكلم إيشيد.
“دعيني أناديكِ بذلك.”
“امم…”
“هممم؟ سيرينا، إذا كان هذا يُزعجكِ، فعلى الأقل اسمحي لي أن أفعل ذلك عندما نكون وحدنا.”
شيءٌ ما في نبرته المتوسلة فاجأ سيرينا.
‘لماذا يتصرف وكأن العالم سينتهي بسبب كلمة وديّة بسيطة؟’
قلبت سيرينا عينيها قبل أن تُومئ برأسها قليلًا.
‘حسنًا، طالما أنه لا يستخدمها أمام الآنسة كارتر، فلا بأس.’
في اللحظة التي سمحت له سيرينا، بدا على إيشيد استرخاء واضح، متكئًا على الأريكة بابتسامة رضا.
“إذن، ما الذي جاء بكِ إلى هنا، رينا؟”
ابتسم إيشيد ابتسامة مشرقة وهو ينطق اللقب بوضوح. بدا طفوليًا في تلك اللحظة لدرجة أنه، بلا شك، كان لطيفًا بعض الشيء. أطلقت سيرينا ضحكة خفيفة وأجابت.
“أردتُ أن أطلب إجازة نصف يوم في يوم الجمعة.”
“نصف يوم؟”
“نعم. الجمعية الطبية تستضيف تجمعًا اجتماعيًا، وقد تلقيتُ دعوة.”
“فهمت.”
أصبح سلوك إيشيد جديًا، على عكس تعبيره المرتاح السابق. خشيت سيرينا أن يرفض، فنظرت إليه بقلق. لكنه وافق على الفور.
“خذي إجازة منذ الصباح بدلًا من ذلك، ثم احضري التجمع.”
“أوه، هذا ليس ضروريًا…”
“سأكون خارجًا أيضًا في ذلك اليوم، فلا تقلقي وخذي وقتكِ.”
“مفهوم.”
شعرت سيرينا بالإحباط قليلاً من فكرة وجود صباحٍ خالٍ من العمل. ولأنها مدمنة عمل، وجدت أن إنهاء مهامها قبل الخروج أكثر إرضاءً.
مع ذلك، لم تستطع مجادلة الإمبراطور، خاصةً عندما ذكر أن لديه أمورًا شخصية عليه الاهتمام بها. فكرت للحظة في سؤاله إن كان يخطط لمقابلة لوسي كارتر، لكنها قررت أن تحتفظ بأفكارها لنفسها.
دون علمها، بدأت بالفعل تربط كل حركة يقوم بها إيشيد بلوسي دون أن تُدرك ذلك.
***
عندما حل يوم الجمعة، انتهت سيرينا من فرز الوثائق وغادرت القصر الإمبراطوري. تضمنت الأوراق تفاصيل القطع المقرر عرضها في مزاد والتي قد يفكّر القصر في شرائها ضمن ميزانيته.
غيرت ملابسها وارتدت فستانًا مناسبًا للمناسبة الاجتماعية – فستانٌ اشترته من بدل الإعالة المخصصة لأطباء القصر.
صففت ماري شعرها المُصفف بعناية كالمعتاد على شكل ضفيرة. كما خلعت مؤقتًا سوار قلب مانا الاصطناعي الذي كانت ترتديه للتحقق من ثباتها، واختارت بدلاً منه سوارًا بسيطًا من حجر التواصل. كالعادة، زيّن خاتم إيسلينغ البنفسجي إصبعها.
استقلّت عربةً مستأجرةً، وتوجهت إلى قصر غرينوود، مكان التجمع. لطالما دعمت عائلة غرينوود الجمعية الطبية منذ تأسيسها، وتربطها علاقاتٌ بمختلف القطاعات، مما صعّب العثور على أي مجموعة لا تنتمي إليها.
عُقد التجمع في ملحق قلعة غرينوود. عندما وصلت سيرينا إلى مدخل الملحق، استقبلها حارس البوابة.
“هل لي أن أرى دعوتكِ من فضلك؟”
سلّمت سيرينا دعوتها. بعد التحقق من الختم، أعطاها حارس البوابة مفتاحًا.
“يمكنكِ استخدام الغرفة 3 في الطابق الثاني لتخزين أغراضكِ يا آنسة.”
“شكرًا لكِ.”
وكما هو متوقعٌ في حدثٍ كبير، وفّر المنظمون غرفًا للضيوف. ونظرًا لجدولة المزاد في وقتٍ لاحقٍ من تلك الليلة، سيحتاج الحضور إلى مكانٍ للراحة.
سيختلط البعض طوال اليوم في القاعة، بينما قد يُفضّل آخرون قيلولة.
عندما وصلت سيرينا إلى الغرفة رقم ٣، لم يسعها إلا أن تهتف بإعجاب.
“يا إلهي!”
مع أنها كانت مجرد ملحقٍ بقلعة غرينوود، إلا أن حجمها كان مثيرًا للإعجاب. رفعت الستائر، فاستطاعت رؤية القاعة الدائرية في الأسفل والغرف العديدة المتراصة فوقها، المؤدية إلى الطابق السادس.
دلت الظلال الخافتة التي تتحرك خلف الستائر الأخرى على حضورٍ كثيف. كان من الواضح أن المبنى مصمم خصيصًا لفعاليات مثل المزادات والفعاليات الخيرية.
‘غرينوود تستحق اسمها. حجمها مذهل.’
بعد إغلاق الستائر، رتبت سيرينا أغراضها واستلقت على السرير. قبل بدء الحفل بقليل، فكرت في أخذ قيلولة سريعة.
بينما كانت تغفو، قاطعها طرقٌ على الباب. انتظرت بصمت، متسائلة عن هوية الزائر.
“آنسة سيرينا، أنا سيباستيان.”
***
في هذه الأثناء، في الغرفة 7 بالطابق السادس…
استضاف هذا الطابق، المخصص لكبار الشخصيات، ضيفًا غير متوقع – شخصٌ دخل بتكتم.
“أليس هذا سيئ الصنع؟ يبدو الملمس غريبًا.”
شكا إيشيد بنبرة غير راضية.
ردت لوسي بهدوء.
“لا يزال رطبًا بعض الشيء لأنني اضطررتُ للتسرع. أنتَ من قررتَ الانضمام في اللحظة الأخيرة.”
“إنه أمرٌ غير مريح…”
تأوّه إيشيد وهو يعدّل جلسته، ويتأمل انعكاسه في المرآة.
كما أشارت لوسي، لم يكن إيشيد يخطط للحضور في البداية. لقد طلب قناعًا مخصصًا للاستخدام في المستقبل، وكان ينوي انتظار مناسَبة مناسِبة.
ولكن عندما علم بحضور سيرينا، غيّر رأيه.
بقناعه الذي لا يزال لم يجف، أظهر اندفاع إيشيد، مرة أخرى، مدى استعداده للمضي قدمًا عندما يتعلق الأمر بسيرينا.
‘قد تكون هناك آفاتٌ تحوم حولها.’
في المرآة، بدا إيشيد شخصًا مختلفًا تمامًا. شعره الذهبي المعتاد أصبح أسود، وعيناه الزرقاوان بدت رمادية بعض الشيء. حتى ملامح وجهه تغيرت، مما جعله يبدو وكأنه يرتدي بشرة شخصٍ آخر.
“ألا تعتقد أن الوجه يبدو مصطنعًا جدًا؟”
“هذا ما نسميه النسبة الذهبية.”
قالت لوسي مازحة.
” يبدو أن هذا الوجه سيلفت الأنظار. ألا يمكنكِ جعله أكثر بساطة؟”
“ماذا تقصد؟ لا أطيق أبدًا أيّ شيءٍ أقل من جميلٍ في قاموسي.”
رسمت لوسي خطًا واضحًا، معلنةً فلسفتها. بالنسبة لها، المهووسة بالوجوه الجميلة، كان القناع العادي أمرًا لا يُصدق.
هز ليونارد، الواقف في مكان قريب، رأسه رافضًا.
ما الذي تسعى لتحقيقه بهوسها بالوجوه؟
على الأقل علنًا، أخفت هوايتها الغريبة، فظنها الجميع مجرد فتاة عادية. لكنها في الواقع كانت منحرفة تبتسم وهي تعرض أقنعة وجه بشرية في غرفتها.
متنكرةً في زي رجل، تحدثت لوسي إلى إيشيد.
“لقد ساعدتك، لذا عليكَ الآن الوفاء بوعدك.”
“طالما أنكِ لا تخططين للتجول في الشوارع بوجهي.”
“لا تقلق. سأعتزّ به في المنزل.”
ردت لوسي بخبث وهي تبتسم.
“لن أفشي الأمر للعامة. ممتلكاتي الثمينة هي لعينيّ فقط.”
“هذا مُقلقٌ بحد ذاته.”
عبس إيشيد، وضحكت لوسي.
لوسي، التي لطالما اهتمت بوجه إيشيد بشدة، أتيحت لها الآن فرصة صنع قناعٍ منه بفضل هذا التحول الأخير في الأحداث.
مجرد تخيلها الحفاظ على الوجه الذي طالما رغبت فيه كقناعٍ أسعدها. كلما صادفت لوسي شخصًا ذا وجهٍ جميل، كانت تُنشئ علاقةً وديةً معه أولًا، ثم تطلب موافقته بأدبٍ على صنع قناع.
على الرغم من هوايتها الغريبة، لم تكن مجنونة بما يكفي لتقليد وجه شخصٍ ما سرًا.
مهاراتها، التي صقلت على مدى سنواتٍ من السرية، سمحت لها بإخفاء نفسها بدقة شبه احترافية. بدون استخدام السحر، كانت تستطيع التحول إلى شخصٍ آخر بشكلٍ مقنع – وهي مهارة يُحتمل أن تكون فريدة من نوعها للوسي في الإمبراطورية بأكملها.
في عصرٍ هُجر فيه سحر تعدد الأشكال منذ زمن طويل، برزت لوسي كخبيرة لا تُضاهى.
حتى إيشيد، بعد أن جرب القناع بنفسه، لم يستطع إلا أن يُقر بفعاليته. حتى لو التقى بشخصٍ يعرفه، فلن يتعرّف عليه.
“أتساءل كم من الوقت ستبقى سيرينا في غرفتها؟’
بالتفكير في إمكانية لقاء سيرينا، لم يستطع إيشيد إلا أن يبتسم.
لن تتعرف عليه بسبب القناع، ولكن على الأقل، للحظة وجيزة، سيتمكن من الهروب من الديناميكيات المعتادة للمريض والطبيب، والإمبراطور والرعية.
‘إذا استمررنا في الالتقاء ببعضنا البعض هكذا، ألا يعني هذا أننا مُقدَّرون؟’
انغمس إيشيد في هذه الأفكار، متجاهلاً ببساطة أنه تتبّع مكان سيرينا عمداً.
إذا التقيا، فهل ستتعرّف عليه سيرينا؟ على الأرجح لا. التظاهر بأنه شخصٌ آخر وإلقاء التحية عليها لرؤية رد فعلها قد يكون مسلياً.
في تلك اللحظة، قاطعته لوسي قائلةً:
“بالمناسبة، يا جلالة الإمبراطور. بخصوص ذلك الشخص الذي قابلناه بالأمس …”
“لا.”
“لم أقل شيئاً بعد.”
حدقت لوسي في إيشيد بوجهٍ عابس، بينما رد إيشيد، الذي أصبح الآن جاداً، بحزم.
“أنتِ تفكرين في صنع قناعٍ لوجه سيرينا، أليس كذلك؟”
“رائع، صحيح.”
“بالتأكيد لا.”
“هذا ظلم! لماذا تمنعني؟ لم أسألها بعد!”
ضربت لوسي بقدمها الأرض كطفلة غاضبة، وزيها الذكوري زاد المشهد غرابة.
قرص إيسيد أنفها متأوهًا. كان حريصًا طوال هذا الوقت على تجنب لقاء لوسي وسيرينا، مدركًا تمامًا لما قد يحدث.
لكن في ذلك اليوم، لم يكن أمامه خيارٌ سوى الاتصال بلوسي لتجربة قناعٍ نموذجيٍّ أولي، لأن صانعته وحدها هي من تستطيع تركيبه بشكلٍ صحيح.
للأسف، وصلت سيرينا إلى غرفة الدراسة دون سابق إنذار، مما أدى إلى لقاءهما.
‘سيرينا جميلةٌ بلا شك. كنتُ أعرف أن هذه المشاغبة ستردين شلك، لكن…’
تخيّل أنها ستطلب وجهها صراحةً.
سيرينا في خطر.
صرّ إيشيد على أسنانه، وفكر في كيفية حماية سيرينا (ووجهها). كانت فكرة أن لوسي تبتسم وهي تحدق في قناع سيرينا في غرفتها السرية مرعبة. بمجرد انتهاء هذه المحنة، ربما سيضطر لمنع لوسي من دخول القصر.
قد تُثير لوسي ضجة، لكن هذه ستكون مشكلة ليونارد. وبينما كان أيسيد غارقًا في أفكاره، نطق ليونارد.
“لقد وصلوا.”
أكّد ليونارد، وهو يطلّ من خلال الستائر، وصول الطبيب الذي كان يستخدم أحجار المانا المهرّبة من عائلة غرينوود.
اتجه انتباه إيشيد ولوسي فورًا إلى ليونا
رد. اقترب إيشيد من النافذة ليتحقق من وجه الشخص.
بينما كان يمسح الحشد بنظره، توقف بصره على وجهٍ مألوفٍ في القاعة، مما جعله يميل رأسه في حيرة.
“لماذا هي هنا؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "76"
شكرًا ع الفصل❤️.