59
“ما الشيء الغريب؟”
“لقد انتهى بي الأمر محاصرةً في منزلٍ محترق …….”
كانت سيرينا على وشك أن تشرح أنها أصيبت بالصدمة عندما اشتعلت النيران في المستودع. أمسكت إيلدا بيد سيرينا في مفاجأة وسألت.
“يا إلهي، رينا! هل أنتِ بخير؟ هل أُصِبتِ في أيّ مكان؟”
ثم أمسكت وجه سيرينا بكلتا يديها وبدأت في فحصها. كان من الواضح أنها كانت تتفحّصها بعينيها لترى ما إذا كانت قد أُصِيبت في أيّ مكان.
شعرت سيرينا بالحرج لأنها كانت قلقة، لذلك هزّت رأسها قليلاً.
“أنا بخير. لستُ مصابةً في أيّ مكان.”
“ياللراحة.”
“على أيّ حال، في ذلك الوقت انهرتُ فجأة.”
“قلتِ أنكِ بخير! كيف تكونين بخيرٍ إذا انهرتِ؟!”
“أوه، بحقك. من فضلكِ استمعي لما يجب أن أقوله. كما ترين، أنا بخيرٍ الآن.”
حاولت سيرينا أن تُظهِر أنها بخيرٍ من خلال القيام بلفتةٍ شجاعةٍ واستمرّت في الحديث.
“لقد حلمتُ بحلمٍ غريبٍ بعد أن انهرتُ بسبب الصدمة. لكن هذا الحلم لا يزال عالقًا في ذاكرتي. لقد كان حلمًا كنتُ فيه طفلة.”
“يبدو أنكِ حلمتِ بكابوس.”
أطلقت إيلدا تعبيرًا حزينًا عند ذِكر طفولتها. كانت تعلم جيدًا أن سيرينا تعرّضت للتنمّر عندما كانت طفلة.
“لا. لقد كان واضحًا جدًا بحيث لا يمكن اعتباره كابوسًا. لقد كان مثل ذكرى ضائعة.”
“عندما يمرّ الإنسان بمصاعب، يميل إلى رؤية كوابيس واضحة. لا تقلقي كثيرًا بشأن ذلك.”
ربّتت إيلدا برفقٍ على يد سيرينا.
“إذن، عمتي. في ذلك الوقت، كنتُ أضع سجلّ حضوري في الصيدلية كلّ يوم.”
“نعم. اعتدتِ على المساعدة في العمل أحيانًا. كنتِ لطيفةً حقًا في ذلك الوقت، لكنكِ كنتِ بحجم حبّة الكستناء.”
ضحكت إيلدا وهي تتذكّر سيرينا عندما كانت طفلة.
“هل تغيّبتُ عن العمل لبضعة أيام؟ أو هل أُصِبت بجروحٍ خطيرة؟”
لم تسأل سيرينا بشكلّ مباشر، ‘هل اختُطِفتُ من قبل؟’ بل سألت بشكلٍ غير مباشر. حتى لو كانت إيلدا، لم يبدُ أنها تعرف ما حدث بالخارج. أرادت فقط التحقّق من السببية الزمنية التي يمكن أن يحدث فيها هذا الحادث.
تمتمت إيلدا، وهي تفرك ذقنها.
“حسنًا. لقد مرّ وقتٌ طويلٌ لدرجة أنني لا أتذكّر جيدًا.”
“حتى شيءٌ صغيرٌ لا بأس به.”
“إذا فكّرتُ في الأمر، أعتقد أنكِ توقّفتِ فجأةً عن المجيء إلى الصيدلية لفترة. هل كان ذلك لحوالي عشرة أيام؟”
“حقا؟”
“كنتُ قلقة، لذلك ذهبتُ إلى قلعة فنسنت، لكن أختكِ قالت إنكِ ذهبتِ بعيدًا. عندما سألتُ إلى أين ذهبتِ، لم تُجِب وحدّقت بي فقط.”
“ليديا؟”
رمشت سيرينا عند القصة التي لم تسمع بها من قبل. لم تغادر العاصمة أبدًا منذ أن تم الاعتراف بها في قلعة فنسنت عندما كانت طفلة.
‘لكنني ذهبتُ بعيدًا؟ إذا كنتُ قد ذهبتُ في رحلة، فلن أنسى. ولن تتركني ليديا وحدي.’
إذا كانت قد ذهبت في رحلة، فمن الطبيعي أن تترك ليديا قلعة فنسنت معها. لم يكن هناك أيّ احتمالٍ أن تذهب سيرينا في رحلةٍ بمفردها.
“نعم. في ذلك الوقت، كان وجه الفتاة شاحبًا للغاية. عندما سألتُها عمّا إذا كانت تتألّم، غضبت وقالت أن هذا ليس من شأني.”
تلك الانفعالية ذات الأعصاب النارية.
“أعتذر نيابةً عنها، عمتي.”
“لقد أصبح هذا في الماضي بالفعل.”
ابتسمت إيلدا بحرارةٍ وسكبت المزيد من الشاي في فنجان الشاي الخاص بها.
“على أيّ حال، بعد فترةٍ ليست طويلة من ذلك، عُدتِ إلى الصيدلية مرّةً أخرى وكأن شيئًا لم يحدث. عندما سألتُكِ أين كنتِ، قلتِ، ‘ما الذي تتحدّثين عنه؟’ فخمّنتُ أنكِ لا تريدين التحدّث.”
“هل قلتُ أنني كنتُ في مكانٍ ما؟”
“لستُ متأكدةً من ذلك. لقد كان ذلك منذ فترةٍ طويلة.”
عبست إيلدا وكأنها لم تعد تتذكّر.
‘أولاً وقبل كلّ شيء، ما أنا متأكّدةٌ منه هو وجود أشياء لم أتذكّرها عندما كنتُ صغيرة.’
بما أن ليديا قالت إنني ذهبتُ بعيدًا، بدا الأمر وكأنها تعرف شيئًا. لقد قرّرتُ عدم زيارة قلعة فنسنت مرّةً أخرى، ولكن بهذا المعدل، كان من الصعب تجنّب مقابلة ليديا.
“عمتي، هل ذكرتُ أمر صبيٍّ ما؟”
“صبي؟ همم، لا اظن ذلك. لم تكوني من النوع الذي الثرثار ……”
تابعت إيلدا، وهي ترفع نظرها إلى الأعلى وكأنها تتذكّر شيئًا.
“في ذلك الوقت، كنتِ تتصرّفين كالصبيان، لذا لن يكون من الغريب أن تخرجي مع صبيان”
“لقد تصرّفتُ كصبي بعض الشيء.”
ضحكت سيرينا بشكلٍ مُحرَج عند تذكّرها المفاجئ لماضيها المظلم.
“بعض الشيء؟ لقد تظاهرتِ بأنكِ صبيٌّ وخدعتِ العديد من الناس.”
“لم أكن أحبّ أن ينظر الناس إليّ بازدراءٍ لأنني فتاة. لا أعرف لماذا فعلتُ ذلك في ذلك الوقت.”
ابتسمت سيرينا بحرج. بعد أن قامت ليديا بمزحةٍ مؤذيةٍ وشدّت شعرها بالكامل، بدأت سيرينا تتصرّف كصبي.
لم تكن تنوي ذلك منذ البداية، لكنها وجدت الأمر مسلّيًا عندما أخطأ بعض الأشخاص اللذين لا يملكون قوّة ملاحظة وظنّوا أنها صبي، فتحوّل المقلب إلى عادةٍ دون أن تشعر.
كما أن التصرّف كصبيٍّ كان أكثر سهولة، حيث يتم تجاهل الفتيات أكثر من الفتيان. نقرت إيلدا بلسانها وقالت.
“كنتُ قلقةً من أنكِ قد تدمّرين هذا الوجه الجميل. لو كنتِ ابنتي، لكنتُ غاضبةً حقًا.”
“تقولين ذلك وكأنكِ لم توبّخيني قط؟ لقد وبّختِني كثيرًا.”
“حسنًا، لقد فعلتُ ذلك لأنكِ ابنتي.”
نظرت إيلدا إليها وغيّرت الموضوع.
“على أيّ حال، لم تتحدّثي أبدًا عن أصدقائكِ …… أوه! الآن بعد أن فكّرتُ في الأمر، أتيتِ إليّ تشتكين من شخصٍ تشاجرتِ معه وتقاتلتُما. كان وجهكِ حقًا شيئًا يستحق المشاهدة.”
“هل دخلتُ في قتالٍ جسدي؟”
وسّعت سيرينا عينيها عند المعلومات التي لم تتذكّرها على الإطلاق. بغض النظر عن مدى تصرّفها كصبي، لم تدخل في قتالٍ أبدًا.
عبست إيلدا وكأن مشاعرها من ذلك الوقت تعود إليها.
“هذا صحيح! لقد فوجئتُ جدًا عندما أتيتِ إلى هنا وأنفكِ ملطّخٌ بالدماء وشفتاكِ منتفخة!”
“…….”
“ثم تباهيتِ بالفوز، وقد صُدِمتُ لدرجة أنني فقدتُ كلّ قوتي.”
“ومع ذلك، فهذا أفضل من الخسارة …… . آه، فهمت، فهمت، عمتي. لقد كنتُ مخطئة.”
اندهشت سيرينا واعتذرت بمجرّد أن رأت تعبير إيلدا الواسع العينين.
“ربما تكونين الفتاة الوحيدة التي تقاتل مثل الصبي. لا يزال قلبي ينقبض عندما أفكّر في الأمر. لو لم أكن صيدلانية، لكان لديكِ الكثير من الندوب على وجهكِ.”
“شكرًا لكِ على معالجتي حتى لا أحصل على ندوب، عمتي إيلدا.”
لكن ألم تري الندبة على جبهتي؟
ابتلعت سيرينا كلماتها وابتسمت بخجلٍ بنبرةٍ أكثر سحرًا من المعتاد، وهزّت إيلدا رأسها.
بعد ذلك، كان على سيرينا أن تستمع إلى تذمّر إيلدا لفترةٍ طويلة. بينما كانت تستمع إلى تذمّرها، كان لدى سيرينا أفكارٌ أخرى من ناحيةٍ أخرى.
لم تكن من النوع الذي يتسامح مع ذلك منذ صغرها، وكان هناك الكثير من المشاكل. عادةً، أولئك الذين يختارون القتال هم أصدقاء ليديا، لذلك كانت تشتمهم لفظيًا بدلاً من ضربهم.
مع مَن على بحق خالق الأرض كنتُ أتشاجر؟
ربما كانت قد تشاجرت مع أحد الأوغاد المحليين في الجوار.
تمتمت إيلدا وكأنها تذكّرت شيئًا ما.
“الآن بعد أن فكّرتُ في الأمر، كان هناك شيءٌ غريبٌ آخر. منذ ذلك اليوم، كنتِ تلمسين بطني الحامل وتعتذرين لريفن.”
“أنا؟”
“نعم. ماذا قلتِ؟ لقد اعتذرتِ لاستخدام شيءٍ بدون إذن. على أيّ حال، واصلتِ التذمّر بقولكِ، ‘لا يجب أن تكرهني، حسنًا؟’ كلّما سنحت لكِ الفرصة.”
“هاه؟”
كانت سيرينا مذهولةً عندما تدفّقت عليها معلوماتٌ لا تتذكّرها على الإطلاق.
‘هل أنا غبيةٌ حقًا، كما قالت ليندا كويلتون؟ كيف يمكنني ألّا أتذكّر أيّ شيءٍ من طفولتي؟’
تساءلت سيرينا بجديّةٍ عمّا إذا كانت تعاني من اضطرابٍ في الذاكرة.
“شكرًا لكِ، عمتي. لقد قدّمتِ لي الكثير من المساعدة.”
“لا. بفضلكِ، استمتعتُ أيضًا لأنني تذكّرتُ الأيام الخوالي بوضوح. كان الأمر منعشًا بشكلٍ غريب.”
لا بد أنكِ شعرتِ بالانتعاش بعد أن أزعجتِني كثيرًا، عمتي.
كتمت سيرينا ما أرادت قوله وضحكت بتكلّف. ثم غيّرت الموضوع بخفّةٍ وقطعت كلّ الإزعاج.
كان ذلك بعد أن كانت تتحدّث معها لفترةٍ من الوقت.
دينغ-دينغ-دينغ.
جنبًا إلى جنبٍ مع صوت أجراس الرياح الواضح، تحدّث الرجل الذي كان سيقابلها بنبرة غير رسمية.
“حسنًا حسنًا، انظروا مَن لدينا هنا؟”
“أوه، سيد جاك. ماذا تفعل هنا؟”
تعرّفت إيلدا، التي كانت تتحدّث بلا نهاية، على جاك أولاً وحيّته. عندما استدارت سيرينا متأخّرة، لوّح جاك بيده بخفّة.
“هل من المقبول أن تتهرّلي على هذا النحو هنا؟ أعتقد أنه يجب عليّ أن أبلغ رئيس القصر.”
“لقد حصلتُ على إذنٍ بالخروج بالفعل.”
حدّقت سيرينا في جاك، الذي كان من يتحدّث بوقاحة، بمجرّد أن رأته. نظرت إيلدا إلى سيرينا وجاك بدورها وسألت.
“هل تعرفان بعضكما البعض؟”
“تعرّفنا على بعضنا بالصدفة.”
أجابت سيرينا أولاً.
“أنا مثلك.”
أضاف جاك بإيجاز وكأنه يضيف إلى السؤال.
قالت سيرينا وكأنها لحظةٌ جيدة.
“كنتُ سآتي لرؤيتكَ على أيّ حال.”
“أوه، أليس هذا مضحكًا؟ كنتُ على وشك أن أسألكِ متى ستدفعين الرصيد أيضًا.”
“آسفة. كنتُ سأذهب على الفور، لكن لديّ شيءٌ أكثر إلحاحًا للقيام به.”
“حسنًا، لم تكوني تلعبين فقط، لذا كان الأمر جيدًا. إيلدا، هل يمكنكِ جمع ما هو موجودٌ في القائمة من أجلي بحلول نهاية الشهر؟”
سلّم جاك إيلدا قطعةً من الورق وقال. فحصت إيلدا القائمة بعينيها وسألت.
“عنوان التسليم ليس جوردون بل معبد بيريانوس؟”
“نعم. هذا ليس شيئًا أطلبه كرئيس قمة جوردون، بل شيءٌ شخصي.”
حدّقت إيلدا مازحةً في إجابة جاك غير المبالية.
“اعتقدتُ أنكَ ستعطيني شيئًا كبيرًا لأنكَ أتيتَ لرؤيتي شخصيًا.”
“أوه، إيلدا. ألا تتصرّفين بجشعٍ شديد؟ سينتهي بكِ الأمر بالتحوّل إلى الخنزير.”
“ما خطب زوجتي؟”
ابتسم جاك بشكلٍ مرتبكٍ عندما رأى جينزو يفتح الباب الخلفي ويدخل.
“هل سمعتَ كلّ شيء، جينزو؟ اعتقدتُ أنكَ لم تكن هناك.”
“لقد سمعتُ فقط بعض الضوضاء السخيفة خارج الباب، لذلك دخلتُ بسرعة.”
“أنتَ تعلم أنني كنتُ أمزح.”
رمش جاك بعينه وهو يتحدّث بهدوء. لم تُظهِر إيلدا وجينزو أيّ علامات غضب. كان ذلك لأنهما أصبحا قريبين جدًا منذ أن كانا يوزّعان لفترةٍ طويلة.
كما لعب ذلك دورًا في معرفتهم بأن جاك يتمتع بشخصيةٍ شقية. كان ذلك في الوقت الذي كان الثلاثة يتحدّثون فيه هراءً.
فجأة صفّقت سيرينا بيديها وصرخت.
“أوه! لقد تذكّرتُ الآن!”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1