43
تفاجأت سيرينا عندما أدركت أن المسافة بينها وبين إيشيد كانت أقرب بكثيرٍ ممّا كانت تعتقد. كانت سيرينا تجلس القرفصاء وركبتيها مرفوعتين، مقيّدةٌ بين ساقيه.
تجمّد إيشيد في وضعٍ مضطربٍ مع شفتيه مغلقتين من قبل سيرينا.
كانت عيناه الزرقاوان مليئتين بسيرينا فقط. كانا قريبتين جدًا لدرجة أنه لو رفع رأسه عن طريق الخطأ أكثر قليلاً، لكانت شفتيهما قد تلامست.
لو رأى الآخرون هذا، لبدا الأمر لهم وكأن إيشيد يمنع سيرينا من المغادرة.
شعرت بأنفاسه الساخنة على ظهر يدها. شعرت سيرينا بغرابة، فسحبت يدها بسرعة. في تلك اللحظة، رفع إيشيد رأسه وأطلق نَفَسًا طويلاً كما لو كان نَفَسًا حبسه عميقًا.
“هاااه.”
أفسدت تلك الأنفاس غرّة سيرينا. كانت ندبة حرقٍ متكتّلةٍ لا تتناسب مع جبهتها المستديرة مرئيّةً بشكلٍ خافتٍ على الجانب الأيسر.
ندبةٌ صغيرةٌ تشبه بتلة زهرة. كانت صغيرةً جدًا لدرجة أنه طمسها الزمن ولم يكن من الممكن رؤيتها إلّا إذا نظرتَ عن كثب. غطّت سيرينا جبهتها بيدها على عجل. كانت حركةً سريعةً لأنها كانت قد أنزلت غرتّها لتغطية جُرحها.
كان إيشيد يحدّق في مكانٍ آخر ولم يستطع رؤية ندبتها. ظلّ يتمتم كما لو كان يتلو تعويذةً غريبةً ورأسه مرفوع، ويأخذ أنفاسًا عميقة.
في تلك اللحظة، التقطت عينا سيرينا ارتفاع وانخفاض تفاحة آدم المنتفخة. كانت الأوردة المرتعشة التي تحدّها من الجانبين وليمةً لذيذةً للعينين.
حدّقت سيرينا في تفاحة آدم بلا تعبير. كان خط العنق الطويل والعظام القوية وخط الفكّ الحاد ممتعًا للغاية للعين.
‘أعتقد أن هذا هو سبب احمرار الجميع عندما يرون الإمبراطور.’
شعرت سيرينا وكأنها أصبحت أكثر سخونة. تمنّت أن يغادر إيشيد فقط، لكنه زفر مثل وحيد القرن الغاضب الذي ينفخ الهواء قبل القتال مباشرة.
‘هل هو غاضبٌ بسبب نوكتورن؟’
رمشت سيرينا، مدركةً أن سلوكه غير عادي. هل كان يفكّر في كيفية التعامل مع هؤلاء الحمقى الذين كانوا يحاولون مضايقة نوكتورن؟
إذا كان الأمر كذلك، فسيكون من الأفضل التفكير في الأمر من مسافةٍ بعيدة. فتحت سيرينا فمها في النهاية، غير قادرةٍ على التغلب على حَرَج الموقف.
“جلالتك. إلى متى ستستمرّ في فعل هذا؟ يمكنكَ أن تأخذ أنفاسًا عميقةً بعيدًا عني.”
“……..”
“جلالتك، أنفاسكَ تستمرّ في مداعبة شعري وهذا غير مريح. من فضلكَ ابتعد الآن.”
توقّف إيشيد عن أخذ أنفاسٍ عميقةٍ عند صوت سيرينا المتذمّر ونظر إلى أسفل. بدا تعبيره غاضبًا منها لسببٍ ما.
‘هـ هل ارتكبتُ خطأ؟’
نظرت سيرينا حولها، متسائلةً عمّا إذا كانت قد أضافت زيتًا إلى النار.
بالمعنى الدقيق للكلمة، كانت هي التي قادته إلى هنا. ارتجفت، وشعرت بالذنب بعض الشيء تجاهه الذي لابدّ أن يكون قد فوجئ.
حدّق إيشيد في سيرينا بعيونٍ كان بها الكثير لتحكيه. سارت نظراته ببطءٍ من عيني سيرينا إلى أنفها وشفتيها.
بعد فترة، أطلق نفسًا عميقًا آخر وتحدّث بصوتٍ أجش.
“لماذا أنتِ جريئةٌ جدًا؟”
“هاه؟”
اتّسعت عينا سيرينا عند ذكر الجرأة فجأة ونظرت إلى إيشيد. هل كان يحاول توبيخها على التنصّت؟
“لا، لم أتنصّت لأنني أردتُ ذلك … كنتُ قلقةً لأنهم ذكورا اسم جلالتك.”
اختلقت سيرينا عذرًا بشكلٍ مُرتبك وحاولت إدارة جسدها. كان ذلك لأن جسدها كان مُتعَبًا من البقاء في وضعٍ واحدٍ لفترةٍ طويلة. عندها صاح إيشيد بإلحاح.
“أوه، لا تتحرّكي!”
توقّفت سيرينا عن الحركة وحدّقت بإيشيد. كان لا يزال يعضّ شفته السفلية بوجهٍ متيبّس، ولا يُظهِر أيّ علامةٍ على الوقوف. كان تعبيره المتجهّم للغاية غريبًا إلى حدٍّ ما.
“ما الخطب؟”
“…….”
“هل تعاني من تشنّج؟ هل يجب أن أنزع هذا؟”
عندما رفعت سيرينا يدها لتجد المكان الذي كان فيه التشنّج، أمسك إيشيد بيدها بقوّةٍ وقال.
“من فضلكِ … أرجوكِ، ابقي ساكنة …”
أصبح الصوت الذي كان يصرخ أكثر هدوءًا مع استمراره. نظرت سيرينا إلى إيشيد بينما كان لا يزال ممسكًا بيدها.
خديه المحمرّان. ويداه الساخنتان للغاية. كانت سيرينا قلقةً من أنه قد يكون مُصابًا بالحُمّى.
لا أعرف لماذا يتصرّف بهذه الطريقة على الإطلاق. إنه ليس غاضبًا، ولا يشعر بالألم، ولكن لماذا يتشبّث بي بهذه الطريقة؟
لم تتمكّن سيرينا من التغلّب على إحباطها ودفعت صدره.
“إذًا تراجع قليلاً. الجو حار.”
“أوه، انتظري …..!”
انزعج إيشيد وارتجف جسده. في تلك اللحظة، فرك شيءٌ ممشوقٌ ساق سيرينا. كان شيئًا كبيرًا وصلبًا، كعصا. قالت سيرينا ذلك دون تفكير.
“هل أحضرتَ عصًا؟”
لم يُجِب إيشيد، لكنه غطّى عينيه بيده الأخرى وشتم بهدوء. قبل أن تعرف ذلك، تحوّلت أذنيه إلى اللون الأحمر الساطع، كشخصٍ كان يقف في البرد لفترةٍ طويلة.
“آه.”
أدركت سيرينا متأخّرةً بعد رؤية ردّ فعله.
“هذا …… آه. هممم. هـ هذا هو.”
دارت سيرينا بعينيها، متفهّمةً سلوك إيشيد الغريب منذ وقتٍ سابق.
بدا الإمبراطور بصحّةٍ جيدةٍ جدًا بمعنًى آخر.
بدون سبب، شعرت بحرقةٍ في حلقها وشعرت بالحرارة، لكنها أظهرت احترافها. كانت طبيبة. كانت تعلم جيدًا أن هذا ليس شيئًا يمكن التحكّم فيه حسب الرغبة.
لذا كان من واجبها مواساة المريض حتى لا يُصاب بالذعر. نبست بهدوء.
“لا بأس، جلالتك. إنه مجرّد ردّ فعلٍ طبيعيٍّ جدًا يمكن أن يحدث لأيّ شخصٍ يتمتّع بصحّةٍ جيـ……”
لكن إيشيد لم يكن يستمع.
“فقط اصمتي، سيرينا.”
“حاضر.”
أبقت فمها مغلقًا بناءً على طلبه الجاد. تدفّق صمتٌ غريب. لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى هدأ إيشيد وتراجع.
لم يقل إيشيد أيّ شيء، وتظاهرت سيرينا بعدم ملاحظة ذلك وغيّرت الموضوع.
“سأذهب لأخبر السيد نوكتورن بهذا الأمر.”
“…….”
“جلالتك … ألن يكون من الأفضل البدء بالاستعداد للحفل؟”
رفعت سيرينا صوتها بشكلٍ مضطرب. حدّق إيشيد في سيرينا بتعبيرٍ يشبه الحَمَل الجريح.
“… سـ سأذهب أولاً.”
تجنّبت سيرينا بسرعةٍ النظرة الحادّة وغادرت المكتبة بهدوء. سيرينا، التي غادرت المكتبة بثقةٍ دون أيٍ قلق-
‘آغاااااه!’
صرخت داخليًا وهربت. كان ذلك لأن العار الذي كانت تحجمه خرج يتدفّق دفعةً واحدةً بمجرّد خروجها.
كانت بخيرٍ بوضوح، ولكن عندما رأت ردّ فعل إيشيد، لم تعد بخير.
‘أيّ تعبيرٍ هو هذا!’
تحوّل وجه سيرينا إلى اللون الأحمر الساطع قبل أن تعرف ذلك. تمامًا كما كان إيشيد في وقتٍ سابق.
* * *
بعد أن هدأت، ذهبت سيرينا للبحث عن نوكتورن.
أولاً، خطّطت لإخباره بالقصة التي سَمِعتها في المكتبة في وقتٍ سابق. كانت الغرفة التي كان نوكتورن يقيم فيها في المُلحَق، وليس المبنى الرئيسي. دلّ هذا على أنه كان مكروهًا من قِبَل الدوق حقًا عندما ورث الكونتية وترك الدوقية.
بعد وصولها إلى غرفته، طرقت سيرينا الباب ثلاث مرّات. بعد فترة، فُتِح الباب وتعرّف نوكتورن على سيرينا.
“آنسة سيرينا، ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
رمشت عيني نوكتورن على اتساعهما عند زيارة سيرينا المفاجئة. لا بد أنها كانت تستريح في غرفتها، لأن شعرها الطويل، الذي لطالما كان مربوطًا بدقّة، كان منسدلاً الآن.
“لديّ شيءٌ لأقوله لك. هل يمكنني الدخول؟”
“أممم. هنا؟”
أبدى نوكتورن تعبيرًا مضطربًا. بالتفكير في الأمر، كان من الخطير بعض الشيء الدخول والخروج من غرفة نوم رجلٍ آخر.
كان إيشيد مريضًا، لذا كانت تدخل وتخرج من غرفة نومه طوال الوقت، لكن نوكتورن لم سكن مريضها. لوّحت سيرينا بيدها وقالت.
“آه. آسفة، لم أكن أعتقد أن ذلك سيكون وقحًا لأنني كنتُ في عجلةٍ من أمري.”
“لا بأس. الغرفة الثالثة في هذا الطابق هي غرفة استقبال. إذا انتظرتِ هناك، فسأستعد وآتي إليكِ.”
“نعم. سأفعل.”
أوه لا. كِدتُ أرتكبُ خطأ.
بدا الأمر وكأنها لم تستعيد رشدها بعد منذ أن انفصلت عن إيشيد بشكل مُخجِلٍ في وقتٍ سابق.
جلست سيرينا في غرفة الاستقبال وانتظرت لفترةٍ ليست بطويلة، دخل نوكتورن.
“أعتذر على تأخُّري.”
جلس نوكتورن على المقعد المقابل لها واعتذر.
“آنسة سيرينا. ما الذي أتى بكِ إلى هنا بهذه العجلة؟
“لديّ شيءٌ لأناقشه معك.”
“ما الأمر؟”
“هل ستذهب إلى الحفلة الليلة؟”
“نعم. أخطّط لذلك.”
“أممم. هل من المقبول ألّا تذهب؟”
عندما سألت سيرينا، وهي تتململ، أدار نوكتورن رأسه.
“لماذا؟”
كان ردّ فعله طبيعيًا. كانت الحفلة أشبه بحفل افتتاحٍ للإعلان عن بدء مهرجان الصيد.
كان من المناسب لأيّ فردٍ من غرينوود أن يحضر. لهذا السبب جاء نوكتورن إلى هنا من العاصمة. فتحت سيرينا فمها بحذر.
“في الواقع، رأيتُ أفراد غرينوود في المكتبة في وقتٍ سابق. الثلاثة الذين كانوا مع السيد نوكتورن في وقتٍ سابق.”
عندما ذكرت سيرينا الحادثة السابقة، تغيّرت عيون نوكتورن قليلاً.
“أعتقد أنهم يحملون ضغينةً لما فعله السيد نوكتورن في ذلك الوقت.”
“لقد أزعجت الآنسة سيرينا عن غير قصد.”
تمتم نوكتورن بابتسامةٍ هادئة. بالنظر إلى تعبير وجهه، فإنه لم يُظهر أيّ شعورٍ بالقلق. قالت سيرينا بإحباط.
“هذا ليس شيئًا لتبتسم لأجله فقط. لقد كان لديهم كرةٌ سحرية.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1