“أجل! لقد ضربتك! وماذا في ذلك؟”
“ريڤن. أنتَ حقًا لا تخاف، أليس كذلك؟”
“ليس بقدر خوفك، أخي الأكبر! هيا، أخي الأكبر زِيد. استمع لي يينما زلتُ لطيفًا.”
نفضت سيرينا الغبار عن نفسها ووقفت. نظر إليها إيشيد بنظرة فارغة، متسائلًا عن أي هراء ستقوله هذه المرة.
بالنسبة لشخصٍ لطالما تحمّل كل شيء في صمت، كان ريڤن، على الرغم من غروره، شقيقًا أصغر جريئًا ومحبوبًا.
حذرته سيرينا بشدة وهي تُزيل العشب العالق بملابسها.
“سأوضح هذا. في يوم مهرجان التأسيس، الساعة الخامسة مساءً، هنا تمامًا.”
“لا، لا أستطيع…”
“سأنتظر حتى تأتي! إن لم تفعل، فسأصفكَ بالجبان لبقية حياتك. لا، في الحقيقة، لن ألعب معكَ بعد الآن! لقد انتهينا!”
بهذه الكلمات، استدارت سيرينا وانطلقت مسرعةً – خشية أن يصرخ عليها بأنه لن يذهب.
عندما نظرت للخلف، كان إيشيد لا يزال يبتسم. وعندما التقت نظراتهما، لوّح بيده عفويًا. أزعجها ذلك أكثر، فأدارت رأسها بعيدًا بسرعة.
“هل ارتطم رأسكَ وفقدتَ صوابك؟ لماذا تستمر بالابتسام؟ إنه أمرٌ مزعج.”
رغم كلماتها الباردة، ارتسمت ابتسامة على شفتي سيرينا.
‘لن يغيب حقًا، أليس كذلك؟’
لقد وصلتُ إلى هذا الحد – لا مفر من أن يأتي إيشيد.
كانت سيرينا متأكدة من أن إيشيد كان مسرورًا في أعماقه عندما اقترحت عليه عدم حضور مهرجان التأسبس.
لو أراد الرفض حقًا، لكان رفضه رفضًا قاطعًا.
“لماذا يستمر شخصٌ وسيمٌ بالابتسام هكذا؟ إنه أمرٌ مزعج. لا شيء فيه جيد سوى وجهه.”
شخرت سيرينا وهي تراقب إيشيد وهو لا يزال يلوّح بيده.
***
حلّ يوم عيد التأسيس، ووصلت سيرينا باكرًا إلى الشجرة.
انقضى الوقت المتفق عليه منذ زمن، لكن لم يكن هناك أثر لإيشيد.
فكّرت في المغادرة، ظانّة أنه لن يأتي، لكنها ترددت. ربما سيعود، قالت لنفسها، غير قادرة على الابتعاد.
تردّدت طويلًا، تنتظره. فقط بعد حلول الظلام، رأت إيشيد يركض نحوها، غارقًا في العرق.
صعد التل بسرعة، رافعًا شعره الذهبي للخلف بتعبير منزعج.
“هاه، هذا الأحمق انتظر بالفعل.”
“أوه، لقد أتيت. لو مرّ منتصف الليل، لقطعتُ علاقتي بك.”
ابتسمت سيرينا وناولته منديلًا.
“أخي الأكبر، ليس لدينا وقت. فاتنا العرض، لكن المهرجان بدأ للتو، فلنسرع ونستمتع.”
أمسكت بيد إيشيد وانطلقت راكضةً قبل أن يغضب.
“هاي! هاي! لا زلتُ ألهث!”
اضطرت للإبطاء بسرعة لأن هذا الصبي الضعيف ظلّ يتأوّه وهو يلاحقها.
“أيُّ نوعٍ من الرجال هذا الضعيف؟”
“ركضتُ إلى هنا لأني خشيتُ أن تنتظر، والآن أنتَ تتكلم هراءً. هاه.”
“أوه، شكرًا لك، أخي الأكبر.”
“اصمت. ما كان يجب أن آتي. كان يجب أن أترككَ تنتظر وتعود إلى المنزل.”
“أنتَ تقول أشياءً لا تقصدها.”
عبست سيرينا بوجهها مازحةً لتستفزه. الآن وقد فكرت في الأمر، ربما لطول انتظارها، لم تكن تشعر بحالٍ جيدة.
بدأ جانبها يؤلمها، لكنها التزمت الصمت خوفًا من أن يقترح العودة.
في تلك اللحظة، شبك إيشيد أصابعهما وتحدث.
“هناك الكثير من الناس، لذا تمسّك جيدًا.”
“أوه، الآن تتصرف كأخٍ أكبر حقيقي.”
“أنا أخوكَ الأكبر.”
“بالتأكيد، زِيد.”
“انسَ الأمر. لقد انتهيتُ من الحديث معك.”
هكذا شقّوا طريقهم نحو المهرجان الصاخب.
“هممم! هممم!”
ولكن بعدها، اختُطفت سيرينا وإيشيد.
***
كان جانبها يؤلمها بشدة. أرادت سيرينا أن تنحني لأن جانبها كان يحترق، لكن جسدها كله كان مقيدًا بإحكام بالحبال، مما منعها من ذلك.
لوّت جسدها محاولةً التحرر، حين جاءها صوتٌ مألوفٌ من جانبها.
“إذا استمريتَ في الحركة، سيُصاب جسدكَ كله بالخدش.”
“إيشيد؟ هل أنتَ هنا؟”
“أجل، أنا هنا، ريڤن.”
أخيرًا، تنهدت سيرينا، التي ظنّت أنها وحيدة، ارتياحًا. بالطبع، كان الوضع حرجًا لأنهما أُسرا، لكنه كان أقل رعبًا من أن تكون مقيدة وحدها.
على عكس صوتها المرتجف المرتعب، كانت نبرة إيشيد هادئة، كموجة رقيقة. كأنه قد مرّ بمثل هذا الموقف مرات عديدة، ففقد حسه تجاهه.
لكن سيرينا، التي كانت شديدة الخوف، لم تستطع أن تلاحظ ذلك.
بعد أن أخذت عدة أنفاس عميقة لتهدئ نفسها، تكلمت أخيرًا بصوت أكثر هدوءًا.
“ماذا حدث؟”
“يبدو أننا اختُطفنا. بالنظر إلى مظهرهم وكلامهم، أعتقد أنهم تجار عبيد من المملكة.”
“هذا جنون.”
لو كانوا حقًا تجار عبيد من المملكة، لكانوا في ورطة حقيقية. لم يكن زبائنهم الرئيسيون الإمبراطورية، حيث أُلغيت العبودية، بل الممالك المجاورة. إن لم يهربوا قريبًا، فسيُباعون.
“ليس لدينا وقتٌ للجلوس. علينا الخروج من هنا.”
شعرت سيرينا بالقلق، فلفت جسدها مجددًا، وتحدث إيشيد.
” أنا آسف. لقد تورطتَ في هذا بسببي. في الحقيقة، أنا… أنا السبب—”
“هل يهم من المخطئ الآن؟ فكر فقط في طريقة للهروب!”
صرخت سيرينا بانفعال وهي تبحث عن شيء لقطع الحبال.
لو كان الفانوس أجمل، لربما كان المكان أكثر إشراقًا، لكن من المستحيل أن يكون الخاطفون بهذا القدر من الاهتمام.
بينما كانت تركل قدميها المقيدتين، علق شيء بهما.
“لا بأس. انتظر قليلًا، وستأتي أمي لإنقاذنا.”
صرخت سيرينا، التي كانت تحاول يائسة التحرر، بانفعال من الإحباط. كانت منزعجة بالفعل، لكن هدوء إيشيد زاد من انزعاجها.
“هل أنتَ من هواة أمهاتهم أم ماذا؟ تجلس تنتظر والدتكِ؟ إن لم تأتِ، فسننتهي على متن قارب صيد روبيان!”
“…لو أصلحتَ فمكَ هذا، لكان لديكَ الكثير من الأصدقاء. أنتَ وسيم لكنكَ ذو لسانٍ بذيء.”
“لديّ الكثير من الأصدقاء! ما مشكلتك؟”
“حقًا؟ لم أركَ تُعرّفني أحدًا آخر من قبل.”
“هذا لأنني لم أعش هنا طويلًا! …يا صغيري – وكأن لديكَ أصدقاء أيضًا!”
بينما نفخت سيرينا غضبًا، ضحك الصبي.
“أعتقد أننا طفلان بلا أصدقاء أصبحا صديقين.”
“أخبرتُك، لديّ أصدقاء!”
“أجل، أجل. على أي حال، ريڤن، هل تشعر بالهدوء الآن؟”
“آه.”
عندها فقط أدركت سيرينا أن إيشيد كان يمزح ليهدئها.
في الحقيقة، كانت يداها وقدماها ترتجفان بالفعل. كانت تتظاهر بالصلابة في وجه خوفها الشديد.
شعرت فجأة وكأنها خسرت أمامه.
على الرغم من خجله وكسله بطبيعته، إلا أنه ظلّ قويًا في أوقات الشدة، ولذلك كانت ممتنة بعض الشيء.
“مع ذلك، كان ذكر والدتكَ أمرًا مُرهقًا بعض الشيء. كيف لها أن تجدنا هنا أصلًا؟”
“لديها موهبة في تعقبي.”
كلانج!
في تلك اللحظة، انفتح الباب المُحكم الإغلاق فجأة.
دخلت مجموعة من الرجال الأقوياء، حوالي خمسة أو ستة رجال، إلى المستودع.
“حسنًا، حسنًا، أنتم مُستيقظون.”
ابتسم القائد ساخرًا، وصب المزيد من الزيت على النار المُخمدة. عادت النيران إلى الحياة، مُنيرةً المكان.
“الطفل صغير جدًا. لا أعرف حتى إن كان بإمكانهم العمل بشكل صحيح.”
تبادل الرجل النظرات بين إيشيد وسيرينا، هامسًا بشيء ما للشخص الذي بجانبه.
كانت الكلمات التي التقطتها مُرعبة، وارتجف جسد سيرينا بشكل لا يُمكن السيطرة عليه.
“أسرعوا. السفينة ستغادر قريبًا.”
بإيماءة من القائد، بدأ الرجال بفكّ قيود سيرينا وإيشيد من العمود. في اللحظة التي تحررت فيها يداه وقدماه، أمسك إيشيد بيد سيرينا وسحبها خلفه.
“دع هذا الفتى يذهب.”
“ماذا تقول بحق الجحيم؟”
“أنا من تريده، أليس كذلك؟”
بطلب إيشيد الجريء، أطلق القائد ضحكة عالية ساخرة. تردد صدى ضحكته في أرجاء المستودع الهادئ، فأرسلت قشعريرة إلى سيرينا.
انكسر الصمت الخانق لحظة أن أسقط القائد إيشيد أرضًا.
“آه!”
“إيشيد!”
سقط إيشيد على الأرض. وكأن ذلك لم يكن كافيًا، أطلّ القائد فوقه مهددًا. اندفعت سيرينا مذعورة نحو إيشيد.
“توقف!”
فاجأه إيشيد، فكافح لينهض. ولما رأته سيرينا على هذه الحال، لم تستطع حبس دموعها أكثر.
“من تظن نفسكَ لتضرب طفلًا هكذا؟!”
“هاه، هؤلاء الأوغاد…”
“كفّوا عن ضربه! ألا تخجلون من هذا التصرف هكذا وأنتم رجالٌ ناضجين؟!”
سيرينا، وهي تبكي، تضرب بقبضتيها الصغيرتين على ساقي القائد.
انزعج القائد من أنينها، فدفعها جانبًا وصرخ.
“أتظنونني أمزح معكم؟ ابتعدوا عن طريقي!”
“آه!”
اصطدمت سيرينا بعمود، وهي تتأوه من الألم. ومما زاد الطين بلة، كان هناك فانوسٌ معلق في نفس العمود الذي اصطدمت به.
“أوه-“
أطلقت سيرينا شهقة مذعورة، لكنها لم تستطع منع الفانوس من الارتطام والتأرجح بشكل خطير.
بصوت قعقعة، سقط الفانوس أخيرًا على الأرض.
بدافع غريزي، رفعت سيرينا يديها لتحمي نفسها من تناثر الزيت الساخن، لكنها لم تستطع منع قطرة واحدة من السقوط على جبينها.
“آه! إنه ساخن!”
أغمضت عينيها من الألم، لكنها فتحتهما على وقع صرخات مرعبة.
“آآآآه!”
“النجدة! فليساعدنا أحد!”
اندلعت ألسنة اللهب فجأة في أرجاء المستودع، واجتاحت الرجال في لحظة. لم تكن مجرد حريق صغير ناجم عن الزيت المسكوب، بل كانت ألسنة لهب هائلة تملأ المكان، تلتهم الرجال كما لو كانوا جمرًا راقصًا.
الأمر الأكثر إثارة للصدمة هو أن النار لم تصل إلى سيرينا. كان الأمر كما
لو أن لألسنة اللهب إرادة خاصة بها، تتجنبها عمدًا.
“ما هذا…؟”
ترنحت سيرينا إلى الوراء، وقد غمرها المنظر الغريب. ثم تذكرت إيشيد فجأةً، فالتفتت، لتجد نفسها أمام مشهدٍ لا يُصدّق.
“إيشيد!”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 115"
كنا ماشين كويس بداية الفصل😭💔
شكرًا ع الفصل❤️