1
قاعة المأدبة بدت كتحفة فنية أبدعتها أنامل فنان بارع، تضيئها أضواء متلألئة تنبعث من ثريا ضخمة، صُنعت بدقة من أفخم أنواع الكريستال.
امتدت طاولة مترفة بحجمها، تزدان بأشهى المأكولات وأفخر أصناف النبيذ، وقد التف حولها الحاضرون بشراهة يلتهمون الطعام، بينما تغمر أعينهم بريق التسلية الخفية.
لكن الترفيه لم يكن سوى مشهد همجي دموي؛ معركة حياة أو موت بين عبيد المصارعة.
عيون الحشد كانت تشع بشهوة مقيتة وهم يتطلعون إلى السجن في وسط القاعة.
“اقتله! اقتله!”
“هل تعرف كم وضعت رهاني عليك؟!”
وسط هذا المشهد المترف، كان السجن يقف نقيضًا صارخًا—رمزًا للجحيم الإنساني.
أرضه ملطخة بالدماء، والجثث متناثرة بعشوائية كأنها بقايا لعبة مدمرة، والسيوف كانت تلمع ببرودة وسط هذا البحر القاني.
في قلب هذا المشهد القاسي، وقفت امرأة وحيدة، مضرجة بالدماء.
“آه…”
ترنحت بجسدها المنهك وهي تتكئ على القضبان الحديدية الكثيفة.
كانت خطواتها تصدر صوتًا لزجًا حينما كان الدم يلتصق بباطن حذائها الثقيل.
“هاه… هاه… هاه…”
لهاثها المتقطع كان يتردد في أرجاء السجن، لكنها أغمضت عينيها لوهلة قبل أن تفتحهما بنظرة مليئة بالإصرار.
على الرغم من وهنها، كانت عيناها الزرقاوان تشتعلان بعزيمة لا تعرف الانكسار.
عند نهاية نظرتها، جلس رجل وثير على مقعد، مسترخٍ بلامبالاة.
كان متكئًا، ساق فوق الأخرى، وذقنه مسند على كفه.
شعره الذهبي أشرق كأشعة الشمس، وعيناه الحمراوان توهجتا كبريق أندر أنواع الياقوت.
كان جماله ساحرًا، أشبه بكائن خُلق بدقة إلهية.
ومع ذلك، لم ترتبك المرأة أمام هذا الحُسن المذهل.
“عليّ أن أقتله”
اشتعلت في صدرها نيران الغضب والانتقام.
هوغو إستور ديل مورغانا.
الرجل الذي سحق وطنها، المملكة المقدسة أسكانيور، تحت وطأة إمبراطورية ييرهالت.
كان هو السيف الأكثر حدة في الإمبراطورية، و…
سليل الشيطان العظيم.
في تلك اللحظة، التفت هوغو نحوها.
“آه…”
التقت أعينهما للحظة. حاولت المرأة أن تصرف نظرها سريعًا، لكنه ابتسم بمكر ورفع زاوية شفتيه في ازدراء واضح.
“يبدو أن المنتصر قد تم تحديده”
قال كلماته بنبرة هادئة، وسارع النبلاء الجالسون بجواره إلى الإيماء موافقين بحماسة.
“بلا شك، يا صاحب السمو”
“هل استمتعت بالعرض الذي أعددناه خصيصًا لك؟”
كانوا يهرولون في محاولاتهم لاسترضائه، بينما نظرت إليهم المرأة بازدراء واضح.
خونة قذرون.
أولئك الذين كانوا يعيشون تحت راية أسكانيور برغد ونعيم، خانوا أرضهم في اللحظة التي تقدمت فيها جيوش مورغانا.
والآن، في هذه القاعة التي تتدثر بالترف، قُدمت هذه الحلبة الدامية فقط لتسلية هذا الرجل الذي سحق كرامة أسكانيور.
لكن على الأقل، كانت المعارك تقتصر على المجرمين الذين ارتكبوا أشد الجرائم.
كانت تعلم أن ذلك جاء بناءً على طلب هوغو، الذي أراد أن تكون المواجهات بين أولئك المذنبين بالقتل والفظائع.
بفضل هذا الشرط، تمكنت المرأة من التخفي كواحدة من عبيد المصارعة، دون أن تشعر بالذنب حيال أفعالها.
ولكن… النهاية اقتربت.
أخذت المرأة نفسًا عميقًا، محاولة السيطرة على أفكارها.
لقد خاضت معارك دموية طويلة، ووصلت الآن إلى لحظتها الحاسمة.
لم يتبق سوى خطوة واحدة نحو هدفها.
“قعقعة!”
انفتح الباب الحديدي، وسحبها أحد الفرسان بعنف.
“تعالي!”
ترنحت تحت قبضته، لكنه استمر في جرّها بلا رحمة.
“اقتربي الى هنا”
أشار هوغو بإيماءة لا مبالية، داعيًا إياها إلى الاقتراب.
لم تكن المسافة طويلة، لكنها بدت وكأنها تمتد إلى الأبد.
وسط هذا الجحيم الذي تحول فيه البشر إلى وحوش، كان هوغو يبدو كالنقيض الكامل—نقيًا وأنيقًا ومتعاليًا.
“أنا قادرة على فعلها.
كلا… يجب أن أفعلها”
شدت المرأة على أسنانها، تستجمع كل ذرة من إرادتها.
لقد جاءت هنا لهدف واحد:
أن ترى سيفها يمزق عنقه، ورأسه يتدحرج على الأرض كرمز مذلّ لهزيمته.
Chapters
Comments
- 11 - تنبيه. 2025-06-24
- 1 2025-04-25
التعليقات لهذا الفصل " 1"