كنت أعلم… كنت أعلم أن هذا ما سيحدث إن اقتربتُ منها.
كان مستقبلًا متوقّعًا منذ البداية.
الوحدة… ذلك الألم الذي أعرفه أكثر من أي أحد،
ومع ذلك، ارتكبتُ الخطأ نفسه.
كل هذا بسببي.
فقط لأجل أن أشعر بقليلٍ من السعادة،
سحبتُ تلك الفتاة المشعّة كأشعة الشمس إلى الوحل معي.
كل ما فعلته من قسوةٍ متعمّدة تجاهها لم يجدِ نفعًا.
فحتى وهي تُعامَل بالتجاهل من الجميع،
كانت إسبين تبتسم وحدها، غير مدركة لما يحدث…
وذلك البراءة قلبت معدتي ألمًا وغضبًا.
“ما المضحك؟”
خرج صوتي حادًّا دون أن أشعر.
فتحت إسبين عينيها بدهشة، وتجمّدت في مكانها.
وجهها الذي كان دائم الابتسام تصلّب فور أن رأتني.
“آه، مرحبًا… هل كنت بخير؟”
كانت تحية عادية، تمامًا كما اعتادت،
لكنّي شعرتُ بينها وبين صوتها بحاجزٍ باردٍ من المسافة.
وهذا ما أردته، أليس كذلك؟
كان من المفترض أن تبقى الأمور هكذا من الآن فصاعدًا…
ومع ذلك، كانت معدتي تلتفّ انقباضًا.
حين جلستُ إلى نفس الطاولة، ارتجف جسد إسبين بخفّة.
كنت أرى بوضوح كيف تتحرّك عيناها بقلقٍ لتقرأ الموقف،
لكن لا يمكنني تغيير مقعدي — فقد كانت إيزابيل الإمبراطورة هي من رتّب ذلك.
وأي تصرف غريبٍ مني سيجعلها تلاحظ فورًا.
خلال حفلة الشاي، اكتفيت بالتحديق في الزهور الموضوعة على الطاولة.
كنت أضغط على بصري بقوة، كي لا أسمح لنفسي بالنظر نحوها.
فلو لاحظت الإمبراطورة أنني أهتمّ بإسبين،
فستجعلها تدفع الثمن غاليًا.
“الآن تذكّرت — سمعت أنّه حدثت فوضى مؤخرًا في قصر الأمير لوتشيانو. هل حدث شيء بينكما؟”
رغم أنّني تجاهلت إسبين عمدًا منذ بداية الحفل،
إلا أنّ الإمبراطورة إيزابيل لم تفوّت الفرصة لجرّها إلى الوحل.
كنتُ أودّ أن أصرخ:
إنها لا علاقة لها بي!
اتركيها وشأنها!
لكنني اضطررتُ إلى كبت كل ذلك.
“أعني، لو أنّ أحدهم كان يضايق الآنسة إسبين مثلًا…”
عندها فقط أدركتُ أن الإمبراطورة كانت تساومها.
قلبي بدأ يخفق بعنف.
إن كانت إيزابيل تريد من إسبين أن تكذب،
فأنا واثق أنها كانت سترفض من دون تردد —
فإسبين تملك قلبًا مستقيمًا لا يعرف الخداع.
لكنّ المشكلة أن ما فعلته كان حقيقة.
لقد جعلتها تأكل رغمًا عنها حتى سقطت مغشيًّا عليها.
أجبرتها، وآذيتها، وهذا بالفعل تنمّر.
لهذا، حتى لو قالت إسبين ما تريده الإمبراطورة،
فلن يكون كذبًا تمامًا.
عقلي كان يصرخ بأني يجب أن أتدخل،
لكن مشاعري… كانت تمزّقني من الداخل.
قلبي يكاد ينفجر من التقاتل داخلي: جزء مني يريد أن يذاق الحرية ويتركها تختار، وجزء آخر يريد أن يجمعها بين ذراعيه ويمنعها من الغرق. تارة أفكر أن أغمض عيني وأسمع كلام الإمبراطورة لأضمن هدوئي، وتارة أتحسر لأن تسليمها لمكر الآخرين يعني دفن براءتها إلى الأبد. كل خيار يجرّ معه موتًا لشيء في داخلي — أو لشيء فيها.
ثم ظهر خيار ثالث واحد، قاسٍ لكنه صريح: أن أتحمّل أنا النتيجة. انهض ببطء بينما رنة صدى كلام الإمبراطورة لا تزال تملأ الهواء، وصوتي خرج مثقلاً لكنه ثابتًا أمام الجميع. واقول
“كفى. الكلام هنا بلا معنى.” توقّفت لحظة لأجمع الهواء، ونظرت إلى وجوههم جميعًا، إلى عيون إسبين المبلّلة، إلى ابتسامتها التي بدت الآن هشة. “أنا من أخطأ. تلك الحفلات، تلك الهدايا، إجبارها على الأكل — كل ذلك كان بأمري. إن أردتم إلقاء اللوم فعلي فافعلوا، لكن لا تجبروا هذه الفتاة على أن تكذب أو تتحمّل عواقب ما لم تفعله عن قصد.”
كان في صوتي قبول بالعقاب، وإقرار بالخطأ، وإصرار على حماية من أذيتها. لم أبرّر، لم أختلق أعذاراً. قلت الحق، بصوتٍ واحدٍ حتى لا تتكاثر الأكاذيب. إذا أرادت الإمبراطورة أن تنقلب عليّ، فلتفعل؛ لكن ليس على حساب براءةٍ لا تعرف المدارات المظلمة التي دار فيها قلبي طيلة سنة.
لم أعرف كيف سيستقبلهم اعترافي — الازدراء؟ الاندهاش؟ ربما سيفتح لي ذلك بابًا من العواقب — لكني لمعدتّي خيارٌ آخر. وقف الصراع الداخلي لوهلة: إن حمايتها تتطلب أن أضع نفسي في الواجهة. حتى لو خسرت كل شيء، لن أخسر ضميرًا واحدًا بسبب سكوتي الآن.
لكنّي لم أتمنَّ قط أن تنضمّ إلى الإمبراطورة إيزابيل.
التعليقات لهذا الفصل " 20"