الفصل 12
دعوة الأمير لوتشيانو؟
لم يخطر على بالي هذا الأمر أبدًا.
كنت أظن أننا لن نلتقي مجددًا إلا في المناسبات الرسمية، وحتى تلك كنت أعتزم تجنبها قدر الإمكان.
“ما الذي جعله يدعوني فجأة؟”
“ربما لأنه يريد التقرب منكِ، يا آنستي.”
“هذا ليس صحيحًا…”
لو كنت مكانه، لما رغبت في التقرب من شخص أظهر أمامي مظهرًا صادمًا كهذا.
أدركت الواقع ببرود.
منذ ذلك اليوم، لم أحلم أبدًا بأي رومانسية مع الأمير لوتشيانو.
“لماذا لا؟ يا آنستي، أنتِ محبوبة جدًا. تحلي بالشجاعة.”
رمقتُ المربية بعينَيّ مستاءة.
بعد كل ما أظهرتُه من مظهر بائس وكأنني قد أفرغت روحي، كيف يمكن أن يقال عني أنني محبوبة؟
المربية لطيفة، لكنها أحيانًا تقول أشياء بلا مبالاة.
تجاهلت كلامها برهة، مستوعبةً هذه الدعوة المرهقة التي تبدو وكأنها عبء ثقيل على نفسي.
كنت أحاول معرفة كيف أتصرف حيال ذلك.
لقد انهار جدار البرود الذي بناه الأمير لوتشيانو حوله.
لحظة مؤثرة حقًا، لكنها لم تجلب لي فرحًا صافٍ.
بالطبع، لو تلقيت هذه الدعوة في وقت كنت أرسل له ابتسامات مشرقة وأظهر له اهتمامي، لكنت انفجرت فرحًا من شدة السعادة.
«أما الآن، بعد أن تخليت عن كل شيء، فهي عبء أكثر من كونها فرحة.»
مهما فكرت، بدا أن صداقة حقيقية بيننا صارت صعبة جدًا…
ما الغرض بالضبط من دعوتي؟
وبالإضافة إلى ذلك، خلال الحفلة كان هناك آخرون، فكان الأمر أسهل قليلًا، لكن مجرد التفكير في لقاءٍ وجهاً لوجه بمفردنا أشعرني بالرهبة.
تداخلت المشاعر في قلبي، فتمسكت بخصر المربية.
ربتت المربية على رأسي بعادة مريحة، فأشعرني ذلك بالطمأنينة.
“لا مفر من الذهاب إذًا، أليس كذلك؟”
“إذا لم ترغبي، فلا بأس بعدم الذهاب يا آنستي.”
“حقًا؟”
“بالطبع. القرار لكِ وحدك، فأنا دائمًا بجانبكِ.”
ابتسمتُ بخفة، وخرج ضحكٌ متكسّر من قلبي على صدى كلماتها الثابتة والمطمئنة.
ليس فقط لأن والداي كذلك، بل لأن هناك شخصًا إلى جانبي دائمًا يساندني دون قيد أو شرط، كان شعورًا رائعًا حقًا.
إنه شعور بالأمان لم أستطع الشعور به في حياتي السابقة.
تلاشت كل تردُّدي، فقمت فجأة وكتبت الرد على الرسالة:
[الأمير لوتشيانو المحترم،
شكرًا جزيلًا على دعوتكم، ولكن لظروف خاصة بي، لا أستطيع الحضور غدًا.
إذا كان الأمر عاجلًا، يمكنكم إرسال التفاصيل عبر رسالة وسأجيبكم.
مع خالص التحية، إسبين صامويل.]
لقد رفضت دعوة الأمير لوتشيانو.
في الحقيقة، كان لدي الكثير من التفكير حول هذا القرار.
رغم أن علاقتي مع البطل الأصلي، الأمير لوتشيانو، قد انتهت، إلا أني لم أبدأ أي شيء بعد مع هاريسون أو داميان.
لو أردت أن ألتقي بهم، ربما كان من الأفضل أن أحافظ على علاقة ودية حتى لو على مستوى الصداقة مع الأمير لوتشيانو.
لكن من أجل صحتي النفسية، كان الأفضل أن أقطع كل الروابط معه عند هذه النقطة.
رغم أن الأمور خلال الحفلة مرّت بشكل سلس، لم أستطع إنكار أن رؤيته أثارت فيّ بعض المشاعر.
كنت ممتنة جدًا، لكن شعور الإحراج والخجل كان أكبر بكثير.
ما زلت أسترجع أحيانًا اللحظة التي فقدت فيها السيطرة تمامًا وحدث ما حدث.
ما لم أنسَ تلك الذكرى، ستظل تلك الغلطة تراودني، ومعها شعور عميق بالعار.
وصلتُ إلى استنتاج أن تجنب مواجهة الأمير لوتشيانو وجهاً لوجه أفضل لي.
صحيح أن الأمر أزعجني بعض الشيء لأن الشخص الذي رفضني سابقًا دعاّني بنفسه،
لكنني تجاوزت الأمر بسرعة، إذ لم يكن هناك أي حديث خاص يجمعنا.
«حسنًا، إذا كانت هناك مسألة مهمة حقًا، سيتواصل معي مجددًا.»
***
«هل هي حقًا مسألة مهمة؟»
حدّقت قليلاً في الرسالة التي بين يديّ وكأني غافلة.
[يرجى الحضور غدًا الساعة الثانية بعد الظهر.]
لقد وصلتني الدعوة الثانية من الأمير لوتشيانو…
كان لطيفًا هذه المرة.
حتى نبرة الكتابة بدت أكثر تهذيبًا قليلًا،
وإن كان وصفها بـ”المهذبة” ما يزال مبالغًا فيه نوعًا ما.
“هل ستقومين برفض الدعوة مرة أخرى؟”
“لا أعلم.”
حقًا، لم أفهم بعد سبب رغبته في رؤيتي.
في أعماقي كنت أريد تجاهله فحسب،
لكن لأنه لم يكن من النوع الذي يتواصل عادة،
فقد أصبح من الصعب عليّ التظاهر بعدم المبالاة الآن.
«هل هناك أمر جدي فعلًا؟»
ما زاد حيرتي أنه أحد أفراد العائلة الإمبراطورية.
صحيح أنه الآن في موقفٍ غير مستقر،
لكن في المستقبل سيكون هو الإمبراطور.
وفي هذا العالم، ليس من الحكمة أبدًا أن تثير غضب أصحاب النفوذ.
«حتى الإمبراطورة إيزابيل كانت هكذا… لا أفهم لماذا يصر هؤلاء النبلاء على التعلق بي!»
اتخذت قراري أخيرًا وبدأت أكتب الرد.
كتبت بضع كلمات موجزة توضّح موقفي، ثم وضعت الرسالة في الظرف وسلمتها للمربية.
“وما القرار الذي اتخذتِه يا آنستي؟”
“سأذهب.”
قررت قبول الدعوة الثانية.
***
«ما هذا؟»
توقفت من الدهشة لحظةً عند دخولي إلى غرفة الاستقبال.
كان الأمير لوتشيانو جالسًا هناك بالفعل.
حييتُه بأقصى ما أستطيع من هدوء على وجهي:
“مرحبًا، صاحب السمو الأمير لوتشيانو.”
بدلًا من الرد بكلمة ترحيب، حدّق بي الأمير بصمت.
تحركت عيناه وكأنه يفحصني من رأس إلى أخمص القدمين.
كانت حدقتاه الحمراء بلا أي شعور ظاهر، مما جعل قلبي يهدأ بعض الشيء.
وبالطبع، حين أكون وحدي، كانت ذكريات حادثة المافن تعاودني.
حتى وأنا جالسة ساكنة، كان شعور الإحراج يتصاعد وينخفض بشكل متكرر.
لكن أمام الأمير لوتشيانو، لم أشعر بذلك.
ربما كان ذلك بفضل نظراته الهادئة جدًا.
أغلقت الباب خلفي بعد دخول غرفة الاستقبال.
“ما الأمر الذي أردت قوله؟”
ثم بدأت مباشرة بالحديث عن الموضوع الرئيسي.
تشنّجت شفتا الأمير لوتشيانو قليلاً عند سماعه.
“اجلسي أولاً.”
جلست على الأريكة الفارغة دون أن أنطق بكلمة.
لكن بمجرد جلوسي، نهض الأمير فجأة.
ثم… خرج من الغرفة.
ماذا؟
ماذا يحدث؟
…ماذا بحق الجحيم؟
تركْت وحدي دون أي تفسير.
صُدمت وذهلت لدرجة أنني لم أستطع الرد لفترة.
لقد صارت هذه المواقف مألوفة لي إلى حدٍ ما.
التحية السريعة ثم الانصراف،
كانت تحدث كل مرة أزور فيها الأمير لوتشيانو.
لكن اليوم، أنا من تلقت الدعوة، أليس كذلك؟
«أنت من دعوتني للحضور!»
كنت أرغب في محاسبته على هذا التصرف،
لكن الطرف المعني غائب تمامًا.
حاولت تهدئة نفسي،
لكن كلما حاولت ذلك، بدا الموقف أكثر غرابة وإحباطًا.
وصلتني الحقيقة بوضوح هذه المرة.
لقد دعاني، جئت، ثم تركني وحدي وغادر.
من أراد الحضور حقًا؟
لقد دعاني مرتين حتى أتيت!
لم أتمسّك به كما في السابق، ومع ذلك تدحرج الموقف بهذا الشكل، فشعرت بالسوء الشديد.
كنت مستغربة وغاضبة في الوقت ذاته، وفكرت: دعوه يحاول مرة أخرى!
«لقد انتهى كل شيء الآن! انتهى!»
نهضت من مكاني مستعدة للعودة إلى البيت.
لكن قبل أن أغادر غرفة الاستقبال، فُتحت الأبواب تلقائيًا.
وعند المدخل، كان الأمير لوتشيانو واقفًا.
“ماذا الآن؟”
كانت نبرته هادئة جدًا.
“هذا ما كنت أود سؤاله أنا.”
بينما كان يجيب بطريقة جافة، لاحظت شيئًا يحمله في يده.
«هاه؟ لماذا يحمل هذا…؟»
حتى من النظرة الأولى، عرفته، لكن لم أصدق أن الأمير لوتشيانو هو من يمسك به الآن.
“اجلسي مجددًا.”
وبلا شعور، امتثلت لأمره وجلست على الفور.
جلستُ في مكاني،
وخلال ذلك، لم أستطع تحريك بصري عن الشيء الذي يحمله الأمير لوتشيانو.
«لا بد أني أتخيل… لا يمكن.»
وضع الأمير ما أحضره على الطاولة.
«لا، لا بد أنه ليس هذا.»
أمسك به، وسمعت صوت صبّ الشاي في الأكواب، وتفشّى عبيره الزكي في الغرفة.
«يا إلهي، هل هذا حقيقي؟»
لقد أحضر الأمير لوتشيانو بالفعل طقم شاي معدّ للشرب فورًا.
صَبّ الشاي في كوبه، ثم وضع كوبًا أمامي.
حتى وأنا أراه أمامي، لم أصدق ذلك.
حدقت في الكوب المتلألئ، ثم رفعت عيني لأراه،
وكان وجهه كما هو دائمًا بلا أي تعبير.
ملأ كوبه الآخر أيضًا بالشاي، ثم شرب بهدوء وكأننا اعتدنا على هذه اللحظة،
أو كما لو أن هذه كانت طبيعة الأمور دائمًا، بكل بساطة وطبيعية.
لمّا جلستُ محدقة بلا حراك، فتح الأمير لوتشيانو فمه أخيرًا وقال:
“لا تكتفي بالنظر فقط، اشربي أيضًا.”
لقد كانت مفاجأة لي أن يُقدَّم لي الشاي لأول مرة،
ولكن أن نشربه معًا؟ هذا كان أكبر حدث من مجرد تلقي دعوة!
كنت أعلم كم هو حساس تجاه مسألة الأكل والشرب،
ذلك الشخص الذي كان يعبس لمجرد أنني جلبت المافن،
ها هو الآن يقدم لي شيئًا لأتناوله.
لماذا أعطاني الشاي فجأة؟
لقد شكك بي من قبل…
«ماذا لو كان هناك سم في هذا الشاي؟»
بدأ الشك يتسلل إلى ذهني،
وبقيت في حيرة لا أفهم سبب تصرف الأمير لوتشيانو هذا.
“لم أعطه لك لتتفرجي فقط، بل لتشربيه.”
عند سماع كلمات تحفيزه تلك، رفعت الكوب ببطء،
وكأنني فعلت ذلك تلقائيًا في غفلة ذهني.
دفء الكوب،
ورائحة الشاي الزكية التي تملأ المكان…
أعطى ذلك شعورًا غريبًا بالواقع.
كالمعتاد، رفعت الكوب إلى شفتي، وما أن بلَّلت مياه الشاي فمي،
“!”
صُدمت.
ماذا هذا؟
«كيف استطاع تحضير الشاي بهذه الكفاءة!»
الشاي المقدم في القصر لم يكن من النوع الفاخر،
ولكن بدرجة الحرارة المناسبة ووقت النقع المثالي، لم يظهر أي مرارة على الإطلاق.
مهارة تجعلك تشعر أن شاي متوسط الجودة هو شاي فاخر…
هذا أمر يثير الغيرة!
لقد كان من الطبيعي أن يحضره أفضل مني،
بل إنه تفوق حتى على المربية التي أعتبرها أميز شخص في هذا المجال.
أتساءل، أليس من المفترض أن أفراد العائلة الإمبراطورية يكتفون بما يُقدَّم لهم؟
«مهما كان البطل الموهوب، هل يجب أن يكون بارعًا في كل شيء؟»
بدون شعور، تقوّست شفتاي إلى الأعلى قليلاً.
“لماذا هكذا؟”
“ماذا تعنين؟”
“تعابير وجهك الآن… لا، لن أهتم.”
كان الأمير لوتشيانو على وشك قول شيءٍ ما، لكنه اكتفى بالسكوت.
لم أعلم متى بدأت أفهم أفكاره.
حين رفع الكوب مرة أخرى، حاولت تفريغ عقلي وتركيز انتباهي على الشاي، فشربت أنا أيضًا.
لكن كيف استطاع أن يُعدّه بهذه الكفاءة؟
هذا المكان كأنه مقهى للشاي، حرفيًا مقهى!
تخلصت من كل الأفكار المعقدة وركزت على متعة شرب الشاي.
خلال ذلك، لم يتحدث الأمير لوتشيانو معي،
ولم أشعر برغبة في القيام بدور البطلة المشرقة كما في السابق، بل اكتفيت بالتمتع بالشاي فقط.
لم أحاول إظهار نفسي بشكل جيد، فكان الجو هادئًا ومريحًا.
بفضل طعمه الشهي، شربت حتى انتهى الشاي في إبريقه.
“سأرحل الآن.”
كان واضحًا أن هذه كلمات لإعطائي فرصة للحديث إذا أردت.
نظر إلي الأمير للحظة، ثم اكتفى باستدعاء أحد الخدم ليجهز العربة، دون أن يذكر أي أمرٍ آخر معي.
“تم تجهيز العربة.”
أخبرني الخادم بذلك، فقمتُ من مكاني.
كانت هذه المرة الأولى التي نودع فيها بعضنا بشكل طبيعي، فشعرت بالتوتر حول توقيت تحية الوداع.
ترددتُ، لا أدري إن كان يجب أن أُلقي التحية أم لا، لكنه نهض وراءي.
بقيتُ أسير خلفه دون أن أستطيع التحية، لأنه كان يقود الطريق.
«خرج معنا حتى أمام القصر… هل سيودعني؟»
اليوم كان سلوكُه غريبًا للغاية.
هل أصيب بمرضٍ قاتل؟
لا، هو شخصية رئيسية ستعيش طويلًا وسعيدة.
أم أنه لديه شيء ليقوله لكنه يجد صعوبة في التعبير عنه؟
مهما حاولت التفكير، كان الوضع محيرًا ومقلقًا.
قبل أن أصعد العربة، نظرتُ إلى الأمير لوتشيانو للمرة الأخيرة،
وكان لا يزال يبدو وكأنه لا ينوي قول شيء.
“شكرًا على الشاي اللذيذ، إلى اللقاء.”
لقيت التحية بشكل مهذب، ثم صعدتُ العربة.
حين جلست لأغلق الباب، لاحظت أن الأمير ل
وتشيانو يمسك بالباب فلم أتمكن من إغلاقه.
كنت على وشك أن أطلب منه إغلاقه، حين سمعته يقول:
“المرة القادمة……”
كان صوته خافتًا لدرجة جعلتني أتساءل إن كنتُ قد سمعتُه بشكل صحيح.
توقفتُ عن الحركة عند صوته.
“ماذا قلت للتو؟”
نظر إليّ الأمير لوتشيانو بعينين واضحتي الرؤية، ثم قال:
“متى ستأتين مرة أخرى؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"