“هذا ليس خطأكِ، لورا… كان موقفًا لا يمكن إلا أن يكون مخيفًا.”
“ومع ذلك…”
“إن أردنا التدقيق، فالخطأ يعود إليّ لأنني من جلب تلك الأرواح منذ البداية، أليس كذلك؟”
“لا، ليس صحيحًا. التصاق الأرواح يحدث كالحوادث تقريبًا.”
“ألا تعتقدين أنكِ قاسيةٌ على نفسكِ أكثر من اللازم؟”
“…”
فهمتُ مقصده، لكنني لم أملك حيلةً أمام ذلك. كانت الندامة تطاردني بسبب تصرفاتي، فاكتفيتُ بتضميد جرحه دون رد.
“هل تعودتِ لوم نفسكِ هكذا؟”
همس الماركيز كأنه يحدث نفسه. ضممتُ شفتيّ وأطرقتُ بنظري، لكن صوته تبعني سريعًا.
“همم… لمَ يا تُرى؟ كان بإمكانكِ أن تتغطرسي، لكنكِ لا تفعلين.”
“ما… معنى ذلك؟”
“أأخبركِ؟”
لكن تجاعيد صغيرة ظهرت بين حاجبيه. بدا وكأنه يتظاهر بعدم الألم، لكنه لم ينجح في إخفاء تعابيره تمامًا. كيف له أن يكون بخير وجرحٌ يخترق جنبه؟
“هل… يؤلمكَ كثيرًا؟! هل أنتَ بخير؟”
“هذا جزءٌ منه. أنتِ لطيفةٌ، لورا.”
“ما الذي تقصده حقًا؟”
“…”
لاحظتُ جفنيه يهبطان ببطء. ربما أنهكه فقدان الدم. انتابني خوفٌ مفاجئ. إن أغمض عينيه الآن، قد لا يفتحهما مجددًا. دون وعي، أمسكتُ وجهه وحدقتُ في جفنيه المرتجفة.
“سيدي الماركيز، هل تشعر بالنعاس؟ تحدث إليّ قليلاً.”
ابتسم بخفة ونظر إليّ، ثم أمسك يدي وسحبها للأسفل بهدوء.
“الاقتراب أكثر قد يكون خطرًا. أنا بخير، متعبٌ فقط، لكن لستُ ناعسًا.”
“هذا مطمئنٌ إذن…”
زفرتُ بهدوء وجلستُ أمامه. تبعتني عيناه العميقتان كالغابة، راقبني لحظة، ثم تكلم مجددًا.
“نواصل الحديث؟ لقد قلتُ إنكِ لطيفة، أليس كذلك؟”
“…”
“رؤيتكِ تثير أفكارًا كثيرة. أعتقد أن ذلك رائعًا… مسؤوليتكِ في تربية أربعة إخوةٍ صغارٍ، وذكاؤكِ في مساعدة الدوق سريعًا. أنا… لا أجيد ذلك. المسؤولية تجاه أخي، ومنذ صغري كنتُ بطيئًا في التعلم.”
“آه… همم…”
كان وابلًا من المديح المفاجئ، لم أفكر فيه من قبل. شعرتُ بالحرج، ففركتُ خدي ورددتُ متلعثمة.
“الأمر العظيم هو عمل الدوق في الشؤون الإمبراطورية، وقيادتكَ للفرسان. هذا أعظم بكثير.”
“هاها، بالطبع هناك مهارة، لكنها أيضًا امتياز عائلةٍ صنعت اسمها في الحرب. الحظ ساعدني منذ ولادتي أكثر.”
ضحك ردًا على كلامي. وضعتُ وجهي على ركبتيّ المرفوعتين، شعرتُ بحرارةٍ في وجهي. أن يرى جانبًا مني لم ألحظه كان كافيًا ليثيرني.
خارج الكهف، كان صوت المطر يتردد، والريح الباردة تهز جسدي. شعرتُ برغبةٍ طفوليةٍ في نفي كلامه، رغم سخرية ذلك.
“أنتَ فقط تواسيني، أليس كذلك؟ أول مرة أسمع هذا في مجتمعٍ طبقي.”
“تتحدثين كمن عاش في عالمٍ بلا طبقات.”
“…”
كان صوته ينخفض أحيانًا من الألم، لكنه ظل رقيقًا. سحرني هدوؤه، فكتمتُ شفتيّ وغيّرتُ الموضوع.
“هل يعرف الدوق أننا هنا؟”
“الأرض طينية بسبب المطر. إن كانت آثار الخيول واضحة، قد يتبعها.”
“هذا مطمئنٌ إذن…”
أومأتُ برأسي، تخيلتُ الدوق والكاهن يبحثان عنا. تمنيتُ لقاءهما سريعًا، لكن دون إثارة قلقهما كثيرًا.
شوااا─
استمر المطر دون توقف. قضينا أنا والماركيز الوقت في الكهف بهدوء، لكن الدوق لم يظهر. برد الجو أكثر، واشتدت الريح.
“سيدي الماركيز، ألا تشعر بالبرد؟”
التفتُ إليه وسألتُ.
“حقًا، الجو قارس.”
فرك ذراعيه بيديه. بدا جلده شاحبًا جدًا. يبدو أنني تركتُ المريض في البرد طويلاً.
“انتظر قليلاً! لم أشعل نارًا في البرية من قبل، لكن قرأتُ عنها. سأحاول!”
نهضتُ وبدأتُ أجمع الأوراق المتساقطة في الكهف. لم أكن واثقة، لكنني أردتُ المحاولة. بينما كنتُ أنتقي الأغصان الجافة، ظهر أرنبٌ يقفز فجأة.
“أوه؟ أرنب؟”
مددتُ يدي نحوه دون تفكير، لكنها اخترقته ولامست الأرض. يا إلهي، شبحٌ آخر.
‘هل كان هذا ملتصقًا بالماركيز أيضًا؟’
بينما أرمش مرتبكة، قفز الأرنب مارًا بي نحو مدخل الكهف، ثم اختفى في الأعشاب الكثيفة.
“أوه؟ يخرج في المطر… الأرانب ضعيفةٌ أمامه، لكنه روح، فلا بأس…؟”
لم أعره اهتمامًا، وواصلتُ جمع الأغصان. الأرنب لم يكن مهمًا الآن، بل ترك الماركيز هكذا.
“كياااك─”
فجأة، دوى صوتٌ كحكة حنجرةٍ خلفي، أصبح مألوفًا تقريبًا. التفتُ متوترةً إلى الماركيز.
كان بجانبه كائنٌ مشوهٌ من الحيوانات مجددًا، بصورةٍ مختلفة: رأس أرنبٍ بأذنين طويلتين فوق جسدٍ ضخم، وأرجل أيلٍ متدليةٌ من صدره.
شعرتُ كأنني سأفقد الوعي، لكنني تماسكتُ وهرعتُ نحوه، خشية أن يؤذيه الشبح.
“لورا! لا تقتربي، ابقي هناك!”
أشار الماركيز لأتراجع وصاح. توقفتُ مكاني. أخرج سيفًا قصيرًا من خصره وحدق في مدخل الكهف.
“غرررر─”
دوى هديرٌ منخفض، مختلفٌ عن أصوات الأشباح. ظهر دبٌ ضخمٌ من الأعشاب التي اختفى فيها الأرنب، يتجاوز طول رجلٍ بالغ، ينظر حوله بوجهٍ شرس.
“آه!”
كتمتُ صرخةً بيدي. انتشرت القشعريرة في جسدي، ودوار الخوف أربكني. لكن الماركيز ظل هادئًا، ينظم أنفاسه.
“لورا، تراجعي بهدوء.”
“ماذا؟ وأنتَ؟”
“لا بأس، تراجعي سريعًا.”
تراجعتُ ببطء، أنظر تارةً للدب وتارةً للروح. لحسن الحظ، لم يبدُ الدب راغبًا في إيذائنا. هبط على أربعٍ، وحدق في الماركيز كأنه يحلل الموقف.
“كياااك─”
لكن الروح كانت المشكلة. أطلقت صرخةً غريبةً واندفعت نحو الدب، مع هبوب ريحٍ عاتية.
“غررررر─”
بدت كأنها أثارت الدب. رفع قدميه الأماميتين، وهوى نحو الماركيز.
“سيدي الماركيز!”
اندفعتُ نحوه دون تفكير. ركضتُ غريزيًا، وإن كنتُ أعلم عجزي. لكن فكرة موته دفعتني، ودموعٌ غشّت عينيّ.
بانج—
دوى طلقٌ ناريٌ من مكانٍ ما، وتساقطت الدموع، فاتضحت الرؤية. تعثر الدب، لكنه لم يسقط، وقرب خطوةً من الماركيز.
“غرررر─”
زأر وفتح فمه نحوه. طعنه الماركيز في رقبته بسرعة، فتدفق الدم، يلطخ وجهه بالأحمر.
بانج—
بانج—
توالت الطلقات.
“غرررر─”
تلوى الدب بألم، ثم استدار نحوي.
“لورا!”
ركض الماركيز إليّ، دفعني للأرض بذراعه الواحدة. مرت مخالب الدب فوق كتفه، ثم دوى “كوونغ”. التفتُ ببطء، فرأيتُ الدب ساقطًا، يتأوه بألم.
التعليقات لهذا الفصل " 83"