“هاها، يبدو أنني أقول أشياء غريبة. ربما بسبب التعب، أتكلم بلا وعي أثناء النعاس.”
نظر إليّ وأنا أعض شفتي مترددة، ثم تحدث. هززتُ رأسي نافيةً بسرعة. ألم أكن قد شاركته أنا أيضًا أمورًا شخصية في يوم المهرجان؟ لذا فهمتُ شعوره. كان بحاجةٍ إلى من يبوح له بما في قلبه.
“لا، سيدي الماركيز. أنا أيضًا تحدثتُ عن نفسي في المهرجان… تلك الشكاوى الشخصية. أعتقد أن البوح للآخرين قد يجلب الراحة أحيانًا. إن كنتَ تشعر بذلك، فلا تتردد في مشاركتي أي شيء. قد لا أجيد المواساة، لكنني مستمعةٌ جيدة.”
“حقًا؟ شكرًا لقولكِ هذا. إذن، سأستعير أذنيكِ عندما أحتاج مساعدة. أليس كذلك؟”
ابتسم لي بلطف، ثم مد يده نحوي.
“هل تساعدينني على النهوض؟ أنا متعبٌ وأحتاج إلى مساعدة.”
أمسكتُ به فورًا وساعدته على الوقوف. ظل يحدق بي طوال الوقت، حتى نهض تمامًا، ثم تكلم مجددًا.
“لندخل الآن.”
توجه الماركيز بعدها إلى مكتب الدوق للقائه، بينما عدتُ إلى غرفتي واستلقيتُ على السرير. سرعان ما بدأ النعاس يغزوني. مؤخرًا، أنام مبكرًا، ربما لأنني اعتدتُ العودة إلى غرفتي فور انتهاء العمل.
كو دانغ تانغ─
كنتُ أغمض عينيّ ببطء عندما دوّى صوتٌ صاخبٌ من خارج الباب.
“ما هذا؟”
شعرتُ بالدهشة، لكنني لم أخرج لأرى. كنتُ متأكدةً أن شين هي من تثير الضجة كعادتها
كو دانغ─
“شين، هذا الفتاة… لمَ هي عابسٌة جدًا اليوم؟”
ضيّقتُ حاجبيّ وأنا أفكر، لكن التعب غلبني، فغرقتُ في النوم بسرعة، وابتعدتْ الضوضاء تدريجيًا في غفوتي.
***
في اليوم التالي، دخلتُ مكتب الدوق للعمل. لكنني وجدتُ الدوق والماركيز جالسين على الأريكة بوجهين شاحبين، وأكتافهما متراخية كأنهما استنزفا تمامًا.
“ما… الذي حدث؟”
سألتُهما وأنا أشعر بالارتباك. رفع الدوق رأسه ببطء نحوي. لاحظتُ ظلالًا سوداء تحت عينيه، علامات إرهاقٍ كانت قد اختفت منذ زمن.
“هذا الفتى.”
رفع يده ببطء وأشار إلى الماركيز. تبعتُ إشارته بنظري.
“هناك شيءٌ ما معه. روحٌ لم أرَ مثلها من قبل ملتصقةٌ به.”
تابع الدوق. التقى نظري بعيني الماركيز، الذي كان محاطًا بهالاتٍ داكنة أيضًا. رمشتُ بعينيّ وقلتُ مرتبكة:
“ماذا؟”
تذكرتُ يوم المهرجان، عندما شعرتُ بقشعريرةٍ منه. ربما كانت تلك أثرًا لروحٍ ما.
يا إلهي…
شعرتُ بالحيرة. إن كانت تلك الروح شريرة، فستكون مشكلةً كبيرة.
“كيف… بدت تلك الروح؟”
حولتُ نظري إلى الدوق وسألتُ. فرك جبهته كأن رأسه يؤلمه، ثم تكلم.
“…كانت عدة حيواناتٍ متشابكة.”
“ماذا؟ متشابكة؟ هل تعني أن الأرواح كانت مختلطة؟”
“نعم، رأس أيلٍ ورأس دبٍ جنبًا إلى جنب، وجسدٌ مغطى بفراءٍ أحمر داكن متشابك، مع رأسٍ يشبه الأرنب مقلوبًا عند الأضلاع. كان يمشي على ساقين، وفي مكان الذراعين جناحٌ مكسور الريش…”
“…”
ما هذا بحق خالق السماء؟!
رأيتُ أرواحًا كثيرة، لكن لم أسمع بمثل هذا من قبل. مجرد التخيل كان كافيًا ليثير القشعريرة والرعب. شعرتُ بالامتنان لأنني لم أره بنفسي.
“لحظة، تلك الروح.”
تدخل الماركيز فجأة في حديثنا. فرك ذقنه كأنه يفكر، ثم أومأ وأضاف.
“…أعتقد أنها نفس الكائن الذي رأيته في حلمي.”
“ماذا؟”
رددتُ ببلاهة. بدا الأمر كفرضيةٍ سيئة أردتُ تجاهلها. تصلب وجه الدوق كأنه يشاركني الفكرة، لكن كان علينا التأكد. إن كانت تخميناتي صحيحة، يجب أن نتصرف فورًا.
“سيدي الماركيز، الحلم… هل تقصد الكوابيس التي تراها باستمرار؟”
“نعم. ليست الصورة واضحة في ذاكرتي، لكنني متأكد أن ما يطاردني مزيجٌ من حيواناتٍ مختلفة، مرعبةٌ أكثر من العادية. في الحلم، كنتُ أعتقد أن القبض عليّ يعني الموت.”
“إذن، هذا…”
روحٌ شريرة. لا شك في ذلك. إن كانت تتجاوز الوجود البسيط وتؤذي شخصًا، فهي كذلك.
نظرتُ إلى الدوق بسرعة. أجاب أنه سيتصل بالمعبد فورًا.
***
في تلك الليلة، زار كاهنٌ مألوفٌ كيرفرشالدن. طردتُ إلى غرفتي لأن مواجهة الأرواح ليست في صالحي.
“تفّ! يستبعدونني وحدي… في هذا العمر، الحظر مزعجٌ جدًا! ألستُ شبه خبيرةٍ في هذا المجال؟!”
لم أكن أرغب حقًا في مواجهة روحٍ مخيفة، لكنني كنتُ فضوليةً لمعرفة ما إذا كانت الروح س تُطرد. لن أطمئن إلا برؤيتها تتفتت وتتلاشى.
“هل أتسلل لأرى ما يحدث؟”
جلستُ على حافة السرير أفكر، لكنني هززتُ رأسي وغيّرتُ رأيي.
“لا… كفى. تلك الروح المرعبة لا أريد رؤيتها. ستكون مخيفةً بلا شك. مع الكاهن، لا داعي للقلق الزائد. سأنام، وعندما أستيقظ، ستكون الروح قد طُردت…”
استلقيتُ على السرير، وأغمضتُ عينيّ وأنا أصلي في سري لسلامة الماركيز.
في اليوم التالي، عندما وصلتُ إلى المكتب، واجهتني مفاجأة. كان الدوق والماركيز ممددين على الأريكة، أكثر إرهاقًا من البارحة. خرجتُ من الغرفة بهدوء إلى المطبخ، وحضّرتُ الشاي، ثم عدتُ.
وضعتُ أكواب الشاي والإبريق على الطاولة، فرفع الرجلان أجسادهما بنعاسٍ، وأمسكا الأكواب بوجوهٍ شاحبة.
“…لم نتمكن من طرد تلك الروح.”
بعد رشفةٍ من الشاي، تكلم الدوق أولًا.
“والكوابيس لم تنتهِ.”
أضاف الماركيز.
“ماذا؟ لماذا؟”
جلستُ في مكانٍ فارغٍ على الأريكة وسألتُ. لم أفهم لمَ عجز الكاهن عن طردها.
هل لم تكن روحًا شريرة؟
سمعتُ أن الأرواح غير الشريرة لا تُطرد، لكن ذلك مستبعد. كانت شريرةً بلا شك، وإلا لما عذبت الماركيز في أحلامه.
أم أنها قويةٌ لدرجة لا تُطرد؟
لا، هذا أيضًا غير مرجح. أرواح الحيوانات نقية، تُفارق الأرض فور موتها، ولا تملك قوةً كبيرة، فلا يصعب طردها.
“…كثيرةٌ جدًا.”
أجاب الدوق، وكدتُ أكسر الإبريق.
“ماذا؟”
“الأرواح المتشابكة كثيرةٌ جدًا، لا يمكن طردها واحدةً تلو الأخرى. قد يحاولون، لكن قد يستغرق ذلك أشهرًا أو سنوات.”
تذكرتُ وصف الدوق للروح: حيواناتٌ متشابكة. لكنها كانت خمسة أو ستة فقط، عددٌ يمكن التعامل معه رغم الصعوبة.
إذن، هل…؟
خطر لي تخمينٌ مخيف، فسألتُ بحذر.
“…هل كانت الأرواح أكثر مما تُرى؟ ربما متشابكةٌ مع أشكالٍ غير واضحة… أليس كذلك؟”
“نعم، قال إن هناك أكثر من مئة روحٍ داخلها.”
“ماذا؟ أكثر من مئة؟!”
“وليست كلها شريرة. ضغائن صغيرة تجمعت لتشكل هذا الحجم.”
يا إلهي… كان الوضع أسوأ مما تخيلتُ. نظرتُ إلى الماركيز بحيرة، فبدت ملامحه مثقلةً بالإرهاق، كأنه سينهار. شعرتُ بالأسى، ولم أستطع تركه هكذا.
“…ألا توجد طريقةٌ أخرى؟”
سألتُ الدوق مجددًا. فكر قليلًا ثم تكلم ببطء.
“حسنًا… تذكرتُ أن الكاهن قال شيئًا. الأرواح تدفع بعضها بعضًا، فتمر عبر الأشياء والأشخاص في هذا العالم، لكنها لا تختلط ببعضها. ربما هناك من جمعها قسرًا. قد يكون هذا مفتاح الحل…”
“همم… إذن، العثور على ذلك الكائن هو الأساس.”
“صحيح، يجب أن نرجع إلى اللحظة التي التصقت فيها الأرواح ببينات.”
كان ذلك في المهرجان بلا شك. وبما أنها أرواح حيوانات، فمن المحتمل أنها تبعته من غابة الصيد.
“إذن، يجب العودة إلى أرض الصيد. بدأتُ أرى الكوابيس منذ المهرجان.”
أضاف الماركيز، ويبدو أنه توصل لنفس الاستنتاج. يبدو أننا سنعود إلى الجنوب مجددًا.
التعليقات لهذا الفصل " 80"