ارتديتُ أكثر الثياب رزانةً من بين تلك الموضوعة في خزانتي. في الحقيقة، كان الزي الأسود الوحيد بين مجموعةٍ قليلةٍ من الملابس الرسمية، لذا ربما يكون وصف “اخترتُه” مضحكًا بعض الشيء.
على أية حال، رتّبتُ ياقة القميص القديم الذي تجاوزته الموضة منذ زمن، وأغلقتُ أزراره حتى أعلى العنق، ثم حملتُ باقة الزهور البيضاء التي اشتريتها مسبقًا بالأمس.
خرجتُ من الغرفة، فوجدتُ شون واقفة أمام الباب.
رفعت الطفلة عينيها نحوي بنظرةٍ مليئة بالتوقّع، كأنها تتطلع إلى شيءٍ ترجوه. ربما جاءت لتلعب معي، لكن للأسف كان عليّ الذهاب إلى مكانٍ آخر.
“شون، لا أستطيع اللعب معك اليوم. عليّ الذهاب إلى مكانٍ ما.”
“إلى أين أنتِ ذاهبة، أختي؟”
“سأذهب إلى جنازة.”
“جنازة؟ لماذا؟ لماذا؟”
“حسنًا… تذكرين القط الذي أحضرته؟ أعني القط الحي، وليس الروح.”
“نعم!”
“إنها جنازة صاحبه.”
“آه… فهمتُ.”
رمشت الطفلة بعينيها وأجابت. على الرغم من أنني أخبرتها أنني لن ألعب معها، بدا -لحسن الحظ- أنها لم تتضايق.
“أختي، لكن ألن تأخذي القط معكِ؟”
سألتني شون دون أن ترفع عينيها عني.
“ماذا؟ القط؟”
“ألم تكوني ذاهبة إلى جنازة صاحبه؟ إذن يجب أن تأخذيه معكِ!”
“آه… هل تعتقدين ذلك؟”
في الحقيقة، كنتُ قد فكرتُ مليًا في أمر أخذ القط معي، لكنني استقريتُ أخيرًا على أن تركه سيكون أفضل. ألم نكن قد ودّعنا صاحبه وهو حيّ بالفعل؟
“نعم، يجب أن تأخذيه، يجب!”
لكن شون كانت تحمل رأيًا مختلفًا عن رأيي.
“يجب حقًا؟”
“نعم! بالطبع. إنها جنازة صاحبه، فكيف لا يذهب؟!”
“هل ترين الأمر هكذا؟”
“نعم! نعم! لذا يجب أن تأخذيه معكِ.”
توقفتُ للحظة أفكر في نبرتها الحازمة التي شدّدت على كلمة “يجب”. كان ثباتها وثقتها كافيين لإقناعي تقريبًا.
‘حسنًا…؟ ربما يكون كما قالت شون، إنها جنازة صاحب القط بعد كل شيء.’
لم أكن متأكدة تمامًا، لكن منذ اللحظة الأولى التي التقيا فيها، ربما مرّ ذلك القط وصاحبه بالكثير معًا.
وكلما طالت ذكرياتهما في الحياة، كلما احتاج القط إلى وقتٍ أطول لتوديع صاحبه أخيرًا.
“حسنًا، سآخذه معي.”
غيّرتُ رأيي الأولي وأخبرتُ شون بذلك. مررتُ بجانب الطفلة التي ردّت بـ”نعم!” مختصرة، وسرتُ في الرواق. ط
وعندما وصلتُ إلى الممر الذي تصطف فيه غرف الخادمات، لمحتُ سونيا تخرج فجأة من إحداها.
“أوه؟ لورا، هل انتهيتِ من التحضير بهذه السرعة؟”
ما إن رأتني حتى رحّبت بي بحرارة، وهي ترتدي زيًا أسودًا كاملاً من الأعلى إلى الأسفل.
“نعم، سونيا. هل تعرفين أين القط الآن؟ أريد أخذه معي.”
“أوه؟ ألم تقولي إنكِ لن تأخذيه؟”
“غيّرتُ رأيي. بعد انتهاء الجنازة، سينتهي كل شيء حقًا. لذا فكرتُ أن أخذه للمرة الأخيرة لن يكون سيئًا.”
“حسنًا… جيد. خذيه معكِ. أعتقد أنه في غرفة آن. قالت مومو أنه جعل غرفة آن منطقته الخاصة، وينام هناك دائمًا.”
يبدو أن سونيا قد أطلقت على القط اسم “مومو” بالفعل. “مومو”، يا لها من تسميةٍ لطيفة.
على أي حال، أمسكتْ بذراعي على الفور وقادتني إلى غرفة آن. ثم طرقت الباب بيدها الأخرى مرتين. لم تمضِ لحظات حتى انفتح الباب على شكل قوس.
“مرحبًا، يا فتيات. ما الأمر؟”
ظهرت آن وهي تترنح كمن لم تستيقظ بعد، تلوّح بيدها ببطء.
“آن، مومو هنا، أليس كذلك؟ نريد أخذ مومو معنا.”
“تأخذينه؟ آه، اليوم هو يوم الجنازة الذي ذكرتِه؟ لكن تشوكو نائم الآن.”
هذه المرة كان “تشوكو”. يا إلهي، يبدو أن اسم القط لم يُوحَّد بينهن بعد. لم أستطع إلا أن أفكر بمدى عشوائية صديقاتي.
في تلك الأثناء، فتحت آن الباب أكثر لتُظهر الغرفة. كان هناك وسادة مُعدّة للقط في زاوية الغرفة. وعلى عكس ما قالت آن عن نومه، قفز القط من مكانه واقترب منا بخطواتٍ واثقة.
“أوه؟ استيقظ؟”
تنحّت آن خطوة لتفسح له الطريق وسألت.
“مياو─”
تجاهلها القط ببساطة واقترب مني، بدأ يدور حول قدميّ دائريًا.
“انظري إلى تشوكو. هذا الصغير يحب لورا كثيرًا. أنا من يوفر له مكان النوم…”
“وأنا من أحضرت له كمياتٍ هائلة من الطعام!”
نظرتا آن وسونيا إلى القط وهما تتذمران بصوتٍ ممتلئ بالضيق.
شعرتُ بفخرٍ خفي ورفعتُ زاوية فمي قليلاً. يا للعجب، لم أفعل الكثير، لكن هذا الصغير يفضلني أكثر من غيري. لم أكن أعلم، لكن يبدو أنني كنتُ محبوبةً حتى من القطط.
“حسنًا، على أي حال، هيا بنا. مومو، اتبعني.”
أمسكت سونيا بالقط ورفعته بين ذراعيها.
“آن، ليس لدينا وقت، سنذهب الآن.”
ثم التفتت إلى آن وقالت.
“حسنًا، عودا بخير.”
أجابت آن.
“تشوكو، ودّع صاحبك جيدًا.”
ثم أمسكت بقدم القط الأمامية وهزّتها مرتين كتحيةٍ له.
بعد ذلك، خرجنا معًا من القصر، وسِرنا جنبًا إلى جنب عبر الطريق الممتد في الحديقة. وخلال ذلك، كانت سونيا تداعب ظهر القط بحنان بيدها.
“سونيا، لم يكن عليكِ تغيير يوم إجازتكِ أيضًا… هل أنتِ متأكدة أن ذلك لا يزعجكِ؟”
“نعم. حسنًا… أنتِ تعرفين أنه ليس شخصًا نعرفه جيدًا، لكنكِ تهتمين بهذا الأمر وتذهبين. أنا أيضًا كذلك. وأيضًا، بما أنه بلا عائلة، ربما لا يحضر أحد جنازته. لديّ على الأقل صلة بأنني من أوصلته إلى المستشفى، لذا أردتُ أن أودعه مستخدمةً هذه الصلة كذريعة.”
أجابت سونيا وهي تحدق في القط. ربما كانت ألطف مما توقعت.
“أفهم.”
نظرتُ إلى وجهها الجانبي المبتسم، ثم أعدتُ بصري إلى الأمام. لمحتُ في الزاوية مكانًا تظهر فيه قطة شبحية، حيث النعناع البري الذي لا يتناسب مع تنسيق الحديقة. كان البستاني قد أخذ الوعاء المتروك هناك وزرعه في الأرض.
‘كنتُ منشغلةً ونسيتُ، لكن يجب أن أساعد تلك القطة الشبحية على الصعود قريبًا… آه، يبدو الأمر بعيد المنال. وعدتُ ألا أفعل ذلك، لكن في مثل هذه الحالة، ربما يكون التلبّس هو الحل الوحيد…’
لم أجرب التلبّس بحيوانٍ من قبل، لذا لم أكن متأكدة إن كان ذلك ممكنًا. لكن في مثل هذه اللحظات، بدا أن قراءة الذكريات هي الخيار الوحيد.
‘ماذا أفعل…؟’
“لكن مومو، رغم مظهره الشرس، يحب الناس كثيرًا، أليس كذلك؟ هذا ما يجعله أكثر لطافة.”
قاطعتني سونيا فجأة. فأزحتُ حفنةً من الهموم التي كانت تملأ ذهني، راغبةً في حل المشكلة الأقرب أولاً.
“… لكن هذا الصغير، ما اسمه الحقيقي؟ لا تكونوا قد أعطيتموه أسماءً مختلفة كل واحدة منكن؟”
***
في المقبرة، شعرتُ ببرودةٍ مخيفةٍ تليق بمكانٍ يُدفن فيه الموتى.
كانت الشمس مشرقةً، فلم تظهر أشباحٌ مرئية، لكن وجود شيءٍ ما كان واضحًا. يبدو أن أرواحًا لم ترتقِ بعد كانت لا تزال متخلفة هنا.
“لورا، ما بكِ؟”
التفتت سونيا إليّ وأنا ألتصق بها، وسألتني.
“أوه؟ لا شيء…”
“إذن لماذا أنتِ هكذا؟”
“أ… حسنًا… هذه مقبرة، قد تظهر الأشباح.”
أمسكتُ ذراعها بقوة أكبر وأجبتُ. كنتُ قد تطوعتُ بحماس لحضور الجنازة، لكن عندما وصلتُ إلى المقبرة، شعرتُ بقلبي ينقبض من التوتر.
“يا لها من فتاة، في وضح النهار؟ تعانقني.”
ضحكت سونيا بخفة وسحبت ذراعها التي كنتُ أتشبث بها إلى الأمام. هرعتُ خلفها كي لا أفقدها.
لكن سونيا لم تكن تعلم. وبالطبع، لأنها لا ترى، فمن الطبيعي ألا تعرف. ليست الأشباح كما في القصص الشعبية تظهر فقط ليلاً. فالأرواح ذات الطاقة الهائلة قد تبرز فجأة حتى في عز الظهيرة. إن كانت كشون، مجرد شبحٍ مرحٍ، فذلك حسنٌ، لكن هناك أرواحًا شريرةً تحمل ضغينةً عميقة، وهذا ما كنتُ أخشاه.
“أين سيُدفن ذلك الرجل؟”
تقدمت سونيا أمامي وسألتني. أخرجتُ رأسي من خلف كتفها وبدأتُ أتفحص المكان.
“هناك تجمّع من الناس. يبدو أن ذلك هو مكان الدفن.”
أشرتُ إلى الجهة اليمنى. كان هناك بضعة أشخاص يحفرون الأرض بالمعاول. توجهنا إلى هناك مباشرة، وبحثنا عن مكان صاحب القط باستخدام رقم المريض من المستشفى.
“ها هو.”
أشارت سونيا إلى مكانٍ به حفرة صغيرة تكاد تتسع لشخصٍ واحد. وبجانبها، جثة ملفوفة بقماشٍ أبيض. لم نحتج إلى تفسيرٍ لنعرف أنها جثة ذلك الرجل، صاحب القط.
شعرنا بجوٍ من الخشوع وانتظرنا بهدوء بدء الجنازة. كان القط هادئًا في حضن سونيا، لكنه ما إن بدأوا بدفن الرجل في الأرض حتى بدأ يتململ ويقفز من ذراعيها، محاولاً حفر التراب بقدميه الصغيرتين.
“لا، لا تفعل ذلك.”
رفعته سونيا بسرعة وهي مصدومة.
“مياو، مياو─”
احتج القط بمواءٍ متمرد. كأن غريزته الحيوانية أخبرته أن شيئًا ما ليس على ما يرام. ربما شعر أن تلك الكتلة الملفوفة بالقماش الأبيض هي صاحبه.
في تلك الأثناء، كانوا ينصبون شاهدةً للقبر. شاهدة صغيرة خشنة، محفورٌ عليها سنة وفاة الرجل فقط، كأدنى علامةٍ تشير إلى أن أحدًا دُفن هنا. شعرتُ بمرارةٍ خفيفة ووضعتُ باقة الزهور البيضاء التي أحضرتها أمام الشاهدة، داعيةً في سري أن يُعاد بعثه في مكانٍ طيب.
“مياو─”
واصل القط المواء. كانت سونيا تمسك بقوة بأرجله الأربعة التي تتخبط في الهواء.
“لورا، هيا نذهب.”
قالت سونيا بتعبيرٍ مرتبك، وكأنها لا تعرف كيف تتعامل مع ردة فعل القط الشديدة.
“… حسنًا.”
لم يكن هناك ما يُضاف إلى الجنازة على أي حال. فالطقوس التقليدية لن تُقدَّم لرجلٍ كان مجرد شخصٍ من الشارع.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 53"