I got a job in a haunted mansion - 36
الفصل الرابع: العودة إلى البيت
في طريق عودتنا إلى كيرفرشالدن، توقفنا عند مطعم شهير في الجوار. تبادل أفراد عائلة الدوق الأحاديث فيما بينهم، متخلصين من أعباء الرحلة الطويلة، بينما اضطررتُ أنا إلى قضاء وقتٍ غير مريح بعض الشيء، إذ وجدتُ نفسي جالسةً على طاولة واحدة مع الدوق، كمن يجلس مع أعلى رؤسائه في العمل.
“يبدو أنكِ مررتِ بمواقف صعبة هذه المرة.”
كسر الدوق صمتًا قصيرًا بهذه الكلمات. كعادته، كان صوته هادئًا، لكنني شعرتُ بقلق خفي يتسلل بين حروفه. لذا، استبعدتُ من ذهني أي جملة قد تزيد من همومه.
“مع ذلك، أعتقد أن من حسن الحظ أن تلك الخادمة قد ارتحلت إلى العالم الآخر. لم تتحول إلى كيان شرير.”
ثم قطعتُ قطعة من اللحم، ووضعتها في فمي، مقدمةً إجابةً موجزة ومرتبة.
‘مهلاً… هذا لذيذ جدًا؟!’
لم يخب ظني في شهرة المكان، فقد كان الطعام يستحق اسمه حقًا. سرعان ما تلاشى تركيزي على حواري مع الدوق، وانشغلتُ بتذوق اللحم الذي يذوب على لساني.
“هل أنتِ بخير؟”
“…أنا؟”
فاجأني سؤاله المفاجئ، فابتلعتُ ما كنتُ أمضغه بسرعة، ورفعتُ عيني إليه متفاجئة. كان ينظر إليّ بعينين هادئتين كالماء الساكن.
“لو لم تدخلي كيرفرشالدن، لما اضطررتِ لخوض كل هذا.”
“هذا صحيح، لكن…”
بالطبع، عندما سقط أدرين مسمومًا، ووجه فرسان الماركيز سيوفهم نحوي، شعرتُ أن قلبي يكاد يتوقف من الرعب. لكنني، في قرارة نفسي، كنتُ واثقةً أن الأمور ستكون على ما يرام، وذلك لأن الدوق كان حاضرًا هناك. والنتيجة؟ ها أنا ذي سليمة تمامًا. لذا، لا شيء يدعو للقلق.
“لم يحدث شيء خطير.”
هززتُ كتفي بلامبالاة، ثم رفعتُ الشوكة مجددًا لأغرسها في قطعة اللحم المقطعة.
فجأة، خطرت لي فكرة: متى أصبحتُ معتادةً إلى هذا الحد على مساعدة أشباح كيرفرشالدن للارتقاء؟ في البداية، عندما علمتُ بوجود الأشباح هناك، كان كل ما يشغلني هو الهروب. ورغم أنني لا زلتُ أخافها، لم يعد لدي رغبة في مغادرة المكان.
لماذا؟ لمَ أطيل البقاء في كيرفرشالدن، تلك الأرض المسكونة بالأشباح المرعبة، أكثر مما خططتُ؟
طق… أعدتُ الشوكة إلى الطبق، ورفعتُ عيني نحو الدوق. كانت عيناه الزرقاوان، كالماء الهادئ، تتماوجان برفق كأن فيهما موجات خفيفة. ربما تكمن الإجابة هنا.
“سيدي الدوق، في الحقيقة، كنتُ أنوي في البداية العمل فقط بما يكفي لتسديد الدفعة المقدمة من راتبي، ثم أترك الوظيفة.”
“…”
“لكنني لم أعد أرغب في ذلك. لقد التقيتُ بأناس رائعين في عائلة الدوق، وكونتُ صداقات… صحيح أن الأشباح لا تزال تثير رعبي، لكنها ليست بتلك الشراسة الوحشية. وأيضًا… الراتب السخي يغطي كل ذلك. أحب الوضع الآن بما يكفي لأتغاضى عن تلك الأمور. لذا، أنا بخير.”
كانت تلك مشاعري الصادقة. منذ دخولي قصر الدوق، واجهتُ أيامًا مخيفة، لكنها جعلت حياتي أكثر رخاءً. والأهم، أنني أستطيع إرسال نفقات كافية لأشقائي دون أن ينقصهم شيء، وهذا شعور لا يضاهيه شيء.
“حسنًا.”
ابتسم الدوق ابتسامة خفيفة وهو يجيب.
“… أم… سيدي الدوق، لدي طلب واحد.”
نظرتُ إليه بحذر، ثم فتحتُ فمي مجددًا.
“ما هو؟”
“أود… أن أمر بمنزلي قبل العودة. أريد أن أرى كيف حال أشقائي.”
لم يكن منزلنا بعيدًا جدًا من هنا، قصر هاين الذي يحمل اسم عائلتنا. لذا، أردتُ استغلال الفرصة لأخذ إجازة وأزور أشقائي. كنتُ أطمئن عليهم عبر الرسائل باستمرار، لكن رؤيتهم بعيني شيء مختلف تمامًا. والأهم، اشتقتُ إليهم، بهذه البساطة.
“ليس صعبًا. سأرتب ذلك.”
لحسن الحظ، جاء رده موافقًا. ما إن سمعتُ تأكيده، شعرتُ بقلبي يخفق من الفرح، وعيناي تتسعان تلقائيًا.
“نعم! نعم! شكرًا جزيلًا!”
‘رائع! كنتُ قلقة جدًا بشأن كيفية تعايشهم بمفردهم…’
“بالمناسبة، ألم تذكري أن لديكِ العديد من الأشقاء؟”
سأل الدوق وهو يواصل تناول طعامه.
“نعم! صحيح. أربعة. ولدان وبنتتان.”
“هل يشبهونكِ؟”
“أنا والثالثة متشابهتان. نحن نأخذ ملامح أمنا. أما الثاني والرابع فهما يُشبهان أبي. والصغير لا يزال صغيرًا جدًا لنعرف.”
استعدتُ وجوه أشقائي في ذهني واحدًا تلو الآخر وأنا أجيب. رغم مرور وقت طويل دون رؤيتهم، كانت صورهم لا تزال واضحة كالنور.
“لكن، سيدي الدوق، كم مرة تحدثتُ عن أشقائي؟”
“ليس كثيرًا. فقط أن لديكِ أشقاء كثيرين.”
“حسنًا، الثاني اسمه لين، والثالثة لوسيا، والرابعة روتيرا، والصغير لايان…”
تنهدتُ قليلاً وأنا أقول ذلك، ثم رفعتُ عيني إلى الدوق.
“لين صعب المراس قليلاً، لكنه طيب القلب. ويرسم بشكل مذهل رغم أنه لم يتعلم ذلك رسميًا. لوسيا ذكية ولديها ذاكرة قوية. روتيرا لا تزال صغيرة لكنها جميلة جدًا. أما لايان… فقد نجح في التقلّب بسرعة مذهلة!”
انطلق لساني كأنني كنتُ أنتظر هذه اللحظة. ربما كان الطعام اللذيذ، إضافةً إلى خبر زيارة أشقائي، قد رفع معنوياتي. شعرتُ بحماس أكبر من المعتاد، ولم أحاول كبح تلك المشاعر. دون أن أدرك، بدأتُ أسرد تفاصيل لم يطلبها.
“حقًا؟”
“نعم. أتمنى أن أعرفك عليهم يومًا ما…”
واصلتُ الهذيان حتى أدركتُ فجأة أنني وصلتُ إلى مرحلة التباهي بنجاح أخي الصغير في التقلّب. لقد انجرفتُ في الحديث بحماس مفرط، ولم أتمكن من السيطرة على نفسي. عضضتُ شفتي السفلى بخجل.
“حسنًا.”
أجاب الدوق.
“عندما نصل إلى منزلك، سأوصلكِ بعربتي، فيمكنكِ تعريفي بهم حينها.”
ثم ابتسم ابتسامة خفيفة.
لم تكن دعوتي للتعريف بهم مجرد كلام عابر، لكن رده بدا مفاجئًا بعض الشيء.
‘حقًا…’
“ستوصلني بنفسك؟”
“هنا مكان مزدحم، واستئجار عربة أجرة صعب. عادةً يتطلب الحجز قبل يومين أو ثلاثة.”
“آه… لم أكن أعرف ذلك.”
كان المكان مركزًا لتجارة المسافرين، مع ميناء للسفن وفنادق عديدة. بالطبع، الطلب على عربات الأجرة كان مرتفعًا، لكنني لم أفكر في ذلك. كل ما شغلني هو الرغبة في رؤية أشقائي بأسرع وقت.
“إذًا… أرجو أن تتكرم بذلك، سيدي الدوق.”
على أي حال، الخير فيما اختير. كان ذلك أفضل من إضاعة الوقت في البحث عن عربة أجرة.
“حسنًا، لأستدين معروفًا من الدوق هذه المرة.”
“إذًا، لننطلق غدًا مباشرة.”
“نعم، فليكن كذلك.”
أومأتُ موافقةً، ثم أنزلتُ عيني إلى طبق الطعام أمامي.
جميل. كل شيء رائع الآن. إذا استمر وضعي هكذا، فسيكون المستقبل مثاليًا.
في تلك الليلة، أقامت عائلة الدوق في نزل قريب من المطعم لقضاء الليل. استلقيتُ على السرير في الغرفة المخصصة لي، لكن الإثارة لرؤية أشقائي منعتني من النوم. قضيتُ الليل تقريبًا دون غفوة، حتى استيقظتُ صباحًا بمظهر متعب ومرهق.
“لم أنم جيدًا… قد أغفو في الطريق إلى البيت…”
رفعتُ جفني الثقيلين بصعوبة، وحزمتُ أمتعتي، ثم خرجتُ من الغرفة متثاقلة. وعندما وصلتُ إلى مدخل النزل بخطوات متعثرة، رأيتُ الدوق يتفقد العربة أمامي.
“سيدي الدوق.”
ناديته وأسرعتُ نحوه بخطوات صغيرة.
“كنتِ غارقةً في النوم صباحًا، فلمَ استيقظتِ مبكرًا اليوم؟”
“استيقظتُ باكرًا هذه المرة.”
“إذًا، لننطلق مبكرًا. إذا بدأنا الآن، سنصل بحلول المساء.”
فتح باب العربة الخاصة به، وليست تلك التي للخدم، وأشار لي بالصعود.
“العربات الأخرى ستعود مباشرةً إلى كيرفرشالدن.”
حثني على الصعود بإشارة من يده. شكرته وصعدتُ بسرعة. جلس الدوق مقابلي.
“سأعود بسرعة، فاستمتعي بوقتك مع أشقائك.”
“نعم، سأفعل.”
“سأعود بسرعة…” لمحتُ شيئًا في كلماته. أدركتُ أن الرحلة من كرينتس استغرقت أكثر مما كان مخططًا، مما ربما أخر الكثير من أعمال الدوق. كان دائمًا مشغولًا، والآن أضيف إلى جدوله توصيلي إلى منزلي، مما قد يكون قد زاد من تعقيد أموره بسببي.
“سيدي الدوق، شكرًا لأنك تتكلف عناء توصيلي.”
انحنيتُ بكل قلبي معبرةً عن امتناني العميق.
“لا شيء يُذكر.”
ضحك بخفة كأن الأمر تافه، وكان ذلك التعبير يعزز شعوري بالامتنان.
بدأت العربة تتحرك على الطريق الترابي الوعر، متأرجحةً قليلاً. راقبتُ الأشجار على جانب الطريق تتراجع بسرعة عبر النافذة، وغمضتُ عيني ببطء. كانت تلك الأشجار مألوفة، من النوع الذي ينمو في بلدتنا. بدا الأمر كأنها ستقودني مباشرةً إلى منزلي.
غمضتُ عيني وفتحتهما مجددًا. خلف الأشجار، مرت البيوت المرتبة كالمكعبات ببطء. ثم تذكرتُ فجأة أن منزلنا قديم جدًا، وليس مكانًا لائقًا لاستقبال ضيف.
والدوق، منذ ولادته وحتى اليوم، عاش في قصر فخم. ربما يشعر بعدم الراحة في منزلنا المتواضع.
“أم… سيدي الدوق، منزلنا قديم بعض الشيء…”
قلتُ ذلك بحذر، مترددةً في اختيار كلماتي.