I got a job in a haunted mansion - 34
“آه…”
أطلق أدرين آهة متألمة تخللتها معاناة عميقة، وفي اللحظة ذاتها، انفتح باب غرفة الاستقبال مصدرًا صريرًا خافتًا.
“آهـ!”
أطلقت إحدى الخادمات التي كانت على وشك الدخول إلى الغرفة صرخة حادة حين رأت أدرين ملقى على الأرض، فتهاوى جسدها من هول المشهد.
{──── ─────}
واصلت الخادمة صراخها بنبرة لم أتبين كلماتها، لكن صوتها كان كفيلًا بجذب آخرين تجمعوا على عجل نحو غرفة الاستقبال كالسيل المنهمر.
{─── ────}
ما إن وقعت أعينهم على سيدهم المضرج بدمائه، حتى عمّ الهرج والمرج بينهم؛ بعضهم رفع صوته بالصراخ، وآخرون انفجروا بالبكاء، بينما وجه إليّ أحدهم كلمات بدت كالتوبيخ الحاد. كان الجميع في حالة اضطراب وفوضى عارمة.
“يا للضجيج…”
لم يكن بوسعي فعل شيء سوى الوقوف مذهولًا وسط تلك العاصفة البشرية. وبينما أنا على تلك الحال، اقتحم فرسان القصر الغرفة مسلحين، يحيط بهم هالة من الشراسة، وما هي إلا لحظات حتى وجهوا سيوفهم نحو عنقي.
“ماذا؟ لمَ أنا؟”
انتبهت فجأة إلى أنني كنت الوحيد المتبقي في الغرفة مع أدرين، وهو الآن يرقد بجانبي غارقًا في دمائه.
“آه… هذا وضع يثير الشبهات…”
“أنا… لست أنا…”
تمتمت بصوت خافت، لكن أحدًا لم يلتفت لكلماتي، بل اقتربت نصال السيوف الحادة أكثر من رقبتي.
“ما الذي تفعلونه؟!”
في تلك اللحظة، انطلق صوت الدوق متشنجًا بالقلق. التفتُّ فرأيته يهرع نحو الغرفة بخطوات متسارعة، كما لو أن الضجيج قد جذبه وهو عابر سبيل. اقترب مني بسرعة، ثم أمسك بذراع أحد الفرسان وأنزل سيفه بعنف.
{─── ─────}
ثم استدار بجسده ليقف حاجزًا بيني وبينهم، فحجب ظهره عني رؤية الفرسان. حين تلاشت تلك الوجوه الغاضبة من أمامي، بدأ قلبي يخفق بعنف كأنه استفاق لتوه من سبات.
{─── ───}
تكلم الدوق بكلمات لم أسمعها بوضوح، فتردد الفرسان للحظة وتراجعوا خطوة إلى الوراء، لكنهم لم يُعيدوا سيوفهم إلى أغمادها.
“سيدي الدوق…”
“كفى، ابقي ساكنة.”
لم يلتفت إليّ، بل همس بنبرة منخفضة وهو يقاطع ندائي. لم يبقَ لي سوى أن أتشبث بحافة ثوبه بقوة.
{─── ─── ────}
{─── ────}
كان الناس حولنا لا يزالون يثيرون الضجيج كأسراب الجراد.
{─── ──────}
لكن، في لحظة ما، بدأ صوت السير دايلن يتسلل بين تلك الأصوات المضطربة. أطللتُ برأسي من خلف ذراع الدوق، فرأيت السير دايلن يوبخ فرسانه بعنف أمام عيني.
طنين!
ألقى الفرسان سيوفهم على الأرض في آن واحد، ثم انحنوا لنا تعبيرًا عن الخضوع، وكأن نفوذ السير دايلن هو ما أجبرهم على ذلك.
“أعتذر، لقد تجاوز فرساني حدودهم.”
تحدث السير دايلن بأقصى درجات اللباقة موجهًا كلامه إلينا.
“… افحصوا الماركيز أولًا.”
رد الدوق بصوت هادئ. عندها فقط استدار السير دايلن نحو أدرين الملقى على الأرض.
رفع السير دايلن أدرين بين ذراعيه ونقله إلى الأريكة، ثم وضع وسادة منخفضة تحت رأسه. وقف ينظر إليه بعينين تفيضان حزنًا لا يوصف وهو يلهث بصعوبة، وكأن مشاعر الأسى تكاد تفتك به. لكن، منذ لحظات فقط، كان قد آثر تقديم الاعتذار للدوق على الاهتمام بوالده الجريح. شعرت بالحيرة تجاه ذلك التصرف الغريب.
بعد قليل، هرع أشخاص بدوا كأطباء أدرين الخاصين إلى الغرفة، وبدأوا فورًا بفحص حالته وهو ممدد على الأريكة.
{─── ───}
“قالوا إنه بخير.”
نقل الدوق إليّ كلمات الأطباء، فأومأت برأسي برفق.
“ما الذي حدث بحق السماء؟”
التفت الدوق إلى السير دايلن وسأله بنبرة جادة.
“سم… يبدو أنه سم.”
أجاب السير دايلن بصوت منكسر.
“سم؟”
ارتجفتُ وأنا أردد الكلمة. السم! تذكرت فجأة أن سبب موت شبح الخادمة كان السم أيضًا. في ذكرياتها، كانت قد تناولت شايًا قدمه لها الإمبراطور، ثم سقطت ميتة على الفور، وكان السم الممزوج فيه قويًا بما يكفي ليحرق لسانها.
هل يُعقل أنها حاولت قتل أدرين بنفس الطريقة التي ماتت بها؟
لا، لا يمكن… هل من الممكن أن تؤذي شخصًا بهذا الشكل المباشر؟ إن كان الأمر كذلك، فهذا يعني أنها تحولت إلى روح شريرة بالفعل…
نظرتُ إلى شبح الخادمة في ذهول. كانت تقف بلا تعبير، ثم تلاشت فجأة كأنها لم تكن موجودة.
“لورا، هل هذا كوبك؟”
تقدم الدوق نحو الطاولة متجاوزًا مكاني، ثم سألني وهو يشير إلى كوب الشاي الذي شربت منه.
“نعم.”
أومأت وأنا أنظر تارة إليه وتارة إلى الكوب. رفع الدوق الكوب إلى فمه وأفرغه دفعة واحدة، ثم عبس قليلًا وكأنه يفكر في شيء. استدار بعدها نحو كوب أدرين، وبدأ بفحصه بعناية قبل أن يتكلم مجددًا:
“السم موجود على الحافة التي تلامس الفم. ابحثوا عن الشخص الذي أعد هذا الكوب.”
لم تمضِ لحظات حتى أُحضرت الخادمة التي حملت الشاي بناءً على أمر السير دايلن. ما إن رأته حتى ركعت وانحنت بذلّ، وبدت كأنها ستتكلم، لكن السير دايلن لم يمهلها فرصة لتبرير موقفها، بل أمر أحد فرسانه فقطعها بضربة سيف. سقطت الخادمة على الأرض بصوت مكتوم، وتجمع الدم تحتها كبركة سوداء.
لم تتمكن حتى من إطلاق صرخة أخيرة، وخرجت من فمها روح متكورة ككرة صغيرة. لقد ماتت بتلك الضربة الواحدة. عبس الدوق بشدة أمام هذا المشهد الذي يصعب استيعابه.
أما الخدم، فأزالوا جثتها بسرعة دون كلام، وأنا أنظر إلى جسدها المسحوب خارج الغرفة وأعتصر ثوب الدوق بيدي.
“أنا خائفة…”
“لورا، عودي إلى غرفتك وارتاحي قليلًا.”
أزاح الدوق يدي بحرص وهو يتكلم بنبرة هادئة. على عكسي، لم يبدُ متأثرًا بالموت الذي شهدناه للتو. هو الذي يرتعب من الأشباح، لكنه يبدو استثناءً في مثل هذه المواقف.
استأذنتُ من الحاضرين وغادرت الغرفة متجهة إلى الحجرة التي أُرشدت إليها نهارًا، ثم جلست على حافة السرير.
“السم كان على الكوب، أليس كذلك؟”
إن كان هذا سمًا حقيقيًا، فلا يمكن أن يكون عمل شبح الخادمة، وبالتالي لم تتحول إلى روح شريرة. كان ذلك بمثابة نعمة وسط النكبات.
لكن… أن يُوضع السم في كوب ربّ هذا القصر، وأن تكون الخادمة هي من فعلت ذلك؟ كيف تجرأت؟ وما الذي كانت تأمل في كسبه من وراء هذا العمل؟
استلقيت على السرير وأغمضت عيني بقوة.
ما الذي يحدث بحق خالق السماء؟
تلك الليلة، لم أتمكن من النوم. قضيتها أحدق في الفراغ بعينين نصف مفتوحتين، حتى لمحتُ شبح الخادمة جالسة على طرف السرير تنظر من النافذة. كانت تستقبل ضوء القمر المتسلل إلى الغرفة بهدوء تام.
امرأة ذات شعر أحمر، نحيفة البنية، شاحبة البشرة. راقبتُ ظهرها دون أن أدرك لمَ أفعل ذلك.
نعم، لقد أخطأتُ التقدير. مجرد استرجاع ذكرياتها لم يكفِ لأعرف كيف عاشت حياتها. كنتُ أظن أنها وأدرين وقعا في الحب، لكن ذلك كان تخمينًا خاطئًا تمامًا. كانت مجرد امرأة تعيسة، لا أكثر.
غمضتُ عيني الثقيلتين بالنعاس ثم فتحتهما مجددًا، فإذا بشبح الخادمة ينظر إليّ من أعلى. لكنني، هذه المرة، لم أدعها لتجلس بجانبي كما اعتدتُ، بل اكتفيت بمواجهتها بصمت.
فجأة، ابتسمت لي ابتسامة مشرقة تحمل في طياتها حزنًا خفيًا.
“ماذا؟”
بدأ جسدها الشبحي يتلاشى تدريجيًا، تقلص حتى تحول إلى كرة صغيرة.
ما هذا؟ هل ترتقي روحها الآن؟
نهضتُ من السرير في ذعر، تتبعتُ بصري أثر روحها، لكنها اختفت بالفعل.
لقد ارتحلت…
لماذا؟
خطر ببالي فجأة أن أتأكد من سلامة أدرين. اندفعتُ خارج الغرفة بثياب النوم، وركضت في الممر دون أن أعرف وجهتي. وبينما أنا أعدو، التفتُ عند زاوية، فمر شبح من خلال الحائط بجانبي.
رجل عجوز ذو شعر أشقر باهت وعينين زرقاوين وبنية قوية. كان وجهه البارد مألوفًا…
…كان أدرين.
في تلك اللحظة، غرقتُ كما لو كنتُ في أعماق الماء، وتلاشت كل الأصوات من حولي. تحرك شبحه ببطء كشريط متمدد أمام عيني، يتدفق الدم الأحمر من عينيه وفمه، وتتساقط قطرات الدم على الأرض في مساره، ثم تختفي كأنها تذوب.
“آه… لقد مات.”
يبدو أن السم الذي تناوله مع الشاي قد أودى بحياته. والدم المتدفق من وجهه يشير إلى أنه عانى موتًا بشعًا، نهاية مأساوية لما كان يُفترض أن يكون بطلًا.
من الحائط الذي خرج منه، برزت خمسة أو ستة أشباح أخرى، تلك التي كانت ملتصقة بأدرين في النهار. لكنهم لم يعودوا يتبعونه الآن، بل حدقوا بأعينهم في المكان الذي مر منه.
ما الذي يفعلونه؟
{─── ────}
{──────}
فجأة، عاد الضجيج يملأ الممر بأصوات الناس وخطواتهم. استعدتُ وعيي، ورأيتُ حشدًا يندفع من الزاوية بوجوه مشحونة بالرعب والصراخ المتهدج. كان بعضهم ملطخًا بالدماء حتى أطراف ثيابهم.
اتجهتُ عكس مسارهم، ولاحظتُ بابًا مواربًا بين الجموع. اقتربتُ ببطء، فنظرتُ من الشق فرأيتُ جسد أدرين ممددًا على سرير، وجهه غارق في الدماء.
كان السير دايلن يقف بجانبه، ممسكًا بحافة الغطاء.
“آه…”
كان يئن بألم كوحش جريح، صوته يعكس معاناة لا تُطاق.