راودَ رود شعورٌ بأنّ موران جريئة، لكنّه لم يتخيّل قَطُّ أن تصل بها الجرأة إلى هذا الحدّ.
ففتح فمه ذهولًا وهو يشهد المشهد الذي وقع أمام عينيه.
“أريد أن أنام في خيمة السيّد القائد.”
ما إن انطلقت كلمات موران النقيّة من شفتيها، حتّى خيّم الصمت فجأةً على المكان.
جرأة كلماتها كانت فادحة، بل فُسِّرت على أنّها وقاحة، حتى أنّ أيًّا من الفرسان لم يجرؤ على فتح فمه.
صوت المطر المنهمر بشدّة، لولاه، لسمع المرء بوضوح صوت أنفاس رود المتوتّرة تتردّد في ذلك السكون.
وكانت لردّة فعل رود هذه أسبابٌ خاصّة، إذ على خلاف كاميلا وبن وهامون، كان هو الوحيد الذي اختبر عن كثب قسوة لايل، ورأى بعينيه كيف يخفي هذا الرجل مشاعره بوحشيّة.
ولعلّ هذا الماضي هو ما جعل رود وبالمفارقة يستفيق من ذهوله أسرع من سواه.
“…كاميلا.”
ناداها رود، فما كان منها إلّا أن أومأت فهمًا وتقدّمت نحو موران قائلة:
“آنستي، سيكون من الأفضل أن تنامي في خيمتي.”
“فلتنم النساء معًا.”
كانت نظرات كاميلا تتوهّج، كأنّها تستصرخ موران ألا تزرع الفوضى في رحلة البحث عن المركيز المفقود.
أليس ذلك هو المنطق بعينه؟
فتاة لم تبلغ سنّ الرشد بعد، تطلب من رجل التقت به لتوّها أن تشاركه مضجعه؟
كاميلا، بطبعها المحافظ، زمّت شفتيها بعزم، عازمة على جرّ موران إلى خيمتها مهما كلّف الأمر.
“لكن، أنا…”
تردّدت موران، تومئ بعينيها ناحية لايل بين الفينة والأخرى.
رغم أنّها لن تحصل على شيء من ذلك…
وإن استمرّت بهذا الشكل، فلن يكون أمام كاميلا سوى أن تسحبها قسرًا.
وما إن شرعت كاميلا في رفع كمّ زيّها بحزم، حتّى…
“حسنًا، إذن.”
انطلقت من فم لايل، وللمرّة الثانية في ذلك اليوم، إجابةٌ صادمة.
“ادخلي.”
رفع بيده طرف الخيمة، وأشار برأسه إلى الداخل.
‘ما باله اليوم؟’
ليس من طبع لايل أن يُساير دلع الآخرين بهذه السهولة.
تسلّل الشكّ إلى قلب رود، متسائلًا إن كانت وراء هذا التصرّف نيّةٌ خفيّة.
لكن موران، الغافلة عن كلّ هذا، أشرقت أساريرها وهرولت إلى داخل خيمة لايل بحماس.
وما إن دخلت، حتّى أفلت لايل الغطاء من يده واستدار عند المدخل.
“ماذا؟ لن تدخل؟”
قالها رود بتلعثم، وقد نسي نفسه حتّى عاد يتحدّث إلى لايل بصفةٍ غير رسمية، كما يفعل حين ينفرد به.
لكنّ لايل ردّ عليه بفتور:
“لم أقل إنّي سأنام معها.”
“آه…”
كان صوته حازمًا، كأنّه خطّط لهذا منذ البداية.
“واو… لقد كنت على وشك أن أصاب بخيبة أمل فيك…”
فهو يعلم جيّدًا أنّ لايل ظلّ طويلًا يحمل مشاعر تجاه لوسي.
ولطالما تمنى رود أن يتكلّل حبهما بخير، فشعر بالخذلان حين ظنّ أنّ لايل قد بدأ يهتمّ بأخرى، ولم يمضِي شهرٌ على اختفاء من يحبّها.
مع أنّه لا يملك الحقّ في الشعور بالخيانة، إلا أنّه في تلك اللحظة رأى لايل كأحد أولئك الرجال اللعوبين.
“إذاً أين ستنام؟ هل تريد ان تنام في خيمتي؟”
عرض رود المكان بجانبه كصديق، دون حرج.
“لا، لا أريد أن أنام معك.”
عاد الجواب قاسيًا لدرجة تُنفر القلب.
حتى رود، بقلبه السميك، تأثّر قليلًا، فعبس وبرزت شفتاه للأمام.
“أدخل خيمتك، سيد رود.”
زجرته كاميلا بازدراءٍ ظاهر.
وبين ردة فعلها وردّة فعل لايل، هوت كتفا رود نحو الأسفل بلا حيلة.
“إذًا، سيدي القائد، أين ستنام؟”
تجاهلًا رود، سأل بن بتردّد.
“لن أموت إن لم أنم ليلة.”
كان يعني أنّه سيظلّ مستيقظًا حتى الصباح.
عندها، فتح هامون، الذي كان مكلّفًا بالحراسة الليليّة، فمه بوجهٍ مشرق.
“يعني ستأخذ مكاني اليوم في الحراسة؟”
وفي لحظة، بدا لايل الذي طالما بدا شيطانًا كأنّه ملاك متجسّد.
جمع هامون يديه أمام صدره، ينتظر ردّ لايل ببراءة.
لكنّ لايل رمقه بدهشة، وأجاب بسؤال:
“ماذا؟ لا.”
آه، إذًا… ليس كذلك…
وكما هبطت كتفا رود قبل قليل، تدلّت كتفا هامون هذه المرّة بفتور.
***
ما إن تأكّد لايل أنّ الجميع دخلوا خيامهم باستثناء هامون الذي بقي للحراسةحتّى نهض من مجلسه ببطء.
تشابهَت في شكلها الدائريّ الممشوق مع عيني التمساح.
“أريد أن أجرّب شيئًا… هل تساعدني؟”
سأل بنبرة هادئة عمداً.
لكنّ التمساح، بطبيعة الحال، لا يفقه الكلام.
ولم يكن لايل ينتظر جوابًا أصلاً، فقد كانت جملته مجرّد إعلانٍ لِما سيحدث.
مدّ يده إلى الأمام وقبضها بإحكام.
وفي الحال، تمازجت مياه البحيرة مع قطرات المطر المتساقطة من السماء، ثمّ تحوّلت إلى رمحٍ مائيّ حادّ اخترق رأس التمساح.
*بُفْ*
تمزّق الجلد السميك، وتلوّنت المياه النقيّة بدماء حمراء.
مات التمساح، فاقترب منه لايل بخفّة.
أدخل يده العارية في فمه المفتوح، وأطلق فيه مقدارًا ضئيلًا من السحر.
وبعد لحظات، بدأ جسد التمساح الميّت يرتجف، ثمّ استحال جلده إلى لونٍ أبيض.
وحين عادت حدقتاه إلى مكانها، سحب لايل يده.
وفي عيني التمساح الذي عادت إليه الحياة، لم يَبقَى أيّ أثرٍ للعداء، بل صار ينظر إليه بلطف.
“واو، لقد نجح حقًّا.”
لأوّل مرّة، خلق لايل وحشًا خاصًا به.
وعلت وجهه ابتسامة عميقة الرضى.
***
في وقتٍ متأخّر من الليل، جلست لوسي تحتضن ركبتيها على السرير، تحدّق بشرودٍ في السماء الماطرة من خلف نافذتها.
وإلى جوارها، كان الثعبان الذي تركه لايل معها.
لم تفعل شيئًا اليوم.
ولعلّ أوضح ما يُثبت ذلك أنّها، منذ استيقظت، لم تغادر الغرفة قَطّ.
استيقظت، غسلت وجهها، أكلت الطعام التي جلبته مامون، ثمّ بقيت هناك.
ولم يكن بوسعها غير ذلك.
‘المطر يجعل كلّ شيء مظلمًا جدًا…’
فالجوّ القاتم جعل النهار يبدو كليلٍ لا ينقضي.
وإن كانت غرفتها تملك مصباحًا، فالممرّات معتمة بالكامل، ولا تعلم أين تُشعل الضوء فيها.
وإن حدث في هذا الظلام شيءٌ شبيه بما حصل البارحة…
فلن تحتمل الخوف.
فقرّرت ألّا تُخاطر، وألّا تتحرّك من مكانها حتى ينقشع المطر.
طَقْ طَقْ.
ضرب الثعبان قدم لوسي بذيله.
“ماذا…؟”
هل أنت جائع؟ لا أعلم ما تأكله…
لكنّ الثعبان نفى ذلك، وهزّ رأسه بقوّة.
ثمّ استدار ناظرًا إلى الباب.
فاتّبعت لوسي نظره بعينيها.
‘آه، لايل جاء.’
وما إن راودها هذا الخاطر، حتّى انفتح الباب فعلًا.
“تصرّفتِ بلُطف اليوم، أليس كذلك؟”
كان وجه لايل يفيض إشراقًا، من يراه لا يشكّ لحظة أنّه في قمّة سعادته.
“…وأنت، تبدو سعيدًا بشكلٍ مريب اليوم.”
قالتها لوسي بنبرة حذرة، تراقبه بريبةٍ شديدة.
لكنّ لايل لم يُعر حذرها اهتمامًا، بل خلع معطفه وألقاه على المشجب، ثمّ اقترب منها وجلس بجانبها على السرير.
أدار جسده قليلًا ليُقابلها وقال:
“لقد تعلّمت شيئًا جميلًا اليوم.”
جميل؟
من وجهة نظرك فقط، على الأرجح…
انتفخ قلب لوسي بشعورٍ مريب، فبدأت تزحف بعيدًا عنه ببطء.
راقبها بصمتٍ وهي تبتعد، ثمّ ارتسمت على وجهه ابتسامة رقيقة، وخطف يدها ليجذبها نحوه.
“آه!”
شهقت وسقطت نحوه بجسدها كاملًا.
‘هل بدأ يعاملني باستهتار؟’
رفعت رأسها وشرعت في التحديق فيه بوجهٍ عابس، لكنّها تذكّرت أنّه قال إنّه يُحبّ رؤيتها وهي تنظر إليه هكذا.
فشقّت فمها عنوةً لتص
طنع ابتسامة.
ورغم ملامحها المشوّهة بالحرج، تجاهلها لابل، ثمّ قال ما جاء ليقوله.
الكلمات التي تعلّمها اليوم من موران.(هموتت هو يتعلم و يحس يطبق في لوسي😭)
“أريد أن أنام معك.”
قالها بصراحة، قاصدًا بها معناها الكامل، حتى لا تجد مجالًا لتجاهلها كما فعلت موران.
ترجمة:لونا
ما تنسوش تدخلوا في قناة الملفات حقتي بالتيليجرام حاطيت الرابط في الصفحة الرئيسية بالتعليقات
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 96"