وحينها، قفز رود من فوق غصن شجرة مجاورة وأجاب بدلًا منها.
“من تقصدين؟ هل تبحثين عن القائد؟”
“القائد؟! أهو قائدكم؟”
وبحسب ردّة فعلها، فقد أصاب كبد الحقيقة.
حكّ رود خده بحرجٍ خفيف، واستحضرت ذاكرته ذكرياتٍ من أيام الأكاديمية.
“كنتُ أودّ شكره شخصيًّا…”
اختلط الاحمرار الخفيف ببشرتها السمراء، و رود، بخبرته الطويلة، استطاع فورًا فهم ما يُضمره قلبها.
كان واضحًا أنّ الامتنان مجرّد ذريعة، وأنّها تبحث عن فرصةٍ لتتحدّث مع لايل.
و رود، الذي اعتاد هذا النوع من المشاعر النسائيّة منذ أيام دراسته، لم يُمانع الأمر، بل شعر ببعض الشفقة، لأنه يعرف النهاية مسبقًا.
“أعتقد أنّه ذهب ليتفقّد المنطقة ويتأكّد من خلوّها من الوحوش. سيعود عند وقت العشاء. يمكنكِ شكره حينها.”
أجاب رود وكأنّه يُلقي تعليماتٍ محفوظة.
عندها، أومأت المرأة برأسها بحماس، وبدأت تُلقي بنظراتها نحو الغابة، مترقّبة لحظة ظهوره.
ترغب من أعماقها أن يحلّ موعد العشاء بسرعة.
***
وعند اقتراب موعد العشاء، ظهر لايل وهو مبلّل حتى العظم، يخترق ستار المطر.
وفي مثل هذه اللحظات، لطالما شعر رود أنّ لايل إنسان لا يُبالي بأحد، ولا حتى بنفسه.
ومع ذلك، لم يتمالك نفسه من أخذ منشفة قريبة وتقديمها له.
لكن لايل، كعادته، أخذ المنشفة دون أن ينبس بشكر، واستخدمها لتنشيف شعره المُبلّل.
لمّا ظلّ يقف هناك، يهزّ شعره بيديه، أخذت المرأة تُحدّق به طويلًا، وبدأ الاحمرار يزحف إلى وجنتيها.
وقد لاحظ الفرسان الآخرون ذلك، فتبادلوا نظراتٍ صامتة، قبل أن ينهزّوا برؤوسهم بأسف.
‘سوف تُرفَض على أية حال. لا بأس إن حذّرناها لاحقًا.’
“أمم… لقد انتظرتُ طويلًا لأشكرك على إنقاذي.”
“أوه…”
أُعجب رود بصدق كلماتها.
“لقد انتظرتُ” كانت عبارة مؤثّرة، وكان من السهل على أيّ رجل يكنّ لها مشاعر بسيطة أن يذوب فيها.
لكنّ من أمامها هو لايل.
“أه، فعلًا؟”
أجابها باختصار وهو يتلقّى صحن الحساء من أحد الفرسان، ثم جلس بصمت.
أسلوبه القديم في قتل مجرى الحديث لم يتغيّر.
‘لو لم تكن الماركيزة سويينت في حياته، لكان مات وحيدًا في كهف.’
فكّر رود بذلك وهو يقرّب صحنه إلى فمه، مُلقيًا نظرة جانبيّة نحو المرأة ذات الشعر الأبيض.
لكنها، رغم ردّ لايل البارد، لم تتضايق، بل تشبّثت بصحنها بعينيها الواسعتين.
“على كلّ حال، لم نعرف اسماء بعضنا البعض، أليس كذلك؟”
وفي لحظة صمت، تقدّمت كاميلا وسألتها بلطف عن اسمها، وكأنّها قرّرت إنقاذ الجوّ العام.
وهكذا، عرف الجميع بما فيهم لايل هويّة المرأة.
اسمها كان موران، وهي من مملكة مايتِن.
بشرتها الداكنة كانت سمة معروفة عن شعب مايتن، لذا لم يُظهر الفرسان أيّ مفاجأة.
سألها الفارس بن إن كانت في طريق عودتها إلى مايتن، فأومأت بالإيجاب.
“جيّد. نحن أيضًا متّجهون إلى مايتن. فلنترافق حتى نصل.”
عند هذا الاقتراح، انفرجت ملامح موران بسعادة واضحة.
كانت تبلغ من العمر 19 عامًا، وتحلم بأن تصبح رسّامة.
رغم اعتراض والديها، اعتادت أن تبيع رسوماتها لتستأجر حرّاسًا خاصين بها وتنتقل من بلدٍ إلى آخر بحثًا عن الإلهام.
وبما أنّها لم تكن ثريّة، لم تتمكّن من شراء الألوان، فظلّت ترسم بالأبيض والأسود فقط. لكنها كانت تحبّ هذه الحياة.
وبعد أن انتهت من تقديم نفسها، التفتت خلسة نحو لايل، تراقبه بطرف عينها.
وكما هو متوقّع، لم يُبدِي لايل أيّ اهتمامٍ بما قالته.
كان يأكل طعامه كأنّه واجب لا مفرّ منه.
“إنّك أجمل رجل رأيته في حياتي…”
تمتمت موران وكأنّها مسحورة.
فهي، التي لطالما طاردت الجمال ورسمته، وجدت في لايل أجمل موضوع فنّي.
وجهه الذي نظر إليها ببرود ثم ابتسم بسرعة… ظلّ يراودها طيلة اليوم.
“…”
وبينما كانت تتأمّل ملامحه بذهول، وضع بعض الفرسان أيديهم على جباههم بقلق.
“هيه، كلّف نفسك وقل لها ما تُريد، بس رجاءً لا تدعها تعترف له.”
همس رود لبن وهو يضربه بمرفقه، لكنّ بن هزّ رأسه.
“لمَا أُتعب نفسي؟ سنفترق عند الوصول إلى مايتن على أيّ حال.”
“أوه، صحيح، لكن—”
“أوه! ما رأيكم أن تقيموا في نُزل عائلتي حين تصلون مايتن؟”
“هاه؟”
“أبي يدير نُزلًا هناك. أودّ أن أردّ لكم الجميل، لذا ستكون الإقامة والطعام مجّانًا تمامًا!”
كان عرضًا كريمًا، لكن بالنسبة لفرسان من قصر مرموق كقصر الماركيزة، لم تكن النفقات شيئًا يُقلقهم أصلًا.
ومع ذلك، لم يكونوا من النوع الذي يختار فنادق النبلاء بدقّة أيضًا.
لكن رغم ذلك، لم يتوقّع أحد منهم أن يوافق لايل على عرض موران، خاصّة وأنّ مشاعرها كانت واضحة كالشمس.
وبالفعل، الجميع كان واثقًا أنّه سيرفض.
لكن، بعد لحظات، كسر لايل كلّ توقّعاتهم وأجاب بغير ما ظنّوا.
“لا بأس.”
وضع صحنه الفارغ جانبًا، وقبل عرض موران بكلّ بساطة.
لم تتمكّن موران من إخفاء فرحتها، فابتسمت ابتسامة مشرقة.
بينما استدار جميع الفرسان نحوه في وقتٍ واحد، وكأنّهم يسألونه:
“ما الذي يحدث بحقّ السماء؟!”
“أفضل من أن تظلّ تطاردني لاحقًا بدافع ردّ الجميل، أليس كذلك؟”
وبعدها نطق بجملةٍ لا توصف سوى بالـ” قمامة”، ما دفع رود إلى تغطية فمه فورًا.
“أرجوك، عندما تتحدّث مع النساء، كنْ أكثر لطفًا!”
ويا ليتك على الأقل لا تبتسم وأنت تقول كلامًا كهذا…
تمتم رود لنفسه بينما يضغط على شفتي لايل.
لكن حين نظر إلى تلك اليد التي تغلق فمه، كانت موران تحدّق فيها بعينيها الذهبيّتين.
“يا إلهي! كيف عرفت أنّني كنت سأطاردك إن رفضت؟!”
ما قالته بعدها كان أكثر صدمة ممّا سبق.
لم تبدُو متأذّية قط، بل صفّقت بفرح وقالت ما يشبه الإعجاب والانبهار.
فقط حينها، أدرك رود طبيعة شخصيّتها.
لا عجب أنّها استعادت وعيها بسرعة رغم ما شهدته من أهوال.
يبدو أنّ موران تمتلك عقلًا فولاذيًّا أكثر ممّا ظنّوا.
تنفّس رود بعمق، وأزال يده أخيرًا عن فم لايل.
وفي هذه المرحلة، بدأ يتساءل إن لم يكن هو الشخص الذي يحتاج للعناية النفسيّة الدقيق
ة بدلًا من الآخرين.
“…”
أما لايل، فله أسبابه الخاصّة لعدم رفض عرضها.
حين التقت عيناهما، عاد إليه شبحٌ قديم من الماضي، وأثار في ذهنه فضولًا صغيرًا.
وبما أنّها بنفسها قدّمت له الدعوة، فلم يجد سببًا ليرفضها.
ترجمة:لونا
ما تنسوش تدخلوا في قناة الملفات حقتي بالتيليجرام حاطيت الرابط في الصفحة الرئيسية بالتعليقات
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 95"