طقطقة.
“هاه؟”
حين كنتُ غارقةً في التساؤل إن كان لايل قد خدعني بمزحة أخرى، انفتح الباب فجأة.
هل كان ثمّة طريقة خاصة لفتحه؟
لكنني لم أفعل سوى تحريكه يمينًا ويسارًا كالمعتاد.
نظرتُ بريبة إلى المقبض، ثمّ سحبتُ يدي بهدوء.
كيييي…
راحت الفتحة بين الباب وإطاره تتّسع تدريجيًّا، ومعها انبعث صوتٌ كئيب من المفصّلات.
بعد غرابة الجوّ العام في هذا القصر، بدأتُ أشكّ حتى في أصغر الأمور.
كنتُ أراقب الردهة بوجه متوتّر، أحاول التأكد إن كان هناك أحد، حينها…
“آه…!”
شعرتُ بشيء أملس يلتفّ حول كاحلي.
“انتفضتُ بذعر، فسقطتُ أرضًا، وسحبتُ بيجامتي على عجل لأرى ما يحدث.”
“…آه صحيح، نسيتُ أمرك.”
على كاحلي كان ملتفًّا ثعبان لايل، رأسه يفرك ساقي بلطافة.
لا بدّ أنّه معجبٌ بي، لكنّي لا أتذكّر أنّي فعلتُ شيئًا لذلك… لماذا يحبّني إلى هذا الحدّ؟
هل هو يقلّد صاحبه؟
حين وصلتُ إلى هذه الفكرة، خطرت في بالي صورة لايل في الصباح، وهو نائم بلا حراك، بوجهٍ شاحب.
منذ تحوّله إلى وحش، أصبح جلده أكثر بياضًا، لذا بدت بشرته وكأنّها تلمع تحت أشعة الشمس.
بل حتّى شعره الذي بات أبيض تمامًا، جعله أقرب إلى وصف “الملاك” من أن يكون “شيطانًا” أو “وحشا”. في تلك اللحظة فقط، راودتني هذه الفكرة.
‘لو يصمت فقط…’
كلّما فتح فمه نطق كلامًا غريبًا، فأنسى وسامته تمامًا من شدّة التوتر.
‘مهما فكّرتُ، هذا الوضع لا يساعدني في التخلّص من مشاعري تجاهه…’
نظرتُ إلى الثعبان الملتفّ على كاحلي، ما زال ملتصقًا بي.
ثمّ أدركتُ فجأة أنّي بدأتُ أفترض مسبقًا بأنّه يجب أن أُعجب به.
صفعتُ خديّ سريعًا.
“هل جننتُ؟ أيّ مشاعر هذه وأنا في هذا الوضع؟! ما هذا السخف؟!”
صرختُ داخليًا وأنا أركل ساقيّ بانفعال.
الثعبان تمايل متشبّثًا بي بإصرار، وكأنّه يرفض أن يسقط.
نظرتُ إليه مطوّلًا وهو يتدلّى، ولمّا التقت أعيننا، راح يحرك لسانه يمنة ويسرة بسعادة.
رؤية جلده الأبيض جعلتني، للأسف، أتذكّر رِيير مجددًا.
تحديدًا، كلماته حين قال إنّه سيغيّر نفسه ليلائم “ذوقي”.
وقتها كنتُ خائفة لدرجة أنّي لم أستطيع الردّ.
“…هل اللون الأبيض هو ذوقي فعلًا؟”
يا لسخريّتي. في الماضي كنتُ أزعم أنّ الأبيض لا يناسبه مطلقًا، والآن أجده يليق به إلى حدّ الإعجاب.
ضحكتُ ساخرة وأنزلتُ ساقي بهدوء.
“خصوصًا حين ينظر إليّ من السرير… وجهه حينها… يا إلهي.”
لكن ما الفائدة؟ الشكل أبيض، أمّا القلب، فأسود كالفحم.
*
**
جلستُ أفكّر قليلًا.
ربّما لم تختفِي السلالم أصلًا، بل صارت غير مرئيّة لي فقط.
هل يُعقل أن أكون عبقريّة؟
وبعدما وصلتُ إلى هذا الاستنتاج المنطقي، صار واضحًا ما يجب عليّ فعله.
كانت السلالم في المنتصف تقريبًا، أليس كذلك…؟
إذًا… سأبدأ بفتح الأبواب على جانبي الممرّ، انطلاقًا من المنتصف.
أمسكتُ بمقبض الباب الأيمن، وفتحته بكلّ ما أوتيتُ من قوّة.
“…دمى؟”
أوه، محاولة فاشلة من البداية.
لا أثر للسلالم. كلّ ما في الغرفة كان دمى صغيرة تزخر بالألوان، ودمى عرض بلا وجوه، مصطفّة في صمتٍ يثير القشعريرة.
يبدو أنّها ليست الغرفة التي أبحث عنها.
حسنًا… فلنجرّب الباب التالي.
لكنّ المشهد نفسه أثار فيّ رعبًا بصريًّا عجيبًا. لذا كنتُ على وشك الانتقال فورًا.
إلّا أنّ الباب… لم يُغلق.
سحبتُ يدي سريعًا عن المقبض، وأعدتُ النظر داخل الغرفة.
“هاه… هاها…”
كلّ الدمى داخل الغرفة… التفتت إليّ.
قبل قليل، لم تكن هكذا.
كانت تنظر في اتجاهات مختلفة، بعضها يقابل الآخر.
ما الذي يحدث بحقّ السماء…؟
تراجعتُ خطوة للوراء، وأصدرتُ صوتًا باهتًا وأنا أستنشق بقوّة. جفّ ريقي تمامًا، وصار تنفّسي متقطّعًا.
صرير…
وفجأة، خطت دمى العرض المتفرّقة خطوة إلى الأمام، دفعة واحدة.
أوه، بدأ العرض الآن.
ليست الرؤوس وحدها ما تتحرّك، بل الأرجل أيضًا؟
تراجعتُ خطوة أخرى، فتقدّمت دمية أخرى نحوي.
هاها…
هاهاهاها.
أيّ نوع جديد من الرعب هذا؟!
إنّه النهار، ومع ذلك، أشعر برعب حقيقي.
فماذا لو كان الليل…؟
ابتسمتُ بمرارة، ثمّ التفتُّ برأسي إلى الغرفة التي كنتُ فيها سابقًا.
ثمّ انطلقتُ بالجري نحوها.
طخ، طق، طخ، طق، طخ!
خلفي، صوت خشب يتحرّك ويرتطم بالأرض. الصوت يلاحقني.
الدمى تطاردني! الدمى تطاردني!!
الشيء الوحيد المريح، هو أنّ غرفة لايل لم تكن بعيدة.
والباب… لا يزال مفتوحًا!
سأدخل فورًا وأغلق الباب خلفي!
وما إن حسبتُ خطواتي جيدًا، ونظرتُ خلفي للحظة…
حتّى ندمتُ.
دمى العرض بلا وجوه كانت تركض نحوي كالبشر، بشكل مريع يفوق مشهد مطاردة مامون لي بالمكنسة.
“آسفة! أرجوكم سامحوني!”
“لم أقصد فتح الباب! أعلم أنّ لكم خصوصيّتكم! في المرّة القادمة سأطرق الباب أولًا! فقط لا تؤذوني!”
كنتُ أصرخ بأعذار لا معنى لها وأنا أركض باتّجاه غرفة لايل، وعندها…
رأيتُ الثعبان يتسلّل ببطء من فتحة الباب.
لا وقت الآن، ثعبان أو غيره، سأدخل فورًا!
بـــاك!
“…هاه؟”
هل كان هذا… مجرّد صدفة؟
الباب… أُغلق أمام وجهي مباشرة.
وكأنّه… يمنعني من الدخول.
جربتُ المقبض بسرعة وقلق.
لكن كما توقعت… الباب لم ينفتح.
صرير… صرير…
وراء ظهري، لا يزال صوت الدمى يقترب.
ارتسمتْ على وجهي ابتسامة عصبيّة وأنا أستدير ببطء.
وعندها…
تهاجمتْ عليّ دمى العرض دفعة واحدة، بتناغم مخيف.
***
“……”
عاد لايل إلى المنزل مبكّرًا على غير عادته، وحدّق من تحت الباب بدهشة.
وهناك، كانت لوسي ملقاة على الأرض، منكمشة وسط الدمى.
انحنى لايل، والتقط واحدة من الدمى من الأرض، يتفحّصها.
‘لا شكّ أنّه عمل مامون.’
غالبًا انتقامًا على ما فعله به صباحًا، حين كسر عنقها.
كان يختار أضعف ضحيّة ليؤذيها، كشيطان لا يُخطئ.
لايل رمى الدمية بلا اهتمام خلفه، وأصدر خطوات ثقيلة نحو لوسي.
“إن قلتُ…”
رفعت لوسي رأسها، بصوت مرتجف:
“إن قلتُ إنّي أحبّك… هل ستدعني أخرج؟”
أن تصل بها الحال لقول هذا… فلا بدّ أنّها خافت كثيرًا هذه المرّة.
ابتسم لايل قليلًا، ثمّ ركع أمامها.
وعندها، تشبّثت لوسي بركبته كمن وجد طوق نجاة.
رفعت رأسها، ودموعها تلمع في عينيها. حتى أنفها صار يسيل.
مدّ لايل يده، ومسح دموعها بلطف. ثمّ مدّ يده إلى أنفها ومسح مخاطها دون تردّد، وقال:
“لا.”
ورغم نبرة رفضه القاطعة، لم تبدُو لوسي حزينة كثيرًا.
فهي، في قرارة نفسها، كانت تعلم أنّه سيرفض.
“إذًا؟ إذًا ماذا تريد لأخرج؟”
أنا لم أعد أطيق البقاء هنا…
بدأت دموعها تنهمر، حقيقية هذه المرّة.
رغم أنّها تتأثّر بسهولة، إلا أنّ لوسي نادرًا ما تبكي فعلًا.
حتى لايل، الذي يعرفها منذ صغرها، بالكاد رأى دموعها مرّات قليلة.
‘ليتها بكت من أجلي.’
فكّر أنانيًّا، ثمّ قال ما كان يخطّط لقوله:
“الخروج… مسألة مختلفة.”
شهقت لوسي، إذ قطعت كلماته كلّ أمل في نجاتها.
لكن، ما إن تابع كلامه، حتّى عاد بصيص الأمل إلى عينيها:
“لكني أريد شيئًا آخر… إن نفّذتِه، سأدعك تخرجين.”
“شيء آخر…؟ما هو؟”
تشبّثت بركبته بشدّة، تطلب منه أن يخبرها.
‘وكأنّكِ ستوافقين.’
قالها في نفسه، ومع ذلك، كان يأمل من أعماقه أنّ حالتها المضطربة ستدفعها للقبول.
“هنا.”
مدّ يده، وسحب ساق لوسي من عند الساق إلى جهته.
ثمّ، وبحركة مغرية، جعل يده تنزلق من ساقها إلى كاحلها، ممسكًا به وبعظم كعبها بقوّة.
“الكاحل…؟”
وجدت لوسي نفسها تجلس مسنِدة ظهرها إلى الباب، وراحت تحدّق في الأرض.
“دعيني أعضّه.”
طلبٌ بسيط ظاهريًّا.
أفضل من أن تُسجَن إلى الأبد.
لو لم ترَى ابتسامته تلك، وعينيه المنحنيتين كالهلال…
لكانت وافقت فورًا.
لكن هناك شيء غير طبيعي.
هل يُعقل أن يرضى بشي
ء كهذا فقط؟!
تجهمت لوسي وسألت بنبرة مرتابة:
“و… وماذا يحصل إن عضضتَني؟”
ظننتُ أنّك ستوافقين بما أنّك بكيتِ، لكن…
لايل ابتسم بأسف، كاشفًا عن أنياب حادّة أشبه بالوحوش منها بالبشر.
“لا شيء كبير. فقط… كلّ ما تفكرين فيه، كلّ مكان تذهبين إليه، كلّ شيء تفعلينه… سيدخل مباشرة إلى عقلي.”
ترجمة:لونا
ما تنسوش تدخلوا في قناة الملفات حقتي بالتيليجرام حاطيت الرابط في الصفحة الرئيسية بالتعليقات
التعليقات لهذا الفصل " 93"