كان المُتسبّب في أوّل خوفٍ حقيقيّ في حياتي، أي ذلك الثعبان، أكثر ظرافةً ممّا توقّعت.
ربّما لأنّ مشاعره كانت تنعكس على وجهه بوضوح.
فحين أُثني عليه يفرح، وحين أقول له كلامًا لا يعجبه، يعبس ويكتئب.
عند هذه المرحلة، أدركتُ أنّ عليّ محو كلّ المعلومات العامّة التي قرأتها عن الثعابين في طفولتي.
قيل إنّ الثعابين لا تسمع، وإنّ حاسّتها البصرية ضعيفة جدًّا. لكن مهما نظرتُ إليه، فقد بدا لي أنّه يرى ويسمع جيّدًا.
‘كما ظننت… هذا الثعبان ليس كالثعابين الآخرى.’
وبهذا، ثبت أنّ كلّ جهودي الطفوليّة لمنع لايل من السقوط في الظلام كانت عديمة الجدوى.
بنفسٍ محبطة، رمقته بنظرة حادّة، ثمّ تراجعتُ خطوة إلى الوراء. وعندها مال الثعبان برأسه قليلًا، وبدأ يزحف نحوي مجدّدًا.
لا، قلتُ لا تقترب.
وبينما كنتُ في جدالٍ لا يُشبه الجدال مع الثعبان، تساءلتُ فجأة، لماذا أفعل هذا أصلًا؟
ألن يكون من الأفضل الهرب بدلًا من هذه المهزلة؟
“…إن حاولتُ الهرب، هل ستعضّني؟”
ورغم أنّي سألتُه فقط للتأكّد، إلا أنّه اهتزّ فجأة كما لو فهم ما قلتُه.
وبدا عليه الذهول، وكأنّه يقول:
“كيف تتفوّهين بشيء كهذا؟”.
يبدو أنّه نسي تمامًا كيف كشف أنيابه في وجهي سابقًا.
وسرعان ما بدأ يهزّ رأسه يمنةً ويسرة بسرعة.
أيعني ذلك أنّه لن يعضّني؟
لكن من المبكّر أن أطمئن.
“إذًا، هل ستُخبر لايل؟”
هذه المرّة، أشرق بريق في عينيه، وهزّ رأسه بحماس. ثمّ بدأ يُحرّك طرف ذيله كما لو كان كلبًا.
بمعنى:
لن يمنعني، لكنّه سيُبلّغ لايل.
أي مراقبة هي، إذًا؟
مع ذلك، أن يتركني وشأني أفضل من أن يمنعني.
“الوقت الآن…”
نظرتُ إلى الساعة. بقي حوالي ساعة واحدة فقط حتى يحين وقت إحضار مَامون للوجبة.
لا أعلم مكان المطبخ، لكن بالتفكير المنطقي، فإنّ أفضل وقت للهرب هو حين تنشغل مَامون داخل المطبخ.
بالتالي، هذه فرصتي.
وبعد اقتراب التوقيت الذي حاولتُ فيه الهروب عبر الشرفة، مررتُ مسرعة بجانب الثعبان وغادرتُ الغرفة.
وكما توقّعت، كان الثعبان أبطأ منّي بكثير.
أن يُوكَل أمر المراقبة لمخلوقٍ كهذا… سخيف.
وماذا لو أبلغ عني؟ بحلول ذلك الوقت، سأكون قد خرجتُ من هذا القصر منذ زمن.
بينما كنتُ أضحك داخليًّا على سذاجة لايل الذي وضع ثعبانًا للحراسة، مشيتُ بعزم نحو المكان الذي رأيتُ فيه السلّم سابقًا.
مشيتُ، ومشيتُ أكثر…
ولم أزل أمشي…
“هاه…؟”
وحين اقتربتُ من نهاية الرواق في الجهة المقابلة، توقّفتُ أخيرًا والتفتُّ إلى الخلف.
“أين ذهب السلّم…؟”
في تلك اللحظة، سرت قشعريرة على ظهري.
عدتُ راكضة في الاتجاه الذي أتيتُ منه، ولكن لم أجد سلّمًا في طريقي.
الرواق محاطٌ بالنوافذ والأبواب فقط.
للحظة، بدأتُ أشكّ:
هل صعدتُ عبر السلّم أصلًا عندما جئتُ إلى هنا؟
هل كنتُ أتخيّل؟ هل أنا في الطابق الأوّل أصلًا وليس الثالث؟
“مستحيل…”
حتى لو كنتُ في الطابق الأوّل، لا بدّ من وجود سلّمٍ للصعود!
حاولتُ الهروب إلى الإنكار، لكنّ الواقع صدمني.
خصوصًا وأنني قد كُشِفتُ منذ أيّام فقط وأنا أحاول الهرب باستخدام أغطية السرير المربوطة نحو الشرفة.
حين تذكّرتُ ذلك، بدأتُ أركض كالمجنونة.
تا تا تا تا تاك!
صوت قدميّ الحافيتين على الأرضية كان واضحًا ومسموعًا.
ظللتُ أركض جيئة وذهابًا بين غرفة لايل والغرف الأخرى، على الأقل خمس مرّات، باحثةً عن أيّ أثرٍ للسلّم.
لكن مهما ركضتُ، لم يظهر لي شيء.
“السلّم بعد الباب، أليس كذلك…؟”
همستُ وأنا أنحني قليلًا وألهث.
لا عجب أنّه سمح بفتح الباب بسهولة.
أشعر وكأنّ كلّ ما أفعله يجري في كفّ لايل.
***
“هاه…؟”
في الوقت المحدّد، صعدت مَامون إلى الطابق الثالث حاملةً الطعام، لتجد لوسي ممدّدة في منتصف الرواق.
وكان الثعبان النحيل، أضعف حتى من ذراع مَامون، يتحرّك بقلق بجانبها وكأنّه يحرسها.
“هل فقدتِ وعيكِ مجدّدًا؟”
رغم علمها أنّها لن تتلقّى إجابة، سألت مَامون على كلّ حال.
ولم يخالف توقّعها، إذ بقيت لوسي مغمى عليها دون أن تُجيب.
هاااا…
تنفّسها المنتظم تردّد في المكان.
لكن بدا وكأنّ وتيرته تتسارع شيئًا فشيئًا.
فأمسكت مَامون بالصينية بيدٍ واحدة، ورفعت لوسي بيدها الأخرى نحو خاصرتها، تفكّر بصوتٍ خافت:
“أيعقل أن يكون البشر ضعفاء لهذا الحدّ، لدرجة أنّهم ينهارون هكذا فجأة؟”
لم يردّ الثعبان على تساؤلها، واكتفى بالتحديق في لوسي التي تحملها بين ذراعيها.
“البشر الذين عرفتُهم لم يكونوا هكذا…”
تمتمت مَامون بصوتٍ خفيض.
وحينها فقط، التفت إليها الثعبان.
وما إن التقت عيناهما، حتى واصلت مَامون ببرود:
“لكن لا علاقة لي بالأمر.”
طالما أنّ لايل يُوفي بوعوده ويدفع لها أجرًا سخيًّا، فإنّ ما يحدث للوسي أو غيرها لا يعنيها بشيء.
***
كانت فترة فقدان لوسي للوعي غير منتظمة.
أحيانًا كانت تستفيق خلال ساعة أو اثنتين، وأحيانًا تمكث ليومٍ كامل دون أن تفتح عينيها.
ولهذا السبب، أطفأت مَامون النور بهدوء وخرجت من الغرفة بعد أن وضعت لوسي في السرير.
بقيت لوسي وحدها في الغرفة، مستلقية على السرير الكبير، ساكنةً تمامًا وعيناها مغمضتان.
وظلّت هكذا طويلًا…
وفجأة، فتحت عينيها.
لكنّهما لم تُظهرا أيّ حياة.
***
رغم أنّ مَامون تظاهرت بعدم الاهتمام بلوسي، إلا أنّها كانت أكثر لطافة تجاه البشر مقارنةً بسائر الشياطين.
صحيح أنّ مفهوم لطافة يختلف عند الشياطين عن البشر، لكنّه ليس مختلفًا كليًّا.
“…كيف وصلت إلى هنا؟”
مرّت حوالي 8 ساعات منذ أن فقدت لوسي وعيها.
كانت الليلة قد انتصفَت، و لايل لم يعُد بعد، ولم يكن في القصر سواها هي ومَامون.
أو، بدقّة أكثر، هما والثعبان.
لذا، لم يكن صعبًا على مَامون أن تشعر بوجود شخصٍ يتحرّك في الطابق الأوّل، وتعرف فورًا أنّه لوسي.
ولذلك، تفاجأت من هذا الموقف غير المتوقع.
نظرات لوسي الخاوية اتّجهت نحو مَامون.
ورغم أنّها رأت لأول مرّة تغييرًا في ملامح الشيطانة، فإنّها لم تُظهر أيّ ردّة فعل.
وقفت هناك ساكنة، نصف عينيها مغمضتان، تُحدّق بها بلا أيّ إحساس.
“لا يمكن أن تكوني وجدتِ السلّم…”
كانت مَامون شيطانة متخصّصة في الإخفاء والتخبئة.
ولذلك، كانت قدراتها القتالية ضعيفة مقارنةً بغيرها من الشياطين، لكنّ قدرتها على النجاة فاقت الكثيرين.
لهذا، صُدمت من أنّ لوسي، الإنسانة، استطاعت كشف سحرها.
“لوسي…؟”
بدأ صوت خطواتٍ حافية يتردّد في المكان الهادئ.
وحينها فقط لاحظت مَامون أنّ هناك شيئًا مختلفًا في لوسي.
كانت تقترب خطوةً بعد خطوة، ووجهها أشبه بجثّة.
لكن رغم ذلك، لم تتراجع مَامون.
“هل استفقتِ حقًّا؟”
رغم سؤالها، كانت تظنّ في داخلها أنّ لوسي ما تزال نائمة.
فصحيح أنّ عينيها مفتوحتان، لكنّها بدت كالمصابة بالسُّهاد أو تمشي أثناء النوم.
اقتربت المسافة بينهما حتّى كادت لوسي تلامسها بخطوة واحدة فقط.
وهنا، بادلتها مَامون النظرة، بعينين خاليتين من الحياة.
وحتّى هذه اللحظة، كانت مَامون تفكّر في حمل لوسي وإعادتها إلى الغرفة.
لكن فجأة، راحت يد لوسي تتحسّس رقبة مَامون وعظمة الترقوة لديها.
‘ما هذا؟’
هذا فقط ما فكّرت به مَامون.
راحت لوسي تُقارب وجهها من رقبتها، وتشمّها بهدوء.
وحتى تلك اللحظة، لم تستوعب مَامون ما الذي يحدث.
وقبل أن تُفكّر بما ينبغي فعله، فتحت لوسي فمها.
وحين كانت أنيابها البشريّة الغليظة على وشك ملامسة بشرة مَامون الشاحبة…
تسلّل إلى عقل مَامون سؤال بريء:
‘هل يُعقل أن يأكلني إنسان؟’
لكنّ فضولها لم يجد له جوابًا، لأنّ…
“لوسي، إن أردتِ أن تأكلي، فكُليّني أنا، لا تقتربي من غيري.”
ظهر لايل كالشبح، وأمسك بفم لوسي قبل أن تغرس أنيابها في مَامون، وجذبها ناحيته.
وما إن وصلت يداه إلى فمها، حتى عضّته لوسي بقوّة على قفّازه الأبيض.
وحين رأى الدم يتسرّب من القفاز، طبع لايل قبلة على رأسها وكأنّه فخور بها.
“هل كنتُ على وشك أن أُؤكَل؟”
سألت مَامون، التي كانت تراقب بصمت، لتتأكّد من الأمر.
“لا، لم يكن ليحدث، فلا تُعلّقي آمالًا.”
أجابها لايل بابتسامةٍ على شفتيه، لكنّ عينيه كانتا مليئتين بالوحشيّة.
“أنا لم آمل شيئًا أصلًا.”
كانت فقط… مندهشة.
وإن كان هناك مَن يُعلّق الآمال، ليس هي، بل لايل.
فرغم أنّها كانت تمزّق يده بأسنانها،
كان وجهه محمرًّا لا يستطيع إخفاء سروره.
وكأنّه توقّع تمامًا أن يحدث هذا.
لم يُظهر أيّ اضطرابٍ تجاه سلوك لوسي الغريب.
بل كان يُحدّق فيها، بينما تمتصّ الدم من قفّازه، بعينين مليئتين بالتوقّع.
وبعد لحظات، حملها بين ذراعيه.
إن كانت ستأكله… فليكن الأكل كاملًا.
ترجمة:لونا
ما تنسوش تدخلوا في قناة الملفات حقتي بالتيليجرام حاطيت الرابط في الصفحة الرئيسية بالتعليقات
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 90"