كنتُ أفزع بسهولة، لكن بعيدًا عن ذلك، لم أكن أخاف من هذه الأمور. أعني، أمور مثل الحيوانات أو الحشرات أو حتى الزواحف.
لكن، وسط كلّ هذا، إن وُجد شيءٌ يُخيفني، فسيكون أوّلًا جدّتي حين يبلغ بها الغضب أعنان السماء، وثانيًا لايل حين يصبح شيطانا.
وأمّا ثالث أكثر شيء يُخيفني، والمساوي تقريبًا للثاني… فهو هذا “الثعبان”.
“…….”
ولستُ أعلم إن كان يُدرك ما في قلبي، لكنّ الثعبان الأبيض، كان يُحدّق بي ويُحرّك لسانه بجهد وحماس.
ولأنّ المكان كان مُضيئًا تمامًا، فقد بدت حدقتاه مشقوقتين بشكلٍ طوليّ. بل ربّما لم يكن ذلك بسبب الضوء، بل لأنّه مخلوق سحريّ.
ثمّ فجأة، تسلّل إليّ تساؤل.
هل يُمكن اعتبار هذا الشيء مخلوقًا سحريًّا أيضًا……؟
لو أردتُ أن أكون دقيقة، فالثعبان التابع لـ لايل لم يكن مخلوقًا سحريًّا ولا شيطانًا، بل بالأحرى يُشبه القوّة التي يمتلكها تلك. لذا شعرتُ بالارتباك، ولم أكن أدري إن كان يجوز اعتباره كذلك.
‘ليست مسألة مهمّة جدًا، على أية حال…….’
الأهمّ من كلّ ذلك، أن ينزل عن جسدي فورًا.
فبعد أن لفّ ذراعي، ها هو قد اتّخذ من كتفي مقرًا له، حتّى بتُّ أشعر بالألم في رقبتي وكتفي.
“ه، هلّا نزلتَ من فوقي……؟”
طلبتُ منه بلُطف شديد، خشية أن يُهاجمني ويكشف أنيابه. لا أعلم إن كان سيفهمني، لكن…
“هاه……؟”
المُفاجأة أنّه… فهم!
فما إن طلبتُ منه ذلك، حتّى نزل من فوقي بهدوء، وانساب على الأرض ليستقرّ هناك.
“أوه…….”
رمقتُه بدهشة لا إراديّة، بعينين تلمعان بالفضول.
رغم أنّني تذكّرتُ بوضوح، حين أظهر أنيابه الحادّة لي منذ فترة قصيرة، وذاب بلاط الغرفة بسائل غامض لا أعلم ما هو، إلّا أنّه كان أمرًا مدهشًا بحق.
“أنت لستَ ثعبانًا عاديًّا كما يبدو… وتفهم حديث البشر أيضًا، هاه…….”
مع أنّ حجم الثعبان لم يكن كبيرًا، وجسده لم يصل إلى خصري حتى بعد أن مدّ نفسه بالكامل، إلّا أنّ حركته المفاجئة أثارت في قلبي رُعبًا عارمًا.
وحسبما قرأتُ ذات مرّة، عندما كنتُ أبحث بحماسة عن سرّ الثعبان الملتفّ حول كاحل لايل، فإنّ الثعبان حين يمدّ جسده بالكامل، فذلك لقياس حجم الفريسة التي ينوي التهامها.
أ، أنا قد أكون صغيرة… لكنّني بالتأكيد أكبر منك!
ومع ذلك، لم أستطع إخفاء خوفي.
كنتُ أفكّر جديًّا بالهروب من الغرفة، حين بدأ الثعبان فجأة يُحرّك جسده يمينًا ويسارًا.
“…….”
طَق.
رغم أنّه كان يقع أحيانًا لعدم توازنه، ويصطدم بالأرض، إلّا أنّه كان ينهض سريعًا ويُتابع رقصته.
لم تكن الحركة معقّدة، لذا لا أعلم إن كان يُمكن اعتبارها رقصة فعلًا… لكنّ عينيّ رأتاها على أنّها رقصة احتفال أو طرب.
أيعقل…؟
“تُ، تُجيد الرقص أيضًا……؟ رائع حقًّا…….”
صفّقتُ له مشجّعة، فإذا به يرتجف لحظة، ثمّ يبدأ بهزّ جسده بعنفٍ أكبر.
يبدو أنّه سُرّ بمدحي له.
“ما، ما هذا بحقّ السماء…….”
يا له من ثعبان، مختلف تمامًا عن انطباعي الأوّل عنه.
***
“هممم…….”
في غرفة مُغلقة بباب حديديّ ثقيل أشبه بقلعة، وقف دايلر، واضعًا يده على المقبض، وهمس بتنهيدة خافتة لا إراديّة.
إن فتح هذا الباب الآن، فقد يُقذف عليه بكرسيّ أو شيء من هذا القبيل، فصاحب الغرفة قد صار أكثر توتّرًا في الآونة الأخيرة.
أجل، بلا شكّ. سيُقذف بشيءٍ ما. هل عليّ تأجيل الزيارة إلى الغد؟
قبل مدّة قصيرة فقط، كان قد قُذف عليه كتابٌ سميك أقرب إلى سلاح، وأُصيب في صدره مباشرة، فأوجعه الألم أشدّ الإيذاء.
لذلك، لم يكن غريبًا أن يشعر دايلر بالرهبة.
“كريك—.”
لكن، إن كان الضرب محتومًا، فأفضل أن يحدث اليوم بدل الغد.
فغدًا قد يتضاعف الغضب، ويُقذف عليه بشيءٍ أثقل.
بعد أن أجرى هذا الحساب العقلي المعقول، فتح دايلر الباب.
“لقد أتيتُ. سيد—”
كوووااااانغ!
كما توقّع… لم يُخيّب الظنّ.
فما إن فُتح الباب، حتّى انطلق جسمٌ ضخمٌ من داخل الغرفة باتّجاهه.
لكن، على خلاف مخاوفه، كان دايلر قد توقّع ذلك مسبقًا، فتفادى الجسم برشاقة.
كوونغ—.
سقط الجسم على الأرض بعد أن ارتطم بالحائط. فالتفت دايلر ليرى ما هو هذا الجسم المشوّه الغريب.
وقد تبيّن أنّه جثّة.
لا يُعلم إن كان قد مات عند اصطدامه بالجدار، أم أنّه كان ميتًا مسبقًا، لكنّ الرجل الممدّد أرضًا، لم يكن قد أغلق عينيه بعد.
أمسك دايلر بكاحل الجثّة، وسحبها إلى داخل الغرفة بلمسة خبيرة، ثمّ علّق:
“ها قد وصلنا إلى مرحلة رمي الناس أيضًا، أليس كذلك؟”
وحين أغلق الباب خلفه، بدأ يُلقي الملاحظات بصوتٍ ساخط، لكنّه سرعان ما تحاشى النظر إلى عينَي الرجل الذي كان يُحدّق فيه بنظرات حادّة كالسكاكين.
سيكون من الخطير التمادي الآن.
ربّما لم يكن كذلك مع الآخرين، لكنّ دايلر كان يُجيد قراءة الجوّ أمام سيّده.
“هل أضعه هنا، ما دمتَ ستأكله على كلّ حال؟”
وضع الجثّة المتصلّبة بجانب الباب، ووقف باستقامة كجنديّ في عرض عسكريّ. ومع ذلك، لم تتزحزح نظرات السيّد الشرسة عنه.
“لما تُحدّق فيّ بهذا الشكل؟ سأشعر بالإحباط…….”
وحين تمتم دايلر بهذه الكلمات متحسّسًا، فُتح فم الرجل تدريجيًّا.
“الملك.”
صارت هذه الكلمة بمثابة تحيّة بينهما. أو هكذا أحسّ دايلر، إذ كانت الكلمة الأولى التي ينطق بها سيّده في كلّ مرّة يزوره فيها.
“حسنًا… تذكُر تلك الماركيزة الذي شككنا سابقًا في كونها الملكة، أليس كذلك؟”
التعليقات لهذا الفصل " 89"