كان صوت احتكاك القماش بالأرض أعلى من المعتاد. فكرة القفز من الشرفة تلاشت منذ زمن، والسبب؟ لايل، الذي كان يبتسم لي من الأسفل.
“……”
ما إن لامست قدماي الأرض، حتى انحنى رأسي من تلقاء نفسه. الهروب هو ردّة فعل طبيعيّة لمن يُحبَس، لكنّني رغم ذلك شعرتُ بالحرج.
“لو كنتِ قفزتِ، لكنتُ قد تلقّفتكِ.”
جاءني صوته من الأمام، بنبرة تشي بالأسف.
صحيح، بدا وكأنّه سيفعل. لكن، هذا لا يعني أنّ عليّ القفز حسب مزاجك.
رغم أنّني فكّرتُ بالكثير في داخلي، لم أملك الجرأة لأبوح بشيء.
لذلك، لزمتُ الصمت. وفجأة، بدأ الغطاء الذي استخدمتُه كحبل يرفرف بيني وبين لايل بشكلٍ أجوف.
كان يتمايل مع الريح، كأنّه يسخر من فشلي في الهروب.
“فكرة مبتكرة، لا بأس بها.”
قالها لايل وهو يمسك بالغطاء المتمايل.
لم أتوقّع هذا التقييم الواقعي. في الحقيقة، ظننتُ أنّه سيضحك أو يسخر.
شعرتُ أنّ الإحراج بدأ يتلاشى… إلى أن جذب لايل الغطاء بقوّة خلفه.
!قَــعْ
صدر صوت تهشّم مفاجئ، وسرعان ما رأيتُ السور الذي ربطتُ به الغطاء يُقتَلَع.
كُــونغ.
سقط السور إلى الطابق الأول، ودوّى صوته عاليًا. لم أستطع تصديق ما رأيت، واتّسعت عيناي من الصدمة.
“أرأيتِ؟ لو كنتِ سقطتِ، لما بقي شيء منكِ.”
“……”
“الفكرة مبتكرة، نعم. لكنّها كانت خطيرة جدًّا.”
كنتُ على وشك أن أقول له إنّ هو من يبدو أخطر، لكنّني ابتلعتُ كلامي.
“رؤية محاولتكِ تُشعرني بالسرور. لكن لو أُصبتِ بأذى، لكان ذلك مؤلمًا جدًّا بالنسبة إليّ.”
قالها لايل وهو يبتسم بلُطف، ثمّ ترك الغطاء من يده كأنّ الأمر لا يعنيه.
‘تقول إنّك ستتألّم، لكنّ وجهك لا يبدو كمن يعرف معنى الألم… أليس كذلك؟’
رغم كلّ ذلك، لم يُظهر أيّ علامات للغضب.
لايل، في العادة، إن غضب يظهر ذلك بوضوح. لذا، طالما هو يبتسم، فلا بدّ أنّه غير منزعج كثيرًا.
“إذا انتهيتِ من اللعب، فارجعي إلى الغرفة.”
أنا كنتُ أُصارع على حافّة الحياة والموت… وأنت تسميه لعبًا؟
لكن بالنظر إلى أنّه اقتلع السور بيديه العاريتين، ربما من الطبيعي أن يرى الأمر هكذا. كما تساءلتُ في الوقت ذاته عن كيف بقي الغطاء سليمًا بعد كلّ ذلك الشدّ.
‘صديقي… صار وحشًا حقيقيًّا.’
“لكن، أنت… ألم تكن قد خرجتَ؟”
جزء منّي شعر بالأسف.
كُنتُ قريبة من النجاح!
استدرتُ بهدوء ونظرتُ نحو باب الشرفة.
الستائر حجبت الرؤية تمامًا، وذلك زاد من قلقي وتوتّري.
تْشْ.
“ما الأمر؟ هل أنتِ منزعجة لأنّكِ فشلتِ في الهرب أثناء غيابي؟”
طعنني لايل بكلماته في الصميم.
لم أردّ، واكتفيتُ بخفض نظري. ولأنّني لم أجب، ضحك بخفوت وكأنّه كان يتوقّع ذلك، ثمّ قال ببرود:
“على كلّ حال، عدتُ لأنّ هناك أمرًا يحتاج إلى موافقتكِ.”
“للبحث عن الماركيزة سويينت، التي فُقدت أثرها، يجب أن نُرسل أكثر من نصف الفرسان. وإذا كان الغرض من المهمّة ليس القضاء على وحوش، بل البحث، فالقانون يتطلّب موافقة ربّ العائلة.”
“يا أنتَ…”
“لذلك، أرجو الموافقة، يا سيّدة الماركيزة.”
أنتَ تستهزئ بي، أليس كذلك…؟
منذ البداية، لو أصابني مكروه، تُنقل صلاحيات القيادة لـ لايل. وهو يعرف ذلك تمامًا.
بمعنى آخر، هو يسخر مني حاليًّا.
شعرتُ بغصّة، وارتجفتْ قبضتي من الغضب.
“لماذا؟ هل أُوقف عمليّة البحث؟”
“…أنتَ تكذب. لا تحبّني، أليس كذلك؟”
ربّما كلّ هذا لأنّك تضمر لي شرًّا…وتحاول إيذائي.
“ما هذا الكلام؟ أنا أحبّكِ كثيرًا.”
أيّ حبّ هذا…؟ من يضحك بهذه الطريقة وهو يقول إنّه يحبّك؟! لا، حتى وصف ‘شرّير’ لا يفي ضحكته حقّها الآن.
“لا تشكّي في هذا، فقط.”
وكأنّه قرأ أفكاري، فجأة غيّر تعابيره.
ابتسم برقّة، ثمّ قال بصوتٍ أهدأ من المعتاد:
“……”
بسببه، لم أستطيع أن أنطق بكلمة واحدة.
لايل يجيد قول العبارات المحرجة بطريقة هادئة ومن دون تردّد.
ربّما بسبب أشعّة الشمس التي كانت تصطدم بي مباشرة، بدأ جسدي يسخن فجأة.
‘هل أشعر بالحرّ؟’
بدأتُ ألوّح بيدي تلقائيًّا… إلى أن قال لايل:
“ثمّ، مهما حاولتُ أن أكون لطيفًا معكِ، فأنتِ لا تلاحظينني. فلماذا أستمرّ بذلك؟”
توقّفتُ عن التلويح.
ضربني بكلمات شعرتُ أنّها مزّقت لحمي وعظمي في آنٍ واحد.
حاولتُ إخفاء توتّري وبلعتُ ريقي بصعوبة. لاحظ ذلك، وأردف:
“أن تهتمّي بي، أمرٌ يسعدني. لكن لا داعي لأن تشعري بالذنب.”
“……؟”
“أظنّني الآن أفهم لماذا كنتِ تتصرّفين بذلك الشكل.”
تفهم ماذا؟ حتّى أنا لا أفهم. أخبرني، ما الذي فهمتَه؟ لا، لحظة… ما الذي أريد أنا أن أعرفه أصلًا؟
شعرتُ أنّ عقلي يتشابك بفوضى بسبب لايل، الذي يحدّثني بأمورٍ يعرفها وحده.
“سأحاول أن أفهمكِ. لذا، جرّبي أن تحبّيني أيضًا. على الأقل، أنتِ…”
أنا؟
فجأة قطع كلامه.
ثمّ أغلق فمه، وانتهى الحديث.
***
رافقني بنفسه إلى الغرفة، ثمّ غادر عائدًا إلى القصر.
وهكذا، بعد كلّ ما حدث، عدتُ إلى الغرفة.
حدّقتُ في الفراغ بلا تركيز.
“أظنّني أفهم لماذا كنتِ تتصرّفين بذلك الشكل.”
هل كان يقصد أنّني كنتُ غافلة طول الوقت؟
ربّما.
رمشتُ عدّة مرّات، ثمّ بدأتُ أسترجع تصرّفات لايل اللطيفة معي. وكلّها، كما يبدو، كانت بدافع الحب.
وحين بدأتُ أفكّر بها، أدركتُ أنّها كثيرة جدًّا ولا أستطيع حصرها.
قَــعْ!
لو لم يكن ذلك الصوت المفاجئ، لكنتُ وصلتُ إلى ذكرى لقائنا الأوّل ونحن أطفال.
“……”
لكن لم أُفاجأ كثيرًا.
نظرتُ بوجه يقول: “أوه، مجدّدًا؟’
إلى مَامون، التي فتحت الباب بقوّة.
“ما، مامون…؟”
يبدو أنّ مَامون عظيمة بطرقٍ عديدة.
ظننتُ أنّني لن أُفاجَأ بها بعد الآن.
لكنّي صُدمتُ مجدّدًا… بسبب مظهرها وهي تحمل صينيّة الغداء.
“حان وقت الغداء.”
“……”
كانت ترتدي ثوبًا ممزّقًا تمامًا، وعلى رأسها ورم ضخم يمكن رؤيته من بعيد.
‘هل يمكن أن يُصبح الورم بهذا الحجم؟’
مُبالغة بسيطة، لكنّها بدت كأنّ لديها رأسين.
“مامون، هل أنتِ بخير…؟”
أيّ شخصٍ يراها بهذه الحالة، حتى لو لم يعرفها، سيسأل كما سألتُ.
فوجئتْ مامون بسؤالي، وأمالت رأسها مستغربة.
“ماذا تقصدين؟”
لم تكن تتظاهر، بل كانت تجهل سبب سؤالي أصلًا.
“ألستِ مُصابة…؟”
حدّقتُ فيها جيئة وذهابًا. بين قطع الثوب الممزّق، ظهرت بشرتها البيضاء كالثلج، كأنّها تُضاهي بشرة لايل.
ما عدا الورم، لم ألاحظ إصابات أخرى.
“نعم.”
قالتها وكأنّها تقول:
“وما المشكلة؟”
نبرتها كانت هادئة، وتصرفها طبيعي جدًّا.
لم أستطع تخيّل كيف يمكن أن يُصاب شخصٌ بهذا الشكل.
“هل كنتِ قلقة عليّ؟”
فوجئتْ مامون وسألت، وأنا بدوري بدا عليّ الذهول.
حقًّا، هل أنا في موضعٍ يُتيح لي أن أقلق على غيري؟
“الأمر بسيط. خرجتُ لجلب بعض المكوّنات، وفجأة، سقط سور الشرفة من السماء.”
آه… إذًا، طبيعيّ أن تصابي بورم في الرأس.
هززتُ رأسي وكأنّي فهمت، ثمّ شهقتُ فجأة ونظرتُ إلى مَامون.
كادت تمرّ عليّ مرور الكرام بسبب طريقتها الهادئة.
“رغم أنّني رمّمتُ المكان ليبدو كالجديد، يبدو أنّني كنتُ مبتدئة.”
“هاه؟ أنتِ من رمّمتِ هذا القصر؟”
“……”
أن تتعرّضي للسقوط وتنجين بورم فقط، أمر صادم… لكن أن تكوني من رمّم القصر أيضًا؟! صدمة أخرى.
حين سألتُها، صمتتْ مَامون. لأوّل مرّة منذ عرفتها، لم تجد ما تقول.
“……”
“……”
حدّقتْ فيّ بعينيها السوداوين، كما لو كانت تنفذ إلى أعماقي.
لماذا… لماذا؟ هل أزعجكِ أنّني تحدّثتُ بودّ؟
أنا أيضًا لا أريد أن أبدو قريبة! فقط كنتُ مستغربة.
ملامحها الشاحبة بدت وكأنّها ستنقضّ عليّ.
كنتُ على وشك أن أعتذر، لكن مَامون فتحت شفتيها ببطء وقالت:
“”يبدو أنّ كلمتي فُهِمت على نحوٍ خاطئ. لم أكن أنا من رمّم القصر، بل عنيتُ أنّني ارتحتُ أكثر من اللازم، ولم أتوقّع سقوط السور… وهذا تقصيرٌ منّي.”
“آه…”
حين فكّرتُ قليلًا، نعم، قد يُفهم كلامها كما قالت.
لكن، باستثناء شيء واحد.
“لكن، أليس من الطبيعي أن… يموت الشخص… لو سقط عليه سور من الطابق الثالث؟”
لكن نبرتكِ لا تُشبه نبرة من شهد معجزة…؟ لقد نجوتِ من الموت!
كنتُ على وشك أن أقول:
“هل هذا يُعقل؟”، لكنّني تذكّرتُ فجأة أحد إنجازاتي النادرة نجاتي من انهيار مبنى القصر الإمبراطوريّ قبل سنوات، مع مجرّد خدوش.
…المعجزات تحدث فعلًا.
ترجمة:لونا
ما تنسوش تدخلوا في قناة الملفات حقتي بالتيليجرام حاطيت الرابط في الصفحة الرئيسية بالتعليقات
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 86"