عند النظر إلى الأمر من زاوية الشكوك فقط، فإن عدم ارتياب سارة في لايل كان أمرًا طبيعيًّا إلى حدٍّ ما.
فمنذ البداية، كان لايل أقرب إلى أفراد عائلتنا منه إلى خدم دوقية سويينت.
بالنسبة لسارة أو بقية الخدم الذين عرفوه منذ الطفولة، ربما لم يخطر ببالهم أصلًا احتمال أن يكون لايل هو من احتجزني.
نعم، هذا وارد. لو كنتُ مكانهم، لربّما فكّرتُ بالطريقة نفسها.
أنا أتفهم هذا الجزء.
لكن، مهما حاولتُ تفهّم الأمر، فإنّ تجاهلها لاحتمالية تورّط لايل عند مقارَنة وقت وظروف اختفائي، لم يكن أمرًا أستطيع تقبّله، حتى لو كنتُ أنا نفسي مكانها.
بل والأدهى، أنّ سارة كانت تجهل حتى التوقيت الدقيق لاختفائي.
“ما هذا بحقّ…؟”
رفعتُ يدي إلى رأسي لا إراديًّا أمام هذه الظاهرة الغريبة التي لم أستطع فهمها.
وسرعان ما خلصتُ إلى استنتاج واحد:
لا بدّ أن لايل الذي تحوّل إلى شيطان، تلاعب من خلف الكواليس بطريقةٍ ما.
لستُ أعلم تحديدًا ما فعله، لكنّه يملك من القوة ما يجعله قادرًا على التلاعب بهذا النوع من الأمور.
“…”
وربما، يكون ذلك أفضل.
فبهذه الطريقة، لن يلحق الأذى بأفراد عائلتي في القصر على الأقل.
كلّما تذكّرتُ برودة شفتيه، خطر ببالي أنّ لاسل قد يكون قادرًا على إيذاء الناس فعلًا.
وفي الوقت نفسه، بدا لي الأمر سخيفًا.
“ألهذه الدرجة…؟ كلّ هذا لأجلي أنا فقط؟”
لا أظنّ أنني الوحيدة التي ستجد الأمر غير معقول.
هكذا، بدا واضحًا أنّه لا جدوى من التعلّق بالأمل بأن يأتي أحد من دوقية سويينت لإنقاذي.
لم يظهروا أيّ بادرة شكّ تجاه لايل، كما أنّهم يخافون من العواقب.
وهذا يعني أنّه لم يتبقى أمامي سوى خيارٍ واحد، وهو الأقلّ احتمالًا للنجاح.
رغم أنّ تسميته “خطة” تبدو مبالغة.
فكلّ ما في الأمر، أنّي سأحاول الهرب وحدي، بالاعتماد على نفسي فقط.
كنتُ قد تخلّيتُ عن هذا الخيار منذ وقتٍ طويل، لكنّ الأوضاع الآن لم تترك لي بديلًا آخر.
وفي الواقع، كان هذا الطريق هو الأهدأ والأكثر أمانًا لي وللآخرين، إن أردتُ تفادي أيّ ضررٍ محتمل.
وكان السبب الذي دفعني للتفكير بهذه الطريقة، هو تصرّفات لايل مؤخرًا.
فـ لايل، على غير المتوقّع، لم يبدُو منزعجًا كثيرًا من محاولات هروبي، بل بدا وكأنّه يستمتع بها.
ولهذا، بدأتُ أستعيد بعض ثقتي بنفسي، بعدما كنتُ أرتعد خوفًا من الموت في أيّ لحظة.
“لنرَى من سيفوز في النهاية.”
عضضتُ شفتي السفلى بتصميم. سأخرج من هنا مهما كلّف الأمر، ولو كان ذلك فقط بدافع الغيظ والظلم الذي أشعر به.
ثمّ بدأتُ أتلفّتُ في أرجاء الغرفة.
كانت الساعة تقترب من الظهيرة، لذا كنتُ وحدي في الغرفة. لكن، لم يكن هناك مجال للتهاون، وكنتُ بحاجة لتوخّي الحذر.
شعرتُ بصمت الغرفة يتسلّل إليّ من جديد، وسرعان ما سحبتُ ملاءة السرير نحو الأرض.
“رأيتُ هذا فقط في الكتب. لا أعلم إن كان سينجح، لكن لا بأس بالمحاولة.”
***
شَعْرٌ أبيض كالثلج كان يتمايل مع نسيم الفجر، تتلألأ من خلال خصلاته المرفرفة عينان كالعنبر.
وحين فتح لايل عينيه من جديد، اختفت العينان الشيطانيتان، ليحلّ محلّهما بريقٌ نقيّ.
زار لايل القصر لأوّل مرة منذ خمسة أيام، وكانت وجهته الأولى هو الضريح الذي يرقد فيه قبر الجدة.
في مكانٍ منعزلٍ قليلًا عن القصر، وقف لايل بمفرده أمام قبر الجدة.
“لم أظنّ أنّه من اللائق أن آتي إليكِ بهيئة لوسي.”
حتى لايل الذي لا يتورّع عن الوقاحة أمام الآخرين، لم يستطع أن يأتي إلى الجدة بهيئة لوسي.
ولهذا، امتنع طوال فترة انتحاله عن زيارتها.
بعبارةٍ أخرى، هذه كانت زيارته الأولى لقصر سويينت بهيئته الحقيقيّة منذ أسبوعين.
وفي يده كانت زهرة بيضاء، رمزًا لتأبين من رحلوا.
رغم أنّ لايل لا يقترب من الزهور عادة، إلا أنّه استثنى نفسه هذه المرّة.
وكذلك اختفى من وجهه ذاك الهدوء المألوف، وحلّ محلّه جمودٌ ثقيل.
وأخيرًا، وضع الزهرة أمام الضريح.
“…”
لم يأتِي ليعتذر.
فقد قدّم كلّ اعتذاراته لها حين كانت لا تزال على قيد الحياة، ولم يجد داعيًا لتكرارها الآن.
في الحقيقة، فكرة الاعتذار من الأساس كانت خاطئة.
لأنّه لم يكن يشعر بالذنب بما يكفي ليعتذر من أحد أصلًا.
فلو كان يشعر بشيءٍ من الذنب، لما بدأ كلّ هذا منذ البداية.
هكذا كانت درجة يأسه حينها.
ورغم ذلك، حين عاد إلى منصبه كقائد للفرسان، لم يكن لديه سوى الجدة ليزورها أوّلًا.
لم يكن هناك سببٌ واضح لذلك.
فقط، شعر أنّه من الصواب أن يفعل.
***
منذ أن زارت سارة المكان، بدأ لايل بالعودة مباشرة إلى قصر سويينت ومباشرة مهامه كقائد للفرسان.
“يعني أنّه يعرف تمامًا أين أنا، ورغم ذلك يتصرّف وكأنّه يبحث عني؟ هل هناك من هو أكثر وقاحة منه؟!”
هززتُ رأسي مرارًا من شدّة ما شعرتُ به من غيظ تجاه لايل ووقاحته.
ومع ذلك، فقد باتت مواعيد خروجه وعودته منتظمة، وهو ما كان مفيدًا لي.
فقد كنتُ أخطّط للهرب مستغلّةً أوقات غيابه.
“أظنّ أنّ الأمر سينجح…؟”
ربطتُ قماشةً بيضاء في مقبض الباب الذي لم يكن يستجيب لأيّ محاولة، وجرّبتُ التعلّق بها.
والعجيب، أنّني استطعت التعلّق بها بالفعل.
ربما لكونها قريبة من الأرض منحني ذلك بعض الطمأنينة، لكن على أيّ حال، شعرتُ أنّ المحاولة قد تنجح.
دف!
سقطتُ على مؤخرتي حين تراخى جسدي في منتصف المحاولة، لكنّني لم أشعر بالألم.
والأمر الجيّد أنّني، خلال هذه الفترة، كنتُ أراقب جيّدًا نمط حياة لايل وحتّى مَامُون.
وبحسب ذاكرتي، فإنّ مَامُون تكون مشغولةً بإعداد الغداء في هذا الوقت، أمّا لايل فقد غادر القصر منذ الصباح الباكر.
وبجمع كلّ هذه المعطيات، بدا أنّ هذا هو الوقت المثاليّ للمحاولة.
باشرتُ بسحب الملاءة وبدأتُ بربطها شريطًا تلو الآخر، في محاولة لصنع حبل أستخدمه كنقطة ارتكاز لقدميّ.
“رأيتهم يفعلون هذا من قبل…”
رغم أنّي قرأتُ أو سمعتُ عنه فقط، لم أظنّ أنّه سيأتي يومٌ أطبّقه فيه فعليًّا.
“هل هذا كافٍ…؟”
تحسّستُ العقدة بقدميّ وسحبتها لأتأكّد من متانتها. لم أكن واثقة تمامًا، لكن شعرتُ أنّها ستتحمّل.
وشعرتُ بشيءٍ أشبه بالإحساس بالنجاح.
بحماسٍ واضح، سحبتُ الملاءة وتوجّهتُ إلى الشرفة القريبة من النافذة.
كانت الشرفة والنافذة المفتوحة أحد أسباب قدرتي على التحمّل خلال هذه الفترة.
“لا أعلم ما إذا كان ذلك من باب الرحمة، لكنّ رِيير لم يُقفل لا النافذة ولا الشرفة.”
ربما كان يعلم أنّه ليست لديّ الجرأة لأقفز من الطابق الثالث.
وكان محقًّا تمامًا في ذلك.
فأنا، مهما بلغ بي الأمر، لا أمتلك لا الجرأة ولا اللياقة الكافية للقفز من ذلك الارتفاع.
لكن، لم يكن يعلم هذا…
بابتسامةٍ منتصرة، أبعدتُ الستائر التي كانت تحجب الشرفة، وفتحتُ الباب بهدوء.
حين نظرتُ للأسفل، رأيتُ الشرفة الخاصة بالطابق الثاني.
كانت خطّتي أن أنزل إليها أوّلًا، ثمّ أهرب من هناك، إذ إنّ احتمال أن يكون مغلقًا كان ضعيفًا.
‘كان يجب أن أحاول من قبل!’
أليس من الممكن أن أنجح فعلًا؟
تسلّلت ضحكةٌ خافتة من بين شفتيّ.
حتى بدا لي أنّ الحديقة الخضراء خلف الشرفة كانت تنتظرني لأهرب إليها.
وبينما أُحكم ربط أطراف الحبل حول سياج الشرفة القريب من الجدار، أعدتُ النظر إليه للتأكد من صلابته.
“…”
راودني القلق، فربطتُه مرةً أخرى.
وبعدما أنهيتُ كلّ شيء، رفعتُ بصري نحو السماء، ودعوتُ جدّتي الراحلة أن تحميني وأتجاوز هذا النزول بسلام.
حينها، اختفت ابتسامتي.
فبمجرّد الوقوف فوق السياج، أدركتُ حجم الارتفاع الفعليّ.
قبل قليل كان الأمر لا يبدو مخيفًا، لكنّ النظر إلى الحديقة فجأةً جعلني أرتجف.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 85"