في اللحظة نفسها، نزعت لوسي يدها من قبضة لايل ونهضت من مكانها متراجعة إلى الخلف.
حينها، نهض لايل أيضًا من مكانه وتبعها وهمس:
“…ها نحن نُعيد الكرّة مجدّدًا.”
“لايل….”
“قلتُ لكِ، لا تُفلتيني.”
بدت عيناه وكأنّها ستجذبها إليه في أي لحظة، إذ ارتكز نظره على كاحلها مباشرة.
شهقت لوسي وهي تبتلع أنفاسها.
ومع كل خطوة تراجعت بها إلى الوراء، تقدّم لايل خطوة مقابلة متناسقة معها.
“قلتُ لكِ إنّ هذا ليس الخيار الأفضل.”
قد لا يكون أفضل خيار، لكنّه لم يكن خاطئًا أيضًا. كانت لوسي تثق بحدسها.
إن أطاعت أوامر لايل، فقد لا تخرج من هذا القصر أبدًا.
وفور أن وصلت إلى هذا الحد من التفكير، استدارت بجسدها دون تردّد.
شآااق–!
“آه…!”
لو لم يكن ذاك الثعبان الأبيض، الذي كان يطلق وهجًا أحمر من عينيه، قد اندفع نحوها مزمجرًا، لكانت قد فتحت الباب وهربت على الفور.
كان سُمّ الثعبان يتقطّر من أنيابه الحادّة على الأرض، مسبّبًا ذوبانها. حين رأت لوسي ذلك، خفق قلبها بشدّة وبشكل غير منتظم.
“لوسي، إن فعلتِ هذا….”
سمعت صوت لايل الرتيب خلفها. لم يبدو عليه الذعر، ما يعني أنّه كان يعلم بوجود الثعبان.
أو ربّما… كان هو من أمر الثعبان أن يمنعها من الهرب.
وحين خطرت لها هذه الفكرة، التفتت لوسي برأسها قليلًا ونظرت إلى لايل. كان يبتسم بتلك الابتسامة المبهورة، كما لو أنّه مذهول من جمال مشهدٍ ما.
شعرت برعشة تسري في عمودها الفقري.
“ليس لديّ خيار سوى أن أعضّكِ.”
لكن رغم نبرة الأسف التي حاول إضفاءها على صوته، فإن ابتسامته لم تكن تعكس شيئًا سوى الرغبة في تنفيذ ذلك.
***
لحسن الحظ وسط هذا البؤس، كانت لوسي تخشى لايل أكثر من خوفها من الثعبان.
وبفضل ذلك، تجاهلت وجود الثعبان الذي وقف في طريقها، ونجحت أخيرًا في الفرار من غرفة لايل.
راحت تركض حافية القدمين، من الأرضية الخشبية الصلبة إلى التربة الخشنة، دون أن تتوقّف.
“ما خطبه هذا المجنون بحقّ!”
لم تستطيع كبت تلك الكلمات التي انفجرت أخيرًا من أعماقها.
لكن بين الأشجار الكثيفة، لم تلقَى صرختها حتى صدى.
“منذ متى اصبحت كلمة’أحبّك’ تعني ‘أحبسك’؟!”
أرادت من أيّ شخص أيًّا كان أن يقول لها إنّ كلّ هذا كذب. أنّها ما زالت تحلم. أنّها لم تستيقظ بعد من الغيبوبة.
ههف، ههف…
لم تستطيع تحمّل هذا الضغط أكثر، فانهالت بالأسئلة والانفعالات دفعة واحدة حتى ضاق صدرها بالتعب. فهي في الأصل لم تكن سريعة الجري.
وما زاد الطين بلّة، أنّ ساقيها تتعبان بسرعة أكثر من الآخرين.
لكن لو أردنا أن نعدّ إنجازات لوسي في حياتها، فربّما يكون هذا اليوم هو أوّل مرة تركض فيها بهذا السرعة وبهذا الإصرار.
“أوه…!”
في زحمة الهروب، علقت ملابسها عدّة مرّات في الأغصان الصغيرة، وكانت تسقط للأمام لولا أنّ الملابس تمزّقت في اللحظة الأخيرة، فتمكّنت بالكاد من الحفاظ على توازنها.
وبعد عدّة محاولات مماثلة، لاحظت لوسي أمرًا غريبًا.
لماذا لا توجد أيّ طرق فرعية؟
على عكس طريق الصعود، لم يكن هناك ممرّات جانبيّة في طريق النزول. بل الأدقّ أنّ تلك الممرّات قد اختفت فجأة.
توقّفت فجأة ونظرت حولها في هلع. لم يكن هناك ما يشبه الطريق.
كلّ ما كان يحيط بها هو أشجار كثيفة وأعشاب بريّة غير مُعتنى بها. وأحيانًا بعض الجذوع الظاهرة للعيان، لا أكثر.
“هاه…؟”
في تلك اللحظة، غمرها البرد في كلّ أنحاء جسدها.
ثمّ سُمِع صوت لم تكن ترغب بسماعه في تلك اللحظة على الإطلاق.
“انتهيتِي من الجري؟ إذن هيا نرجع.”
لا تعرف متى اقترب، لكن صوته بدا غير بعيد. الفّتت لوسي بسرعة، لكن لم ترَى لايل في أيّ مكان.
عاودها الذعر.
هزّت رأسها بعنف وضربت فخذيها المرتجفتين بقبضتها قبل أن تعاود الركض.
وفي خضمّ ذلك، شعرت كأنّها سمعت ضحكة خافتة تتردّد خلفها.
في تلك اللحظة، لم يكن في عقل لوسي سوى فكرة واحدة:
إن أمسك بي، ستكون نهايتي. قد يحبسني فعلًا.
كلّما فكّرت في ذلك، شعرت أنّ تلك الفكرة لم تعد بعيدة أبدًا، فزاد الحزن في قلبها.
لكن رغم ذلك، أجبرت ساقيها المرتجفتين على الاستمرار في الركض، رافضةً التسليم لمصيرها المحتوم.
مع أنّها كانت تعلم أنّ كلّ هذا مجرّد مقاومة عبثيّة.
“آه!”
صرخة واحدة ترافقت مع سقوطها أرضًا.
لقد تعثّرت بجذع شجرة بارز.
“أرجوك، أرجوك!”
رفعت نصف جسدها وهي تزحف أمامًا في ذعر.
ولمّا رأت شجرة ضخمة أمامها، أمسكت بركبتها محاولة الوقوف.
“سقطتِ؟”
جاءها صوت هادئ مجدّدًا من خلفها.
“قلتُ لكِ، لا تركضي هكذا. هذا خطيرٌ جدًّا.”
صوته كان ناعمًا وهادئًا، وكأنّه يوبّخها بحنان. لكنّ لوسي علمت أنّه لم يكن كذلك.
لو كان حقًّا يقلق عليها، لكان منعها من الركض منذ البداية.
في الحقيقة، لوسي لم تكن قد هربت.
كان لايل فقط قد سمح لها بالخروج من القفص لبعض الوقت.
وهذا الكرم لم يكن له أيّ معنى عميق.
فقد جلس لايل على ركبتيه أمام لوسي التي كانت مستندة إلى جذع الشجرة، مرعوبة تمامًا، وأمسك بساقها قائلًا:
“صحيح أنّني أحبّ رؤيتكِ تلهثين بهذا الشكل.”
لطالما أحبّ لايل رؤية لوسي وهي تلهث أو تحدّق فيه بعينين حادّتين. لأنّه في تلك اللحظات، كانت كلّ حواسها موجّهة نحوه فقط.
“لِم تفعل هذا بي؟ لماذا…؟”
ضغطت يده الباردة على ساقها، فحاولت تهدئة نبضات قلبها المتسارعة وهي تسأل.
هي لم ترفضه مباشرة. ولم تقبله أيضًا.
فقط طلبت منه مهلة للتفكير.
وقد قال هو بنفسه أنّه سيتفهّم.
فلماذا يحاول حبسها الآن؟
في قرارة نفسها، كانت لوسي تعلم الحقيقة. لايل، وقد دخل في حالته السوداويّة، يريد حبسها فقط لأنّه يحبّها.
ورغم علمها بذلك، كانت تسأله متظاهرة بالجهل. أملًا في كسب بعض الوقت، علّها تجد ثغرة للهروب.
“لا تنظري إليّ هكذا. سأعضّك فعلًا.”
ورغم تهديده، كانت لوسي تنظر إليه كما يريد. فلو لم يكن ذاك الثعبان يلتفّ حول كاحلها، لكانت رفعت نظرها بكلّ عناد وتمرّد حتى النهاية.
“….”
ثمّ خفضت بصرها قليلًا ونظرت إلى كاحلها.
فرأت ثعبانًا أبيضًا قد فتح فمه على آخره، وقد التفّ بإحكام حول ساقها.
جلد الثعبان الأبيض كان يشبه شعر لايل، أمّا عيناه فكانتا حمراوين مثل عينيه.
ثعبان أبيض.
ثمّ نظرت إلى كاحل لايل الأيمن. كان مكشوفًا لأنّه كان جالسًا.
لكنها لم ترَى وشم الثعبان الذي كان يجب أن يكون هناك.
مستحيل…
أعادت نظرها إلى الثعبان.
‘هل… هل أنت نفس الثعبان؟’
اتّسعت عينا لوسي في صدمة.
حتى لمعان جلده كان مطابقًا تمامًا، وكأنّه يصرخ بأنّهما واحد.
وفي تلك اللحظة، مرّ شريط ذكرياتها أمام عينيها.
كلّ تلك الأيّام التي قضتها وهي تحاول منع صديقها من الغرق في الظلام. ذلك الجهد الذليل، المتفاني، المليء بالخوف.
عادت مشاعر الظلم تطفو مجدّدًا.
قال إنّه يكره هذه الصداقة البائسة، لكن… لو اعتبرني صديقة، ولو للحظة، لما كان يجب أن يتحوّل بهذا الشكل.
وربّما، هو لم يعتبرني صديقة أبدًا، ولهذا وصل الأمر إلى هذا الحد.
يا له من ناكرٍ للجميل.
حدّقت به لوسي في تحدٍ، فأطلق لايل أروع ابتسامة رأتها في حياته.
هل جنّ فعلًا بعد تحوّله؟
في تلك اللحظة، لم يعد الثعبان المخيف، الذي فتح فمه كأنّه سيعضّها، هو ما يخيف لوسي.
ما أخافها أكثر هو لايل، الذي كان يبتسم أمامها بذلك البرود المروّع.
وفي تلك اللحظة، كانت عينا لايل الذهبيّتان تتوهّجان تحت ضوء القمر. ملامحه الجميلة اختلطت بتلك العينين المريعة في مشهد جعل رأس لوسي يدور.
جملة لا يُمكن تصديقها، جعلت لوسي تهزّ رأسها بقوّة.
كان لديها منزل تعود إليه. صحيح، لا أحد بانتظارها هناك، لكنّه بيتها.
ولعلّها، بسبب قربها من الموت، بدأت تفتقد جدتها المتوفّاة. بل وتمنت أن ترى والديها الذين لا تتذكّر حتى وجهيهما.
‘جدّتي، لايل قد جنّ تمامًا.’
لو كانت الجدة على قيد الحياة، أكانت ستوبّخه بدلاً عنها؟
غارقةً في هذه الأوهام المستحيلة، سألت لوسي بتردّد:
“لو تبعتك…؟”
لو عدتُ إلى غرفتك، فماذا سيحدث بعدها؟ لن تفعل بي كما فعلت بديوليتا أوني، صحيح؟ لن تسجنني؟
رغم أنّها كانت تتوقّع الجواب، كانت تتمنّى في أعماقها أن يقول إنّه كان يمزح فقط.
فهو لم يقل بصراحة أنّه سيحبسها. مع أنّ معنى كلامه واضح، إلا أنّ لوسي لم ترد أن تفوّت أيّ بصيص أمل.
وبينما كانت تحاول السيطرة على مشاعرها المتخبّطة، مال لايل برأسه قليلًا وابتسم بتراخٍ.
ثمّ فتح فمه، وخرج صوته الهادئ:
“لكي تتمكّني من رؤيتي فقط، ولمسي فقط، واحتضاني فقط… إلى الأبد…”
ثمّ قطع حديثه فجأة. وبسبب هول الكلمات، سألت لوسي برعب:
“…إلى الأبد، ثمّ ماذا؟ ما بقيّة الجملة؟”
لا، مستحيل…
نظر إليها لايل،
وجهها كان قد شحب بالكامل. أسند ذقنه بيده وأجاب ببطء:
“يجب أن أُقيّدكِ.”
في تلك اللحظة، تكسّرت كلّ ثقتها به.
كاآآآخ–!
ثمّ سُمِع صوت نعيب غراب، وفورًا تهاوت موجة من الغشاوة عليها مجدّدًا.
ومع تلاشي رؤيتها تدريجيًّا، فهمت لوسي أنّ الوقت قد انتهى.
ترجمة:لونا
ما تنسوش تدخلوا في قناة الملفات حقتي بالتيليجرام حاطيت الرابط في الصفحة الرئيسية بالتعليقات
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 79"