حين كانت صغيرة، أي بعد أن رأت وشم لايل بفترة وجيزة.
كانت لوسي قد تساءلت ذات مرّة ماذا لو فقد لايل صوابه؟ كيف سأواجه ذلك؟
فحياة البشر لا تسير دائمًا كما نأمل.
فحتى مع كلّ الجهود، قد ينتهي الأمر بأسوأ صورة.
ولهذا، أعدّت لوسي خططًا في رأسها تحسّبًا لأسوأ الاحتمالات.
كأن يتّجه لايل نحوها بنيّة قتلها بعد أن عرف جميع أسرارها، فتتوسّل إليه أن يتركها وشأنها وتَعِده بأن تظلّ صامتة مدى الحياة.
وإن لم يُجْدِي ذلك نفعًا، تفكّر بالهروب إلى بلدٍ آخر.
خططٌ وضيعة، نعم، لكنها كانت صادقة.
ولا تدري إن كان يمكن وصفها بـ الخطط أصلًا، لكنها كانت تعنيها بحقّ.
ومع ذلك، حتى لحظة اليوم، لم يظهر من لايل أيّ مؤشّرٍ يدلّ على أنّه يرى ديوليتا كامرأة.
ولو لاحظت ولو تلميحًا ضئيلًا بذلك، لكانت خطّتها للهروب أكثر حذرًا وتنظيمًا.
وبمعنى آخر، لم يكن لدى لوسي الآن أيّ خطّة.
فهي كانت واثقة تمامًا أنّها حَرَّفت مجرى الرواية الأصليّة، دون شكّ.
وبما أنّها كذلك، لم يخطر ببالها قط أنّ الأمور ستؤول إلى هذا الشكل. وبالذات بهذه الطريقة.
خرجت لوسي من دوّامة أفكارها، وسألت بشحوب شديد:
“أن… أحبّك؟”
وكأنّ لايل توقّع ردّة فعلها تلك، ابتسم ابتسامة خافتة وهو يطبع قبلةً على كفّها، دون أن يصرف نظره عنها.
ارتجف جسد لوسي من النظرة العنيدة والملمس الغريب.
رغم طول العشرة بينهما، لطالما كان هناك خطّ غير مرئيّ يفصل بينهما.
فبخلاف سائر النبلاء الذين اعتادوا تقبيل ظاهر اليد كنوعٍ من الاحترام، لم يكونا يفعلان ذلك بينهما.
ولهذا ازداد ارتباكها أكثر.
لاحظ لايل انقباض جبينها، فسألها ببرود:
“لمَ؟ لا تستطيعين؟”
حين ابتسم، اختفت لمحة الوحش من عينيه للحظة وجيزة.
“لكن، وماذا بوسعك أن تفعلي؟”
“…….”
“ليس لديكِ خيار آخر أصلًا.”
فإذا لم يكن هناك سوى خيارٍ واحد، فلا يمكن تسميته خيارًا، أليس كذلك؟
لكن حتى هذا التفكير البديهيّ لم تَقدر عليه لوسي، فقد غصّ رأسها بغيره.
“لا أقصد هذا… فقط لحظة، إنّني الآن قليلًا…”
أنا مرتبكة، فقط…
وعكست عيناها الموشّحتان بلون الغروب ذلك الاضطراب وهي تتنقّل بنظرها بين لايل ويده التي تُخفي شفتيه.
وبعد تردّد قصير، جمعت لوسي أقصى درجات الحذر وسألته بتوجّس:
“الشخص الذي تحبّه… هو، أنا؟”
حتى لو كانت لوسي بلهاء أحيانًا، لم تكن إلى هذا الحدّ. لقد فهمت جيّدًا ما كان رِيير يطلبه منها آنفًا، وما الذي يختبئ خلف كلماته.
حتى وإن تصرّفت كأنّها لم تفهم في الماضي، فهذه المرّة كانت تدرك.
ومع ذلك، ظلّ صوتها مهتزًّا خافتًا، كأنّها غير واثقة.
رغم أنّها كانت شبه متيقّنة في داخلها، إلا أنّ جزءًا منها خشي أن تكون مجرّد متوهّمة.
غير أنّ لايل، وكأنّه يستهزئ بتلك المخاوف، ظهرت في عينيه لمعةٌ فرحة، انفرجت ملامحه بسعادة.
كأنّه كان ينتظر هذا الاعتراف منذ زمن، فرسم على وجهه ملامح فرحٍ وبهجةٍ خالصة.
يا إلهي…
هذا التعبير لم يكن يعني سوى شيءٍ واحد فقط.
“م-منذ متى؟ لا، أقصد لماذا أصلًا؟”
“منذ متى؟ ولماذا؟”
هل هذه أسئلة أصلًا؟
تحرّكت شفتاه خلف كفّها المخفيّتين وهمهم ببعض الكلمات، ما جعل كلّ حواسّ لوسي تتجمّع في راحة يدها.
ثم أخيرًا، ابتعد لايل عن يدها قليلًا وقال:
“ألم يكن من البديهي أن أحبّك منذ البداية؟”
أيّ نوعٍ من الإجابات هذه…؟
لو كانت في وقتٍ سابق، لكانت ردّت عليه بسرعة، لكن أمام صديقها الذي تحوّل إلى وحش، كتمت لوسي غضبها.
لا تتصرّفي بتهوّر، لا تكوني لسانًا طويلًا مثل لوسي في الرواية الأصليّة. لا تثيري غضبه.
عليها أن تتذكّر ما عليها فعله لتنجو.
ورغم ذلك، ظلت فكرةٌ ما عالقة في قلبها.
يقول إنّ حبّه لي أمرٌ بديهي…؟ لماذا؟
حاولت أن تجد السبب، لكن ذهنها خالٍ تمامًا.
كلّ كلمةٍ كان ينطق بها بدت وكأنّها ضُربت بها فجأة دون سابق إنذار.
يقول إنّه يحبّني، فلماذا يعترف لي بهذه الطريقة؟ ولماذا أصبح بهذا الشكل؟
وبدأت الأسئلة تتوالى كالسيل.
كانت قد فهمت بشكلٍ مبهم أنّها في موضع مشابه لما حصل لأختها ديوليتا في الرواية الأصليّة.
لكن على عكس ديوليتا، لوسي لم تعلن قطّ رغبتها في الزواج من دايلر.
بل على العكس، سبق وأن رفضت عرض زواج دايلر أمام لايل مباشرة.
هي متأكّدة من ذلك. فلماذا، إذًا، تحوّل لايل إلى شرير يحدّق بها بهذا الشكل المهووس؟
كادت لوسي أن تشدّ شعرها من شدّة الحيرة.
إذًا، لم يكن زواج دايلر هو السبب؟ فما هو إذًا؟
وفي صمتٍ سمح به لايل، أخذت تفكّر بعمق في السبب خلف تحوّله.
ثمّ تذكّرت شيئًا قد يكون له علاقة.
“أعرف أنّك لا تحبّيني. لكن أنا على الأقل…”
تذكرت حين التقيا آخر مرّة. لقد قاطعته بكلماتٍ قاسية:
“حتى لو مررتُ بموقفٍ أصعب وأشدّ من هذا… فلن أحتاجك.”
وحقًّا، لم يكن هناك غير هذا الموقف لتلوم نفسها عليه. ربما حفرت قبرها بيدها يومها.
ومع إدراكها للسبب، شعرت لوسي باليأس. لم يعد بالإمكان إصلاح ما وقع.
لكن مع كلّ ذلك، ما زال في قلبها شيء من الظلم.
لم أكن أعلم أنّه يحبّني. لم أكن لأعلم أصلًا.
فـ لايل كان دومًا بنفس الهيئة معها. لم يبدُو مختلفًا أبدًا.
في عيني الآخرين، قد يُفهَم تصرّفه معها كونه حبًّا، لكن بالنسبة للوسي، كان دائمًا كذلك منذ الطفولة.
فلم يكن بوسعها أن تفهم أنّ هذا لطفه مصدره الحبّ.
“…….”
انكمشت لوسي كمن ارتكب جريمة، ونظرت إليه من طرف عينها. كان لا يزال ممسكًا بيدها ناظرًا إليها.
وفجأة، خطرت في بالها فكرة: ربّما عليّ الآن أن أُجري حوارًا حقيقيًّا معه.
“لايل، أُريد أن…”
من أين أبدأ؟
رغم أنّها جمعت شجاعتها لتبدأ الحديث، لم تستطع المتابعة بسهولة.
“أحتاج إلى بعض الوقت لأفكّر… لم أنظر إليك يومًا بتلك الطريقة، لذلك… هلّا منحتني بعض الوقت…؟”
كما كان لايل طيّبًا معها دائمًا، كانت هي الأخرى طيّبةً معه.
ومع مرور الوقت، بدأت لوسي تستعيد أملها في النجاة، بل وبدأت تتقبّل النسخة الجديدة من لايل.
وإثباتًا على ذلك، فهي لا تزال إلى جواره، رغم أنّ أيّ إنسانٍ عاديّ كان ليفرّ هاربًا منذ زمن.
ورغم أنّه يدرك جيّدًا حقيقة مشاعرها، تظاهر لايل بالجهل، ووافق بهدوء.
“حسنًا.”
بل وبكلّ ارتياح.
رغم أنّه قال سابقًا إنّها بلا خيار، إلّا أنّه أبدى رضىً غريبًا الآن.
“حقًّا؟”
سألته لوسي مجدّدًا وهي غير مصدّقة، وحين أومأ برأسه، أضاء وجهها فورًا.
ربّما تغيّر قليلًا، لكن يبدو أنّ جوهره لا يزال على حاله… فكّرت لوسي ببراءة وهي تهمّ بالنزول عن السرير.
وما إن لامست قدمها الباردة الأرض، حتّى لاحظت أمرًا.
“…….”
أين حذائي؟ ولماذا أنا بملابس النوم؟
“إلى أين تذهبين؟”
رنّ صوته من الخلف، بنبرةٍ مرحة، فشدّ التوتّر الذي كان بدأ بالانحسار ثانيةً.
“إلى… إلى منزلي، طبعًا…”
“قلتِي إنّك تحتاجين وقتًا، أليس كذلك؟”
“ن-نعم، لكنّني…”
أفكّر فقط بالذهاب للمنزل، أهدّئ نفسي، ثمّ أفكّر لاحقًا…
“وأيضًا… السائق ينتظرني في الأسفل، على ما أظنّ…”
ابتسمت لوسي ابتسامة مصطنعة، فبادلها لايل الإبتسامة.
لكن على عكس ابتسامتها المتوتّرة التي ولّدها غريزة البقاء، كان هو يبتسم بهدوءٍ طبيعيّ.
ثم فتح فمه ببطء.
“السائق عاد أدراجه حين كنتِ مغمًى عليكِ.”
والواقع أنّ لايل هو من أعاده.
منذ اللحظة التي تلقّى فيها رسالة لوسي، لا، منذ أن قدّم نفسه إلى الشيطان، كان يخطّط لكلّ هذا.
“ماذا…؟”
وبالطبع، لم يكن بوسع لوسي أن تعرف شيئًا عن نيّاته.
“ثمّ لوسي، يبدو أنّك قد أسأتِ فهم بعض الأمور، لذلك سأوضحها.”
لمعت أمام عينيه خصلات شعرها البنفسجيّ المتناثر.
وتذكّر كيف كانت ممدّدة على سريره، تتقلّب وتتنفّس بصعوبة، ما جعل حرارة جسده ترتفع رغما عنه.
“أوّلًا، الوقت الذي منحته لكِ… هو وقتٌ لتُبدّلي فيه تلك الصداقة البغيضة إلى حبّ.”
بغيضة؟
رغم أنّها كانت مرعوبة من نبرة صوته الباردة، شعرت لوسي ببعض الألم من كلماته.
فعضّت على شفتيها، وأبدت ملامح مكتئبة، ومع ذلك لم يتوقّف لايل.
“والثاني… أنّ مكان قضاء ذلك الوقت ليس في قصر سويينت، بل هنا.”
وانفتحت شفتا لوسي بذهول، بعد أن كانت تعضّها لتكبح مشاعرها.
واندفع الدم إلى شفتيها فاحمرّت، وكانت في نظر لايل م
ثيرة أكثر من اللازم.
فحرارة جسده الذي تغيّر عن حالته البشريّة بدأت تشتعل دفعة واحدة.
“ماذا؟ هل ظننتِي حقًّا أنّك ستخرجين من هنا؟”
وفي اللحظة التي اقترب فيها وجه لايل منها، مرّت في ذهن لوسي كلّ فظائع لايل في القصّة الأصليّة تجاه ديوليتا.
ترجمة:لونا
ما تنسوش تدخلوا في قناة الملفات حقتي بالتيليجرام حاطيت الرابط في الصفحة الرئيسية بالتعليقات
التعليقات لهذا الفصل " 78"