أشعّة الشّمس التي تسطع من فوق الرّأس لم تكن حارّة كما ظنّ، والنسيم كان عليلًا يهبّ بلُطف.
حتى اختبار القبول الذي كان من المقرّر إجراؤه اليوم، مرّ بسلاسة غير معتادة دون حوادث تُذكر.
وفي وقت كانت فيه الحاجة ماسّة إلى مَن يتولّى المهامّ البسيطة، وصلت رسالة من رود يُعرب فيها عن رغبته في العمل سويًّا، ويُخبر بأنّه سيأتي في منتصف الأسبوع القادم.
إن أردنا التّعريف، فقد كان هذا اليوم يمرّ بانسيابيّة مطلقة، دون أيّ تعقيد يُذكر.
ولعلّ هذا بالتّحديد ما جعل الإحساس بالسّقوط نحو القاع أكثر وضوحًا. لم تكن الكآبة أمرًا جديدًا على جسده.
توقّف لايل فجأة ورفع رأسه نحو السماء. وما إن فعلت، كأنّ الألم المُنغرس في كاحله كان ينتظر هذه اللحظة لينقضّ عليها.
هل كان ذلك بسبب سطوع الشمس؟ أم بسبب الألم المتصاعد من الأسفل؟
أم لعلّه الأمران معًا؟
رفع رأسه وعبس على الفور.
وبعد لحظات من التّنفّس العميق، أنزل لايل رأسه ونظر إلى الأمام.
“أنتَ الآن تُشبه دوّار الشمس.”
من مكان غير بعيد، اقتربت لوسي منه وهي تبتسم، وابتسامتها أكثر دفئًا من ضوء الشّمس.
تراجع لايل خطوة إلى الخلف، دون وعي، وهو الذي كان قد خرج يبحث عنها بشجاعة قبل قليل.
“ما الذي كنت تفعله؟ هل عندك وقت الآن؟”
سألت لوسي بصوت عذب، ثمّ نظرت دون قصد إلى ساحة التّدريب الواقعة خلفه.
“نعمل في نفس المكان، لكنّي بالكاد أراك.”
لكنّ لايل لم يُبعد عينيه عنها، ظلّ يحدّق بها.
“هم؟”
“لماذا لا تردّ؟”
سألته لوسي مرّة أخرى، لكنّه لم يُجِب، بل اكتفى بالتّحديق فيها بثبات.
إن كانت قد رفضته وهي على دراية بمشاعره، فلم يكن يظهر على لوسي أيّ تغيير، لا تزال مشرقة كعادتها.
لكنّ ذلك لم يكن عزاءً كافيًا لـ لايل.
“سمعتُ أن الحديث عن زواجٍ جارٍ الآن.”
كانت جملة صريحة، على الرّغم من التردّد الذي سبق خروجها. وما إن نطق بها، حتّى بدأ عقله يبرد شيئًا فشيئًا.
“آه؟ آه…….”
توقّفت لوسي، التي كانت تتقدّم نحوه بخفّة وبهجة، فجأة، وردّت عليه.
وعندما اقترب منها أكثر، بدا تعبير وجه لايل قاسيًا كفاية ليُقيّد خطواتها.
“لماذا لم تُخبِريني؟”
لم يكن الأمر يستحقّ الغضب إلى هذا الحدّ، ومع ذلك، حاصر لايل لوسي وكأنّها ارتكبت خطأً جسيمًا.
لكن في تلك اللّحظة، لم تكن لوسي قد أدركت حتّى أنّه مستاء.
“كنت سأرفض على أيّ حال……؟ ثمّ إنّك كنت مشغولًا مؤخرًا. وأنا بالكاد أجد وقتًا للرّد على الرّسائل.”
ردّت بتلك البساطة، وكأنّ انشغالها هو ما حال دون إخبارها إيّاه.
ضيّق لايل عينيه.
حينها فقط، لاحظت لوسي وجود أمرٍ غريب، ففتحت فمها لتتحدّث.
“لكن، لماذا منذ قليل كنتَ……”
“إذًا-.”
قاطعها لايل ونظر إليها بعينين مشتعلة.
“إذًا، هل رفضتِني أنا أيضًا، لنفس السّبب؟”
في تلك اللّحظة، بدأت ملامح لوسي، التي كانت شاردة، تتجمّد شيئًا فشيئًا.
***
ربّما يجب القول إنّ الطّقس الجميل لم يكن يعبأ بمشاعر لايل مطلقًا.
لا يزال الجوّ رائعًا، ولا تزال لوسي مركز عالمه.
منذ أن رآها لأوّل مرّة في طفولته، بدا وكأنّ الأمور كُتِبت هكذا منذ البداية.
“هل كنتِ ترينني، على أيّ حال، شخصًا مرفوضًا؟”
نبرته، التي كانت ثقيلة، بدت مشحونةً هذه المرّة بشيء حادّ.
مرّت فراشة صفراء بينهما، لكنّ أيًّا منهما لم يُلقِي لها بالًا.
“فهل كان عليّ أن أقبل إذًا؟”
هل كان يجب أن أومئ برأسي موافقة على كلام الدوقة، التي قالت رغم أنه لقيط، فإنّ ذلك لا يُعدّ عارًا؟
هل كان عليّ أن أقبل عرض الزواج من الدوقة التي لم تُراعي حتّى مشاعرك؟
كان في ذهنها مئات الكلمات، لكنها لم تستطيع أن تنطق بأيٍّ منها.
“كان عليكِ أن تفعلي.”
“ماذا؟”
“قلتُ، كان عليكِ أن توافقي فحسب.”
قالها، وبدت ملامحه مُنهارة. كأنّه رجل تخلّى عن شيء ثمين.
كلمات لايل، وطريقته الباردة في الحديث عن مشاعره، أزعجت لوسي بشدّة.
أن يُهمِل مشاعره بهذه الطّريقة هو أحد أكثر الأمور التي تكرهها في لايل.
“هل أنت جادّ؟”
في أذنيه، بدا وكأنّها تسأله هل أنت بعقلك؟
“نعم.”
ومع ذلك، كانت إجابته حاسمة. نظر بثبات إلى شفتيها المرتجفتين.
وبعد لحظة، عضّت لوسي شفتها السّفلى بأسنانها البيضاء.
كان وجهها قد شحب، وشفاهها تزداد احمرارًا، حين أضاف لايل:
“دايلر.”
“……؟”
اتّسعت عينا لوسي بدهشة عند سماع الاسم، وكأنّها تتساءل لماذا نطقه هو بالتّحديد.
ضحك لايل ضحكة فارغة.
“ولماذا إذًا دعوته إلى القصر؟”
ربّما، لو لم تكن المحادثة مع لوسي، أو لو لم يكن الألم ينهش داخله منذ الأمس، لكان لايل فكر في الأمر بعقلٍ أبرد.
ربّما كان سيتفهّم موقفها أكثر، خاصّة وأنّ الطّرف الآخر هو قائد فرسان فيليا.
لكن لايل لم يكن في وضع يسمح له بالتّفكير المنطقي.
كان غارقًا في مشاعره، لا غير.
“هو مسموح له، وأنا لا؟”
نبرته الباردة حملت أيضًا شيئًا مؤلمًا.
أدركت لوسي أخيرًا تلك المشاعر المختلطة في صوته، ومع ذلك، لم تستطيع أن تواسيه ببساطة.
“بالنّسبة لِـ… السيد دايلر، كونه تابعًا للمعبد يعني أنّه يجب أن أتحلّى بأقصى درجات الاحترام، لذا أردتُ رفضه مباشرة.”
أمرٌ واحد فقط كان واضحًا:
لايل فقد اتّزانه.
وشعرت لوسي أنّه إن لم تكن هي المتّزنة الآن، فستزداد الأمور سوءًا.
“لم يكن الأمر لأنّه هو بالذّات، بل لأنّه شخصيّة مهمّة في المعبد. وإن واجهت موقفًا مماثلًا في المستقبل، سأتعامل معه بنفس الطّريقة.”
رغم أنّها شعرت أنّها تُبرّر نفسها أكثر من اللّازم، إلّا أنّها أكملت كلامها بهدوء.
ردّد لايل إحدى كلماتها ببطء:
“مستقبلًا……؟”
ابتلع ريقه وهو يُبعد رأسه قليلًا، كأنّه يقاوم الانهيار.
قبضة يده تشدّدت، وفتح فمه مرارًا، متردّدًا.
ولمّا رأت لوسي ذلك، همّت أن تُنهي الحديث، لكنّه سبقها، وكأنّه حسم أمره.
“إذًا، من الأفضل أن تتزوّجيني.”
“…….”
كيف وصلت إلى هذا الاستنتاج؟
نظرات لوسي المرتبكة كانت تسأل بدلًا منها.
“كما قلتِ، إن كانت هذه المواقف ستتكرّر لاحقًا، فحينها على الأقل…….”
“لايل.”
قاطعته لتضع حدًّا لكلامه، لكنّه لم يتراجع.
“أعلم أنّك لا تُحبّينني.”
“توقّف عند هذا الحدّ.”
“لكنّني، على الأقل أنا-.”
وقبل أن يُنهي ما كتمه طويلًا، سمع صوتًا مألوفًا، غريبًا، يخترق أذنه.
” هل تحبّني، أنت؟”
صوتها كان جافًّا، وكأنّها تُعيد عليه ما قاله، لكنّها لم تكن لوسي أمامه، فهي كانت صامتة، تُحدّق فيه فقط.
وعندما حاول أن يتحدّث مجدّدًا، قاطعته نفس الصّوت.
“لا أعتقد ذلك.”
رغم أنّ الكلمات كانت مبهمة، إلّا أنّ النبرة كانت حاسمة.
“قد لا أكون خبيرة في هذه الأمور، لكنّني أعلم أنّك لا تُحبّني.”
هل سبق لي أن خضتُ حوارًا كهذا مع لوسي؟ وما إن تساءل في نفسه، حتّى التفّ الثّعبان حول كاحله بقوّة.
“تشعر أنّك قادر على فعل أيّ شيء لأجلي، وأنّ عليك دائمًا اتّباع كلامي، أليس كذلك؟”
كاد لايل أن يومئ بالإيجاب. رغم أنّ تلك الكلمات لم تُعبّر عن كامل ما يشعر به، إلّا أنّها لم تكن خاطئة تمامًا.
“ستُدرك لاحقًا أنّ هذا لا يُسمّى حبًّا، بل…….”
رغم النّبرة الفاصلة، لم يكن لديه وقت لمجادلة صوت الوهم هذا.
“بل هو شعور تظنّ أنّه من البديهي أن تشعر به تجاهي.”
ظننتُ أنّه من الطبيعي أن أحبّك.
أخيرًا، تمرّد لايل على ذلك الصّوت الجافّ.
وما إن فعل، حتّى بدأ الثّعبان يغضب، وكأنّه ارتكب أمرًا لا يُغتفر.
وصعد الثّعبان من كاحله إلى ساقه العليا، يُعلن عن حضوره.
وحين لاحظ تغيّر حركة الثّعبان، وقعت عينا لايل على لوسي، التي ما تزال تحدّق به.
كانت هي الأخرى تغرق في شعور بالذّنب.
حين قال “أنا جادّ”، كانت لوسي ولو للحظة قصيرة قد فكّرت في أنّه ربّما، فقط ربّما، يكون خيارًا مناسبًا.
رغم أنّها دائمًا ما كانت تقول إنّها تتمنّى سعادته، إلّا أنّها في تلك اللحظة وضعت مشاعرها فوق واقعه.
ربّما هو الخطر الكامن في الألفة. ظنّت أنّ تضحياته أمرٌ طبيعيّ.
ثمّ تمتمت لوسي بصوت منخفض، يُشبه ذلك الذي سمعه من قبل كصوتٍ وهميّ.
“حتّى لو وقعتُ في موقفٍ أصعب، وأشدّ حرجًا من هذا…….”
وكأنّها تُقسِم لنفسها، لا له.
“فلن أطلب مساعدتك أبدًا من أجل أمر كهذا.”
ومع نهاية تلك الكلمات، استدارت لوسي وغادرت.
وتركت لايل وحده في قلب حديقة القصر الواسعة.
هكذا تنتهي الأمور، إذًا.
وصعد الثّعبان، ا
لذي وصل إلى صدره، وفتح فمه على مصراعيه.
كان يعلم ما سيفعله الثعبان، ومع ذلك، أغمض عينيه بصمت.
وسُمِع صوت تمزّق لحمه، تبعه صوت ابتلاع متتابع.
وكان يدرك أنّ ما يسمعه الآن لا يسمعه أحد سواه.
ومن هذه اللّحظة فصاعدًا، لم يعُد بمقدوره أن يحيا كإنسان.
ترجمة:لونا
ما تنسوش تدخلوا في قناة الملفات حقتي بالتيليجرام حاطيت الرابط في الصفحة الرئيسية بالتعليقات
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 73"