لم يكن الأمر يتطلّب فقط قدرة بدنية لا تنفد، بل كانوا أيضًا كثيري البكاء.
حتى أنّهم كانوا يملّون بسرعة، ويطالبون دومًا بشيء ممتع جديد.
وفوق ذلك، إن لم يرَوا ردّ الفعل الذي يريدونه، تتغرغر عيونهم بالدموع وينفجرون بالبكاء في أي لحظة.
ومع مرور الوقت، بدأتُ أتساءل كيف كانت جدّتي تتولّى رعاية سموّ الأميرة كلوي.
“أُوآآانغ! ليس هذا ما أردته!”
فيما كانت السماء قد اسودّت، انفجرت سموّ الأميرة كلوي مجددًا بالبكاء.
وبينما كانت تمسك دبّها البني، بدأت الدموع الغزيرة تتساقط من عينيها.
‘حتى لايا كانت كثير البكاء، لكن لم يصل لهذا الحدّ…’.
كان لايل عندما كان صغيرا يبكي أحيانًا حين يتدلّل أو يشعر بالحزن منّي، لكنّه لم يكن يبكي بهذه الوتيرة إطلاقًا.
لطالما اعتقدت أنّ لايل كان كثير البكاء، لكن بعد أن رأيتُ الأميرة كلوي، أدركتُ أنني كنتُ أضع المعايير عالية للغاية.
فجأة، راودتني رغبة شديدة في العودة إلى المنزل.
طَرق طفيف – طَرق طفيف –
“لوسي، قد أظلم النهار. لنعد إلى المنزل.”
حين بلغ بي الشوق ذروته للرجوع، صدح صوت لايل من خلف الباب وكأنّه جاء في التوقيت المثالي.
إن كان هناك شيء يُدعى بالمنقذ، فهكذا سيكون شعوره.
وفي الوقت نفسه، توقّفت الأميرة كلوي عن البكاء دفعة واحدة.
أدهشني التحوّل السريع في حالتها العاطفية حتى أنّ فمي فغر لا إراديًا.
“هُه، هل… هل ستغادرين الآن؟”
كان نُطقها متلعثمًا من كثرة بكائها، وصوتها مصحوبًا بأنين أنفها، مما جعلني أضحك بخفّة.
“سأزوركِ في المرّة القادمة أيضًا. هل ستلعبين معي حينها أيضًا؟”
كنتُ سريعة التقلّب مثل الأميرة نفسها.
قبل لحظات، كنتُ أرغب بشدّة في العودة، لكن رؤيتها حزينة أضعف عزيمتي.
“إن كنتِ ترغبين باللعب معي مجددًا، فسأفعل ذلك بفرح!”
قالتها بابتسامة مشرقة وعينين محمرّتين.
كانت لطيفة لدرجة أنّني كدتُ أرتمي عليها احتضانًا.
لكن لم أجرؤ على ارتكاب تلك الجرأة، فاكتفيت بوضع يدي على صدري وتراجعتُ بخفة إلى الوراء.
ما إن خرجتُ حتى نظر إليّ لايل الذي عضّ شفته بتساؤل.
“هل تشعرين بألمٍ ما؟”
سألني بقلق.
أسرعتُ بنفي رأسي وخفّضت صوتي وأنا أجيبه:
“سموّ الأميرة لطيفة للغاية.”
اختفى القلق عن وجهه في لحظة.
وحين رأيتُ ردّة فعله الباردة أكثر ممّا ظننت، أسرعتُ بالتبرير.
“منذ أن كنتَ صغيرا، لم أتعامل مع أطفال، لذا بدا كل شيء لطيفًا في نظري.”
“حين كنتُ صغيرًا، كنتِ أنتِ أيضًا طفلة.”
قالها وكأنّه يُنهي النقاش بمنطق.
‘كلا، كنتُ أنا كبيرة… وحدك كنتَ طفلًا.’
ابتلعتُ تلك الحقيقة داخلي ولم أبح بها.
“كان هناك وقت كنتَ فيه لطيفًا جدًا…”
لكن خرجتْ من فمي حقيقة أخرى.
“والآن؟”
“همم؟”
“ألستُ لطيفًا الآن…؟”
سألني بوجه جادٍ بشكلٍ مبالغ فيه، حتى خُيّل لمن يراه أنّنا نناقش مسألة مصيرية.
هل لا يخجل من قول هذا بنفسه؟
“الآن…”
وبالطبع، بما أنّه سأل، كان من اللازم أن أجيبه بصراحة.
“لم تعد لطيفًا.”
لقد كبر فجأة وبشكل غير منطقي، فلم يعد بإمكاني أن أصفه بلطيف، حتى كذِبًا.
ارتعشت عيناه العنبريّتان بشفقة.
هل… هل كان يتوقّع أن أقول له إنه لطيف؟
بدا وكأنّه على وشك أن يزعل، حتى قبل أن أنهي جوابي.
“الآن أصبحتَ وسيمًا. وجميلًا أيضًا.”
لم أُرد أن يغضب فعلًا، لذا أسرعتُ بإكمال الحديث.
رفعتُ إصبعي بإشارة الإعجاب عن قصد.
“لقد قلتُ لك سابقًا إنّك وسيم.”
ولأمنعه من الشعور بالإحباط، رَبَتُّ على ظهره أيضًا.
وسرعان ما عضّ شفته وهو يحاول كتم ابتسامته.
رؤية وجنتيه تنتفضان كانت كفيلة بأن تدلّ على تحسّن مزاجه.
بل في الحقيقة، بدا في غاية السعادة.
***
بعد ذلك، ذهبتُ عدّة مرّات لزيارة سموّ الأميرة كلوي.
وإن كانت مجرّد مرّة كل أسبوعين، فقد كانت كلّ مرة تَستقبلني فيها بفرح وكأنّها لم تنسَى وجهي قط.
رغم أنّها كانت تتظاهر بعكس ذلك، شعرتُ وكأنها تنتظر قدومي.
غير أنّ المشكلة الوحيدة كانت أنّ دلعها يزداد يومًا بعد يوم.
لا، بل لم يكن دلعًا بل كان أقرب إلى الشكاوى الطفولية.
كنتُ أتحمّل عادةً شكاويها، لكن اليوم تحديدًا لم تكن الأمور سهلة.
“لا أريد دمية! قلت لا أريد! لا أريد اللعب بها!”
هي نفسها من طلب اللعب بالدمى، لكن يبدو أنّها سئمت منها بالفعل.
أومأتُ برأسي ووضعتُ الدمية جانبًا.
لكن فجأة، رفعت دمية بحجم رأسها وألقتها إلى جانبي.
“……”
“أُوآآانغ!”
راقبتُ الدمية وهي تمرّ بجانب فخذي، ثمّ نظرتُ إلى وجه الأميرة الباكي مجددًا.
إن تركتها، فستستمر في البكاء لعشرين دقيقة على الأقل.
عادةً كنتُ أهدّئها، لكن هذه المرّة لم أفعل.
“هُه، هُهك…”
لمّا رأتني لا أتفاعل، نظرت إليّ من طرف عينها.
نظرتُ في عينيها مباشرة وأنا أُظهر لها وجهًا صارمًا.
“……”
شهقة
بدا أنّ ردّ فعلي الجاد فاجأها، فتشنّجت وأطلقت شهقة صغيرة.
كدتُ أمدّ يدي لأربّت على ظهرها، لكن تراجعتُ.
“سموّ الأميرة، لا بأس بالبكاء. يمكنكِ البكاء قدر ما تشائين.”
الإمبراطور نفسه قال لي إن تخلّت الأميرة عن الآداب أو أصبحت كثيرة التذمّر، فبإمكاني تركها مع الخدم والعودة.
لكنني لم أفعل ذلك أبدًا.
ولا اليوم.
“في عمر سموّكِ، البكاء يُعدّ عملًا بذاته.
لكن يا سموّ الأميرة، لا يصحّ رمي الأشياء على الناس.”
أحضرتُ الدمية التي رُميت على الأرض وقدّمتها إليها.
“لا يصحّ إيذاء الآخرين بسبب الغضب.
وإلّا فلن تُصبحِي شخصًا رائعًا حين تكبرين.”
لو علم الإمبراطور بما فعلتُ، فقد لا يحقّ لي حتى أن أدخل القصر مرّة أخرى، ناهيك عن أمنيةٍ تُحقَّق.
لكن لم أستطع أن أتجاهل عادة سيئة كهذه.
جدّتي كانت لتتصرف تمامًا كما تصرّفتُ.
“……”
أطبقت الأميرة شفتيها.
كانت شفتها السفلى الرطبة تهتزّ من البكاء.
انتظرتُ بصمتٍ حتى تنطق بكلمة.
“هل… هل أنتِ غاضبة؟”
سألت بصوتٍ مرتجف.
ولم أزل أُبقي وجهي متجمّدًا.
“أنا آسفة… لن أرمي شيئًا بعد الآن…”
“……”
“فلا تكرهيني، أرجوكِ…”
تحوّل صوتها الطفولي إلى نبرةٍ متدلّلة.
حينها فقط، ابتسمتُ وهززتُ رأسي.
“أحسنتِ. وأنا آسفة أيضًا لأنني غضبتُ، يا سموّ الأميرة.”
اعتذرتُ لها بدوري.
فما كان منها إلا أن بدأت بالبكاء مجددًا.
يبدو أنّ بعض الدموع لا تزال عالقة.
فجأة، مدّت ذراعيها الصغيرتين نحوي.
رمشتُ سريعًا وأنا أراها تفعل ذلك.
“هل تريدين عناقًا؟”
سألتُ لأتأكّد، فهزّت رأسها الصغير بعنف.
اقتربتُ منها راكعة ورفعتها بحنان.
كنتُ أظنّ أنّ هذا تصرّف وقح، لذا كنتُ أتجنّبه دائمًا.
لكن يبدو أنّ هذا هو الحلّ الأفضل لإيقاف دموعها.
وقبل أن أعود، قصصت ما حدث على الإمبراطور بكلّ صدق، ثمّ انحنيت.
لحسن الحظ، بدلاً من أن يُوبّخني، بدا مندهشًا، بل وقال إنّ تصرّفاتي كانت تشبه جدّتي تمامًا.
كما توقّعت، حتى جدّتي لم تكن لتغضّ الطرف عن أخطاء سموّ الأميرة.
***
اليوم، خرجتُ مع الأميرة في نزهة داخل الحديقة الملكية.
رغم أنّ الحديقة كانت شاسعة للغاية، لدرجة أنّنا لم نكمل حتى نصفها، إلا أنّ سموّها كانت في غاية السعادة.
طوال الطريق، كانت تغرّد بصوتٍ ناعم كما العصافير، وهي تتحدّث بحماس عن الإمبراطور.
وعلى عكس ما كان يقلق منه جلالته، كانت الأميرة تكنّ له احترامًا شديدًا.
رغم أنّها وجدت الحبّ والحنان من جدّتي، إلا أنّ احترامها للإمبراطور كان صادقًا وواضحًا.
“أنا أحلم بأن أُصبح شخصًا رائعًا مثل جلالة الإمبراطور!”
صرخت بحماس، وإذا بصوت السيوف المتصادمة يختلط مع صوتها.
يبدو أنّنا اقتربنا من ساحة التدريب في القصر دون أن نحدّد وجهتنا مسبقًا.
كما توقّعت، ظهر بعض الفرسان من بعيد، منهم من كان يتدرّب، ومنهم من يخوض قتالًا تدريبيًّا.
رغم أنّ الوجوه لم تكن واضحة لبُعد المسافة، عرفتُ على الفور أنّ أحدهم كان لايل.
وكنتُ أحدّق به دون وعي، حين التفت فجأة ناحيتي.
أسرعتُ بالإشارة له بوضوح أن يُركّز على التدريب، رغم علمي أنّه لن يراني.
لكن على عكس ما خشيت، توقّف
لايل عن القتال، وانحنى برأسه أمام خصمه، ثمّ بدأ يتقدّم نحونا بخطوات سريعة.
وحين اقترب منّي، مسح جبينه بيده وسأل:
“خرجتِي في هذا الوقت بلا مظلّة شمسية؟”
“ولِمَ أحتاجها؟ آه! سموّ الأميرة، هل تشعرين بوخز أو حرقة في بشرتكِ؟”
بدلًا من سؤاله عمّا إذا أنهى تدريبه، انحنيتُ سريعًا أتفقّد وجه الأميرة البريء.
فرغم أنني لا أتأثّر، إلا أنّ سموّها صغيرة وقد تكون بشرتها حساسة.
لكنها لم تُجبني، بل كانت تنظر إلى لايل بفمٍ مفتوح.
“هل الجوّ حار جدًا؟ هل نعود؟”
“هذا… هذا…”
تقطّعت كلمات الأميرة، لكن عينيها بقيتا معلّقتين على لِيير.
“أنتَ!”
لايل…؟
فجأة، أشارت نحوه بإصبعها القصير.
أما لِيير، فهزّ رأسه باستغراب ونظر إليّ كأنّه يسأل: ما القصة؟
‘ماذا؟ ألم يلقي التحية على الأميرة؟’
أشرت له خ
فية أن يُسرع بالتحية.
حينها فقط، أدرك خطأه، فانخفض على ركبته وقدّم نفسه:
“أنا لايل مارسِن. يشرفني لقاء سموّكِ، يا أميرة.”
“يا له من وجهٍ وسيم. سأتزوّجك في المستقبل!”
رغم أنّها عضّت لسانها في منتصف الجملة، إلا أنّها أصرت على إتمام حديثها.
في تلك اللحظة، تيقنتُ أن الإدراك لا يتوقف على العمر.
ترجمة:لونا
واتباد:luna_58223
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 59"