في الآونة الأخيرة، أخذت أعداد الوحوش السفلية تتسلّل خفية إلى أنحاء الإمبراطورية.
ويبدو أن الإمبراطور قد استشعر خطر ذلك، إذ أمر بحشد جميع القوى العسكرية، بما في ذلك الحرس الإمبراطوري، لتكثيف الحراسة لا على الأسوار الخارجية فحسب، بل داخل حدود الإمبراطورية ذاتها.
وبسبب ذلك، أُسنِدت إلى رود مهمّة استطلاعية، رغم أنّه لم يكن عليه سوى مواصلة تدريبه في الأكاديميّة، وكذلك لايل، الذي كان في فترة توقّف دراسي.
“ألم يكن من المفترض، على الأقل، أن تُخبرني بنيّتك التوقّف عن الدراسة؟!”
كانت تلك أول مرة يلتقي فيها رود بـ لايل منذ عطلة الصيف، فانفجر عليه بصوتٍ يقطر مرارةً واعتراضًا.
لكن لايل لم يردّ عليه، بل اكتفى بالإمساك بزحش أسود مائلٍ إلى الاحمرار، كان قد رصده أثناء دوريته، بحركة سريعة وخاطفة.
وفيما كان رود يثرثر من خلفها، شدّ لايل قبضتها حول الوحش الذي أمسكه.
فلم تمضِي سوى لحظات حتى تحوّل إلى رمادٍ متطاير، متلاشياً تمامًا، على غرار ما يحدث للوحوش عند هزيمتها.
“هل تكرّر استعراض قوة يديك مجددًا؟”
كانت لايل، الذي اصطاد الوحش بيديه العاريتين، يبدو غير مبالية، غير أنّ أكثر ما أذهل رود هو القوة الهائلة التي سمحت له بفعل ذلك بكل بساطة.
“ثرثرتك كثيرة اليوم على غير العادة.”
قال لايل و هو ينفض الرماد عن يده، ثم مال برأسه قليلًا لينظر إلى رود. كان نظرته تنطوي على عتابٍ لطيف، غير أن عينيه انعكست فيهما ابتسامة جميلة.
‘لا تزال كما عاهدتك…’
تردّد هذا الخاطر في ذهن رود وهو يتأمّل صديقه الذي لم يتغيّر، ثم قال مبتسمًا:
“أهذا ما يُقال لصديقٍ لم تره منذ زمن طويل؟”
إليك تحسينًا أدبيًا للنص مع الحفاظ على المعنى والسياق، بأسلوب فصيح وجذّاب:
وربّما ساوره شيءٌ من الخيبة، إذ قوبلت كلماته البسيطة ببرود رفيقه، فاختتم عبارته بنبرةٍ مشدودة، كمن يُخفي غصّة.
غير أنّ لايل لم يُظهر أدنى اهتمام، واكتفى بإلقاء نظراتٍ متبرّمة على شكواه المعتادة.
“قاسٍ، حتى على الجمادات.”
“ليس تمامًا.”
‘لكنّك، أنت بالذات، تُرهقني.’
لم يتراجع لايل بكلمةٍ واحدة.
وحتى بعد أن تجاوزا الزقاق وبلغا الشارع الرئيسي، لم يسمع رود منه كلمةَ ترحيبٍ واحدة، لا تحمل شوقًا ولا ودًّا.
***
عند مدخل السوق، توافدت الحشود.
يبدو أنّ المواطنين العاديّين لم يكونوا على علم بازدياد عدد الوحوش المتسلّلة إلى قلب الإمبراطوريّة.
فقد قرّرت السلطة العليا التكتّم على تلك الحوادث، تجنّبًا لنشر الفوضى بين صفوف الشعب.
وبما أنّ الوضع لم يبلغ بعد حدًّا يهدّد أمن البلاد، فقد رأى لايل وسائر الفرسان أنّ القرار كان صائبًا.
“بالمناسبة، كيف حال صديقتك؟”
سأل رود على سبيل المجاملة.
“وما الذي ستفعله بهذه المعلومة؟”
لكنّ ما تلقّاه، كعادته، لم يكن سوى ردٍّ وقح.
فعندئذٍ، قرّر أن يضع حدًّا لمحاولاته في الحديث مع لايل.
وما إن انتهى من قراره، حتى وقعت عيناه على فرقة فرسان “فيليا” أثناء تأدية دورية قريبة، بزيّهم الرماديّ المرتّب الذي بدا مهيبًا بحق.
وبينما كان يراقبهم بانبهار، دوّى صوتٌ فجأة من خلفهما:
“آه، معذرة! هل أنتما من طلّاب الأكاديميّة في تدريبٍ ميداني؟”
فزع رود والتفت بحدّة، إذ لم يشعر بقدوم الرجل.
وهناك، وعلى غير ما اعتاده من الفرسان الذين يمرّون في جماعات، وقف رجلٌ بكتّافٍ يبدو مهترئًا، يحدّق فيهما بعينين لامعتين.
كان شعره الورديّ يتراقص مع الريح، ولسببٍ ما، استشعر لايل انطباعًا غريبًا يلامس ذاكرته.
التعليقات لهذا الفصل " 56"