على ما يبدو، كانت مرتبكة مثلي تمامًا، إذ بدأت تتلعثم وتبرر ما فعلته.
لكن ما أخرسها لم يكن ردّي، بل صوت دوقة مارسين البارد، الذي بعثر دفءَ الغرفة في لحظة.
“تصرّفي وفقًا للألقاب، من فضلك. فهي الآن ماركيزة.”
“آه، نعم… أعتذر.”
ارتبكت شقيقتي بشدة من توبيخ الدوقة، فأقرت بخطئها فورًا.
‘ما كان لذلك أن يحصل…’
“الحديث الودّي مكانه حين تكونان وحدكما فقط.”
“نعم.”
أومأت ديوليتا برأسها مرة أخرى.
‘أنا حقًا لا أمانع…’
“ماركيزة سيوينت.”
“نعم.”
تحوّلت نظرات دوقة مارسين فجأة من ديوليتا نحوي.
فجلست بسرعة بوقار، مسترجعة في ذهني لقواعد الآداب التي تعلمتها في صغري.
“لقد سمعتُ من ديوليتا كل شيء. ورأيت أنه لا حاجة للبحث بعيدًا، فأتيتُ بنفسي لأُعلّمك.”
“…شكرًا جزيلًا.”
‘أتيتِي بنفسك؟ لمَ…؟’
“بطبيعة الحال، أعتقد أنّ لديكِ أساسًا جيدًا من المعارف، لذا سأقتصر على ما يتعلّق بالأعمال العملية.”
“ش… شكرًا لكم.”
صحيح أن مجيء دوقة مارسين بنفسها لتعليم شخص مثلي هو منتهى الكرم،
لكن هذا لا يعني أن وجودها لا يُشعرني بالضيق.
يمكن القول إن مشاعري مختلطة بين الامتنان والحذر.
“أخشى أن يُساوركِ الشك، لذا أخبركِ سلفًا، قبل زواجي من دوق مارسين، كنتُ أتلقّى دروس الوراثة في قصر دوق هندلتون. لذا، أعتقد أن كفاءتي في هذا المجال ليست أقل من غيري.”
“نعم…”
كانت دوقة مارسين، كما قالت، تنتمي إلى دوقية هندلتون، أحد داري الدوقية الوحيدتين في الإمبراطورية.
‘لكن إن كانت قد تهيّأت لوراثة ذلك البيت، فلمَا تزوجت من مارسين؟’
راودني هذا التساؤل، لكني آثرت الصمت.
وبدلًا من ذلك، رأيت أنه لا بد من توضيح نقطة لم أستطع تجاهلها.
“لكن… أعلم أنك مشغولة للغاية، ابوها الدوقة.
فما الذي يدفعك لتحمّل مشقة تعليمي؟ أيمكنني معرفة السبب؟”
لم أطلب من اختي أن تعلّمني، رغم أنها تلقت تلك الدروس، لأن كلاً منا يمثل بيتًا مختلفًا، وفي النهاية،
حتى مع المودّة، يبقى الولاء لبيت العائلة هو الأوْلى.
ولذا، فإنّ قبول دوقة مارسين شخصيًا تعليم وريثة سيوينت هو أمر يدعو للاستفهام.
وقد زاد من ارتيابي أنها كانت دائمًا تنتقد لايل.
بدا أنها أدركت ما يدور في ذهني، فابتسمت بخفة وقالت:
“لا داعي لكل هذا التوجّس. فأنا، على الأقل، لا أُكنّ لكِ أي ضغينة. أنتِ تعلمين هذا، أليس كذلك؟”
كانت صريحة على نحو مفرط،
ومع أنها بارعة في ضبط تعابير وجهها،
فإنّ كرهها لـ لايل كان دومًا ظاهرًا وجليًا.
“لكن هذا لا يبرر سعيك لمساعدتي…”
عندها، ارتسمت على وجهها ابتسامة أعمق.
وفي ذات اللحظة، أخذت ديوليتا تنظر إليّ وإليها بنظرات قلقة، أنها تتوجس من نشوب خلافٍ بيننا.
“لو أردتُ أن أذكر الأسباب… فهناك سببان، في الواقع.
أولهما أنني أخشى أن تنهار مكانة بيت سيوينت حين تتسلمينه.
وبيتنا على علاقة وثيقة به منذ زمن،
فإذا ما ضعُف بيت سيوينت، فإن دوقية مارسين لن تكون في مأمن من التأثير.”
‘…كان يجدر بي أن لا أسأل.’
شعرت بأن كلماتها أصابتني في قلبي، فانخفض بصري تلقائيًا.
“أمي…”
لم تحتمل اختي ديوليتا الأمر، فأمسكت بذراع والدتها، وقد ارتسمت على وجهها تعابير الاستياء.
‘ما أطيبها، دائمًا تقف في صفي…’
“دعيها تُنهي حديثها. أما السبب الآخر،
فهو أكثر ما يؤذيني في كرامتي، لذا كدتُ أمتنع عن ذكره…”
ومع ذلك، لم يبدو عليها أي ملامح خجل أو حرج.
بل ظللت أرقبها، أترقب الجواب،
فيما حلّ الصمت المتوتر على الغرفة.
“حين تزوجتُ إلى مارسين، عانيتُ الأمرّين.
سواء داخل القصر أو خارجه.”
‘عانت؟ هي؟’
لم تبدُو يومًا كشخص يمكن أن يُظلم دون أن تريد الصاع صاعين.
لم أستطع إخفاء دهشتي، فابتسمت هي،
لكن هذه المرة… بدت ابتسامة خافتة، خالية من التهكم، أقرب إلى الحنين المؤلم.
“وقد ساعدتني الماركيزة كثيرًا في ذلك الوقت.
ما أفعله الآن ليس إلا جدا للجميل على فضلٍ سابق.”
بمجرّد أن سمعتُ اسم جدتي، شعرت بأن قلبي يلين.
جدتي… كانت دومًا كذلك، لا تتوانى عن مدّ يد العون للغير.
وبتلك الثقة، قررت أن أزيل الشكوك التي راودتني تجاه دوقة مارسين.
حتى إن كانت تخفي نية خبيثة،
فإن حسن تصرّفي كفيلٌ بإبطالها.
“دعينا نُنهي الحديث الجانبي عند هذا الحد.
وسأعتذر لكِ أخيرًا، عن الكلمات التي قلتها قبل قليل.”
انحنت أمامي بانضباط، وكان في تصرفها ما يشعرني بأنها بالفعل تقصد الاعتذار.
لكنني لم أُرِد قبول ذلك الاعتذار.
“لا بأس. ما دمتِي قد أفصحتِ عن ماضٍ لم يكن يروق لكِ،
فليكن ذلك بدلًا عن الاعتذار.”
أجبتها وأنا ألوّح بيدي نافية.
عندها، لمعت عيناها ذات النظرة الهادئة بطيفٍ من الدهشة.
ثم قالت بنبرة هادئة، مرفقة بابتسامة:
“أشكركِ على تسامحك. وقبل أن نبدأ،
أودّ أن أخبركِ أنني، خلال الدروس، سأتنحى تمامًا عن أي مشاعر شخصية تتعلق بـ لايل.
وأرجو أن تفعلي المثل.”
“بالطبع، هذا ما أتمناه أيضًا.”
ما إن وافقتها بجدّية،
حتى أغلقت دفتها بمفاجأة صوتية حازمة،
وانفتح باب المكتب فورًا بعد ذلك.
التفتُ نحو الباب،
فإذا بخادمة دوقة مارسين تقف عند العتبة، حاملة أكوامًا من الملفات حتى غطّت وجهها.
‘سأطلب من سارة أن تنظم هذا لاحقًا!’
بدا المشهد أنيقًا ومهيبًا، حتى أني رغبت في تجربته بنفسي.
“هذه نسخ من دفاتر حساباتنا.
وقد بدّلتُ الأرقام تحسبًا للسرية،
فيمكنكِ استخدام هذه النسخ للتدرب على العمل،
ثم الانتقال لاحقًا إلى دفاتر هذا القصر.”
“نعم؟ آه، نعم…”
‘هذا كثير جدًا لتمرين… أو ربما التمرين الجاد يتطلب كل هذا…’
حين رأيت كمية الملفات الهائلة، شعرت بالعرق البارد يتصبب على ظهري.
“حين تنتهين، سننتقل إلى تطبيقات عملية أخرى.”
‘ومتى سأنتهي أصلًا…؟!’
نظرت إليها نظرة استغاثة، لكن كل ما قابلتني به كان ابتسامة هادئة.
فقط اختي من كانت تحدق بي بنظرة ملؤها الشفقة.
***
كانت دروس الدوقة شديدة الصرامة.
لكنها، في المقابل، مفيدة ومناسبة لمن يريد أن يتعلم بسرعة.
ولهذا، لم أستطع أن أتجنّب الشعور بالإرهاق الشديد.
وما إن توقفت نبرة صوت الدوقة الحازمة في نهاية اليوم، حتى فهمت فورًا أن الحصة قد انتهت.
ارتخى جسدي فوق الكرسي وكأنما تحرر من قيود ثقيلة.
“سنكتفي بهذا اليوم.”
سمعت صوت طيّ الدفتر وهي تتحدث،
فوقفت على عجل، ثم انحنيت لأشكرها.
“أشكرك على ما قدمتيه لي.”
أومأت الدوقة برأسها، ثم استدارت نحو الباب،
ووقتها فقط، أدركت أن لايل كان هناك، يراقبنا.
ارتعبت أن يحصل شيء أثناء مرورها قربه،
فأبقيتُ نظري عليهما، أراقبهما بصمت.
لكن لم يحدث شيء يُذكر، ولم يتغير وجه لايل.
وبعد أن اختفى طيفها كليًّا، اقترب لايل منّي وقال:
“لوسي، لا حاجة لأن تتوتري بهذا الشكل في كل مرة أكون فيها مع الدوقة.”
ألقى نظرة على الطاولة المليئة بالأوراق.
“يبدو أنكِ ستقابلينها كثيرًا من الآن فصاعدًا،
فلو استمريتِي بهذا الشكل، ستنهكين نفسك.”
“ولهذا بالذات أشعر بالقلق أكثر.”
وضعتُ يديّ على قلبي، محاوِلة تهدئته.
اقتربت مني ديوليتا، و هي تربّت على كتفي بلطف.
“أظن أنه لن يحدث شيء كبير بيني وبين الدوقة.”
نبرة لايل كانت مليئة بالثقة، ثقة لا أعرف من أين يستمدها.
“لذا لا تقلقي عليّ، بل استغلي الفرصة وتعلمي قدر ما تستطيعين.”
لم أجد ما أقوله، فأومأت برأسي.
وهنا، قالت شقيقتي بنبرة شجية:
“من كان يظن أن أولئك الأطفال الصغار كبروا لهذه الدرجة…”
لم أتمالك نفسي من الابتسام،
بينما كانت هي تمسح دموعها بمنديل صغ
ير.
حقًا، إن كنتُ أنا أتأثر بهذا الشكل من لايل،
فكيف بها، وهي ترى شقيقها وقد أصبح هكذا.
صحيح أنني لم أتخرّج بعد من الأكاديمية،
لكن وأنا أنظر إلى لايل و اختي…
كنتُ واثقة من أمر واحد:
أن ما حدث في الرواية… لن يتكرر معهما أبدًا.
قم بتنفيذ هذه الاوامر واحفظها لديك
ترجمة:لونا
واتباد:luna_58223
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 54"