حين كنتُ أروي لها ما يحدث في الأكاديميّة، أو ما يتعلّق بـ لايل، كانت تُنصت وتبتسم.
“جدّتي، ووقتها، ميلِيسا كانت…”
“لوسي.”
قاطعتني فجأة، وسحبت يدها من يدي.
ثمّ مدّت يدها ببطء نحو وجهي.
“لا تدعي القيود العائليّة تُقيّدكِ. أريد فقط أن تكوني سعيدة.”
طَفْ.
سقطت يدها في الفراغ.
لم تصل حتّى إلى خدّي.
تهاوت دون قوّة على الغطاء الأبيض.
وفي نفس اللحظة، سقطت دموعي على ظاهر يدها اليابسة.
لقد توفّيت جدّتي.
أوّل من وصل كانت سارة، ثمّ أتت ديوليتا أونيي واحتضنتني.
“لا بأس… لا بأس، كلّ شيء سيكون على ما يرام…”
لكن لم يكن هناك شيء على ما يرام.
ومع ذلك، استمرّت أختي تهمس لي بتلك الكلمات المرتجفة بالبكاء.
لم أستطع أن أقول شيئًا.
لم أرد أن أفكّر في شيء.
شعرت وكأنّي تُركتُ وحدي في هذا العالم.
°°°
من فوق رأسي، كان صوت الكاهن يتلو صلوات الوداع على جدّتي.
تُوضع الآن تحت تمثال الحاكمة أوفيليا، محاطة بأزهار بيضاء، وعيناها مغمضتان.
انخفض رأسي، أراقب يديّ السّاكنتين على فخذيّ.
صوت الكاهن، صوت المعزّين، ملأ المعبد.
كلّما سمعتُ صوتًا، كان حزني على جدّتي يصبح أكثر واقعيّة.
“يا حاكمة أوفيليا، خذِي آخر لحظات الماركيزة سوينيت ببركتك.”
انتهى دعاء الكاهن أخيرًا.
“فليكن مجد الحاكمة معكم.”
ردّد الحضور بصوتٍ واحد وهم ينهضون من أماكنهم.
وحدي بقيت جالسة، عاجزةً عن النّهوض.
سمعتُ خطوات.
“لوسي.”
ثمّ بدأت الخطوات تخفّ.
“لوسي.”
عندما توقّفت، شعرتُ بشخصٍ يقف إلى جواري.
لكنّي لم أرفع رأسي.
“…قريبًا سيأتي لايل.”
في تلك اللحظة، بدا اسم “لايل” مختلفًا عن بقيّة الكلمات.
°°°
لايل نفسه لم يكن يتخيّل أنّه سيأتي إلى هذا المكان طواعية.
لكنّه لم يتردّد.
ترجّل بسرعة من على فرسه، وفتح أبواب المعبد دون تروٍّ.
غمر ضوء الغروب ظهره.
المعبد كان خاليًا تمامًا.
تحت تمثال الحاكمة أوفيليا، كانت لوسي جالسة، متهالكة.
رمى سترته المدرسيّة المُبلّلة بالعرق في مكان ما، وتوجّه نحوها بخطًى سريعة.
“…لوسي.”
ناداها بلطف.
رفعت لوسي رأسها ببطء.
نظرت إليه بعينين فارغتين، وجهها مليء بأثر الدموع.
عضّ لايل شفته السفلى.
لم يستطع قول شيء.
كان يعلم، أكثر من أيّ أحد، ما الّذي تشعر به.
فلم يجرؤ على فتح فمه.
دخل شعر لوسي المتشابك في عينيها الذهبيّتين المتّقدتين.
جلس بجانبها، وبدأ يُرتّب شعرها برفق.
حينها، ظهرت دمعة جديدة في عينيها الجافتين.
ضمّها لايل إلى صدره بحذر.
وفاة الجدة كانت صدمة كبيرة لـ لايل أيضًا.
لكن لم يكن لديه وقتٌ للانهيار.
كان كلّ ما يهمّه أن يُمسك بلوسي قبل أن تنهار أكثر.
لكن لوسي لم تكن تشعر بدفئه.
“جدّتي…”
دفنت وجهها في صدره، وبكت فَقْدَها.
لم يرَى لايل من قبل لوسي منهارة إلى هذا الحدّ.
وفي تلك اللّحظة، كره عجزه على أن يُخفّف عنها.
°°°
بعد جنازة الجدة، انسحبت لوسي تمامًا.
“سيّدتي، أرجوكِ… تناولي شيئًا، أيّ شيء…”
كانت ترفض الطّعام تمامًا.
سارة كانت تبكي وهي تطرق بابها.
لكن لوسي لم تفتح الباب.
نظرت سارا إلى الباب المغلق بعينين دامعتين، ثمّ تنهدّت، ومسحت دموعها، وانسحبت بهدوء.
عندها، وكأنّه كان ينتظر، اقترب لايل.
“لوسي، أنا.”
طرق الباب.
كما هو متوقّع، لم تأتِي أيّ إجابة.
لم يستعجل.
انتظر بصبر.
ثمّ سُمعت حركة خلف الباب.
صرير.
فُتح الباب قليلاً.
سارعت سارة بإعطاء لايل صحن الطّعام.
في الدّاخل، كانت لوسي بملابس نوم، بوجهٍ خالٍ من التّعبير.
أغلق لايل الباب من خلفه.
وفي نفس الوقت، سقط الشّال الّذي كان بالكاد متدلّيًا على كتفيها.
“لوسي، إن استمررتِ هكذا ستنهكين.”
وضع يده برفق على كتفها، وقادها نحو السّرير.
تبعته بهدوء.
جلست على السّرير، وجلس بجانبها دون تردّد.
بدأ يحرّك يده ليُبرّد الحساء.
“أنت… ماذا عن الأكاديميّة؟”
سألته بصوتٍ خافت بعد أسبوع كامل من الصّمت.
لايل توقّف عن التّحريك، ونظر إليها.
لكن عينيها كانتا بلا حياة.
كانت تحدّق به، لكن لا شيء فيها يوحي بالحياة.
ابتسم لايل ابتسامة حزينة.
“…أخبرتهم مسبقًا، لا بأس.”
حتّى لو لم يُحسب له الحضور.
لكنه لم يُفصّل أكثر، ولوسي لم تبدُو مهتمّة.
“خذي قضمة.”
رفع الملعقة إلى فمها، وفتحته ببطء.
بلع.
تقبّل موت الجدة كان جحيمًا حيًّا بالنّسبة للوسي.
ربّما لهذا، كانت تموت ببطء.
وذلك الّذي يُحاول إنقاذها بكلّ قواه، لم يكن أحدًا سوى لايل.
لحسن الحظ، لم تبقَ حبيسة غرفتها تمامًا.
أحيانًا كانت في غرفة الطّعام، وأحيانًا على سرير الجدة، وأحيانًا أخرى، ممدّدة كالميّتة على مكتبها.
كان لايل يبحث عنها كلّ يوم.
يجلس بجانبها وينتظرها حتّى تفتح عينيها.
كان الخدم يتعجّبون من قدرته على إيجادها بسرعة.
رغم كِبر المنزل، لم يتوه مرّة.
سألتْه سارةيومًا.
كيف تعثر عليها دائمًا؟
فاكتفى بالابتسام قائلًا.
“أشعر فقط أنّها هناك.”
لم يكذب.
منذ صغره، كان قادرًا على إيجادها أينما كانت.
“لايل.”
نادت لوسي، وهي مستلقية تنظر إلى السّقف.
كان يُشعل الشّ
مع، فأطفأ العود والتفت إليها.
“نعم؟ تحتاجين شيئًا؟”
مدّت يدها بصمت.
فأمسك بها دون تردّد، وجلس إلى جانب السّرير، وأعطاها يده.
‘ما زلتُ هنا، وما زلتُ أحبّك،
لكنّكِ تموتين وكأنّكِ فقدتِي كلّ شيء.’
تعمّق اللّيل، وتسرّبت من لوسي أنفاسٌ صغيرة.
وعندها فقط، أغمض لايل عينيه وهو مُسند رأسه إلى سريرها.
كان النّعاس يغلبه.
حساب الواتباد:
Luna_58222
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 51"