طوال العطلة، وبينما كنتُ قلقةً على لايل، تمكنتُ من حفظ أسماء معظم النبلاء.
كثرة الأسماء أربكت ذهني، لكنني، من فرط الجهد، لن أنساها أبدًا.
لحسن الحظ، يدرس معظم النبلاء في الأكاديمية، مما سيجبرني على مراجعة الأسماء دون قصد.
على أي حال، ما إن عدتُ إلى الأكاديمية حتى توجهتُ مباشرةً إلى مكتب المعلمين، وجهي يشع ثقةً وحماسًا.
لكن ما استقبلني كان وجه الأستاذ بنديك المحرج وأخبارٌ غير سارة.
“تلقينا خبرًا يفيد أن لايل لن يعود قبل نهاية هذا الفصل. أمم هذا، يعني أنكِ ستصبحين في السنة الثانية قبل عودته.”
“…….”
لم يكن بحاجة الى هذا التوضيح الإضافي، فقد فهمتُ جيدًا. لكن قبول الأمر شيءٌ آخر.
تجمدتُ أمام الأستاذ بنديك مشدوهةً، كما لو كنتُ لا أزال واقفةً وحيدةً في مكان رحيل لايل، عيناي شاخصتان في فراغ.
“أعلم أنكِ مصدومة، لكن نظرتكِ محرجة، فهل يمكنكِ المغادرة الآن…؟”
“أستاذ… ألم يرسل لايل أي رسائل…؟”
“الآن أشعر بالذنب حقًا. لا، لا يوجد شيء.”
تحدث الأستاذ بتعبيرٍ خالٍ من الندم. ثم فتح درجًا وأخرج رسالة.
“هذه رسالة من المدرب هاميل. قد لا تكون مواساةً كبيرة، لكن عدد الوحوش في المملكة التي ذهبوا لدعمها أكبر مما توقعوا، لذا تم تمديد المهمة. لا داعي للقلق كثيرًا…”
‘قال إنه قد يموت، فكيف لا أقلق…؟’
عندما رأى الأستاذ بنديك تعبيري المضطرب، ارتبك وخفّض صوته.
ثم فتح رسالة المدرب هاميل وأراها لي لأقرأها.
“كانوا ينوون إعادة لايل على الأقل، لكنه يبدو مفيدًا جدًا، لذا قرروا أن يحل العمل الميداني محل دروس الفصل الثاني. من الناحية القانونية، لا يُسمح بإظهار هذا، لكنني أخبرتكِ استثناءً، فلا تبكي في مكتب المعلمين، أرجوكِ.”
“لن أبكي…”
لم تُذرف دموعي بعد، لذا لا يُعتبر بكاءً.
نظر إليّ الأستاذ بعينين متعجبتين، لكنني لم أبالِ واستدرتُ لأغادر مكتب المعلمين.
بخطواتٍ متثاقلة، اتجهتُ إلى قاعة الدرس الأول في الفصل الثاني وفتحتُ الباب.
“لوسي، هل قضيتِ عطلةً ممتعة؟”
لم تكن ميليسا موجودة، مما يعني أنها لا تدرس هذا الدرس. بدلًا منها، رحّبت بي كارين التي كانت هناك بالفعل.
“مرحبًا، كارين. وأنتِ، هل قضيتِ عطلةً ممتعة؟”
حاولتُ، بصوتٍ مشرق قدر الإمكان، التخلص من تعبيري الكئيب، لكنني لم أستطع ادعاء قضاء عطلةٍ سعيدة حتى كذبًا.
“بالطبع، بل أكثر من ممتعة! في الحقيقة، سافرتُ خلال العطلة مع والدي إلى المملكة المجاورة.”
بدأت كارين تروي قصتها بجديةٍ مصطنعة.
كلامها عن السفر إلى المملكة المجاورة أثار فضولي.
“لكن أثناء التنقل، هاجمنا وحشٌ يشبه السنجاب!”
“و، وحش؟”
من شدة المفاجأة، تلعثمتُ في كلامي.
“أجل، كان مظهره لطيفًا جدًا، لكنه فجأة بدأ يقضم العربة، فكم كنتُ مصدومة…”
‘قضيتِ عطلةً ممتعة…؟ واجهتِ وحشًا وتسمينها ممتعة…؟’
“لهذا لم يأخذني والداي معهما من قبل. لكنها كانت تجربةً رائعة. شاهدتُ أيضًا كيف يهزم الفارس الوحش.”
دهشتُ من جرأة كارين لحظةً، لكن فجأة تذكرتُ لايل الذي ذهب لقتال تلك الوحوش، فشعرتُ وكأن حجرًا ثقيلًا استقر في صدري.
‘لايل… هل أنت بخير…؟’
***
بعد حديث كارين، ازداد قلقي على لايل أكثر من العطلة.
‘يتعين عليه مواجهة هذه الوحوش…’
جلستُ في ركن المكتبة، محدقةً في صفحةٍ تُظهر رسمًا لوحش.
‘عليه قتال هذه الأشياء؟ تبدو وكأن السيف لن يخترقها…’
يقولون إن الشباب أكثر شجاعة.
هل لأنه في الثامنة عشرة يستطيع الانقضاض وسط هذه الوحوش، أم أنه يكبر دون خوف؟
فجأة، شعرتُ بما يحس به الشخصيات الثانوية في الروايات، قلقين على بطلٍ يندفع إلى قلب المعركة.
كنتُ أودّ صفع نفسي السابقة التي كانت تفكر: ‘لماذا يقلقون عليه وهو أقوى منهم؟’
‘يا إلهي، لا أعلم كم مرةً دعوت، لكن أرجوك ساعد صديقي ليعود سالمًا.’
أمسكتُ يديّ بقوة وبدأتُ ادعو فجأة. حتى في قصر سويينت، كنتُ ادعو كلما سنحت الفرصة، أثناء الطعام أو الحديث مع جدتي.
أنا، التي لم أكن متدينةً قط، أصلي لـلإله من أجل صديقٍ يحمل قوة شيطانية.
“صراحة، إنه قلبه طيب… لا يزال نقيًا… وسأفعل كل ما بوسعي ليظل هكذا…”
كنتُ أعلم أن هذا تناقض، لكنني قررتُ أن أكون وقحةً من أجل رغبتي.
‘حتى قوته الشيطانية… لم يختر هو امتلاكها…’
شعرتُ بوخز الضمير، فأضفتُ عذرًا خجولًا.
‘لماذا ارتبطتَ بتلك القوة المظلمة، فأجد نفسي ادعو بحذر من أجلك، يا لايل…؟’
في منتصف الدعاء، شعرتُ بالغضب فجأة.
“لوسي.”
شددتُ قبضتي وعيناي المغمضتان، مستمرةً في الصلاة.
“همم، لوسي…؟”
بينما أجمع كل إيماني الضئيل للدعاء، استمر أحدهم في مناداتي.
‘من هذا؟ أنا مشغولة!’
فتحتُ عينيّ بسرعة ونظرتُ جانبًا، فارتجف فابون مفزوعًا.
‘آه، فابون…؟’
“آسف، كنتِ تدعين… حاولتُ الانتظار حتى تنتهي، لكن لم تظهري علامات توقف…”
“…….”
‘هل دعوت طويلًا؟’
نظرتُ إلى ساعة الحائط، فكانت قد مرت حوالي ثلاثون دقيقة.
‘دعوت طويلًا فعلًا.’
“جئتُ لسماع ردكِ.”
قال فابون وهو يحرك أصابعه بعصبية.
تذكرتُ حينها أنه اعترف لي قبل العطلة، وطلب ردي مع بداية الفصل الثاني.
‘كنتُ مشغولةً بالقلق على لايل فنسيت…’
نهضتُ مترددةً وواجهته. تحركت حنجرته، وأصابعه ارتعشت من التوتر.
“لنخرج أولًا…”
بما أن هذا ليس حديثًا يُجرى وسط المكتبة،
اقترحتُ الخروج.
أومأ فابون موافقًا، ويبدو أنه فكّر بالمثل.
خرجنا بسرعة من المكتبة، وتفقدتُ المكان.
لحسن الحظ، كان الممر خاليًا، فقد عاد الجميع إلى السكن.
“…….”
“…….”
من الواضح أن عليّ فتح الحديث أولًا، فقد حسمتُ ردي مسبقًا.
حقيقة أنني لم أفكر في طلب فابون بالتأمل خلال العطلة تُظهر أنني لستُ جاهزةً للارتباط.
“آسفة، أظن أن الارتباط مبكرٌ عليّ الآن.”
ما إن رفضته حتى تراخى وجه فابون. ثم هزّ رأسه محاولًا إخفاء تعبيره.
“لا، ليس عليكِ الاعتذار… شكرًا لردكِ. وأنا آسف لإلحاحي.”
ابتسم بمرارة.
يبدو أنه، على الأقل، مدركٌ أن اعترافه كان متسرعًا بعض الشيء.
“هل يمكنني سؤالكِ شيئًا أخيرًا؟”
بينما كنتُ أفكر في المغادرة، سمعتُ صوته.
“نعم؟ ما هو؟”
“هل تحبين السينباي لايل؟”
جاءني سؤالٌ غير متوقع.
سُئلتُ كثيرًا إن كنتُ أواعد لايل، لكن أن أحبه؟ هذه المرة الأولى.
كدتُ أنفي مباشرةً، لكنني أغلقتُ فمي دون وعي.
‘أحب لايل؟’
لو كان يقصد المودة البسيطة، لكنتُ أومأتُ دون تردد.
“…….”
لكن الحب ليس كذلك، أليس كذلك؟
أن يدق قلبكِ بلا توقف عندما تكونان معًا، أن تشعري بالخفقان برؤيته، وتشتاقي إليه عند غيابه.
تلك المشاعر المعقدة هي ما يُسمى حبًا، أليس كذلك؟
“أحبه، لكن كصديق.”
ولو كان يقصد الحب العميق الذي يُعمي كما في القصة الأصلية، حيث يُسبب لايل الأذى للآخرين، فلن أهزّ رأسي إلا نفيًا.
ما إن حسمتُ الأمر، تذكرتُ فجأة يومًا مشينا فيه معًا تحت مظلة.
شعرتُ بانزعاجٍ غامض في صدري
***
هل بسبب قلقي على لايل، أم بسبب سؤال فابون الغريب؟
منذ اليوم الأول للفصل، لم أكن في مزاجٍ جيد.
استلقيتُ على السرير وأغمضتُ عينيّ لأطرد الأفكار بالنوم، لكن شعورًا مزعجًا ظل يؤرقني حتى وأنا أغفو.
عندما فتحتُ عينيّ مجددًا، كان أول ما رأيته باب قصر الدوق مارسين.
‘حلمٌ آخر؟’
شابه حلمًا سابقًا. لم أتوقع أن أرى حلمًا غريبًا كهذا مجددًا.
مرةٌ واحدة قد تكون مصادفة، لكن مرتين… لا، ربما مرتان لا بأس بهما.
لا أعلم ما الذي لا بأس به، لكنني كررتُ في ذهني أن الأمر بخير لأهدئ قلقي.
‘هل عليّ الدخول؟’
كان الباب بوضوح يخص قصر الدوق، لكن المنطقة المحيطة به كانت مغطاةً بالظلام.
‘أم أقاوم ولا أدخل؟’
حدّقتُ في الباب بحزم، كأنني أتحداه لأرى من سيفوز.
‘ماذا؟’
يبدو أن الفائز كان محددًا من البداية، إذ فُتح الباب تلقائيًا.
انسكب ضوءٌ ساطع، لكنه، بأعجوبة، لم يُعمِ عينيّ. حدّقتُ داخل الغرفة دون أن أرمش.
“لوسي، لا يجب أن تخبري أحدًا… إنه سر…”
تسلل صوتٌ مألوف إلى أذنيّ. ما رأيته كان ذكرى لا تُنسى وجزءًا من كابوس.
رفع لايل ساقه ليُريني وشم أفعى أصغر بكثير مما هو عليه الآن، للطفلة أنا.
ثم خرج صوتٌ باردٌ بشكلٍ لا يُصدق من الطفلة التي هي أنا.
“هل تعتقد أن صغر سنك يُبرر كل تصرفاتك الطائشة؟”
في الماضي، ما إن رأيتُ وشم لايل حتى أدركتُ أنني في عالم الرواية وهربتُ مسرعةً.
لكن الطفلة أنا أمامي كانت مختلفة.
“ولماذا تُريني هذا أصلًا؟”
بدت غاضبةً أكثر من مجرد منزعجة. كما في الماضي، كانت أنا في الحلم متعجرفة.
‘لا، هذا ليس تعجرفًا، بل وقاحة!’
رغم أنها لستُ أنا، شعرتُ بالضيق وأنا أرى وجهي يتصرف هكذا.
“أردتُ فقط أن نصبح أصدقاء… أختي قالت إن علي الاقتراب من الشخص الذي تريد صداقته…”
حتى لو كان كذلك، فإظهار وشمٍ ليس اقترابًا مبالغًا فيه؟
كنتُ غاضبةً قليلًا من لايل لأنه غادر خارج الإمبراطورية دون استشارتي، لكنني عندما رأيتُ وجهه الصغير المضطرب، أردتُ مواساته على الفور.
“لم تُره لأختك الطيبة المفرطة، أليس كذلك؟”
فجأة، أمسكت الطفلة أنا بياقة لايل وجذبته.
حاولتُ، مذعورةً، فصلها عنه، لكن يديّ لم تُمسك شيئًا.
“لا، لم أُره لها…”
انفجر لايل بالبكاء، يهز رأسه بسرعة، ودموعه تتساقط تحت ذقنه.
‘يبكي! الطفل يبكي!’
“اسمع جيدًا. الأسرار لها أسبابها. إذا كُشفت بسبب ثرثرتك، هل ستتحمل المسؤولية؟”
بعد هذا، ألقت الطفلة أنا لايل كأنها تتخلص منه.
رؤيته يسقط على الأرض جعلت قلبي يخفق بقوة، عاجزةً عن التنفس.
“من بين كل الناس، لماذا هذا الطفل…”
تنهدت الطفلة أنا، تمسح وجهها، وكأن شيئًا يزعجها بعمق.
لكنني أيضًا لم أرتح لتصرفاتها.
وقفتُ أمام لايل الجالس على الأرض، محدقةً بها بغضب.
انتهى الحلم هنا.
لكن هذه المرة، استمر تأثيره لوقتٍ أطول.
جذب ياقة طفلٍ ليس مقبولًا على أي حال…
ترجمة:لونا
التعليقات لهذا الفصل " 44"